|
قائد العالم ليس قائد السلام
راتب شعبو
الحوار المتمدن-العدد: 7203 - 2022 / 3 / 27 - 14:12
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تدخل الحرب الروسية على أوكرانيا شهرها الثاني، كل شيء يقول إن هذه الحرب ستطول وإن "دخول الحمام ليس كالخروج منه". حتى الآن يسجل تعثر عسكري وأخلاقي على روسيا، مقابل نجاح سياسي لأميركا. لكن كلا التعثر والنجاح يقاس هنا من منظور محلي أو قومي، أما من المنظور العالمي العام فلا يسجل سوى الفشل. في نهاية كلمته التي ألقاها عبر الانترنت أمام الكونغرس الأميركي في 16 مارس/آذار، قال الرئيس الأوكراني فلودومير زيلينسكي مخاطباً الرئيس الأميركي جو بايدن، "أن تكون قائد العالم هو أن تكون قائد السلام". ماذا قصد من هذا القول؟ الواقع أن الرئيس الأوكراني أظهر أداء سياسياً معقولاً بعد بدء الغزو وانقشاع وهم الحماية الغربية لأوكرانيا (وإن شاب أداءه عيوب نبعت من غياب فهمه للقضية الفلسطينية أو سوء موقفه منها، مثل اقتراح القدس "المدينة المحتلة" مكاناً مناسباً للمحادثات مع روسيا، ومثل تشبيهه التهديد الذي تتعرض له أوكرانيا "أعداؤنا يريدوننا أن نموت"، بالتهديد الذي تواجهه إسرائيل، كما لو أن هذه حمامة سلام)، كما أظهر الرجل شجاعة لم يكن ينتظرها منه الأميركيون حين عرضوا عليه منذ بداية الحرب مساعدته في الخروج من العاصمة كييف إلى لفيف في غرب البلاد، وقد أجاد زيلينسكي كسب العالم عبر وسائل التواصل وعبر اللباس البسيط الذي يظهر فيه، فيما اعتدنا أن يهتم قادة "القضايا" العربية بمظهرهم ويبرزون للناس بكامل الأناقة الرسمية، فيما قضاياهم تتعفر في الوحل، وناسهم يعيشون الويلات (لا يمكن، في هذه الحالات، فصل المظهر عن المضمون). هل كان الرجل بقوله ذاك ينتقد بايدن لأنه لم يَحُل، أو لم يحاول جدياً الحؤول، دون الغزو الروسي لأوكراينا؟ أم أنه كان يحرض الرئيس الأميركي على التدخل الجاد والفعال لوقف الحرب؟ أي هل كان ينتقده لأنه لم يكن "قائد السلام"؟ في الحالتين واضح أن لدى الرئيس الاوكراني شعور بالخذلان من الجانب الأميركي "قائد العالم"، إن كان قبيل اندلاع الغزو أو بعده، وهو ما تدفع ثمنه أوكرانيا من أهلها وثروتها وبنيانها، الأمر الذي يبدو قليل الوزن في الصراع بين "القوى العظمى"، على كل حال. من ضمن التعقيدات التي نواجهها في حالات كالحالة الأوكرانية اليوم، وجود تعارض بين سيادة الدولة الأوكرانية وحقها في اختيار تحالفاتها السياسية والعسكرية، وبين متطلبات أمن الدول العظمى التي يمكن أن تحد كثيراً من سيادة الدول غير العظمى. والمفارقة أن الأيديولوجيا السياسية الوحيدة لدى روسيا بوتين اليوم، هي السيادة الوطنية التي يواجه بها تدخلات الغرب. الدفاع عن السيادة الوطنية الروسية ومنع تمدد الناتو إلى أوكرانيا "روسيا الصغرى"، يأتي، كما هو مفهوم، على حساب السيادة الوطنية لأوكرانيا. هذا التعقيد يجعل من الحرب طريقاً حتمياً إذا ما سار كل طرف على طريق سيادته الخاصة، دون البحث عن تسويات، وهذا سوف يقود، غالباً، إلى خسارة الطرف الأضعف أو إلى انتصاره ربما ولكن بخسائر هائلة تجعل من النصر معادلاً للهزيمة. نظرياً، لا يمكن لأحد أن ينكر على أوكرانيا حقها في الانضمام إلى الناتو، أو إلى الاتحاد الأوروبي، وسيكون هذا الحق ركيزة لأعمال مقاومة "وطنية" مشروعة سياسياً وأخلاقياً ضد من ينكر عليها هذا الحق. ومن ناحية أخرى، لا يمكن لأحد أن يتوقع قبول دولة كبرى عسكرياً مثل روسيا (لا يهم هنا أن تكون دولة عادية اقتصادياً، وهو كلام صحيح، فإجمالي الناتج المحلي لروسيا لا يزيد عنه لإسبانيا) أن تصبح أوكرانيا في الحلف العسكري المعادي تاريخياً لروسيا، وأن تخسر موسكو شقيقتها الصغرى وتصبح تحت تهديد "الضربة المباغتة". ومن المفهوم أن تقاوم روسيا، قدر استطاعتها، هذا الاحتمال ولو على شكل غزو واجتياح وما ينطوي عليه ذلك من فظائع وجرائم، وسوف يجد بوتين نسبة غالبة من الروس "المتفهمين" للضريبة التي عليهم دفعها مقابل "عدم حني الرأس" كما عبر بوتين نفسه (هناك من شبه حرب روسيا على أوكرانيا بجريمة شرف جيوسياسية). ومن الملحوظ أن بوتين يحقن الرأي العام الروسي بدوافع أخرى دينية وأخلاقية بالكلام عن التهديد الغربي للقيم الروسية التقليدية وبإقحامه الكنيسة الروسية في الحرب وجعل بطريرك روسيا يخطب في الضباط الروس قبيل بدء الهجوم على أوكرانيا. هذا التعارض بين "الحقين" الروسي والأوكراني، يفتح باباً لحرب مدمرة، فكل طرف يرى، من زاويته، إن حربه عادلة. وتكون هذه الحرب مدمرة أكثر، كلما توفر للطرفين سبل ووسائل استمرار الحرب، تماماً كما شهدنا في سورية على مدى سنوات. هذا النوع من الحروب، غير الخاطفة، هي مناخ مناسب بالنسبة لتجار الحروب، مثل المريض الذي لا يموت ولا يشفى بالنسبة للطبيب. من الواضح أن سير الحرب ليس كما كانت تتمنى أو تتوقع روسيا، ولكن إذا ما انتهت روسيا، في نهاية المطاف، بفرض شروطها كاملة أو ناقصة على أوكرانيا فإن الخسارة الروسية تكون قد حصلت سلفاً، ليس فقط بمعنى خسائر الحرب بل وأيضاً خسائر تتعلق بموقع روسيا لدى الرأي العام في العالم، وإن كان يرافق هذا تحسناً لصورة روسيا لدى الحكام المستبدين الذين يرون إن روسيا حليفاً موثوقاً لا يحيد عن هدفه ويمكنه، في دعم حلفائه، أن يتجاوز ما يمكن أن يعيق غيره من معايير الحروب وحقوق الإنسان ... الخ، بسبب تحرره من الرقابة الداخلية التي تحد من حرية القادة الغربيين. ومن ناحية أخرى، إذا فشلت روسيا في فرض شروطها وخرجت أوكرانيا "منتصرة" وفرضت لنفسها وجوداً أكثر استقلالية عن روسيا، فإن في هذا مكسب أميركي صريح، عندها تكون روسيا تكبدت ليس فقط خسائر الحرب المادية والبشرية، بل وخرجت دون مكاسب فيما تبرز أميركا، بنجاحها في تعزيز حلف غربي نادر المثال في وجه روسيا، على أنها راعية الانتصار الاوكراني. ما سبق لا يلغي أن السياسة التي اعتمدتها إدارة بادين تجاه الأزمة الأوكرانية (عدم البحث عن تفادي الحرب سواء بالتفاوض الجاد أو إظهار الحزم العسكري إزاء الاستعدادات الروسية) عززت خسارة أميركية بات يدركها العالم، وهي أن "قائد العالم" ليست من أولوياته "سلام العالم" أي إن قائد العالم ليس "قائد السلام" كما تمنى أن يكون رئيس أوكرانيا المنكوبة.
#راتب_شعبو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التفاوض بدلاً من المصائب
-
أوكرانيا، العلة ليست في بوتين وحده
-
عن المطلبية والمحلية في احتجاجات السويداء
-
تقدير الراحل جودت سعيد
-
هل يمكن الخروج من النظام الطائفي؟
-
تحية للضعف
-
ملاحظات على كتاب -رومنطيقيو المشرق العربي-
-
محاكمة أنور رسلان، صرامة القضاء وميوعة السياسة
-
في تبعثر الواقع السوري
-
ماذا نفهم من قصف مرفأ اللاذقية؟
-
ماذا لو كانت مجرد مزحة؟
-
في سورية، الصراع الأمني أولاً
-
الوطن المنفي
-
الشيخ إمام في عالمي المغاير
-
تيار يميني يثير ذعر الفرنسيين
-
إشكالية -الجيش السياسي- في السودان وغيره
-
بمناسبة الحديث عن مجلس عسكري سوري
-
العالقون على حدود بولونيا، أي درس؟
-
أسرار الحديقة
-
الدولة العميقة والمسارات المستورة للسلطة
المزيد.....
-
نتنياهو يبحث المرحلة الثانية من اتفاق غزة خلال زيارته إلى أم
...
-
السودان: أكثر من 60 قتيلا في هجوم لقوات الدعم السريع على سوق
...
-
هيغسيث: -داعش- تكبدت خسائر جراء الضربة الأمريكية في الصومال
...
-
قلق في إسرائيل بسبب منصب رئيس وفد المفاوضات مع حماس
-
وزير الخارجية المصري: لن تنعم المنطقة بالسلام ما لم تقم دولة
...
-
تقدم روسي.. وترمب يصر على الحل بأوكرانيا
-
لقطات جوية من مكان تحطم طائرة طبية في مدينة فيلادلفيا الأمري
...
-
بولندا.. مرشح المعارضة للرئاسة يتعهد بإعادة 20 مليون بولندي
...
-
ويتكوف ونتنياهو يتفقان على بدء مفاوضات المرحلة الثانية لوقف
...
-
الدفاع الروسية: القوات الأوكرانية ارتكبت جريمة حرب جديدة بقص
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|