نهرو عبد الصبور طنطاوي
الحوار المتمدن-العدد: 1669 - 2006 / 9 / 10 - 10:26
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الأساس في العلاقات بين بني البشر في القرآن تقوم على التنوع المؤدي حتما إلى التعارف فيما بينهم.
قال تعالى:
(يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم).
والتفاضل الوحيد بين بني البشر يكون في فعل التقوى (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) والتقوى هي من الوقاية والوقاية أصلها في اللسان العربي هي: دفع شيء عن شيء بغيره. بمعنى دفع غضب الله وعذابه عن الناس بفعلهم للطاعات وتركهم المعاصي.
إذن من هذا النص القرآني العظيم نستنتج أن أصل العلاقة بين الناس هو أنهم من جنس واحد وهو الجنس البشري أو جنس الناس الذي يتنوعون في ذكر وأنثى وشعوبا وقبائل ، وجعل الله هذا التجانس مع ذلك التنوع لغاية أن يتعارف الناس مع بعضهم البعض أو على بعضهم البعض ، إذ لو كان الناس نوعا واحدا وشعبا واحدا وقبيلة واحدة لما احتاج الناس إلى التعارف فيما بينهم ، أما التنوع بين بني الجنس الواحد هو الباعث على تعارف الناس فيما بينهم ، وتعرفهم على بعضهم البعض ، وأصل التعريف والتعارف هو: تحديد الشيء بذكر خواصه المميزة.
إذن أصل العلاقات بين الناس يقوم على التعارف والتكامل والتعاون فيما بينهم وهذه هي القاعدة ، أما الاستثناء فيكون في حالات الحروب والاعتداء من قبل البعض على البعض الآخر ، ومن هنا يأتي التشريع القرآني للولاء والبراء.
البعض من الناس يعتقد جهلا أن نهي القرآن عن موالاة البعض من غير المسلمين ، هو تحريض من القرآن للمسلمين على كره غير المسلمين وبغضهم بسبب عدم اعتناقهم للإسلام أو بسبب بقائهم على دياناتهم، وهذا فهم قاصر خاطئ لنصوص القرآن.
إن الولاء والبراء بين المسلمين وغير المسلمين من المواضيع التي أخطأ في فهمها معظم الناس المسلمين وغير المسلمين, وكل أدلى بدلوه في هذا الموضوع .
فالتيارات الإسلامية معظمها يعتبرون أن أي شخص على وجه الأرض لا ينتسب للإسلام يجب على المسلمين معاداته وبغضه والتبرؤ منه ويحرم مخالطته ومصاحبته ومشاركته ويحرم حبه والتودد إليه , أما البعض من غير المسلمين يتلقفون هذا الفهم السقيم الذي يفهمه المغالون والمتشددون المسلمون بغرض تشويه صورة الإسلام , ثم يقولوا انظروا إلى الإسلام إنه دين يدعو إلى العداء والكراهية والحقد بين الناس, وإنه دين لا يعرف التسامح ولا الرحمة.
هذا هو اعتقاد كل من المسلمين المتشددين وغير المسلمين, فكل منهما ينظر إلى الموضوع حسب رؤيته وحسب ما يؤيد نظريته وتوجهه، وكل من الفريقين يعتمد على بعض القصص وبعض الأحاديث الظنية المتناقضة والمتضاربة مع المنهج القرآني الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
وكما يعلم الجميع أن كتب التراث الإسلامي وما يسمى بالسنة والسيرة والفقه معظمها مليئة بالتناقضات في كل الأحكام والتشريعات والوقائع بحيث لا يكاد يخلو حكم أو تشريع أو حادثة واحدة إلا وفيها خلاف واختلاف وتناقض تعج به كتب التراث ، وهذا واضح جلي لكل من له أدنى اطلاع على كتب التراث الإسلامي والذين يعتمدون كتب التراث كمصادر ومراجع لتوجهاتهم الفكرية والشخصية سواء منهم التيارات الإسلامية أو غير الإسلامية وكما هو معلوم وليس بخاف على أحد أنهم يصطادون من كتب التراث ما يحلوا لهم ولمناهجهم وتوجهاتهم الشخصية ، ولحاجات في نفوسهم.
ولكن ماذا عن رؤية القرآن لهذه المسألة؟ هذا ما سوف نجيب عنه في هذا المقال.
سوف نعرض نظرة القرآن إلى الولاء والبراء أو الموالاة والمعاداة بين المسلمين وغير المسلمين على النحو التالي :
بداية نقول إنه من المحال أن يأمر دين من الأديان اتباعه بأن يكرهوا أهل الأرض جميعا دون سبب يذكر , أو أن يعادوا أهل الأرض جميعا دون سبب يذكر, لا لشيء سوى انهم غير مسلمين أو غير تابعين لدين الإسلام , فلو حدث هذا فهو ضرب من الجنون الذي لا يستسيغه عقل , ومحال أن يكون هذا دين جاء من عند الله ومحال أن يكون هذا مقصد القرآن وهذه نظرته . إذن ما هي نظرة القرآن لهذه المسالة ؟
قبل الحديث عن الولاء والبراء في القرآن نقوم ببيان معنى كل من الولاء والبراء كما جاء في اللسان العربي على النحو التالي:
الولاء في أصل اللسان العربي هو: القرب.
أما البراء فهو: التباعد من الشيء ومفاصلته.
ومن هذا المعنى للولاء نرى أن الله قد نهى عن القرب من بعض الكفار والقرب منهم جاء في كل آيات القرآن بمعنى النصرة أي مناصرة الكفار ضد المسلمين وذلك في حالة الحروب والاعتداء فقط من قبل الكفار على المسلمين, ولا يمكن أن يكون المقصود بالولاء وشائج القرابة أو المحبة أو الصداقة أو المعاملة بالحسنى كما يعتقد البعض ، لأن الولاء بهذين المعنيين يستحيل النهي عنهما , لأن القرابة موجودة أصلا ولا يعقل النهي عنها والمحبة أيضا لا يمكن النهي عنها، أما ما يمكن ويعقل النهي عنه هو ولاء النصرة بمعنى المساعدة والمعاونة وهذا هو ما قصده الله سبحانه بالنهي عنه , ومن المعلوم عند الناس أن النصرة لا تكون إلا في الحروب إذ لا يعقل أن يكون هناك نصرة لأحد على أحد إلا بوجود عداوة وحرب وهذا ما قصده الله سبحانه عن تولي الذين كفروا أي عند نشوب الحرب والقتال بين المسلمين وغير المسلمين , فلا يحل لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن ينصر أو يناصر الكفار المعتدين على إخوانه المسلمين , أما المشركين وغير المسلمين من أي ملة كانوا لم ينه الله عن معاملتهم وبرهم والعدل في معاملتهم والإحسان إليهم ما لم يناصبوا المسلمون العداء في دينهم أو يغتصبوا حقوقهم.
وهنا مسألة أيضا يجب توضيحها وهي أن أي حرب بين المسلمين وغير المسلمين يجب أن ينظر إلى سبب هذه الحرب فإن كان سببها اضطهاد المسلمين وسلب حقوقهم بسبب دينهم أي اعتناقهم للإسلام فعندها لا يحل لمسلم يؤمن بالله ويؤمن بالإسلام أن يناصر غير المسلمين ويتولاهم في حربهم ضد المسلمين , وقد تنشب حرب بين المسلمين وغير المسلمين بسبب قطعة أرض أو أي سبب آخر غير الدين فهنا ينظر إلى الحق مع من ؟ مع المسلمين أو مع غير المسلمين , فإن كان الحق للمسلمين فلا ينبغي مناصرة غير المسلمين وإن كان الحق مع غير المسلمين فلا ينبغي أن يناصر المسلمين في ظلمهم لغيرهم , حتى و لو كانوا مشركين وغير مسلمين ما دام انهم معتدى عليهم من قبل المسلمين , وهنا ينبغي أن يناصر صاحب الحق ويقف بجانبه حتى ولو كان غير مسلم ضد مسلم لأن الله امرنا بالعدل بين الناس مؤمنهم وكافرهم ، قال تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان).
فالنهي عن ولاية ومناصرة المشركين أو الكافرين الواردة في القرآن هي للذين يقاتلون المسلمين في دينهم ، أو قتال من يغتصبون حقوق المسلمين ويخرجونهم من ديارهم وأموالهم وأبنائهم بغير حق , وهذا ما قرره القرآن في كل نصوص القرآن التي تنهى عن موالاة غير المسلمين.
قال تعالى :
(لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلونكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين * إنما ينهاكم عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون)
فلم ينهى الله عن ولاية أحد على وجه الأرض إلا الذين يقاتلون المسلمين في دينهم أو يغتصبوا حقوقهم أومن يناصرهم حتى ولو كان من المسلمين , فمن ناصر أعداء المسلمين وساعدهم وعاونهم ضد المسلمين يجب التبرؤ منه وعدم ولايته إلا إذا تاب وعدل عن فعله هذا ، هذا شريطة أن يكون الحق والعدل مع المسلمين.
ولم ترد آية في القرآن تنهي عن ولاية المشركين أو أهل الكتاب اليهود والنصارى لأجل دينهم أو عدم اعتناقهم للإسلام ، إلا الذين حاربوا المسلمين في دينهم أو اغتصبوا حقوقهم أو أعانوا أعداء المسلمين عليهم وناصروهم وساعدوهم ضد المسلمين , وكل آية وردت في النهي عن موالاة المشركين أو اليهود أو النصارى ومن ناصرهم ومن تولاهم لا بد وأن يذكر سياق القرآن أنهم ظالمين للمسلمين أو معتدين على حقوق المسلمين أو مناصرين لأعداء المسلمين , ولم يرد نص قط في القرآن ينهى عن موالاة المشركين أو اليهود والنصارى بسبب عدم اعتناقهم للإسلام أو بسبب كفرهم وشركهم فهذا لم يرد قط في كتاب الله , ومن يأت بنص مقتطع من سياق الآيات فليراجع القارىء الآيات قبلها والآيات بعدها وسيعرف أن كل نهي عن موالاة المشركين واليهود والنصارى مقصود منه المحاربين للمسلمين فقط , وليس كل المشركين وليس كل الكافرين وليس كل اليهود والنصارى بل المعادين والمحاربين لهم والمعتدين عليهم بسبب دينهم , وسوف أورد كل النصوص التي وردت في القرآن في النهي عن موالاة المشركين واليهود والنصارى المعادون للمسلمين والمعتدون عليهم بسبب اعتناقهم للإسلام , والمعاونين للمشركين ضد المسلمين .
قال تعالى : (لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء)
هذا نهي من الله للمؤمنين عن اتخاذ الكافرين أنصارا من غير المؤمنين والنصرة لا تكون إلا في الحرب أو في إبطال حق للمؤمنين , أما في أمور الحياة اليومية من معاملات وبر وعدل وإحسان ومعاونة وغيرها فلا يقال عنها ولاية أو نصرة لأن النصرة لا تكون إلا في الحرب أو في إبطال حق لصاحب الحق , هذا هو معنى النصرة وتكون الولاية للأعداء ونصرتهم إما بمساعدتهم ضد المسلمين أو بتقديم ما من شأنه إلحاق الأذى والظلم بالمسلمين أو بالقتال معهم أو بالتجسس للأعداء ضد المسلمين كل هذا ولاية ونصرة وهذا هو معنى قوله تعالى: (من دون المؤمنين) أي من غير المؤمنين , ولا يقصد مطلقا من هذه الآية القرابة أو المحبة أو الصداقة والمعاملة بالتي هي أحسن وهذا محال أن ينهى الله عنه لاستحالة تحقيقه إذ كيف أنهي شخصا عن قرابته حتى لو كانوا أعداء له ؟ أو كيف أنهاه عن محبة شخص ما حتى ولو كان عدو له أو مواليا لأعدائه ؟ وذلك لأن القرابة والمحبة حاصلة قبل العداوة وهذا ما لا سبيل إلى منعه مطلقا , أما المقصود عدم مناصرة الكفار المعتدين على المسلمين وعدم تقديم أي عون لهم ولو كان هؤلاء القوم أحبة وذوي قربى.
وقال تعالى:
(ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء فلا تتخذوا منهم أولياء حتى يهاجروا في سبيل الله فإن تولوا فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم ولا تتخذوا منهم وليا ولا نصيرا)
وهؤلاء جماعة من المسلمين بقوا في مكة ولم يهاجروا مع الرسول وتمنوا أن يبقى المسلمين في صفوف الأعداء مثلهم لقوله تعالى :(ودوا لو تكفرون كما كفروا) فهؤلاء نهى الله عن نصرتهم ما داموا بين صفوف الأعداء , لكن إن هاجروا وتركوا أهل مكة المعتدين الغاصبين فعندها ينتهي الأمر , أما إن بقوا ودارت رحى الحرب فيجب قتلهم أينما وجدوا ولا يحل مناصرتهم وهم على هذه الحال .
قال تعالى:
(بشر المنافقين أن لهم عذابا أليما * الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا)
وقال تعالى:
(يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا)
وقال تعالى:
(يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منكم إن الله لا يهدي القوم الظالمين * فتري الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسي الله أن يأتي بالفتح أوامر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين)
وقال تعالى:
(يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء واتقوا الله إن كنتم مؤمنين * وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزوا ولعبا ذلك بأنهم قوم لا يعقلون)
وقال تعالى:
(ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون)
وقال تعالى:
(مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون)
وقال تعالى:
(وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض)
وقال تعالى:
(إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون)
كل هذه النصوص تنهى عن موالاة ونصرة غير المسلمين ضد المسلمين سواء كانوا مشركين أو من أهل الكتاب اليهود والنصارى إذا كانوا يحاربون المسلمين ويضطهدونهم من أجل دينهم أو إخراجهم من ديارهم واستولوا على أموالهم , فلا يحق مناصرتهم ولا مناصرة من يناصرهم ضد المسلمين , والمناصرة والولاية تعني في مصطلحاتنا الحديثة التجسس لصالح العدو أو تقديم أي مساعدات له ضد المسلمين .
* القــرابة والمحبــة والولاء والبراء:
لا يمكن أن ينهى الله عن القرابة فهذا محال لأن جميع المسلمين الذين هاجروا من مكة كان لهم أقرباء في مكة وبقوا مع المشركين ولم يأمر الله أحدا بقطع قرابته أو بقطع رحمه وإنما نهى عن مناصرة وولاية الأقرباء المشركين ضد المسلمين .
أما المحبة فلا مانع من أن يحب المسلم غير المسلم ما دام لم يقاتله في دينه ولم يخرجه من داره ولم يعتد عليه ولم يعن عليه أعداءه , والدليل على ذلك قوله تعالى: (أن تبروهم وتقسطوا إليهم) والبر هو المودة والمحبة وعمل الخير , وأباح الله أن نتزوج المحصنات من نساء اليهود والنصارى حتى ولو بقين على دينهن ولم يدخلن الإسلام , وهذه الزوجة اليهودية أو النصرانية ألا يحبها زوجها المسلم ويتودد إليها ويأكل ويشرب ويقيم معها بصفة دائمة وهي لا تزال على يهوديتها أو نصرانيتها , إذ لا يعقل أن يتزوج رجل امرأة وهو لا يحبها ويودها وربما يعشقها . إذن لم يأمر القرآن ببغض أحد من غير المسلمين مهما كان دينه إلا إذا قاتل المسلم في دينه أو أعان أعداء المسلمين عليهم .
* كيف بدأت ولاية ومناصرة بعض المسلمين للمشركين والكفار:
لما هاجر الرسول والذين آمنوا معه هربا من اضطهاد أهل مكة إلى المدينة بعد محاولة اغتيال الرسول , ترك المهاجرون بمكة أهليهم وذويهم وأقربائهم وبنو عمومتهم , فلما أذن الله لرسوله صلى الله عليه وسلم بقتال أهل مكة لاسترداد حقوقهم وديارهم وأموالهم التي اغتصبها أهل مكة بعد إخراج الرسول وأتباعه منها , حاول البعض من أتباع الرسول أن يجامل أهل مكة ويتودد إليهم حفاظا على أهليهم وذويهم الذين بقوا في مكة ومنهم من تجسس لصالح أهل مكة كما ذكر القرآن .
قال تعالى:
(يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوى وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي تسرون إليهم بالمودة وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل * إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء وودوا لو تكفرون * لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم يوم القيامة يفصل بينكم والله بما تعملون بصير)
فيبين لنا هذا النص القرآني أن السبب الرئيسي وراء موالاة ونصرة بعض المسلمين لأهل مكة الأعداء هو الحفاظ على الأولاد وذوي الرحم والقرابة الذين بمكة ولم يهاجروا , وكان الخوف على الآباء والأبناء والإخوان والأزواج والعشيرة والأموال والديار هو الباعث الرئيسي الذي جعل بعض المسلمين يوالى أعداء المسلمين من أهل مكة حفاظا عليهم من أن يبطش بهم أهل مكة أو ينكلوا بهم , وهذا هو الذي نهى الله عنه من موالاة الأعداء حتى لو كان الأهل وذوي القربى والعشيرة بينهم ضد المسلمين أثناء الحرب لاسترداد الحقوق وهذا ما أكد الله عليه في نص آخر في سورة التوبة.
قال تعالى:
(يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون * قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين)
وكان العمل الثاني الذي جعل بعض المسلمين يوالى أهل مكة هو وجود بعض المسلمون بين أهل مكة الذين آمنوا برسالة الإسلام وكانوا يستطيعون الهجرة لكنهم تكاسلوا وتقاعسوا عن الهجرة خوفا منهم على أموالهم وأولادهم وأهليهم من بطش أهل مكة بهم وهؤلاء نهى القرآن عن موالاتهم أو نصرتهم حتى يهاجروا , وهؤلاء قال الله فيهم :
قال تعالى:
(إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا أولئك بعضهم أولياء بعض والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق والله بما تعملون بصير).
#نهرو_عبد_الصبور_طنطاوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟