|
الربيع و إحباطات المجتمع.
محمد حسين يونس
الحوار المتمدن-العدد: 7209 - 2022 / 4 / 3 - 14:44
المحور:
سيرة ذاتية
في أيام البرد أكاد أن أتوقف عن البث ..فأنا لا أستطيع مقاومته .. إلا بالنوم .. و التدفئة بالبطاطين ..و الأحلام المزعجة المتقطعة .. و الكوابيس . عندما يبدأ الجو في التغير و ينتشر الدفء .. و تزدهر الورود في الحدائق .. وتفتتح الطيور سيمفونية غناء الطبيعة .. تتغير حالتي .. و أتحول لعاشق لهذا الجمال .. أتأمله أثناء حركتي ..و أستنشق الهواء بعمق ..و تغمرني موجه من التفاؤل .. تجعلني أعيد النظر في كل السوداوية التي صاحبت فترة البيات الشتوى .. و الرغبة في الموت. في هذه السنة لم أعد أتجول لاول مرة بين حدائق محطة الجبل الأصفر التي شاركت في تشييدها و زراعتها و صيانتها علي مدى الثلاثين عام الماضية .. و لاول مرة بعد أن تقاعدت عن العمل (منذ ستة شهور) .. أحن لرؤية أسراب الطيور البيضاء و السوداء و المهاجرة للدفء التي تعيش حول مجارى مياة المحطة و للجهنمية و هي تنمو و تملأ الموقع بالوان متوافقه مع الخضرة التي تحيط بها و تمنحها أشجار النخيل و الزيتون لونها ..و أحواض الزهور و الورود و أشجار الزينة .. التي كنت أعرفها نبتة نبته ... و أتابع حالتها كل عام .. من الكمون للإزدهار . محطة تنقية .. مياة الصرف الصحي ( 1500 فدان ) .. التي بدأت العمل بها في يناير 1992 .. تصبح في مثل هذة الأيام جنه خضراء .. تستطيع..أن تشم (قرب نهاية اليوم) روائح زهور الموالح المزروعه علي فدادين واسعة حولها تحملها نسمات رطبة شمالية فتتغلب علي روائح المحطة الناتجة عن التنقية .. ..وتشعر إذا حسن الأمر بأنك في بستان..يضج بالجمال و السكينة .. و المحبة . المحطة لها إمتداد ( مزرعة تجريبية علي 300 فدان ) تروى أشجارها و مزروعاتها بالمياة التي تم معالجتها .. فتتحول إلي ما يشبه الغابة .. عندما تتحرك بين الأحواض .. تشم رائحة الأشجار الخشبية.. و اللحاء .. و الزهور و الورود .. فتنتقل بمشاعرك إلي ريف بلدنا المزهر في شهر برمهات . هذا المكان الذى أشرفت علي بناء وحداته.. وحدة .. بعد أخرى .. و إخترت الوانها .. و أساليب تجميلها و علاقاتها بعضها مع بعض ..و مع اللاند سكيب ... كان لديه مشكلتنين . ألأولي هي نمو الحشرات والذباب بكثافة مع الدفء.. و سيطرتها علي المكان في ساعات ( النهار ) ..و بعد أخر ضوء يأتي الناموس.. و كنت أصر علي أن يقوم المشغل بعمل برامج مقاومة لهما .. تنجح في بعض الأحيان ..و تتدهور في أوقات أخرى نتيجة لجشع و رغبة المقاول في التوفير المشكلة الأخرى هي البشر الذين يديرون العمل و يتكسبون منه ....سواء كانوا ملاكا (من وزارة الإسكان ..ومندوبيهم بالجهاز التنفيذى) .. أو من المشغلين الذين سيطروا علي العمل منذ مطلع القرن الجديد ..و لا يريدون مغادرته .. بعد أن أتقنوا أساليب الغش .. و الخداع و التربح و التكسب منه . كأفراد و جماعات . الملاك الذين من المفترض أن يهتموا .. بتشغيل المحطة .. لم يكن لديهم خططا لجعلها تصمد لعشرات السنين ..أو إجراء تعديلات لتواكب العصر ..أو حتي عمل إصلاحات لعناصرالنظام التي تدهورت .. و إستبدال العاطب .. و رفع كفاءة المحطة .. بهوات منتفخي الأوداج ..يجهلون معني التخطيط للتنمية .. و يكتفون بأنها ( أى المحطة ) تعمل بشكل أو أخر.. لديهم عبارة مفضلة ( سيب الموضوع دة للورثة ) .. بمعني أنها ليست مشكلتهم بعد خمسين سنة بقدر ما هي .. مشكلة من سيحل محلهم .. بعد عمر طويل . الناحية الفنية يتركها المالك .. لمكتب إستشارى مصرى .. كان شريكا للمكتب البريطاني الأمريكي أثناء الإنشاء في تسعينيات القرن الماضي .. يسمعون ملاحظاته بنصف إنتباه .. و يتجاهلون تقاريرة ..و يأخذون جانب المشغل عند الإختلاف .. و يحملونه ( أمام أجهزة الرقابة و رؤسائهم ) كل مشاكل التشغيل و الصيانة . المشغل .. شركة هجين ليس لها أى خبرة بإدارة مثل هذه الأعمال .. شكلها الوزير محمد إبراهيم سليمان .. من تابعيه و مريدية و جعل أجهزة وزارتة و بنوكها يحملون أسهمها ..و أوكل إدارتها لمجموعة من اللواءات السابقين الذين كانوا يعملون بالوزارة في أعمال إدارية و تنقصهم خبرة تشغيل مثل هذه الأعمال الشركة الجديدة إعتمدت علي مشاركة سمسار أفراد .. لإستمرار توريد العمالة الذين جرى إستعارتهم من هيئة الصرف الصحي وأجرها للشركة الإيطالية التي قامت بالإنشاء . لتستمر نفس الأطقم مع المشغل الجديد .. بعد أن تخلص حضرات اللواءات لتوفير النفقات من كل العناصر التي تتقن العمل و تمثل تكلفة مرتفعة .. من مهندسين و فنيين و مخططين أجانب و محليين ... فلم يبق علي المداود إلا شر البقر . لست بصدد كتابة تاريخ هذه المحطة منذ أن إستلمتها كمهندس مقيم بالمكتب الإستشارى ( امبريك ) .. كمساحة واسعة من البرك و المستنقعات .. مزروع بها مجموعة من الأشجار المثمرة و تروى بمياه الصرف الصحي أو الحديث عن معوقات الإنشاء .. من صرف المياه الجوفية .. و صعوبة تطبيق أفضل أساليب العمل بواسطة شركات محلية ..و تشغيل المحطة بحيث تتوافق مع أحدث النظم العالمية في ذلك الزمن . و لن أندب .. حزنا علي حالها بعد أن قام الإهمال و سوء التشغيل ..بتدمير معداتها .. و تحويل أساليب عملها .. ليصيبها العجز المبكر ..و ينعكس هذا بطبيعة الحال علي الحديقة الغناء التي كنت أعشقها . إنني في وضع حنين من لم يعد يعيش يوما بيوم .. في المكان الذى شكله .. و أحبه .. و كان عليه أن يتركه ..لأخرين .. قد يعتنون به و يكملون رونقه .. و قد يتركون البلح ليذبل علي أعناقة بسبب مشاكل بيروقراطية لموظفين فقدوا قدرتهم علي التمييز . عندما إعتدت علي بلدى جيوش الإنجليز و الفرنسيين و الإسرائيلين عام 56 .. كنت طالبا مستجدا في إعدادى هندسة ..في ذلك الزمن ذهبت للدفاع المدني في حينا .. و إنضممت مع العديد من الشبان لوحداته .... و إستغرقت في النشاط .. حتي أنني نسيت الكلية و الجامعة .. و رسبت لأول مرة في حياتي . إعادة السنة الإعدادية في كلية الهندسة .. كانت نقطة تحول.. فلقد منحت فراغ وقت طويل كان بإستطاعتي أن أقرأ فية عشرات الكتب .. و ألعب رياضة.. و أزور أماكن سياحية كثيرة .. مع شلة من الأصدقاء شباب و شابات .. و كانت العثرة .. وسيلتي للإنتقال .. من مرحلة الصبي و الهيافة .. لمرحلة الشباب و الجدية .. التي صاحبتني .. طول مدة دراستي التالية .. و سنين عملي الأولي . كنت لا أقبل الخطأ .. و لدى قياسات تصحيح لا أتوقف عن إستخدامها .. و كان بلدى ..يتحرك في بستان الإشتراكية .. ينعم بالأمل في المستقبل . . ينمو .. و يزدهر .. و كنت أحد جنود التعمير.. أتحرك في سيناء من أولها لأخرها أشرف علي بناء المدارس و الوحدات الصحية و الإجتماعية .. و المساكن ..و غيرها .. من أدوات تنمية المجتمع . في ذلك المكان البعيد ..تكتلت علي الشاب المتحمس عوامل الوهن المجتمعي .. رؤساء جهلة .... و مقاولين لا يتوقفون عن رشوة و إفساد من يتعاملون معهم . و كان الحل أن أهرب من المخاضة لأصبح ضابطا بالقوات المسلحة .. خلال فترة عملي كضابط رغم أنها .. تتناقض مع رومانسيتي .. إستمر تحمسي.. و رغبتي في مشاركة التنمية و البناء .. و كان كما تصورته .. التعامل الجاد مع الجنود و الصف ضباط بصفتهم ثروة البلد ..و إستخدام إمكانيات القوات المسلحة .. ليخرجوا من غفلتهم الريفية القادمون بها .. لقد قمت بعمل برامج لعلاج البلهارسية .. و الأمية .. و سيطرة الأفكار الغيبية عليهم ... لقد إستمتعت بالعمل مع الجنود .. و كنت كلما نجحت في تطوير العلاقة معهم إلي شكل إيجابي يسمح لهم بالخطوات الأولي للمعاصرة .. كلما .. أصبحت أكثر رضا و تحمسا . في 67 .. تغيرت الأمور لقد سقط البناء الجميل الذى كنت أحاول المشار كة في دعمة ..و عادت لي ..عوامل مقاومة السقوط التي تعلمتها مبكراعندما رسبت في إعدادى هندسة .. الفارق أن المجتمع الصاعد المواتي في 56 .. لم يعد هو ما خبرت بعد 67 .. لقد سقطنا جميعا .
أشعة الشمس القوية.. في النادى .. تجعلني.. أجلس تحت المظلات .. أراقب الطيور .. و الزهور .. و الأشجار .. إنه الربيع .. و معه تتفتح الأحلام .. لم يعد لدى حلم .. لقد تعاملوا معي علي أساس أنني من الهوالك ..مهملات ..نفايات .لا توديع أو إحتفال .. و لا حتي كلمة شكر .أو فهم لقد كانوا يخافون أن أطالب لي و لزملائي بحقوقنا بعد إنتهاء الخدمة .. فنسوا حتي الكلمة الطيبة لقد نالت المكاتب الإستشارية في مصر نصيبها من التدهور الرأسمالي ..و أصبحت أماكن جشعة ..تستهلك العاملين .. ثم تتخلص منهم .. تخالف القانون و تسرق مكافأة نهاية الخدمة أو قيمة أيام الأجازات غير المستخدمة .. أو حتي صندوق التكافل ..وتؤخر المرتبات بالشهور .. وتشعر الذين كانوا السبب في إزدهارها .. بعدم جدوى جهدهم .. و بأنهم كانوا هما و إنزاح . المكتب الإستشارى الذى عملت من أجله لثلاثين سنة ..تحول بمرور الوقت .. من مكان محترم يفخر من ينتسب إليه بأنه عضو في منظومة علمية حديثة ..إلي سوق نخاسة .. يورد الأفراد لقاء بعض الأرباح .. و كلما ضيق علي العاملين كلما زادت ثروة .. الأستاذ الدكتور صاحبه . الشره في هذا المكان زاد بصورة لا تقبل المقاومة أو التغيير .. فساد في القطاع العام ..الحكومة .. القطاع الخاص . و الجنية المصرى فقد قدرته الشرائية .. أمام الدولار و الذهب ..و الخضار و الفاكهه و اللحمة و الفراخ .. و الفقر عم بصورة مخجلة .. و الفريق القومي إنهزم في السنغال بإستهتار من تصوروا أن من يلعب في ليفربول أو عند الخواجات لا يخطيء و إتحاد الكرة يستغفل الناس .. و يوهمهم بأنه سيحول الفسيخ لشربات ..و سيلحق بالمونديال . وأبناء المجتمعات الفقيرة في إفريقيا و أمريكا اللاتينة مع تحكم الرأسمالية العالمية في ثرواتهم و عقولهم تحولوا إلي ضوارى رأيناهم في السنغال.مع أشعة الليزر الخضراء ... وأبناء الغني و الرفاهية في روسيا أصبحوا أيضا مضطربي الفكر يغزون جيرانهم و يهددون بإستخدام أسلحة دمار لم يعرفها البشر من قبل بينما الناس في بلدى غير مهتمين .. بأى شيء غير تكديس الطعام من أجل رمضان ..ومشغولين بإحتفالات الشوارع و الحارات و تعليق الزينة .. و متابعة المسلسلات. لم يعد هذا العالم هو ما كنت أعرفه ..لقد خفت صوت البراءة إلي أدني درجاته .. والهم أصبح كبيرا .... بحيث لم يستطع غياب البرد و إنتشار الدفء وزقزقة الطيور و جمال الزهور.. أن تزيحة .
#محمد_حسين_يونس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
محمد معيط ..ده تكليف رئاسي
-
مثقفي مصر .. صح النوم .
-
رزق الهبل علي الطماعين
-
المستغلين تعلموا و نحن لا نقبل العلام
-
344 سنة فوضي ..ولم نتعلم .
-
شهر رمضان واحسانات الحكومة
-
عندما تصبح الحياة عبئا
-
لا أرى ، لا أسمع ، و لن أتكلم .
-
يا ريتك يا أبويا .. راحت عليك نومة
-
ثلاثين ثانية سعادة .
-
تعددت الأنظمة .. و الفكر واحد
-
الصيغة المصرية للديموقراطية
-
هذا التواجد التافه ..ليتني قلت (لا) .
-
الحرب في بر مصر
-
إستمرار الحكم العسكرى ..أهو قدر
-
تأملات في ذكرى ثورة
-
مافيا الهدم و الجمهورية الجديدة
-
هل مصدرالقيم والأخلاق هو الدين ؟
-
مش قلتلكم بلاش قنزحة .
-
المسكوت عنه في إتفاقية السلام
المزيد.....
-
وقف إطلاق النار في لبنان.. اتهامات متبادلة بخرق الاتفاق وقلق
...
-
جملة -نور من نور- في تأبين نصرالله تثير جدلا في لبنان
-
فرقاطة روسية تطلق صواريخ -تسيركون- فرط الصوتية في الأبيض الم
...
-
رئيسة جورجيا تدعو إلى إجراء انتخابات برلمانية جديدة
-
وزير خارجية مصر يزور السودان لأول مرة منذ بدء الأزمة.. ماذا
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن تدمير بنى تحتية لحزب الله في منطقة جبل
...
-
برلماني سوري: لا يوجد مسلحون من العراق دخلوا الأراضي السورية
...
-
الكرملين: بوتين يؤكد لأردوغان ضرورة وقف عدوان الإرهابيين في
...
-
الجيش السوري يعلن تدمير مقر عمليات لـ-هيئة تحرير الشام- وعشر
...
-
سيناتور روسي : العقوبات الأمريكية الجديدة على بلادنا -فقاعة
...
المزيد.....
-
سيرة القيد والقلم
/ نبهان خريشة
-
سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن
/ خطاب عمران الضامن
-
على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم
/ سعيد العليمى
-
الجاسوسية بنكهة مغربية
/ جدو جبريل
-
رواية سيدي قنصل بابل
/ نبيل نوري لگزار موحان
-
الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة
/ أيمن زهري
-
يوميات الحرب والحب والخوف
/ حسين علي الحمداني
-
ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية
/ جورج كتن
-
بصراحة.. لا غير..
/ وديع العبيدي
-
تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|