أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ملف مفتوح بمناسبة الذكرى الخامسة لاحداث 11 سبتمبر 2001 - دلور ميقري - الحادي عشر من سبتمبر : خمسة أعوام من المعاناة















المزيد.....

الحادي عشر من سبتمبر : خمسة أعوام من المعاناة


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 1670 - 2006 / 9 / 11 - 10:19
المحور: ملف مفتوح بمناسبة الذكرى الخامسة لاحداث 11 سبتمبر 2001
    



تلحّ ثقافتنا الأسلامية ـ بأعرافها وتقاليدها ، على الأقل ـ على الرموز الفلكية ؛ كالأرقام والأبراج والنجوم ، مماهية إياها مع أهواء وتكوينات شخصياتنا ، كما مع مسارات حيواتها ومصائرها . فلا غرو إذاً ، أن تلقى خرافة تلك الرموز ، الموسومة ، هوىً في نفوس الجماعات الأصولية ، المعاصرة ؛ هيَ التي يقومُ خطابها التحريضي في رفضه للمدنية والحضارة ، أساساً ، على فكرة " القيامة " ؛ أو فناء العالم ، وفق تقدير زمنيّ محسوب ، مزعوم . وعلى هذا ، تصاعد ذلك التفسير الفلكي ، الخرافي ، مع سحب دخان الإنهيارات المريعة لبرجَيْ التجارة العالمية ، في نيويورك ، في يوم الثلثاء من الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 ، حتى كاد يغطي عليها خلال التغطية الإعلامية العربية ، العتيدة ، لذلك اليوم الأسود . ونكتفي ، هنا ، بإيراد مثاليْن على الشعوذة الفلكية ، المدعية تمثلها بالعقيدة الإلهية : الثلثاء ؛ كرمز للموت والفناء ، عند العرب الأقدمين . والحادي عشر / 11 ؛ كرمز للبرجَيْن شكلاً ورقماً . إذ فات أولئك المشعوذين ، إياهم ، حقيقة واضحة لا لبس فيها ؛ وهيَ أنه في كلا الرمزيْن ، المذكوريْن ، كما في الرموز الفلكية الاخرى ، قد سادت إعتقادات الجاهلية وطرق تفكير أصحابها ؛ الجاهلية ، التي من المفترض لرسالة الدين الجديد أنها أنزلت لتدحضها وتذري أنصابها وأوهامها .

حديث الأمثلة ، آنف الذكر ، يسمحُ لي ، على ما أفترض ، إستسماحَ حلم القاريء وصبره ، لإيراد مثال معاناتي الشخصية وعائلتي ، إثر " غزوة نيويورك " ، المشؤومة ؛ وهيَ المعاناة ، التي أحسبُ أنّ كل شخص مسلم ، في أوروبة ، قد شاركني فيها أو بعضها أو أضعافها . فمنذ " ثلثاء الموت " ، ذاك ، أضحينا في نظر أهل البلاد المضيفة ـ أو أكثريتهم ، ربما ـ مجرد وحوش ، ما من هدف لنا إلا التبشير بيوم النشر والحشر ، ودفع خلق الله إليه تفجيراً وإغتيالاً وذبحاً ؛ وحوش ، نتلبس أشكالاً آدمية ، لا همّ لنا سوى تكفير الآخرين وترويع حياتهم وتهديدها وتعكيرها . حدّ أن لفظة " الإرهابيّ " ، صارت لدى أولئك الأوربيين ، خصوصاً ، معادلة لصفة المسلم ، عربياً كان أم كردياً أم تركياً أم هندياً .. الخ . منذ الليلة المصاقبة لتلك " الغزوة " ، صرنا نفيق في كل مرة وفي ساعة متأخرة ، على صراخ ثاقب ، مصدره حجرة إبننا . نهرع إليه ، أمه وأنا ، لنراه مرعوباً مرتاعاً ، كأنما أصيبَ بمسّ ؛ هو الطفلُ الرقيق ، البريء ، إبن الأعوام الخمسة وقتئذٍ . نهديء من روعه ، ببسملات والدته ومداعباتي له ، ونصطحبه من ثمّ إلى حجرتنا . ثلاثة أشهر ، على تلك الحالة ، وإبننا يزداد نحولاً وشحوباً وإضطراباً ، فيما التوتر يخيم رويداً على المنزل ، الذي لا أدعي أنه كان مضرب المثل بهدوئه وصفائه ؛ إلا أنه كان كذلك بنظر الأهل والأصدقاء ، على الأقل . إلى أن كانت إحدى الليالي ، السابقة لليلة الميلاد المجيد ، وصرخة إبننا تلك ، المعتادة ، ستضع حداً لحياة زوجية إستمرت لما يقارب الثماني سنوات ؛ الإبن الذي كان ليلتئذٍ مريضاً محموماً ، منكمشاً على نفسه في سريره ، مشدوهاً ، منكراً لنا حتى أنه إنزلق من أيدينا وفرّ في أنحاء المنزل ، لا يلوي على شيء . أضحت تلك الحجرة ، المشؤومة ، ملاذاً لي ، ريثما تنتقل العائلة إلى سكناها الجديد ، بعيد قرار الإنفصال . وكان أن أفقت ، بدوري ، في منتصف إحدى الليالي على ما يشبه طعنة خنجر ، نجلاء ، في صدري ، أعقبها إشتداد ضربات القلب بصورة فظيعة . أم أولادي ، بادرت على الفور للإتصال بالإسعاف ، مبلغة إياهم أن ذبحة صدرية ، ربما ، قد دهمت الرجلَ . تكررت الحالة مرة اخرى ، والطبيب يطمأنني بأنه ما من شيء غير طبيعيّ في قلبي أو في ضغط دمي ، وأنه على الأرجح معاناة من إرهاق أو توتر نفسي . الحقيقة ، كانت غير ذلك . سيتكشف لي مباشرة بعيد إنتقال عائلتي إلى سكنها الجديد ، أن الشبان الثلاثة ، السويديين ، الذين يقيمون في الشقة التي تعلو شقتنا ، يتناوبون في كل ليلة تقريباً ، على تنغيص حياتنا ؛ بقيام الواحد فيهم برفع قطعة أثاث ثقيلة ثم الإنهيال بها على أرض حجرتهم ، التي هيَ في الآن نفسه ، سقف حجرة نومنا : بهذه الطريقة ، الموصوفة ، شاءَ هؤلاء السويديون ، المنتمون لأعرق دولة حضارية متمدنة ، راقية ، إستيفاءَ حقّ الغربيين منا ؛ نحن المسلمين القادمين من المشرق ، الهمجيّ .

خمس سنوات ، كاملة ، من المعاناة . ثلاثة أفواج من المستأجرين ، السويديين أو الفنالنديي الأصل ، تعاقبوا على الشقة التي تعلو مسكننا ، دون أن تخفت معاناتي ، بل تضطرد سوءاً . أضحى الطرق ، ليلاً، على سطح حجرات المنزل ، يكتنفه موسيقى صاخبة وعربدة أولئك الجيران وضيوفهم ، السكيرين جميعاً . ثم يعقبه ، نهاراً ، منغصات لا تحتمل من موسيقى وجلبة وخطى الأقدام الجديرة بالفيلة ، لا ببني آدم . أضحت حديقة منزلي ، التي تتألق في فصول الصحو بأبهى حللها من الأزهار والورود والتعريشات ، بمثابة سلة قمامة لجيراننا المحترمين ، إياهم ؛ حدّ أنهم في إحدى المرات ، رشوها بمادة زيت السيارات : حضر البوليس إثرئذٍ ، لا لكي يحقق في الأمر وإنما لكي يوبخني لأنني جرحت مشاعر جيراني ، الرهيفة ، حينما تكلمت معهم حول المشكلة . لم يكلف الشرطيون أنفسهم ، يومئذٍ ، حتى بسؤال الأصدقاء ، الذين كانوا ضيوفاً لديّ . الأسوأ من كل ذلك ، كانت حالتي مع ولديّ الصغيرين ، وما كنت أعانيه في كل مرة يحضران فيها إليّ في منزلي . وكمثال ، سأذكرُ يوماً لا يمكنني نسيانه ، أبداً : كان ذلك في مستهل العام الجاري ؛ الموافق عيد ميلاد إبنتي ، المكملة لسنواتها الست . لقد توجهنا يومئذٍ برفقة أخيها لنشتري لها الهدايا ، الموعودة . كانت إبنتي معنا في الحافلة ، المتجهة إلى مركز المدينة ، وفي حالة يرثى لها ؛ مصفرة ، باكية ، تعسة ، لا تني عن تذكيرنا كل مرة بكوابيس الليلة الماضية : الليلة ، التي شاءت جارتنا المحترمة ـ وهيَ للمناسبة ممرضة ، من ملائكة الرحمة ـ أن تشارك فيه طفلتي الصغيرة بمسرة ميلادها ، وعلى الطريقة المعروفة ، الموصوفة آنفاً ؛ الليلة ، التي زارنا فيها دفعة وراء الاخرى ، البوليس ومناوبو شركة المساكن ، بلامبالاتهم وإستهتاره ، الروتينييْن .

خمس سنوات ، كاملة ، من المعاناة . لن أسترسل فيما جنيته ، أيضاً ، من متاعب مع زملاء العمل ، في إحدى شركات الإعلان والطباعة ؛ وعلى الخلفية ذاتها من آثار الحادي عشر من سبتمبر . حديث طويل من الشجون . فكلما ضرَبَ الإرهابُ هنا أو هناك ، من " بالي " إلى " لندن " ، دفعنا نحن مسلمو الديار الغربية ثمناً باهظاً . كلما إنبرى معتوهٌ ، من دجالي " القاعدة " وأخواتها ، في فتاوى التكفير والإباحة ؛ سينالنا في هذا الغرب ذاته ما ينالنا من ضغوط لا تحتمل ، نفسية ومعيشية . لن نكف ، هنا ، عن معاطاة أقداح المعاناة والمرارة ، ما دام أولئك الغربيين ، " الكفار " ، لن ينصاعوا ـ على أغلب تقديرات وتحليلات فضائياتنا ، الماجدات ـ إلى دعوة شيخنا الظواهري ، الجديدة ، لهم لإعتناق الإسلام ، أو لدعوة رفيقه أبي حمزة المصري ، القديمة ، لدفع الجزية . وعلى كل حال ، فمعاناتي الشخصية لم تنته وتبدو كما لو أنها مؤبدة ؛ حال الحكم الغاشم ، البعثي ، الذي دفعني إلى مغادرة موطني والإلتجاء للغرب . فقضايا الجيران تلك ، إنتقلت أضابيرها من يد البوليس ، العتيد ، إلى أروقة المحاكمة ، المنتظرة . سينحي أقربائي وأصدقائي ، في تلك الطامة ، باللائمة عليّ لأنني لم أغير مسكني ، بالرغم من كل تلك الأهوال . فأتذكر عندئذٍ ، فوراً ، ما كان من إنذار إبن لادن ، رأس الإرهاب ، لنا نحن المقيمين في " بلاد الكفر " بمغادرتها والعودة إلى حمى ديار الإسلام ؛ الديار الفردوس ، لأهل السلطة وزبانيتها من النهابين الفاسدين ؛ الديار الجحيم ، لأهل البلد المفتقرين المذلين المهانين .



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجريمة والعقاب : طريق نجيب محفوظ في بحث مقارن 3 / 3
- الأعلام العراقية والإعلام العربي
- علم الكرديّ وحلمه
- الجريمة والعقاب : طريق نجيب محفوظ في بحث مقارن 2 / 3
- محفوظ ؛ مؤرخ مصر وضميرها
- الجريمة والعقاب : طريق نجيب محفوظ في بحث مقارن 1 / 3
- كردستان ، موطن الأنفال
- ثقافة المقاومة أم ثقافة الطائفة ؟
- المقاومة والمعارضة 2 / 2
- المقاومة والمعارضة
- الكوميديا السورية
- إنتصار الظلامية والإستبداد ؟
- ثقافة المقاومة ، ثقافة الموت
- لبنان في فم الأسد ، مجدداً ؟
- صلاح الدين عصرنا
- قصف إعلامي ، عشوائي
- محمد أوزون ؛ كاتبٌ كرديّ على أبواب العالم
- من البونابرت العربيّ إلى الطاغوت الطائفيّ
- الزرقاوي ، وسوداويّة الإسلام السياسي
- الوجهُ الجميل لنظام ٍ قبيح


المزيد.....




- -عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
- خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
- الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
- 71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل ...
- 20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ ...
- الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على ...
- الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية ...
- روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر ...
- هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
- عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز ...


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ملف مفتوح بمناسبة الذكرى الخامسة لاحداث 11 سبتمبر 2001 - دلور ميقري - الحادي عشر من سبتمبر : خمسة أعوام من المعاناة