|
عصر الإيمان
أحمد فاروق عباس
الحوار المتمدن-العدد: 7211 - 2022 / 4 / 5 - 14:08
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
ظل الدين الظاهرة الاجتماعية الأكبر والأهم طوال العصور المعروفة للإنسان ، وكان بطبيعته يعطى الإنسان معنى لوجوده وأملاً لمستقبله وعزاءاً فى مصائبه ، وكان التدين في تلك العصور بسيطاً وقوياً فى آن واحد ، وحتى عندما زادت سلطة رجال الدين فى أوربا العصور الوسطى كان تدين الإنسان العادى هادئا وحكيماً ..
ثم جاءت العصور الحديثة ، وحدث الصراع المعروف بين العلم والدين ، ثم بين رجال الدين ورجال السياسة ، وكان أن اضمحلت سلطة الدين فى الغرب فى النفوس ، ولأسباب كثيرة أبتعد الدين أو تم إبعاده ، فلم يكن الغرب فى حاجة إليه وقتها ، ثم تغيرت الظروف ، وظهرت الحاجة للدين مرة أخرى ..
فمع صراع الغرب مع الماركسية كان القرار تصعيد الدين ( كل الأديان وليس دينا بعينه ) ورجاله مرة أخرى ، لتقف روحية الدين أمام مادية الشيوعية وجاذبية بعض أفكارها عن العدل الكامل وتوزيع الثروة والمساواة ..
فبالنسبة للإسلام شهدنا الصحوة الإسلامية فى كل البلاد الإسلامية ، وبأشد الصور تعصباً وانغلاقاً ، وليس استلهاماً لمفكرى الإسلام الكبار فى عصور ازدهاره ، بل شهدنا صعوداً لأفكار بسيطة ومختلف عليها لرجال حركيين وبناة تنظيمات وليسوا علماء أو فقهاء فى الدين أو أحد علومه مثل حسن البنا وسيد قطب وأبو الأعلى المودودي ، ثم أفكار شكرى مصطفى عن تكفير المجتمع والهجرة إلى الصحراء ، ثم أفكار الجيل الجديد مثل أسامة بن لادن والظواهرى وسيد أمام ، ثم الجيل الاحدث مثل ابو بكر البغدادي ومحمد الجولانى ..
وما حدث فى الإسلام حدث أيضا في باقى الأديان ، فشهدت المسيحية صحوة دينية أيضا ، بدأت فى مصر مع مدارس الأحد التى ازدهرت بدءا من الخمسينيات ، وتشهد عليها الآن عشرات القنوات المسيحية الدينية التى تشاهد فى كل منزل ، وبما اننى من الصعيد والوجود المسيحى فيه واضح ، فقد أصبح من الأشياء العادية جداً أنه عند دخول أى محل مسيحى ( صيدلية أو محل تجارى أو غيره ) تجد التلفزيون على قناة دينية مسيحية ( أغابى أو ctv أو الفادى وغيرهم ) مثلما تجد عند دخول أى محل لرجل مسلم التلفزيون على قناة دينية إسلامية ..
وفى أمريكا الجنوبية وعندما أرادت التحرر من السيطرة نشأ هناك لاهوت التحرير بديلا عن الفكر الثورى التقليدى !! وفى الولايات المتحدة - المسيحية - أصبح ينظر إلى الشعب الأمريكى كواحد من أكثر شعوب العالم تدينا !!
وما حدث فى الإسلام والمسيحية حدث أيضا في اليهودية ، والدليل نشاهده من ميل المجتمع الإسرائيلى إلى التشدد الدينى أكثر فاكثر ، وعلى الرغم من أن إسرائيل قائمة على أساطير يهودية قديمة إلا أنه كان هناك مسافة عند قيام الدولة بين الإيدولوجية السياسية ( الصهيونية أو اليهودية السياسية ) وبين الدين العادى ، إلى درجة أن مؤسس إسرائيل وأول رئيس وزرائها ديفيد بن جوريون كان رجلا ملحدا ، وكذلك اغلب من جاء بعده ..
ومع السبعينات - السبعينات أيضا - بدأت الصحوة الدينية اليهودية ، وأصبح المجتمع الإسرائيلى أكثر ميلا لليمين الدينى وأكثر اهتماما بطقوس الديانة اليهودية ، ووصل الأمر الآن مثلا أنه وبعد وجود نتنياهو لمدة ١٢ سنة فى السلطة - متحالفا مع اليمين الدينى المتطرف - وبالرغبة الحارقة فى تغييره ، لم يجد الإسرائيليين بديلا عنه إلا تلميذه والأكثر تطرفا منه نفتالى بينيت !!
واستمرت عمليات الإحياء الدينى حتى فى الديانات غير السماوية !! كان الدين وسيظل يمثل حاجة فطرية وطبيعية للإنسان ، وصلة بين الإنسان وخالقه ، ولكن جاءت المشاكل عندما استغلت السياسة الدين لمصلحتها .. وظهرت فوائد أخرى للإحياء الدينى من وجهة نظر دول كبرى معينة ، فقد أصبحت النسخ الحديثة من التدين منغلفة وكارهة للأخر ، ومن هنا تحول الدين من داعٍ للتسامح وطيب الخلق إلى دعوة للتعصب ثم التطرف ، ومع بعض العقول الهائجة إلى دعوة لحمل السلاح !!
ورجعنا مرة أخرى إلى عصر الحروب الدينية ، ليس فقط بين الأديان وبعضها ولكن حتى داخل الدين الواحد !!
ونظرة بسيطة على رقعة الشرق الأوسط ترينا كيف يشهد الدين الإسلامى شبه حروب دينية ( ساخنة أو باردة ) بين المنتسبين إليه ، تارة بين السنة والشيعة ، أو حتى داخل المذهب الواحد ، مثل النزاعات بين الطوائف والفرق داخل المذهب السنى ، الذى انشطر إلى إخوان وسلفيين وصوفيين وجماعات على كل لون ( جماعة الجهاد ، والجماعة الإسلامية ، والقاعدة ، والدولة الإسلامية في الشام والعراق .. إلخ ) إلى درجة أن عدد الفرق والجماعات فى سوريا مثلا تعدى ٤٠ فرقة وجماعة ، وهى فرق تتقاتل مع بعضها أكثر مما تقاتل النظام الذى اتت لتزيحه !!
الخلاصة أنه كما قسَّم الأستاذ الكبير ويل ديورانت فى كتابه المهم قصة الحضارة بعض مراحل التاريخ الإنسانى إلى عصر الإيمان ثم عصر العقل ، يبدو اننا - على المستوى العالمى وبالنسبة لكل الأديان - عدنا مرة أخرى إلى عصر الإيمان ، لكن الفرق ، أن عصور الإيمان القديمة كانت عصوراً طبيعية حيث الإيمان والدين راسخ فى النفوس بدون مؤثر خارجى له خطط ولديه دوافع ، أما الآن فقد جاء الامر بصورة صناعية ، حيث أرادت دول كبرى سيادة اتجاهات معينة في أديان معينة ، وظهور رجال دين معينين وأفكار بالذات ، واستغلال الأديان ورجالها والمؤمنين بها فى خططها للسيطرة العالمية !!
#أحمد_فاروق_عباس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الشك والإيمان .. والسياسة
-
قبلة الموت .. الدور الإسرائيلى الجديد والغريب في العالم العر
...
-
لماذا يعشق الغرب الديموقراطية إلى هذه الدرجة ؟!
-
الاقتصاد والمخابرات ..
-
عالم أعيد بناءه
-
مريض نفسى !!
-
صراع من أجل الحياة .. وليس صراع من أجل الاقتصاد .
-
ما معنى ما يحدث في أوكرانيا ؟
-
اضمحلال الإمبراطورية الأمريكية وسقوطها
-
الإمبراطورية التى غابت عنها الشمس
-
قصر نظر لا ينتهى
المزيد.....
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
-
إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
-
“ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|