أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - خطورة روح الجدية














المزيد.....

خطورة روح الجدية


سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 7197 - 2022 / 3 / 21 - 17:59
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


أركيولوجيا العدم
العودة المحزنة للقفص الزجاجي
١٣٤ - خطورة الجدية في الحياة

وقد حلل جان كلود أثناء المحكمة ميكانيكية جريمته قائلا "في بعض الأحيان نختلق أكذوبة لمحاولة إسعاد شخص ما ولنرى الفرح في عيون الآخرين، إنها هذه الأكذوبة سبب القتلى الخمس." في البداية لم يقدر حجم النتائج التي يمكن أن تنتج عن كذبة صغيرة والتي ما تفتأ تكبر وتكبر ككرة الثلج، وتزداد الصعوبة في كشف الحقيقة كلما استمر الإنسان في نفي الواقع وتغطية الأحداث، وتزداد هذه الصعوبة بإزدياد ثقة الأهل والأصدقاء والجيران في مصداقية السرد الوهمي الذي أتبعه جان-كلود لترويج قصته، ويزداد إصراره على هذه الكذبة الصغيرة، خوفا على محيطه العائلي، وأهله الذين لن يحتملوا هذه الحقيقة وأنه سيسبب لهم الكثير من الآلام والتعاسة، بل ربما ستصاب والدته المريضة بسكتة قلبية، كما صرح أثناء التحقيق. هذه بعض المبررات التي حاول جان-كلود رومان أن يقنع بها نفسه وكذلك أعضاء المحكمة، وهي مبررات واهية ولا تقف أمام التحقيق لحظة واحدة، فهو الذي كان لا يحتمل هذه الحقيقة، وهو الذي كان يخاف من صورته الحقيقية وليست عائلته أو أهله. وهناك عواقب أخرى، من غير العواقب الإجتماعية، وهي عواقب مادية وإقتصادية ناتجة عن الإستمرار في الحياة في وهم مزيف وحلم يشبه الكابوس. لقد كان عليه منذ السنوات الأولى أن يحصل على راتبه وأن يملأ حسابه المصرفي، وأن يقوم بمهمته كرب للأسرة في دفع مصاريف الإيجار والسيارة ورسوم دراسة الأطفال في مدرسة خاصة وبقية المصاريف لعائلة ميسورة الحال، حتى لا نقول غنية. فكان عليه أن يواصل الكذب ويلجأ إلى الإحتيال. في السنوات الأولى باع شقته التي أشتراها له والده للدراسة في ليون، بعد ذلك بدأ في عملية الإحتيال على أهله وأقاربه وأصدقاءه. فهو كباحث وشخصية مهمة في جنيف، له بعض المعارف والإمكانيات لإستثمار مبالغ مالية والحصول على أرباح مباشرة تصل إلى ١٨٪ حسب إدعائه وبدون ضرائب، في حسابه الخاص في البنوك السويسرية. وهكذا تمكن من "إقتراض" ما يقارب من الثلاثة مليون فرنك، من والده وعائلة زوجته وبعض أقاربه وأصدقاءه، ومنهم صديقته وعشيقته، طبيبة الأسنان التي كانت تعيش في نفس المنطقة، ثم باعت عيادتها، لتنتقل إلى باريس، وقد حولت له مبلغ يقارب المليون فرنك لإستثمارها في سويسرا. وفي نهاية سنة ١٩٩٢، طلبت منه سداد هذا المبلغ لحاجتها إليه في مشروع جديد، وقد أدخل هذا الطلب الرعب في قلب جان-كلود، لأنه في هذه الفترة كان قد استنفذ كل ما يمكن إستنفاذه، وكان حسابه المصرفي سالبا وتحت الخط الأحمر، ولم تعد لديه أية فرصة للحصول على أي مبلغ بدون أن تنكشف الحقيقة. وقد تحصل على مبالغ كبيرة أيضا ببيع بعض الأدوية، التي كان يدعي أنها أدوية تجريبية ضد السرطان، غير أنه توقف عن هذه التجارة المربحة لخطورتها لو تم إكتشافه. وأحس بأن الحلقة الحديدية بدأت تضيق تدريجيا حول عنقه، خاصة وأنه أحس بأن زوجته بدأت تساورها بعض الشكوك، حيث كانت تتساءل لماذا لا تستطيع الإتصال به في مكتبه أو في معمله في منظمة الصحة العالمية ؟ وهنا بدأ في التفكير جديا في إيقاف هذه المهزلة وأن ينهي هذه اللعبة التي لم تعد مضحكة ولا مسلية، أن يعلن الحقيقة للجميع ولكن بعد أن يكون فد فارق الحياة، لأنه لا يحتمل أن يقف أمام أهله وزوجته في ثوب الطالب الفاشل. ولكن من الواضح أن خطته لم تكن تحتوي فصل الإنتحار إلا للتعمية والخديعة. قبل أسابيع من إرتكابه للجريمة المروعة، أشترى صندوقا من الرصاص 22 Long Rifle، وكذلك جهاز تازر وأنبوبة غاز مسيل للدموع المستعملة في الدفاع الشخصي، كما أختلس من بيت والده بندقيته المعلقة على الحائط في الطابق الثاني، وأشترى أيضا كاتما للصوت لهذه البندقية.
جان -كلود رومان لم يكن سعيدا في حياته وكان تعسا للغاية وبالذات في الشهور الأخيرة قبل الأحداث، ولكن لا يمكن إعتباره شخصية تراجيدية، لأن ما حدث له وما قام به من أعمال كانت تتعلق به وحده وبإرادته مباشرة، وكان من الممكن أن تنتهي القصة بطريقة هوليوودية أي بـ"الهابي إند Happy End"، لقد كان مجرد شخص عادي تعس وحزين، لأنه أرتكب خطأ بسيطا لم يعرف كيف يعالجه، وذلك لسبب في غاية البساطة، فقد كانت تنقصه الشجاعة الكافية لتحمل مسؤولية أفعاله وأقواله وما ينتج عن ذلك من مواقف. رغم ان القضية كانت في غاية البساطة حين ننظر إليها من وجهة نظر الإنسان العادي، كان من الممكن أن يصارح زوجته لمحاولة إيجاد حل لقصته، كما كان يمكن أن يصارح صديقته طبية الأسنان، أو والده، أو أن يجمع كل عائلته ويحكي لهم القصة بالتفصيل كما حدث في المحكمة، يخبرهم بأنه كذب عليهم طوال هذه السنوات، وأنه ليس طبيبا ولا باحثا ولا يمارس أية مهنة، لقد أخطأت معكم، أطلب الصفح والبداية من الصفر. كان يمكن أن يقوم بذلك لو كان يمتلك الشجاعة الكافية، قد يضحك البعض وقد يبكي البعض الآخر ولكن المسرحية ستنتهي هنا. يمكنه أن يبدأ حياته من جديد، أن يحكي قصته للصحافة، أن يكتب كتابا ويبيع حقوق النشر ويسدد ديونه، غير أن هذا الرجل لم يكن يمتلك الشجاعة الكافية لتحمل المسؤولية، لقد أخذ الأمر بجدية أكثر مما يستحقه الموقف، فروح الجدية المفرطة هي التي هزمته وأوصلته إلى حافة الهاوية وأمام بوابة الجحيم. تقول سيمون دو بوفوار في كتابها عن الأخلاق الملتبسة pour une morale de l ambiguïté، بأن الرجل الجدي هو رجل شديد الخطورة، ومن الطبيعي أن يصبح متسلطا أو دكتاتورا.

يتبع



#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صلاة الإستسقاء
- نهاية المسرحية
- بداية النهاية
- تكملة المجزرة
- المجزرة العائلية
- الحريق
- العودة المحزنة للقفص الزجاجي
- مكعب الضباب
- فان جوخ والسجن الإختياري
- غربة فان جوخ
- المال والسلطة والسلاح
- اللامرئي
- الرفض
- حرب على الحرب
- كاليجولا ومطاردة القمر
- سرير بروكست
- بين الوجود ولكينونة
- أدونيس وتعطيل العقل
- جريمة في القطار
- أدونيس وعمامة رامبو


المزيد.....




- حافلة تقل سائحين من روسيا وبيلاروس تتعرض لحادث في أنطاليا ال ...
- موسكو تطرد موظفا في السفارة الرومانية ردا على إجراءات بوخارس ...
- بوتين يؤكد إمكانية توسيع التعاون مع منغوليا في قطاع الطاقة
- باقري متوعدا: -لبنان سيكون جحيما للصهاينة-
- مجلسا الاتحاد والدوما يعتمدان تعليق مشاركة وفد روسيا في الجم ...
- أنقرة: الادعاءات المتعلقة بسياستنا حول الشرق الأوسط تفتقر إل ...
- في ألمانيا والسويد.. توقيف أشخاص بتهمة ارتكاب -جرائم ضد الإن ...
- ما الذي يعنيه حصول ترامب على حكم الحصانة؟
- ألمانيا ـ تحقيق في هتافات عنصرية محتملة من مشجعين نمساويين
- روسيا تطلق صواريخها الفضائية الجديدة من مطار -فوستوتشني-


المزيد.....

- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج
- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - خطورة روح الجدية