أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - ثامر عباس - الأصول التاريخية لظاهرة (العسكرة) في المدينة العراقية














المزيد.....

الأصول التاريخية لظاهرة (العسكرة) في المدينة العراقية


ثامر عباس

الحوار المتمدن-العدد: 7214 - 2022 / 4 / 9 - 02:50
المحور: المجتمع المدني
    


ينقل لنا السرد التاريخي واقعة إن الغالبية العظمى للمدن التي شيدها الإنسان على مدى تاريخه الطويل ، كان الغرض منها في البداية توفير الحماية لأعضاء أسرته الشخصية ورهط جماعته القرابية ، وجعلها من ثم ملاذا"آمنا"يقيه وإياهم شتى المخاطر التي قد تنجم عن الطبيعة أو تلك التي يتوقع حدوثها من قبل نظيره الإنسان الآخر . ولهذا فقد اتخذت تلك المدن على الدوام طابعها العمراني المتمثل (بالحصون) المنيعة و(القلاع) الوعرة التي غالبا"ما أحيطت بعدد من الأسوار والخنادق ، فضلا"عن اختيار مواقعها الطوبوغرافية المناسبة التي عادة ما يتوافر فيها وحولها العديد من الموانع والعوائق التي يصعب على الغرباء والأعداء اختراقها بيسر وتخطيها بسهولة .
ولعل مدن العراق القديمة كانت السبّاقة في ولوج هذا المضمار العمراني ، ليس فقط كونها تمتعت بامتياز الأقدمية التاريخية في النشأة والتكوين مقارنة بنظيراتها من مدن العالم القديم فحسب ، وإنما لأنها تعد من أكثر تلك المدن تعرضا"للغارات والغزوات والاجتياحات من قبل شتى الأقوام والأعراق والأجناس . وهو الأمر الذي وسمها دائما"بالهاجس (الأمني) والطابع (العسكري) اللذان لازماها كظلها منذ لحظات التأسيس الأولى ولحد الآن ، لاسيما وان كل الذين تعاقبوا على حكمها وإدارتها من الأغيار (الطارئين) ، والذين لم يكونوا يشعرون بالانتماء لسكانها الأصليين ولم يغشاهم الإحساس بالولاء لمكانها الجغرافي ، بقدر ما كانوا طامعين بتنوع خيراتها وعابثين بمصير أبنائها . لا بل وقد يكونوا مدججين بالأحقاد العنصرية ومعبأين بالكراهيات الطائفية ، بحيث لا يتورعون من هدم المدن القائمة أصلا"وتخريب العمران الموجود سابقا".
وفي إطار البحث عن الأسباب والدوافع التي أدت بالمدينة العراقية لاكتساب ظاهرة (العسكرة) دون سائر الظواهر الضرورية لحياة المجتمع ، فضلا"عن إفراطها في الاهتمام بالجوانب العسكرية والأمنية والبوليسية على حساب الجوانب الأخرى الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والحضارية ، فقد تنوعت لذلك تفسيرات المؤرخين وتعددت إجابات الباحثين ، كلا"بحسب اختصاصاته العلمية وتصوراته الفكرية واهتماماته السياسية ومرجعياته الإيديولوجية :
أولا"- هناك فريق ينسب هذه الظاهرة إلى الظروف التاريخية الاستثنائية التي ألمّت بتلك المدن ، إبان عصر السلالات الذي شهد تكوين ما يسمى في الأدب التاريخي ب (دويلات – المدن) ، التي اتسمت علاقاتها الخارجية بطابع الحروب المستمرة والعداء المستحكم ، على خلفية تأمين حاجاتها المتنامية إلى مصادر المياه والأراضي الزراعية ، بالإضافة إلى سعيها الدائم للدفاع عن مجالها الجغرافي المهدد باستمرار . خصوصا"وان طبيعة الأنهر التي كانت المدن تقام على ضفافها تغيّر مجاريها باستمرار نتيجة لتراكم الطمى في قيعانها ، ناهيك عن مشاكل ارتفاع معدلات ملوحة الأرض ، وهو الأمر الذي ألزمها باستمرار تغيير مواقعها وتبديل أماكن سكناها .
ثانيا"- وهناك فريق ثان يرى إن ظاهرة العسكرة في المدينة العراقية ، تزامنت صيرورتها وتبلورت تداعياتها خلال الفترة التي شهدت احتدام الصراعات السياسية والعسكرية بين الجماعات والأسر الإيرانية ذاتها ، بقصد فرض سيطرتها على غيرها وبسط نفوذها على سواها من الجماعات والأسر الأخرى من جهة ، بين هذه الأخيرة مجتمعة ، وبين خصمها السياسي والمذهبي الدولة العثمانية من جهة أخرى . وذلك لحيازة زمام السيطرة السياسية وبسط مظاهر الهيمنة جغرافية على سائر أراضي العراق ، والتي كانت – ولا تزال – محل نزاع لا يفتر أو يهدأ إلاّ ليتأجج مجددا"، ومن ثم السعي لإلحاقها بجغرافية تلك الإمبراطورتين كلما تغلبت نوازع الأطماع على روادع من جهة ثانية . ولهذا فقد كتب المؤرخ العراقي (علاء موسى كاظم نورس) يقول (( ظل احتدام حدة الصراع مع الدولة الصفوية والأسر التي تعاقبت على السلطة في إيران (الافشارية والزندية والقاجارية) ، حتى تحول العراق إلى ميدان صراع بين العثمانيين والفرس ، قد برز الوظيفة العسكرية التي كانت عليها المدينة العراقية ))(1) .
ثالثا"- هذا في حين اعتبر الفريق الثالث إن تلك الظاهرة بزغت إلى الوجود مع ظهور الأنظمة السياسية الحديثة ، التي أعقبت فترة ما بعد (الاستقلال) السياسي لبلدان العالم الثالث وفك الارتباط مع دول المتروبول الاستعماري . حيث شهدت مجتمعات هذه البلدان البائسة موجات متتالية من ظاهرة تغيير الأنظمة السياسية عن طريق (الانقلابات العسكرية) تحت شتى الذرائع والمزاعم ، الأمر الذي جعل من ظاهرة (العسكرة) بمثابة دريئة واقية تحتمي بظلها تلك الأنظمة ، إزاء محاولات إسقاطها السلطة وإزاحتها عن المشهد السياسي من جهة ، واستخدامها كرادع وقامع لحمل خصومها وأعدائها على الانصياع لإرادتها والقبول بزعامتها من جهة أخرى .
ولما كان العراق من أوائل البلدان المتخلفة التي دشنت هذه الظاهرة عام 1936 ، فضلا"عما شهدته فترات تاريخه السياسي اللاحقة من اضطرابات وانقلابات متواترة ، كانت بمثابة التعبير الأكثر تجليا" عن الصراعات الحزبية والإيديولوجية التي كان هذا القسم من العالم العربي مضمارا"لها منذ مطلع القرن المنصرم ولحد الآن . ولذلك فليس ما يثير الاستغراب أن يكون العراق هو الحاضن المثالي والموطن النموذجي لشيوع ظاهرة (العسكرة) ، التي اخترقت بعواقبها وتداعاتها مختلف المجالات الاجتماعية والفعاليات الثقافية والمؤسسات الحكومية . لاسيما وان الطبيعة (المتشظية) للمجتمع العراقي كانت ولا تزال من العوامل المساعدة التي أفضت إلى تكريس تلك الظاهرة وترسيخها ، على خلفية تنامي مظاهر (التأريف) للقيم المدنية و(التطيف) للجماعات الأهلية .


المصادر
(1) الدكتور علاء موسى كاظم نورس ؛ مدن القلاع ، بحث منشور في المؤلف الجماعي ؛ المدينة والحياة المدنية ، الجزء الثاني ، ( بغداد ، دار الحرية 198



#ثامر_عباس (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأستاذ الجامعي وإشكالية الولاء الوطني !
- أزمات المجتمع العراقي بين غياب (النقد) وانعدام (الوعي) التار ...
- المثقف العصامي والثقافة العصامية
- الدين والتضامن الاجتماعي : هل نحن بحاجة إلى ثورة عشرين أخرى ...
- غربلة الذاكرة التاريخية : قيود الماضي .. وحدود المستقبل


المزيد.....




- -يوروفيجن- تسمح برفع علم فلسطين وتمنع رموز المثليين والأسرى ...
- قطاع غزة.. المجاعة تتربص بالفلسطينيين
- تعرف على الأسرى الإسرائيليين الذين قتلوا خلال الحرب
- واشنطن ترفع الحصانة القضائية عن وكالة الأونروا
- جريمة مروعة تهز لبنان: خطف وتعذيب سيدتين وسط دعوات لمحاسبة ا ...
- -التعاون الإسلامي- تعرب عن أسفها لقرار الولايات المتحدة رفع ...
- الداخلية السورية تعلن القبض على لواء سابق متورط -بجرائم حرب ...
- فندق ياباني يفرض على سائح إسرائيلي إقرارا بعدم ارتكابه جرائم ...
- بعد فيديو القسام.. عائلات الأسرى الإسرائيليين تهدد بإسقاط حك ...
- ارتكب -جرائم إرهابية-.. الداخلية السعودية تعلن إعدام مواطن - ...


المزيد.....

- أسئلة خيارات متعددة في الاستراتيجية / محمد عبد الكريم يوسف
- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - ثامر عباس - الأصول التاريخية لظاهرة (العسكرة) في المدينة العراقية