|
تروتسكي و التروتسكية - كيف اندمجت التروتسكية بيسار رأس المال
موقع أصوات أممية
الحوار المتمدن-العدد: 7204 - 2022 / 3 / 28 - 08:35
المحور:
في نقد الشيوعية واليسار واحزابها
السؤال الأساسي المطروح ( هنا ) هو كيف نشأت من أحد الصناع الرئيسيين لثورة أكتوبر المجيدة و الخطيب المفوه للثورة الشيوعية و أحد أبطال الحرب الأهلية ، إيديولوجيا معادية للثورة و معادية للشيوعية اسمها التروتسكية . الحقيقة المرة هي أن تروتسكي نفسه كان الواضع الأساسي للتروتسكية و أن اندماج التروتسكية بيسار رأس المال قد بدأ أثناء حياة تروتسكي و استكمل بشكل نهائي لا رجعة عنه أثناء الحرب العالمية الثانية . لكن يجب أن نلاحظ هنا أن تروتسكي قد مات ثوريًا على الرغم من كل الاخطاء و التشوش الذي أحاط به عند وفاته . لذلك ينتمي تروتسكي و التروتسكية إلى معسكرين مختلفين . لو أن تروتسكي لم يقتل ربما كان قد نأى بنفسه عن التروتسكية . لقد رأينا كيف ابتعدت ناتاليا تروتسكي عن التروتسكيين و لم ترغب أن تعرف و تربط مع الأفعال المعادية للثورة للتروتسكيين . لعب تروتسكي دورًا رئيسيًا كرئيس لمجلس عمال بتروغراد في عامي 1905 و 1917 . و من السليم القول أن تروتسكي كان بعد لينين الشخصية الأكثر أهمية في ثورة أكتوبر المجيدة . بالرغم من ذلك ، و رغم أن الستالينية كانت هي حفارة قبر ثورة أكتوبر البروليتارية فإن دور تروتسكي كان أساسيًا في تطبيق أكثر السياسات المعادية للعمال وحشية مثل عسكرة العمل و سحق موجة الإضرابات في بتروغراد و انتفاضة كرونشتادت و غير ذلك ، حتى ظهر كمعارض في عام 1923 . لوقت طويل التزم تروتسكي الصمت في وجه صعود الثورة المضادة و فضل استرضاء السلطة و الستالينية . مشيرًا إلى نجاحاته في الحرب الأهلية ، شدد تروتسكي على أن هذه التجارب و الخبرات ( العسكرية ) يمكن استخدامها أيضًا على جبهة العمل و أن "عسكرة العمل" لكل الطبقة العاملة يمكن تطبيقها في إعادة إعمار الاتحاد السوفياتي . بعد أن أثبتت شيوعية الحرب عدم نجاعتها ، و التي كان تروتسكي نفسه أحد واضعيها ، أصبح تروتسكي نصيرًا متحمسًا للسياسة الاقتصادية الجديدة ، النيب . و لعب دورًا رئيسيًا في تمرير قرار منع "الكتل" ( داخل الحزب ) و كان دوره مركزيًا كذلك في تقرير تكتيك "الجبهة المتحدة" . لم يستطع تروتسكي أن يفهم التغيرات التي طرأت على الرأسمالية و لم يستطع بالتالي أن يفهم انحطاطها . و عجز أيضًا عن فهم أن شكل تنظيم الطبقة العاملة لا تحدده الطبقة العاملة بل درجة نمو و تطور الرأسمالية . في عصر نمو الرأسمالية كانت النقابات منظمات عمالية لكن مع دخول الرأسمالية عصر انحطاطها اندمجت النقابات بالدولة الرأسمالية . بعض أنصار تروتسكي ، بمن فيهم مانديل ، زعموا أن تروتسكي قد امتلك فهمًا ماركسيًا صحيحًا للفترة الانتقالية ( ديكتاتورية البروليتاريا ) و الاشتراكية و الشيوعية . بالعودة إلى تروتسكي نفسه يمكننا أن نؤكد أن زعم التروتسكيين هذا غير صحيح و أن تروتسكي كان مشوشًا في هذا الصدد . يزعم التروتسكيون أن تروتسكي كان معارضًا جديًا للأطروحة المعادية للماركسية عن "بناء الاشتراكية في بلد واحد" و أنه حاربها طوال حياته . لكن هذا غير صحيح ، ليس فقط أن موقفه من هذه الأطروحة كان ملتبسًا في كثير من الأحيان بل إنه أحيانًا فقد البعد الماركسي و ظهر كمدافع عن فكرة "بناء الاشتراكية في بلد واحد" . لقد أظهرنا أن تروتسكي قد تخلى عن فكرة مجالس العمال على أنها السلطة البروليتارية ( الحقيقية ) لصالح ديكتاتورية الحزب و دافع عن استبدال الأولى بالأخيرة أي ديكتاتورية الحزب مكان ديكتاتورية الطبقة العاملة . في الواقع إن ديكتاتورية الحزب هذه هي شكل ( امتياز ) لا واعي من البرلمانية . أثناء نضال لينين ضد مخاطر الثورة لم يقف تروتسكي إلى جانبه و بقي صامتًا و عمل فعليًا على استرضاء السلطة الحاكمة و ستالين . لم يكتف فقط بإطاعة ستالين بل روج أيضًا لثقافة الخضوع و الانصياع . بالنسبة لتروتسكي كان التأميم يساوي الجمعنة ( التحول الاشتراكي ) ، و هكذا لم تكن المهمة الرئيسية للاشتراكية القضاء على العمل المأجور بل نزع ملكية البرجوازية . في هذا السياق كانت بالنسبة له ، الملكية الخاصة في أيدي الرأسماليين الأفراد تميز الرأسمالية و ملكية الدولة تعني بالنسبة له الاشتراكية . لم يكن تروتسكي قادرًا على إدراك أن البيروقراطية التي كان يتحدث عنها كانت طبقة حاكمة جديدة و تتحكم بوسائل الإنتاج و تستولي بشكل جماعي على فائض قيمة استغلال الطبقة العاملة . فائض القيمة الناتج هذا سيقسم بين أعضاء الطبقة الحاكمة ( الجديدة ) ، أي البيروقراطية . هذه العملية كانت تتم بشكل جماعي ( داخل هذه الطبقة ) . رأى تروتسكي أن الستالينية هي من حيث الأساس دولة عمالية . اعتبر تروتسكي أن حفار قبر ثورة أكتوبر البروليتارية ، أي الستالينية ، أنها بروليتارية . هذه الثورة المضادة التي احتفلت بانتصارها على أنقاض ثورة أكتوبر المجيدة و أصبحت حصنًا للثورة المضادة و تحولت إلى أكبر عقبة في طريق الدفع بالمواقف البروليتارية . لسنوات كان التركيز الأساسي للنضال التروتسكي على إصلاح الأممية الشيوعية ، بكلمات أخرى ، النضال و محاولة إحياء جثة متعفنة ، عوضًا عن تشكيل تنظيم جديد و الدفاع عن المواقف البروليتارية و الشيوعية و النضال ضد الكومنترن الذي كان قد أصبح مركزًا للثورة المضادة . حتى عام 1934 استمرت بعض الصلات بين تروتسكي و التروتسكية و بين اليسار الشيوعي لكن الصدع و الانفصال بينهما قد اكتمل في ذلك العام . كان اليسار الشيوعي قد وصل لاستنتاج أنه بعد اندماج الكومنترن مع المعسكر الرأسمالي في عام 1928 و الهزيمة المؤقتة للبروليتاريا و كمدافع عن استمرار الصراع الطبقي ، أنه لم يعد من الممكن إنشاء حزب جديد على أساس البرنامج البروليتاري . لأن إنشاء هذا الحزب ليس أمرًا طوعيًا ( رغبوي ، إرادوي ) بل نتاج ظروف معينة للصراع الطبقي ، تكون فيها المنظمات و المجموعات الموجودة بالفعل غير قادرة على تلبية حاجات و متطلبات الصراع الطبقي ، يصبح عندها تشكيل حزب عالمي مطروحًا على جدول الأعمال . اعتبر اليسار الشيوعي أن ما نحتاجه اليوم هو إنشاء مجموعات شيوعية للدفاع عن المواقف و البرامج البروليتارية بحيث يمكنها ان تشكل حزبًا جديدًا عندما تتطلب ظروف الصراع الطبقي ذلك . إذا نظرنا أبعد من الرطانة الثورية للبرنامج الانتقالي ، برنامج الأممية الرابعة ( و هو نفس برنامج الحد الأدنى للاشتراكيين الديموقراطيين أو الستالينيين ) يمكننا أن نرى ظهور - اقتراح تشكيل جمعية وطنية ، جمعية تأسيسية ، حرية وطنية ، إصلاح زراعي و ما إلى ذلك . يقول البرنامج الانتقالي أنه على العمال أن يتسلحوا ببرنامج ديمقراطي كخطوة أولى . لماذا إذن عارض البلاشفة ، بقيادة تروتسكي نفسه ، الجمعية التأسيسية في روسيا عام 1917 و اعتقدوا أن السلطة ، كل السلطة ، يجب أن تكون بأيدي السوفييتات ؟ يعكس برنامج تروتسكي الانتقالي ابتعاده عن الماركسية و عودته إلى الاشتراكية الديمقراطية . دعا تروتسكي البروليتاريا العالمية لتكون بارودا للمدافع و وقودًا للدفاع عن الاتحاد السوفيتي . لخمس سنوات دعا التروتسكيون عمال كل البلاد ليذبحوا بعضهم البعض في حرب إمبريالية ، حدث ذلك في الحرب العالمية الثانية و للدفاع عن الاتحاد السوفياتي . تحول التروتسكيين إلى جنود ممتازين دفاعًا عن الديمقراطية البرجوازية و عن الثورة المضادة الستالينية و عملوا على تحويل العمال إلى وقود للمذبحة الإمبريالية . كما أصبح التروتسكيون جنودًا مدافعين عن البورجوازية أثناء الحرب العالمية الثانية أصبحوا عندها بالتالي جزءً من المعسكر البرجوازي . أعلن التروتسكيون أن مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية قد غيرت حظوظ الحركة العمالية ، بكلمات أخرى أن الطبقة العاملة لم تعد القوة الدافعة للثورة الاجتماعية . أن الثورات ضد الاستعمار في العصر الجديد و التي ستأخذ شكل ثورات دائمة ، ستصبح جزءً من الثورة العالمية . بكلمة أخرى أن القوة المادية للثورة العالمية لن تكون الطبقة العاملة بل أنصار الثورات ضد الاستعمار . في عصر انحطاط الإمبريالية ، في العصر الإمبريالي ، كل الحروب رجعية ، كل الحروب إمبريالية ، وحدها الثورة الاجتماعية تقدمية . السؤال الرئيسي الذي يطرح هنا هو ما كان موقف و توجه التروتسكيين في مواجهة الحروب الإمبريالية ؟ كل التروتسكيين و بلا استثناء و تحت رايات و شعارات "الدفاع عن الثورة" , "الدفاع عن الديمقراطية" , "محاربة الفاشية" , "التحرر الوطني" , "حرب التحرير" , و "حق تقرير المصير" , الخ ، في كل الحروب الإمبريالية ، التي ذبح فيها العمال ، عاملوا العمال كوقود لتلك الحروب و دفعوا العمال دفعًا إلى تلك المذابح الإمبريالية . إن معاملة العمال كوقود للنزاعات الإمبريالية توجد في مورثات التروتسكيين ، في حمضهم النووي . لم تندلع أية حرب إمبريالية لم يعمل التروتسكيون فيها على جر العمال إلى المذبحة الإمبريالية . إن دم العمال يقطر من أيدي التروتسكيين . اليوم انحدرت التروتسكية بعد مئات الانشقاقات إلى شيع و طوائف ذات اعتقادات و مواقف متباينة . هذه الجماعات تشكل اليوم منظومة يسار رأس المال . إنها لا تعمل من أجل انعتاق الطبقة العاملة ، بل في سبيل رأسمالية الدولة . ناتاليا تروتسكي ، أرملة تروتسكي ، كانت واحدة من التروتسكيين الذين رفضوا أن ينخرطوا في النشاطات الرجعية و البرجوازية للتروتسكيين و التي عرفت التروتسكي و اعتبرته استمرارًا للسياسات التروتسكية المعادية للثورة . لكنها لم تتمكن مع ذلك من انتقاد التروتسكية نفسها ، أي السبب الرئيسي للمواقف التروتسكية المعادية للثورة . هذه الدراسة تبين من هم الورثة الحقيقيين للشيوعية - اليسار الشيوعي ( رغم أنه في عزلة مطلقة و في أكثر الظروف صعوبة و على الرغم من ضعفه و من التباس مواقفه أحيانًا في كل الحوادث الاجتماعية ) - فقد بقي مخلصًا للمواقف و المبادئ البروليتارية و قدم أفقًا بروليتاريا بالفعل و حاول إثراء الماركسية و أن يصبح جزءً مهمًا من الذاكرة التاريخية للبروليتاريا . لذلك فإن اليسار الشيوعي هو البديل الوحيد الممكن للثورة العالمية القادمة .
للتواصل مع موقع أصوات أممية : [email protected]
#موقع_أصوات_أممية (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تروتسكي و التروتسكية - كيف اندمجت التروتسكية بيسار رأس المال
المزيد.....
-
فيديو لحافلات تقل مرضى وجرحى فلسطينيين تصل إلى معبر رفح في ط
...
-
قصف روسي لبلدة دوبروبيليا الأوكرانية يخلف جرحى وخسائر مادية
...
-
مقتل عشرة في قرية سورية سكانها علويون والسلطات تبحث عن الجنا
...
-
لمن سيصوت الألمان من أصول عربية خلال الانتخابات المقبلة؟
-
للمرة الأولى منذ 12 عاما.. أسير أردني يلتقي بطفله الوليد من
...
-
مجموعة لاهاي تكتل دولي لمحاسبة إسرائيل
-
حماس: حالة أسرى العدو تثبت قيم وأخلاق المقاومة
-
كاتب تركي: ترامب حوّل -الحلم الأميركي- إلى كابوس
-
الجميع متعبون والمزاج تغير.. الغارديان تلقي الضوء على أزمة ف
...
-
-مشهد مخيف هناك-: مراسل CNN يصف ما سببه تحطم الطائرة بمركز ت
...
المزيد.....
-
عندما تنقلب السلحفاة على ظهرها
/ عبدالرزاق دحنون
-
إعادة بناء المادية التاريخية - جورج لارين ( الكتاب كاملا )
/ ترجمة سعيد العليمى
-
معركة من أجل الدولة ومحاولة الانقلاب على جورج حاوي
/ محمد علي مقلد
-
الحزب الشيوعي العراقي... وأزمة الهوية الايديولوجية..! مقاربة
...
/ فارس كمال نظمي
-
التوتاليتاريا مرض الأحزاب العربية
/ محمد علي مقلد
-
الطريق الروسى الى الاشتراكية
/ يوجين فارغا
-
الشيوعيون في مصر المعاصرة
/ طارق المهدوي
-
الطبقة الجديدة – ميلوفان ديلاس , مهداة إلى -روح- -الرفيق- في
...
/ مازن كم الماز
-
نحو أساس فلسفي للنظام الاقتصادي الإسلامي
/ د.عمار مجيد كاظم
-
في نقد الحاجة الى ماركس
/ دكتور سالم حميش
المزيد.....
|