أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الرضا المادح - تكافل ...!














المزيد.....

تكافل ...!


عبد الرضا المادح
قاص وكاتب - ماجستير تكنلوجيا المكائن


الحوار المتمدن-العدد: 7214 - 2022 / 4 / 9 - 23:43
المحور: الادب والفن
    


تحت جنح الظلام المشوَش ، بخيوط ضوء تأتي من بعيد باهتة ، ترسم ظلالها المتكسر على جدار متهالك ، تسلق بصمت الى داخل باحة الدار، تلفت ذات اليمين وذات الشمال ، لم يرى إلا اشباح اشياء لم تثر اهتمامه ، تحرك بحذر واقترب من باب غرفة غير موصد باحكام ، وضع اذنه على حافة الباب محاولاً إلتقاط صوت تنفس أو شخير، إطمأن ودفع الباب بهدوء ، أنهال عليه ظلام المكان ، اغلق الباب واشعل مصباحه اليدوي ، إنكشف أمامه مشهد مُحبط ، فلم يجد سوى اواني معدنية قديمة صدِئة ، وحطاماً من اواني فخارية وزجاجية وخرق قماش بالية متناثرة على ارضية الغرفة ، مطّ رقبته من خلال الباب ليتأكد من خلوّ باحة الدار، ارتعب وتسمر في مكانه فقد لاحظ انبعاث ضوء من شق باب غرفة اخرى ، بقي يراقب لدقائق عديدة ، لم يسمع صوت حركة ، اقترب بخطوات قط متأهب للأنقضاض على فريسته أو الهرب ، تلصص من خلال الفتحة الضيقة فوقع بصره على مشهد اثار حزنه ، امرأة طاعنة في السن تتدلى قدميها النحيفتين من حافة سرير متهالك ، مدت يدها المرتجفة لتناول قدح الماء من على طاولة صغيرة امامها ، انقلب القدح وانسكب ما تبقى فيه من الماء ، ثم تهاوى جسدها الهزيل على الارض ، اعتصر المشهد قلبه ودون اكتراث لأفتضاح أمره ، اسرع إليها :
- السلام عليك يا حاجّة .
رفعها بين يديه ليعيدها الى سريرها .
-- بصوت مكتوم ومرعوب وهي ترتعش كالسعفة اجابت : مـ...من أنت ؟ حمامي ؟
لشدة خوفها وارتباكها خانها التعبير فكررت : حـ... حـرامي !
ناولها كأس الماء : تفضلي يا حاجّة اشربي واهدأي ولا تخافي مني .
رشفت جرعة ماء ازاحت قليلا من خوفها : لم تقل لي من أنت وكيف دخلت بيتي ؟!
ركزت عينيها الغائرتين في محجريهما في وجه الغريب عسى أن تتعرف عليه !
- اعذريني فقد جأت ابحث عن ما اسد به جوع اطفالي الخمسة وزوجتي المريضة !
لمع الحنان في قلبها كقطعة ذهب من الزمن الماضي ، ومرّ مشهد اطفالها سريعا على شاشة الذاكرة التي فزت من سباتها العميق ، فرأت كيف كانوا يتراقصون حولها بأنتظار مائدة الطعام اللذيذ الذي كانت تُعدّه لهم كل يوم ، ارتسمت ابتسامة واهنة على تجاعيد خديها الذابلين وقالت :
-- لماذا لا تعمل لتطعم عائلتك بلقمة حلال ؟!
- فقدت العمل منذ فترة طويلة وحاولت عبثاً أن اجد عملاً جديداً !
رقّ قلبها وقالت :
-- مدّ يدك تحت السرير وناولني الصندوق الخشبي .
وضع بين يديها الصندوق الصغير ، رفعت الغطاء ودست يدها فأخرجت صرة قماش قديمة ، فتحتها لتكشف عن رزمة نقود ليست بالكبيرة وقالت :
-- تفضل فهي حلال لك لتطعم عائلتك !
اصابه الارتباك وتصبب العرق من جبينه خجلاً ، حاول أن يغير من الحديث فسألها :
- هل لديك أحد يرعاك ويطعمك ؟
-- أبنائي هاجروا الى بلدان بعيدة هرباً من الحروب ، الأصغر منهم وعائلته غرقوا في البحر وزوجي توفى منذ سنتين . التمع الضوء الحزين منكسرا على دمعة وهي تنساب في اخاديد حفرها الزمن على وجهها ، وخرجت من فمها آهة اشبه بالنحيب !
ساد الصمت في سكون الغرفة المشبع بالرطوبة ورائحة عفن الأفرشة القديمة .
- كيف اسمح لنفسي أن آخذ نقودك وأنت وحيدة بلا مورد !
-- أنا لم يبقى لي من العمر طويلاً وقليل من الطعام يكفيني ، ولا يرضى ضميري أن يبقى اطفالك بلا طعام ، واُحلفك لن تخرج إلا والنقود معك !
قبل جبينها والابتسامة تشع على وجهها وقال :
- سأقتصد بشراء الطعام لنا جميعاً لحين حصولي على عمل ، وأوعدك بأن زوجتي ستأتي لك يومياً بالطعام وتقوم بخدمتك !
سحب الغطاء فوق جسدها النحيل ودّعها وخرج .

2020.04.20



#عبد_الرضا_المادح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- گلب چلب ولا گلب خنزير !
- اليوبيل الذهبي ...!
- نُزهةٌ في رحاب (البصرة وصورة الأمس).
- گرباچوف العراق ...!
- الأنصار شمعة المؤتمر الحادي عشر !
- مُقاطعون، مُبارِكون ...!
- أنين القلب
- بيروت القيامة ...!
- النظام الداخلي ودس السم بالعسل ...!
- الأحفاد ...!
- عشتانوف والعشق الإلهي - ASHTANOV
- أبو العباس الثوري *
- همسةُ الصباح ...!
- جوعٌ سرمدي ...!
- آشتي عصي على الرثِاء ...!
- محبة ...!
- ناصر أبو الجرائد
- نجمة في سماء بامرني
- رحيل ...!
- معركة القمم ..!


المزيد.....




- كبير مخرجي RT العربية يقدم دورة تدريبية لطلاب يدرسون اللغة ا ...
- -المواسم الروسية- إلى ريو دي جانيرو
- تامر حسني.. -سوبرمان- خلال حفله في عيد الأضحى
- أديل بفستان لمصمم الزي العسكري الروسي
- في المغرب.. فنان يوثق بقايا استعمارية -منسية- بين الأراضي ال ...
- تركي آل الشيخ يعلن عن مفاجأة بين عمرو دياب ونانسي عجرم
- أدب النهايات العبري.. إسرائيل وهاجس الزوال العنيد
- -مصافحة وأحضان-.. تركي آل الشيخ يستقبل عمرو دياب في الرياض و ...
- -بيكاسو السعودية-..فنان يلفت الأنظار برسومات ذات طابع ثقافي ...
- كتبت الشاعرة العراقية (مسار الياسري) . : - حكايتُنا كأحزان ا ...


المزيد.....

- الكتابة المسرحية للأطفال بين الواقع والتجريب أعمال السيد ... / الويزة جبابلية
- تمثلات التجريب في المسرح العربي : السيد حافظ أنموذجاً / عبدالستار عبد ثابت البيضاني
- الصراع الدرامى فى مسرح السيد حافظ التجريبى مسرحية بوابة الم ... / محمد السيد عبدالعاطي دحريجة
- سأُحاولُكِ مرَّة أُخرى/ ديوان / ريتا عودة
- أنا جنونُكَ--- مجموعة قصصيّة / ريتا عودة
- صحيفة -روسيا الأدبية- تنشر بحث: -بوشكين العربي- باللغة الروس ... / شاهر أحمد نصر
- حكايات أحفادي- قصص قصيرة جدا / السيد حافظ
- غرائبية العتبات النصية في مسرواية "حتى يطمئن قلبي": السيد حا ... / مروة محمد أبواليزيد
- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الرضا المادح - تكافل ...!