أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - روز اليوسف شعبان - التطوّر المعرفيّ والإدراكيّ في رواية على بوّابة مطحنة الأعمار















المزيد.....

التطوّر المعرفيّ والإدراكيّ في رواية على بوّابة مطحنة الأعمار


روز اليوسف شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 7214 - 2022 / 4 / 9 - 15:08
المحور: الادب والفن
    


د. روز اليوسف شعبان

رواية على بوّابة مطحنة الأعمار الصادرة عام 2022 للأسير المحرّر أحمد الشويكي، الذي دخل السجون الإسرائيليّة طفلًا عمره أربعة عشر عامًا وخرج منه شابًّا ناضجًا في سن الرابعة والثلاثين. ليكون بذلك قد قضى عشرين عامًا في السجون متنقّلًا من سجن لآخر، من ظروف قاسية إلى أشدّ قساوة. خلال هذه السنوات تعلّم أحمد الكثير، اكتسب من تجاربه القاسية ما صنع منه كاتبًا روائيًّا مميّزًا.
أثارت فضولي رواية أحمد على بوابّة مطحنة الأعمار، ليس فقط لأنّها تكشف لنا عالم الأسرى في السجون الإسرائيليّة ومعاناتهم اليوميّة، فهذه أمور نتوقّعها وقد قرأنا عنها في كتب أخرى اختصّت بأدب السجون. فلقد قرأت على سبيل المثال لا الحصر، رواية السجينة لمليكة بوفقير المغربيّة وصدمتُ من الظلم والوحشيّة التي عوملت بها مليكة ووالدتها وأخوتها الذين سجنوا في قبو مظلم مدة عشرين عامًا في المغرب حتّى تمكنت من شقّ نفق والهروب واللجوء إلى فرنسا.
المذهل في كتاب أحمد، الطاقات الكبيرة من الأمل التي كان يستخرجها من نفسه ومن ظروفه القاسية ؛ رغم صغر سنّه، وتحدّيه وإرادته التي تفوق الخيال.
على أنّ أكثر ما أذهلني هو أسلوبه في الكتابة. فهو أسلوب مثير شائق، تخلّلته الفكاهة من حين لآخر، إضافة إلى تقنيّة الاسترجاع التي تعتبر من مظاهر الحداثة في كتابة الرواية. ولعلّ أكثر ما جذبني هو اتباعه في الاسترجاع الطريقة التدريجيّة في الكشف عن المعلومات باتبّاع فكرة الصناديق حيث يمثّل كل صندوق، تجربة ومرحلة حياتيّة من مراحل حياته في السجن. وقد تساءلت في نفسي هل قرأ أحمد نظرية بياجيه في المعرفة؟ أم أنّها محض صدفة؟
يقترح بياجيه أربع مراحل من التطوّر المعرفيّ : المرحلة الحسيّة، المرحلة ما قبل التنفيذيّة، التنفيذيّة الملموسة، التنفيذيّة الشكليّة المحدّدة. فإذا قارنّا بين هذه المراحل والصناديق الأربع الأولى التي فتحها أحمد لوجدنا تطابقًا مذهلًا. فالمعرفة عند بياجيه هي تراكميّة تبنى على مراحل، وكل مرحلة تثري سابقتها وتغنيها. وهذا ما نجده في صناديق أحمد، حيث نجد وصفًا لمراحل دخوله السجن حتى خروجه منها مع كم كبير من المعرفة والتجربة الغنيّة.
الصندوق الأول حوى طفولة أحمد مع سذاجتها وعفويّتها، وهي تقابل مرحلة المعرفة الحسيّة لدى بياجيه، حيث يكتسب الطفل خلال هذه المرحلة المبكِّرة من التَّطوُّرِ المعرفيِّ، من خلال التجارِب الحسيَّة واللَّعب بالأشياء. يمرُّ الأطفال خلال هذه المرحلة أيضًا بفترة نمو وتعلُّم دراماتيكيَّة. بينما يتفاعل الأطفال مع بيئتهم، يقومون باكتشافات جديدة حول كيفيَّة عمل العالم.
وفي الرواية نجد أن أحمد حين فتح الصندوق الأوّل بدأ باسترجاع مشاهد من طفولته التي تميّزت بالبساطة والعفويّة والمعرفة البسيطة. تخاطبه طفولته من داخل الصندوق سائلةً:" هل تذكر البساطة والعفويّة التي كنت تحيا؟" وهنا يبدأ أحمد باسترجاع مشهد ركوبه على الدرّاجة مع صديقه، حين أوقفهما جنود إسرائيليون وقاموا باستبدال قطعة قماش ملوّنة كانت معلّقة على الدرّاجة بقطعة أخرى بقيت معلّقة عليها حتى اهترأت؛ دون أن يدرك أحمد الفرق بين القطعتين. يقول أحمد:" يبدو أنّ السذاجة لم تكن فينا نحن فقط، بل وبمن أشرف على تربيتنا. أقسم أنّني لم أعرف ما هذا الشيء الذي علّقه الجنود على الدرّاجة ولا رمزيّته، إلّا بعد انطلاق انتفاضة الأقصى، فالأوّل علم فلسطين والثاني علم إسرائيل.(ص15).
الصندوق الثاني وجود أحمد في المستشفى بعد إصابته بثلاث عيارات ناريّة في يده، وذلك على إثر تجربته الأولى في الاشتراك بتوجيه ضربة للجنود الإسرائيليّين بعد أحداث مجزرة الأقصى عام 2000، فبعد أن هرب الرفاق المشتركين معه، بقي هو وصديقه بسذاجة الأطفال يتسكّعون في الطريق الأمر الذي أدّى إلى مقتل صديقه وإصابة أحمد في يده وكان عمره آنذاك أربعة عشر عامًا. يقول أحمد:" نفّذنا ضربتنا النهائيّة، بعدها لاذ الجميع بالفرار، أمّا أنا وصديقي فظللنا متسكّعين نمشي على مهل، فالحقيقة أنّنا لا زلنا ننطلق بعقول أشبال، ألا تعلمون أنّ صغار الأسود تمضي حياتها وتتدرّب وتلهو حتّى تكبر وتصبح قادرة على الصيد؟( ص 23). يقابل ذلك عند بياجيه بداية التعلّم المعرفي البسيط جدًّا وبدء التجربة. فالأطفال في هذه المرحلة لا يزالون يواجهون صعوبة في فهم المنطِّق وأخذ وجهة نظر من الآخرين.
الصندوق الثالث: دخول أحمد المسكوبيّة والتحقيق معه وتعذيبه. وبداية استيعابه لما يحدث له. يقابله عند بياجيه المرحلة العمليّة الماديّة التي يبدأ فيها التفكير المنطقيّ في الأحداث الملموسة، وهو لا يزال يعتمد على مبدأ المنطق الاستقرائيّ، أو الاستدلال من معلومات محدّدة إلى مبدأ عام.
الصندوق الرابع يلتقي أحمد بأطفال داخل الصندوق فيضحك ويضحكون. يمثّل هؤلاء الأطفال المساجين الذين كانوا معه في السجن. يقابل ذلك عند بياجية المرحلة العمليّة المجرّدة التي يبدأ فيها الشابّ بالتفكير المجرّد، التفكير أكثر في القضايا الأخلاقيّة والفلسفيّة والاجتماعيّة والسياسيّة، واستخدام المنطق الاستنباطي او الانتقال من الكليّات العامّة إلى الجزئيّات الخاصّة، والقدرة على رؤية العديد من الحلول المحتملة للمشكلات.
فنجد أحمد يقرّر ويقول:" وهنا قطعت عهدًا على نفسي أن أصنع من أصعب الظروف وأكثرها مرارة فرصة للضحك. سأغيّر مجرى الألم. سأمزجه بكمٍّ كبيرٍ من الفرح، بكثيرٍ من السعادة، ببالغ الحبّ. بذا تكون لنا الغلبة".ص45.
يتابع أحمد فتح الصناديق وفي كلّ صندوق تجربة قاسية جديدة لكنّه يخرج منها بدروس وعبر واستنتاجات وحِكم تضاف إلى ما اكتسبه في السنوات الماضية ليخرج من السجن مع شهادة جامعيّة.
وهنا يجول في خاطري سؤال: لو كان بياجيه لا زال حيًّا فهل سيغيّر في نظريته ويضيف مراحل أخرى للمعرفة تستند على التجربة الحياتيّة المرّة التي يعيشها البعض وخاصّةً الأسرى؟
كل التقدير للكاتب المبدع أحمد صلاح الشويكي على هذه الرواية المثيرة.
المرجع:
كندرا شيري، النظرية المعرفية لبياجيه ، ترجمة طارق بن زياد حجو الرفاعي، موقع أثارة فقه تدبير المعرفة https://atharah.com/the-4-stages-of-cognitive-development



#روز_اليوسف_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حليب الضحى بين المفارقة والدهشة!
- عندما يرحل الكبار-مرثية
- لقاء-قصيدة
- هكذا هم-قصيدة
- البؤس والشقاء في الرغيف الأسود
- طوق النجاة-قصيدة
- رواية زرعين والبكاء على الأطلال
- رواية برج اللقلق النموذج الفلسطينيّ للتحدي والصمود-
- المرأة الفلسطينية في رواية -اليتيمة-بين مرارة اليُتم وظلم ال ...
- قراءة في مسرحية -دعني أعش دعني أموت-
- قراءة في رواية مسك الكفاية للكاتب باسم خندقجي 2014، إصدار ال ...
- قراءة في كتاب فاطمة كيوان- رحلات أبي الحروف-
- قراءة في كتاب د. نبيل طنوس-راشد حسين ويسكنه المكان-.
- لا تُطل الغياب
- قراءة في ديوان نزف قصائد للشاعر عز الدين السعد
- قراءة في كتاب حصاد السنين بعد التسعين
- قراءة في سماء الفينيق لمفلح العدوان
- المنفى والاغتراب في قصيدة - أضاعوني - للشاعر الفلسطيني بروفي ...
- انا والمدى
- توقيعات


المزيد.....




- واخيرا.. موعد إعلان مسلسل قيامة عثمان الحلقة 165 الموسم السا ...
- الحلقة الاولى مترجمة : متي يعرض مسلسل عثمان الجزء السادس الح ...
- مهرجان أفينيون المسرحي: اللغة العربية ضيفة الشرف في نسخة الع ...
- أصيلة تناقش دور الخبرة في التمييز بين الأصلي والمزيف في سوق ...
- محاولة اغتيال ترامب، مسرحية ام واقع؟ مواقع التواصل تحكم..
- الجليلة وأنّتها الشعرية!
- نزل اغنية البندورة الحمرا.. تردد قناة طيور الجنه الجديد 2024 ...
- الشاب المصفوع من -محمد رمضان- يعلق على اعتذار الفنان له (فيد ...
- رأي.. سامية عايش تكتب لـCNN: فيلم -نورة- مقاربة بين البداوة ...
- ماذا نريد.. الحضارة أم منتجاتها؟


المزيد.....

- الرفيق أبو خمرة والشيخ ابو نهدة / محمد الهلالي
- أسواق الحقيقة / محمد الهلالي
- نظرية التداخلات الأجناسية في رواية كل من عليها خان للسيد ح ... / روباش عليمة
- خواطر الشيطان / عدنان رضوان
- إتقان الذات / عدنان رضوان
- الكتابة المسرحية للأطفال بين الواقع والتجريب أعمال السيد ... / الويزة جبابلية
- تمثلات التجريب في المسرح العربي : السيد حافظ أنموذجاً / عبدالستار عبد ثابت البيضاني
- الصراع الدرامى فى مسرح السيد حافظ التجريبى مسرحية بوابة الم ... / محمد السيد عبدالعاطي دحريجة
- سأُحاولُكِ مرَّة أُخرى/ ديوان / ريتا عودة
- أنا جنونُكَ--- مجموعة قصصيّة / ريتا عودة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - روز اليوسف شعبان - التطوّر المعرفيّ والإدراكيّ في رواية على بوّابة مطحنة الأعمار