محمد فُتوح
الحوار المتمدن-العدد: 7204 - 2022 / 3 / 28 - 05:12
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
---------------------------------------------------------
قرأت فى الأيام القليلة الماضية ، عدة مقالات من زوايا مختلفة ، عن جماعة الإخوان المسلمين المحظورة ، تعكس تلك المقالات ، استنكاراً واضحاً ، ورفضاً مباشراً للتصرفات الأخيرة التى قامت ، ومازالت تقوم بها ، جماعة الإخوان ، محليا ، ودوليا .
إن قيادات هذه الجماعة ، المتمثلة فى مكتب إرشاد الجماعة ، المكون من 15 عضواً ، تعقد اجتمعات برئاسة المرشد العام الذى عرفناه باسم محمد مهدى عاكف ، لابتكار آليات جديدة ، أو تحديث آليات قديمة ، لمواجهة الحكومة وتصعيد تهديداتها وتكثيف دورها ، على الحملات النشطة اليقظة التى تتخذها الحكومة متمثلة فى أجهزة الأمن.وان كانت حملات غير كافية ، لا تضرب فى جذور الوجود الفعلى لهذه الجماعة .
وقد صرحت قيادات الجماعة ، أن كل ما تفعله الحكومة ، من اعتقال لكوادرها ، وفض مظاهراتها فى القاهرة والمحافظات ، لن يهدىء غضبها ، ولن يقلل من تعبئتها الحماسية المباشرة للناس ، وأنها مستمرة فى نشاطها ، حتى لو لم يبق منهم عضو واحد (إدعاء البطولة وتمثيل دور التضحية ).
إن هجوم الجماعة بهذا الشكل على المجتمع المصرى ، وحكومته ، والأجهزة المنوط بها حمايته ، من نشر الفكر الدينى المتطرف ،واستخدامه للصراع على الحكم ، وأيضاً اللجوء إلى علاقاتهم بالقوى الخارجية فى التصدى للدولة (بدأ اتصالهم بالخارج منذ عام 1954) . وذلك بعد المحاولة الفاشلة لاغتيال " عبد الناصر " ، فى حادث المنشية بالاسكندرية فى 26 أكتوبر 1954 .
ان التعنت الاخوانى الموروث ، يفقدها بعضاً من القطاعات التى تم استقطابها بالفعل وتجنيدها وإلغاء عقولهم . كذلك يفقدها بعض القطاعات ، التى كانت " محايدة " تجاههم ، أو تميل للوقوف معهم ، ولو معنوياً ، لا ديناً أو سياسياً.
إن الإخوان مصرون على عدم التعلم من التاريخ ، ومصرون على تمزيق وحدة المجتمع المصرى ، على أساس الدين ، ومصرون على أنهم المبشرون الأصلح لتطبيق شرع الله وأحكام الإسلام وتعاليم الدين.
أكثر من هذا ، فى هجومهم الأخير على الحكومة ، يقولون إنهم سيواصلون
" الجهاد " و " المعركة " حتى ينال " الشعب المصرى حقوقه " .. هل الإخوان يخوضون معركة الجهاد ويمدون الحملات ويرتبون المظاهرات ويجندون الناس ، وينشرون الفتن ، ويتلقون التمويل الخارجى ، ويبثون الإرهاب ، ويضعون سيناريوهات اختراق العقول ، وينتهزون الفرص لبث سمومهم ، ويتعاونون مع التيارات الدينية ، كل هذا وأكثر من أجل " أن ينال الشعب المصرى حقوقه " كما قالوا أخيراً ، ومازالوا يرددون بكل ثقة ، واستعلاء ؟؟.
إنها كذبة أخرى تضاف إلى قائمة الأكاذيب المفضوحة ، التى يمارسونها منذ تأسيس جماعتهم عام 1928.
ربما كانوا يقصدون ، أنهم سيظلون فى معركة الجهاد ، حتى " ينال الشعب المصرى حقوقه فى تجربة الحكم بالسيف ، والكذب والنفاق والتقية ، وسفك دماء أى معارض ، وقمع النساء والغرق فى بحور الدم التى تستهويهم ".
بأى حق يتكلمون بالنيابة عن الشعب المصرى؟ . بأى حق " ينصبون أنفسهم أوصياء" على حقوق الشعب المصرى ؟ . بأى حق يتصورون أن الشعب المصرى بهذا القدر من السذاجة ، حتى يصدق جملة لا محل لها من الواقع ، وغريبة ومريبة ، وتلوى عنق الحقيقة ؟.
بأى حق يخوضون حربهم هم أى الإخوان المسلمين ، ويدعون أنها حرب الشعب المصرى كله ؟ . إلا أن جاءتهم معلومات من مصادر موثوق بها ، عالية المستوى ، أن الشعب المصرى ، لا قدر الله، قد أصبح كله " إخوانجى " ؟!حاشا لله ألف مرة .
إنهم يلعبون على أوراق عدم التطبيع مع إسرائيل ، ويلعبون على ورقة الرفض المطلق للتدخل الأمريكي ، ويتاجرون باحتلال المقدسات مثل المسجد الأقصى .. ويلعبون بأية ورقة مؤقتة ، يمكن أن يربحوا بها ، ولو شخصاً واحداً.
كل هذا ، ليس من أجل أن ينال الشعب المصرى حقوقه ، ولكن من أجل أن يحكموا الشعب المصرى ، ويخنقوا صوته وحضارته المستنيرة.
إن مشكلة جماعة الإخوان المسلمين المحظورة ، ليست فقط فى أنها " محظورة " بالفعل دستورياً وأمنياً ، وأنها تخطط للهجوم المستمر المتجدد على الدولة والبحث عن شرعية مستحيلة ، وأنها لا تفهم أن ألاعيبها السياسية مكشوفة ، مثل نيابتها دون وجه حق ، عن الشعب ، وتمثيل دور الضحية ، ولكن أيضا وبشكل أساسى ، لأن أفكارها ضد سُنة الحياة ، وطبيعة البشر ، وقانون التجدد والتحسين والتطور ، مهما طال الوقت سوف تسود لأنها تنسجم مع الحرية ، والاستنارة ، والعدالة ، والتسامح ، والمحبة ، وعدم الزج بأسم الله للسيطرة .
وهذه كلها أمور لا يعرفها قاموس الإخوان المسلمين ، قانون الحياة أكبر منهم .. ليتهم يعرفون هذه الحقيقة ، ويعترفون بها .
هناك بعض الألفاظ تكتسب مصداقية وقناعة لمجرد ترديدها مراراً وتكراراً . ولكن حينما توضع هذه الألفاظ والعبارات على محك التأمل والتفكير، نجد أنها تفتقد هذه المصداقية فى الواقع المعاش.
من هذه العبارات " جماعة الإخوان المسلمون المحظورة " ، التى أصبحت من العبارات الشائعة على ألسنة المحللين السياسيين والمعنيين بأمور الفكر والثقافة فى مصر وغيرها من البلدان.
إن عكس عبارة جماعة محظورة ، هو جماعة أو حزب ، مصرح به ، وتعنى ممارسة العمل السياسى من خلال غطاء قانونى ، يتيح لأعضاء الحزب ممارسة أنشطته علناً وبدون سرية.
إن جماعة الإخوان المسلمين محظورة قانوناً . لكنها فى الواقع الفعلى ، ليست كذلك . فتواجدها وحضورها أصبح طاغياً ومنتشراً أكثر من الأحزاب الأخرى ، وخاصة أحزاب المعارضة التى أنشأت منذ سنوات عديدة. لقد أصبحت الجماعة لاعباً أساسياً ومؤثراً على الساحة السياسية.
إن الإخوان المسلمين لا يمتلكون مقراً يعقدون فيه ندواتهم واجتماعاتهم . ولكنهم بالرغم من كونهم جماعة محظورة ، يمتلكون العديد من المقرات التى تحتضنهم وترحب بهم والمتمثلة فى المساجد التى تنتشر فى مصر من الشمال إلى الجنوب وكذلك الجمعيات الإسلامية الخيرية . إن الجماعة تتبنى برنامجاً يحدد مطالبها ورؤيتها للإصلاح ، والمتأمل لبنود هذا البرنامج ، يجد أنه لم يخرج أو يختلف كثيراً عن برنامج الأحزاب المعارضة ، دون أن نلمح فيها حلا إسلامياً كما تدعى.
والجماعة وفقاً للحظر المفروض عليها ، ليس من حقها امتلاك جريدة تطرح من خلالها رؤيتها وأطروحاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية . لكنها مع ذلك لديها بديلاً أقوى وأسرع تأثيراً من حيث التسلل والتغلغل ، إلى عقول الناس على اختلاف توجهاتهم وانتمائتهم . إنها القنوات التليفزيونية الأرضية والفضائية التى تخترق العقول . لقد روجت ومازالت تروج لأفكارهم ، وهى تمثل نوعاً من الإلحاح الذى أدى إلى الهيمنة والسيطرة على عقول الناس ، وخاصة البسطاء منهم ، إنها الأداة المؤثرة التى يمكن أن تشكل عقول أمة بأسرها. وأيضاً من خلال بعض خطباء المساجد الذين يروجون لأفكار هذه الجماعة ، وذلك تحت سمع وبصر الدولة .
كيف يريد أعضاء الاخوان دخول الانتخابات ، تحت مسمى " مستقلين " ؟. أنا أفهم من كلمة مستقل، أنه العضو الذى يعبر عن أفكاره السياسية بشكل فردى ، والإخوان يدخلون الانتخابات كمستقلين ، كيف ذلك ، وهم فى حقيقة الأمر يمثلوا تياراً إسلامياً أصولياً واحداً ؟؟.
إن عدم التصريح للإخوان بإنشاء حزب ، مرجعه الدستور المصرى الذى يحظر إنشاء حزباً دينيا . ولكن الإخوان فى الواقع الملموس ، يقحمون الدين الإسلامى فى السياسة ، فيتلاعبون بالدين ويستخدمونه استخداماً نفعياً يصب فى مصلحتهم . ألم يرفعوا شعار " الاسلام هو الحل " ، وعلقوه على الجدران ، وفى الشوارع ، وعلى زجاج وسائل النقل العامة والخاصة ؟؟. ومكنهم هذا الشعار المخادع ، من استدرار العطف ، وتعاطف البسطاء من الناس ليحصدوا الأصوات فى الانتخابات ، كما حدث فى انتخابات مجلس الشعب الحالى.
فى هذه الدورة قد يحصل الإخوان المسلمون على العديد من المقاعد ، ولكنهم يعدون أنفسهم إلى الدورة القادمة لكى يحصدوا أكثر و أكثر ويمارسوا ضغوطهم حسبما شاؤا.
إن جماعة الإخوان المسلمين لا تكل ولا تمل من محاولة التسلق للقفز والسيطرة على السلطة ومقاليد الحكم ، فمنذ إنشائها سنة 1928، لم تنجح هذه الجماعة فى انتزاع الاعتراف بها ، من قبل الحكومات المتعاقبة سواء كانت ملكية أو جمهورية.
لقد استخدمت الجماعة شتى الوسائل المشروعة وغير المشروعة ، فتحالفت مع أحزاب تتنافر معها وتضمر لها العداء والكراهية . وبالرغم من ذلك تحالفت معها للتسلق على السلطة والحكم . الطابع العام فى استراتيجيتهم كان الانحياز إلى محاولات القتل والاغتيالات للتخلص من خصومهم. إن تاريخ الجماعة ملطخ بدماء السياسيين والصحفيين والمفكرين والأبرياء من عامة الشعب والسياح الأجانب ، مؤخرا شهدنا كان حادث الأزهر والسيدة عائشة. ولن يكفوا عن حوادث أخرى .
لقد تسلل أعضاء الجماعة ومنْ يؤيدونهم، إلى الإدارات والمصالح الحكومية والإعلام ، وصبغوا كل شىء بصبغة دينية شكلية، يفوح منها رائحة ادعاء الفضيلة والصلاح. لقد شكلوا عقول الناس بهذه الصبغة حتى صارت قطاعات عريضة من الشعب مغيبة ، فسادت روح التطرف والعنصرية. وعلى ذلك أصبحت الساحة مهيأة لمساندتهم ومنحهم أصواتهم ، تحت تأثير شعارهم الخالى من المعنى " الإسلام هو الحل ".
ولأن الشعب المصرى يغلب عليه صفة التدين ، فقد سايرهم ودان لهم بالولاء والطاعة . لقد أعلن أحد مسؤلى الجماعة أن منْ لا يتفق مع الجماعة ويمنح أعضائها صوته ، فقد خالف شريعة الله ، ولن يدخل الجنة . إلى هذا الحد يتلاعبون بالدين ، إلى هذا الحد يقامرون باسم الله وشريعته.
إن الإخوان المسلمين يتوهمون أنهم قد حصدوا كل هذه الأصوات حباً فيهم ، ولكن فى الحقيقة هى أن الناس قد أصابها حالة من اليأس والإحباط من أن تتحسن أحوالهم المعيشية، وهنا يجب أن يلتقط الحزب الوطنى والسلطة الحاكمة هذا الخيط . فلابد أن تقدم الحكومة حلولاً ناجزة لمشكلات الناس ومعاناتهم كالقضاء على البطالة ومشكلات الفقر والاهتمام بالبنية الأساسية فى كثير من الأحياء والقرى فى صعيد مصر وريفها ، والقيام بثورة إصلاحية شاملة ، يشعر من خلالها المواطن والمواطنة أن أحواله قد تحسنت. أيضاً على الحكومة ، إفساح المجال أكثر وأكثر ، أمام الأحزاب المدينة المعارضة . فانسحاب هذه الأحزاب وعدم قدرتها وفاعليتها ، قد فتح باباً واسعاً دخلت منه جماعة الإخوان إلى الساحة السياسية لتصبح اللاعب الوحيد المؤثر .
إن جماعة الإخوان لا تتعلم من دروس التاريخ ، فهى لن تنجح فى إنشاء الدولة الدينية التى تهدف إلى تحقيقها ن وإن نجحت بعد حين فلن تصمد وقتاً طويلاً ، بل ستنهار وتتداعى ، أسرع مما تتخيل .
الدول التى أنشأت على أساس الدين ، لم تنجح . بل جلبت على الناس المصائب والشرور، ولنا فى تجربة السودان ، والصومال ، وايران ، والمذابح التى قام بها التيار الإسلامى الأصولى المتطرف فى الجزائر، وتجربة الطالبان فى أفغانستان عبرة.
إن جماعة الإخوان المسلمين ، أمامهم فرصة واحدة فقط ، هى انشاء حزب مدنى وليس دينيا ، يعمل على أرضية علمانية ، حيث الدين علاقة شخصية بين الانسان وربه .
هذا هو الخيار الوحيد . ولكن هذا معناه فعليا أن تشطب كل الأسس التى قامت عليها ، ولن يكون لها وجود . وأعتقد أن هذا هو مستقبلها .
من كتاب " أمركة العالم .. أسلمة العالم منْ الضحية ؟ " 2007
---------------------------------------------------------------------
#محمد_فُتوح (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.