فراس جاليتش
الحوار المتمدن-العدد: 1670 - 2006 / 9 / 11 - 06:27
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
(1)
(( إنهم يتصورون الله قيصرًا أو زعيمًا ضالاً، ينشرح صدرُه للنفاق وقصائد الامتداح، ويفقد بذلك وقارَه )) عبد الله القصيمي))
:مقدمة
لمّا كانت فكرة وجودة الله ملازمة لعقلية الانسان قديماً وحديثاً
لم تتوقف الانتقادات الموجهة لوجوده وذلك يعود إلى هشاشة فكرة وجود إله كحاكم للكون ومنظم لقوانين الطبيعة أو كما يرى البعض أن الله ليس من الضروري وجوده استناداً إلى مبدأ موسى أوكهام ( يجب ألّا نفترض وجود موجودات أكثر من ما ينبغي ) أو إلى أمور أخرى يراها النقاد في مسألة وجود الله .
ولا مجال للنقاش بأن الله هو أحد أركان الثالوث الديني
( الإعتقاد , الأسطورة , الطقس ) فالله يدخل في مضمار الإعتقاد قولاً واحداً ثم يتم التعبير عنه – أي عن الإعتقاد بوجود إله -
من خلال أدبيات معينة – الأساطير – تترجم تلك الأدبيات عن طريق طقوس دينية يقوم بها المؤمنون لترسيخ اعتقاداتهم .
وعندما بدأ الإنسان يتصور الله أخذ يفسره بحسب عقلية الزمان والمكان اللذان عاشاهما هذا الإنسان نفسه فينعكس ذلك تماماً على نتيجة التصور للإله الذي يؤمن به ويكفينا بذلك أن نعوزه إلى عدم قدرة الإنسان القديم على تفسير كثير من الأمور الغامضة التي أوضحها العلم الحديث فيما بعد وفكرة الإله بقيت ملازمة للموروث الثقافي الديني , هذا ما جعل مفهوم العلة الأولى متأصل في نفوس المؤمنين أو بحكم الخبرة الدينية Religious Experience النابع من شعور شخصي للمؤمن بوجود خالق
.
ليس في وسعي في هذه السطور الشحيحة أن أستفيض أكثر من اللازم كون ذلك يحتاج إلى دراسة معمقة لتاريخ فكرة التصور الجسمونفساني - أي الصفات النفسية والجسمية التي ألحقها الإنسان في الإله الذي يعبده - وهذا ما لم يكن غائباً في التراث الإسلامي أيضاً , فلم يضيف القرآن في تكلمه عن أسماء الله وصفاته الجسمية والنفسية شيئاً جديداً بل كان تكراراً وتجسيداً للموروث الديني القديم من أساطير وغيرها ولكنه أضاف نكهات جديدة ذات طابع عقائدي محنطة ومحصنة من قبل المجاهدين والغيورين على دينهم .
وغالباً ما يكون التحدث عن الله في الإسلام محفوف بالمخاطر والعديد من الخطوط الحمراء ومع ذلك قد تعددت آراء المذاهب الإسلامية الفكرية في تفسير صفات الله الجسمية والنفسية وبالتالي امتلأت فتاوى التكفير – كونها مسألة اعتقادية – التي تراشقها المسلمون في بداية عهد الدولة الاسلامية وحتى اليوم
وما يحير البال أن الرسول قال " لا تجتمع أُمتي على ضلالة "
<3> إلاّ أنَّ المسلمون لم يجتمعوا على ضلالة بل أخذت كل فرقة تُثبت أن الفرقة الأخرى هي الضالة , فقد وصلت في زمن الخليفة العباسي المأمون<4> – الميال إلى الفكر الاعتزالي - إلى حد استخدام السلطة السياسية من قبل المعتزلة في فرض آرائهم وأفكارهم على كل من يخالفهم الرأي في المسائل الإعتقداية من المسلمين .
وأتمنى من خلال هذا المقال المُبسط أن تسعفني الكلمات لأستطيع أن أصل إلى توضيح الفكرة التي أصبو إليها وهي : أن الله يحمل الصفات الجسمونفسانية ذاتها التي يحملها الإنسان وهذا ما يدل على أن تصور الإنسان لطبيعة الله هو تصور بشري صرف , هذا ما أقره الإسلام بكل وضوح عندما تناول مسألة طبيعة الله الجسمونفسانيةوسأثبت ذلك فيما سيأتي .
أولاً - التصور العام للإله في الإسلام :
يُقدم لنا كتاب " أصل الدين والإيمان " تفسيراً لغوياً واضحاً
فيقول : (( الله : لفظ الجلالة , اسم جامد لا اشتقاق له ولا يسمى به غيره )) <5>
الله – كتعريف - : الله في الإعتقاد الإسلامي هو الخالق للكون والبشر والمتحكم الوحيد في نواميس الطبيعة الكونية , لهُ ملائكة يعبدونه ويطيعون أوامره دون عصيان ولكنهم لا يشاركونه الحكم فيتميز الله بحكم فردي مطلق وهو أزلي أي قديم غير مُحدث وهو علة الموجودات كلها , وهذا ما نصت عليه السورة :
(( قل هو الله أحد |1| الله الصمد |2| لم يلد ولم يولد |3| ولم يكن له كفواً أحد |4| )) <6> وهذه السورة كان لها عند الرسول مكانة كبيرة إذ أنها كانت تعدل ثلث القرآن نظراً لأهميتها في العقيدة الاسلامية وهذا يؤكد ما نقله لنا ابن كثير في كتابه " تفسير القرآن العظيم " :
(( قال البخاري : ....... عن أبي سعيد أن رجلاً سمع رجلاً يقرأ ( قل هو الله أحد ) يرددها , فلما أصبح النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك لهُ وكأن الرجل يتقالُّها فقال النبي صلى الله عليه وسلم " والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن " )) <7>
والله يؤثر فيما دونه ولا يتأثر ولكن هنا يقع مفهوم التأثير في مغالطات فادحة أهمها أن الله على العكس تماماً يتأثر ليس بالشكل المادي بل بالشكل المعنوي فكما سنرى في صفات الله أنّ الله يفرح ويضحك ويحزن ويغضب هذا يدل إذاً أن الله ينتقل من حالة إلى حالة متأثراً بأفعال البشر وما أعنيه يختزله الأستاذ عبد الله القصيمي بكلامه : (( إن الدعاء والصلاة لله اتهام له. إنك، إذا دعوت الله، فقد طلبت منه أن يكون أو لا يكون. إنك تطلب منه حينئذٍ أن يغيِّر سلوكه ومنطقه وانفعالاته. إنك، إذا صليت لله، فقد رشوتَه لتؤثر في أخلاقه ليفعل لك طبق هواك. فالمؤمنون العابدون قوم يريدون أن يؤثروا في ذات الله، أن يصوغوا سلوكه )) <8>
بشكل عام لا يختلف المسلمون في كون الله المدبر الأول والأخير للكون ولا ينفون عنه صفة الأزلية والعلة الأولى الموجدة للموجودات ولكن الإختلاف بات في أمر الصفات والذات فتارةً يوحدون بين الذات والصفات ( المعتزلة ) وتارةً يفصلون بينهما
( السلف أو السنة أو أصحاب الحرف ) وتارةً يأخذون حل وسط بين المعتزلة و أصحاب الحرف ( الأشاعرة ) وسنعمل في السطور القادمة على تبينان الاختلافات تلك .
------------------------
:حاشية
<1> للإستزادة مراجعة كتاب " دين الإنسان " للمفكر السوري فراس السواح في صفحة 47 تحت عنوان " المكونات الأساسية للدين " , دار علاء الدين , الطبعة الرابعة 2002
<2> للتوسع قراءة كتاب " الفلسفة مواضيع مفتاحية "
“Philosophy Key Themes “ للمؤلف جوليان باجيني Julian Baggini , آفاق ثقافية – العدد 36 - 2006
<3> راجع : زيادة الجامع الصغير، والدرر المنتثرة، الإصدار 2.05 - للإمام السيوطي كتاب "الدّررَ المنتثِرة"، للسيوطي
<4> ( 786 - 833م ): سابع الخلفاء العباسيين
(813 - 833م) . ابن هارون الرشيد. رقي عرش الخلافة بعد أن هزم أخاه الخليفة الأمين واستوولى على بغداد عام 813 للميلاد. تعاطف مع المعتزلة وحاول فرض مذهبهم على جميع رعاياه. شجع العلم والعلماء، وكان هو نفسه عالما , أنشأ في بغداد، عام 830 للميلاد، (بيت الحكمة) لترجمة الكتب الفلسفية والعلمية اليونانية إلى العربية . عن " موسوعة المورد الإلكترونية " إصدار شركة العريس .
<5> كتاب " أصل الدين والإيمان " للدكتور مأمون حموش , صفحة 378 .
<6> جزء عمَّ , 30 , سورة الإخلاص
<7> كتاب " تفسير القرآن العظيم " لمؤلفهِ ابن كثير صفحة 571 تحت عنوان " تفسير سورة الإخلاص .
<8> عبد الله القصيمي , عن كتاب " أيها العقل من رآك ؟. "
#فراس_جاليتش (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟