يسري حسين
الحوار المتمدن-العدد: 1670 - 2006 / 9 / 11 - 10:20
المحور:
ملف مفتوح بمناسبة الذكرى الخامسة لاحداث 11 سبتمبر 2001
الديمقراطية تدفع ثمن ما يسمى بالحرب على الإرهاب . إذ أدى الهجوم على مركز التجارة العالمي بنيويورك ووزارة الدفاع الأمريكية في واشنطن , إلى إعطاء إشارة الهجوم المضاد لتيار أمريكي يميني محافظ , كان يتبلور خلال إدارة الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون . وكان هذا التيار يعارض بشدة وعنف ويطالب بشن الحرب المضادة لترسيخ فكر الإمبراطورية الإستعمارية الجديد . وطرح العراق لتكون نقطة البداية في تشكيل شرق أوسطي أمريكي , بلا مقاومة ولا سلطة وطنية , ولا تحكم في الثروات الطبيعية .
أعطى هجوم تنظيم الضوء الأخضر لتعبئة الرأي العام الأمريكي وتخويفه , وإختزال القوى السياسية المختلفة في جبهة للإنقضاض على عدو جديد هو الأصولية الإسلامية , والتي أطلق عليها الرئيس الأمريكي جورج بوش مؤخراً وصف الفاشية الإسلامية .
بوش والمحافظون الجدد , يقسمون العالم إلى حر وديمقراطي وليبرالي وأخر فاشي يضم المنطقة العربية . وتندرج في المحور الأول إسرائيل , التي أصبحت قاعدة وذراع لشن الهجوم على الفاشية الإسلامية بالمواجهة مع و < حزب الله > في لبنان .
وتدعي الإدارة الأمريكية , إنها تحمل في حقيبتها الديمقراطية . وهي الورقة نفسها التي لوحت بها في مواجهة النازية ثم المعسكر الإشتراكي بعد ذلك.
وقد صدق الكثيرون الخطاب الأمريكي بأنه يحمل الديمقراطية . لكن تجارب في مواجهة نظام الليندي في تشيلي , ومصدق في إيران وعبد الناصر في مصر , تؤكد أن الورقة الديمقراطية ليست سوى قناع يخفي المصالح الإقتصادية والرغبة في الهيمنة وإستخدام القوة العسكرية لتحقيق فكرة التوسع الإمبراطوري على حساب الديمقراطية ذاتها وحقوق الإنسان .
ساعدت واشنطن الأصولية الإسلامية التي نمت في أحضانها خلال حقبة المواجهة مع الإتحاد السوفياتي السابق خلال الحرب الباردة والحرب في أفغانستان . وإنتعشت تلك الأصولية بسبب الدعم والتمويل والإنفاق والبذخ على ما يسمى بالمجاهدين لمحاربة النظام الذي كان قائماً في كابول . وعندما زرت أفغانستان وجدت أن المساعدات الحقيقية التي وصلت إلى هذا البلد المنكوب , كانت من النظام السوفياتي , الذي شيد المدارس والجامعات والمستشفيات ودور المسارح والسينما .
ولا يزال الأفغانيون يتذكرون نداءات الرئيس الأفغاني الأسبق نجيب الله , الذي دعا لمواجهة دخول المجاهدين إلى العاصمة , لأنهم سيدمرون كل شئ وسيحققون الخراب . وهذا ما تحقق ! .
كانت المعركة على أرض أفغانستان لا علاقة لها بحرية وديمقراطية , وإنما الوقوف ضد تسلل الفكر الإشتراكي إلى آسيا ومنعه الإقتراب من مناطق الثروة والنفط .
وقد تركت واشنطن والغرب بعد إنسحاب روسيا أفغانستان , دون دعم إقتصادي أو عمراني , بل ساعدت على وصول حركة < طالبان > إلى السلطة , بفكرها الجامد والمتخلف . وكان الغرب يساعد الأصولية الإسلامية لتكون السد الواقي لوقف الأفكار التي تدعو إلى تأميم الثروات الوطنية وتنمية الثقافات ورفض الإنخراط في عولمة خبيثة .
وقد تعملقت الأصولية الإسلامية وإنتشرت , مستفيدة من التخلف الذي ساد والفقر الذي هيمن , مع قدرة أموال الثراء النفطي لضخ الدعم في قلب منظمات معادية للتقدم والنهوض وحريات الشعوب . وتصور الغرب أن الأصولية التي تنمو تعمل لصالحه وليس ضده . وإستغلها في معركته مع الإتحاد السوفياتي السابق , وعمل على إنتشارها . وإعتقد أنها تشكل مناعة ضد الأحزاب والقوى التقدمية والديمقراطية في المنطقة لمنع نموها .
لكن نمو الأصولية بدأ يتجه نحو مناطحة الإمبراطور الإستعماري الأمريكي الجديد . وفكر < أسامة بن لادن > يشكل الإنتقال من التحالف إلى التناقض إلى المواجهة مع واشنطن . ويرى البعض أن تاثير الدكتور أيمن الظواهري عليه دفعه في هذا الإتجاه بدخول المعركة مع الكفار والنصارى واليهود في عقر دارهم ! .
ولأن الأصولية الأمريكية هي نفسها تطرح التشدد والفكر الديني فقد سعت للإصتدام والمواجهة بهذا الشكل الدموي والعنيف , الذي يدفع ثمنه العالم كله من أمنه وإستقراره ونهضته .
ما يحدث شئ مخيف للغاية , إذ أن الأصولية الغربية التي نمت في واشنطن بالذات عمدت إلى صوغ نظرية جديدة تعيد تقسيم العالم , إعتماداً على فهم ديني يتحالف بين المسيحية واليهودية التي تدعم إسرائيل وتقف بجوارها . وقد إطلعت خلال زيارة لمعاهد بحث في واشنطن على مدى تغلغل الفكر العنصري الأسود , الذي لا يرى سوى مصلحة إسرائيل ويبرر قتلها وإستخدامها للعنف المفرط للقضاء على مناعة المقاومة الوطنية بكل أشكالها .
إعتاد الغرب دائماً على نظرية العدو الموجود على الضفة الأخرى , ويجند مؤسسته العسكرية لمحاربته . وقد وجدت الإدارة الأمريكية أن العراق هدف سهل يمكن البدأ به لإسقاط حكومته والهيمنة على منابع النفط وترسيخ الفكر الجديد الذي تدعو إليه . ووجدت الحكومة الأمريكية في فصائل المعارضة العراقية الوسيلة الصالحة لترويج فكرة دولة جديدة تتحالف مع إسرائيل وتكون قادرة على طرح شكل دولة بلا مضمون وطني ولا إرتباطات بنهج عروبة حملت راية التحرير والمحافظة على مصالح المنطقة .
ولم يكن العراق بحالة من المناعة تصد قوات الغزو , لأن الديكتاتورية أرهقت الشعب العراقي , وهي بذلك أعطت الفرصة لنمو الفكر الديني والطائفي .
إن العراق الذي ظل ساحة أمام الأحزاب الليبرالية والوطنية والتقدمية , تم الإجهاز عليه بفعل الديكتاتورية . ولم تعد هناك سوى راية الدين والإلتفاف حول الطائفية للإحتماء من نار الإستبداد , وهي التي لم تتمكن من مواجهة القوات الغربية برعاية واشنطن الغازية .
ورفعت الولايات المتحدة لواء تحقيق الديمقراطية في العراق . لكن بما أن شعاراتها زائفة , فأن ما حدث هو التعذيب في سجن < أبو غريب > والإعتداءات على الشعب العراقي وإستنفار الطائفية والتشجيع على الإقتتال الأهلي , للقضاء على شكل دولة مستقلة ذات سيادة .
إن الوجود الأمريكي في العراق أثبت أن واشنطن , لا تريد الديمقراطية لأنها تشكل خطراً عليها , لكنها تضغط على الأنظمة العربية بهذا الشعار حتى تدفعها للمزيد من التنازلات . وهي في الوقت نفسه تحاول إقتناع الرأي العام الأمريكي بأنها تشن الحروب لفرض الديمقراطية لإزالة خطر الإرهاب .
إن الحرب على الإرهاب , إستراتيجية لإعادة تفكيك العالم , خصوصاً في منطقة الشرق الأوسط لترسيخ مصالح الإمبراطورية الأمريكية وضمان الدعم الكامل لإسرائيل . ولعل الحرب على لبنان أكدت ذلك , فقد تركت أمريكا وبريطانيا إسرائيل تقصف لبنان لتدمير البنية التحتية والقضاء على المقاومة وإرهاب الشعب اللبناني كله , وتأكيد أنه لا مفر من الإعتراف بإسرائيل والتصالح معها . وتؤكد واشنطن للبنانيين أن طريق الإصلاح الوحيد هو التخلي عن ممانعة الرفض لإسرائيل وأن التصالح معها يفتح باب الرخاء والنمو الإقتصادي ! .
وإذا كانت واشنطن , تقول أن حروبها لتأكيد الديمقراطية , فأنها فعلت العكس , وقد إعتدت على الإرث الليبرالي الغربي نفسه . وبلد مثل بريطانيا إستطاع رئيس الوزراء توني بلير الكذب على البرلمان بإدعاء وجود خطر لأسلحة دمار شامل عراقية على الأمن البريطاني كله , لتبرير غزوه لبغداد . كما أن بلير سعى لتطبيق إجراءات إستثنائية تتعارض مع فحوى القوانين التي تضمن حقوق وحرية الإنسان .
إن الأصولية الإسلامية هاجمت نيويورك وواشنطن , وحركت اليمين الغربي كله نحو الشرق الأوسط , والعالم العربي الذي يدفع ثمن ذلك من رصيده الديمقراطي مع بقاء أنظمة الإستبداد تحكم , لأنها تحقق مصالح الغرب الجديد الذي يعود إلى التاريخ الإستعماري بعد تخليه لفترة عنه لبعض الوقت .
والخاسر في المعركة على الإرهاب هو الديمقارطية وكفاح الشعوب العربية على وجه الخصوص . والمستفيد بجانب واشنطن هي الحركات الأصولية التي أصبحت تدعي بأنها الوحيدة القادرة على مواجهة الخصم الغربي , الكافر والصهيوني ! . بينما التاريخ يؤكد إن من تصدى للإستعمار في المنطقة هم فرق الجهاد الديمقراطي والتقدمي الذين حاربوا لأحقاب طويلة في الجزائر ومصر والشام وفلسطين . لكن تحالف الغرب ضد هذه القوى أضعفها وترك الساحة للحركات الإسلامية , لذلك صعدت < حماس > في غزة ودخل الأخوان المسلمون إلى البرلمان المصري بهذا العدد الكبير من المقاعد النيابية التي تقترب من سقف المئة ! .
إن مايسمى بالحرب على الإرهاب يدفع نحو الإحتقان العالمي ويطرح الحروب الدينية . والديمقراطية هي التي تدفع الثمن , كما أن الشعوب أيضاً تتحمل فاتورة باهظة من رصيدها الوطني , فبعد أن كانت برامجها الإصلاح والتمية والعدالة , أصبح الهدف هو الدين والصراع الطائفي والمواجهات العرقية . لقد فجرت واشنطن قضية الحرب على الإرهاب بإثارة العامل الديني , وبما أنها تختزل كل شعوب المنطقة في قالب الدين , فأن الرد الطبيعي هو التمسك به والمحاربة من أجله .
إن اليمين المحافظ الأمريكي , يفجر التناقضات المدمرة , ويعيد العالم مرة أخرى إلى العصر الوسيط والحملة الصليبية والخلاف حول الأفكار والتوجهات الدينية . وكان العالم قبل ذلك بلغ درجة عالية من النضج في الإحتكام إلى العلم والعدالة وإلى الحرية والإندفاع نحو تأكيد المساواة بين البشر , وإن التحدي هو التنمية والرخاء وفرض قوانين تحارب النهب والإستغلال .
#يسري_حسين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟