غسان المفلح
الحوار المتمدن-العدد: 1668 - 2006 / 9 / 9 - 10:47
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
هل يمكن لنا أن نجد ذاك الحد الفاصل بين قوى التغيير وقوى الاستبداد في مجتمعنا ؟
بهذا السؤال انهينا القسم الثاني من هذا المقال , وسنجازف في طرح التساؤلات أكثر مما نقدم إجابات , تساؤلات تبدو لنا أكثر أهمية من الإجابة عنها لأنها تساؤلات تدخل في صميم الحدث السوري والأقليمي . لا أحد أظن يختلف على تقييم النظام من زاوية غياب الحريات وانتشار الفساد كآلية عمل لهذا النظام , ولا أحد يختلف على أن الجولان المحتل لا يحرره شعب مكبل إلا عبر المفاوضات التي يمكن أن تقوم بها السلطة القمعية نيابة ـ بالقسر ـ عن الشعب , وهذا الأفق غير مفتوح الآن . ولا أحد يختلف أن المعارضة التقليدية والتي دفعت ثمنا باهظا من السجون والتنكيل الممنهج استطاعت أن تكتل نفسها في تكتلين هما إعلان دمشق وجبهة الخلاص , ولا أحد يختلف أيضا أن القضية الكردية تحولت إلى رافعة من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان على المستوى الوطني العام . ولا أحد يختلف على أن الإشكالية الطائفية في سوريا تقف حجر عثرة في وجه أي إصلاح على النظام فما بالنا بالتغيير , ولاأحد يختلف على أن للمجتمع الدولي بتنوع مصالحه وقواه يريد تحقيق هذه المصالح التي نختلف عليها كمعارضة فمنا من يرى أن هذه المصالح تتقاطع مع مصالح التغيير في سوريا ومنا من يرى فيها مطامع استعمارية ليس إلا , ومرة أخرى لو عدنا لأدبيات المعارضة في السنوات الأخيرة لوجدنا كما قلنا من قبل : أن السلطة هي الطرف الوحيد النظيف في هذا البلد نظرا للتهم التي توجهها فصائل المعارضة لبعضها كتابة وشفاها تحريضيا في الشارع السوري والتي تبدأ بالعمالة للخارج وتنتهي بالعمالة للسلطة !! كثيرة هي الأمور التي هي مثار اتفاق واختلاف بين تيارات المعارضة السورية ولكن الأمر الأكيد هو المتفق عليه على الأقل من زاوية الطموح هو : قيام دولة سورية ديمقراطية , دولة قانون وحقوق إنسان , وهذه باتت شعارات المعارضة كلها ولا تخص فصيل واحد بعينه , وهذا الأمر هو الذي ساعد على قيام هذان التكتلان . وأظن أيضا أن هذه السلطة لم تعد بوارد نقل المجتمع سلميا عبر إرادتها نحو دولة القانون وحقوق الإنسان والنزاهة في الحكم ! والسؤال العابر هنا
هل قادة الأحزاب الشيوعية في دول المعسكر الشرقي سابقا كانوا ديمقراطيين ونزيهين أثناء وجودهم في السلطة ؟ وماهي الأسباب التي أدت إلى قيام هذا التحول من الشمولية إلى الديمقراطية؟
بالعودة إلى سؤالنا نجد أن المتضررين من وراء الاستبداد في هزال واقعه الذي يزداد سوءا يوما بعد يوم ويزداد حجم المتضررين منه : نجد أننا أمام شرائح واسعة من الشعب السوري وتنتمي لكافة الطبقات والمكونات السورية كلها من دينية ومذهبية وطائفية وقومية وسياسية واقتصادية . وما يجعلها خارج الحراك الديمقراطي وخارج الحراك من أجل التغيير هو : القمع المزمن والأيديولوجيا / الوطنية بملمحها القومي والتي زرعها النظام عبر أربعة عقود من الزمن كافية بالترافق مع هذا الحجم من القمع والإفساد لكي تتحول إلى بداهات !! لايمكن للمرء أن يقترب منها مطلقا وإلا اتهم بشتى التهم .
بداهة أن يقف الشعب السوري ويرفع صور السيد حسن نصرالله !! بداهة أن يعتبر أن السلطة هي سلطة مقاومة وممانعة !! المشكل ليس بالحس الشعبي المقموع في ترسبات أو خلف ترسبات كانت نتيجة لسياسات القمع والصوت الواحد , بل المشكل في القوى التي تنتمي للمعارضة وتقف على نفس الأرضية الأيديولوجية للسلطة . وفي هذا السياق سياق العودة للداخل السوري أورد الحادثة التالية :
عندما اعتقلنا في أيلول 1987 أجتمع بنا أحد الضباط المعروفين والذي لازال حتى هذه اللحظة في موقع أمني مهم وسألنا في سياق نقاش أراد ان يفتتحه معنا في محاولة معرفة من جهة وتزجية لوقته من جهة أخرى ولإعطائنا انطباع أن الرجل كمتابع ومثقف وهو فعلا كذلك حيث قال لنا :
أنتم في حزب العمل الشيوعي مثلنا ضد الأخوان المسلمين وضد ياسر عرفات وضد صدام حسين وضد المشاريع الأمبريالية والصهيونية ..لماذا إذن أنتم ضدنا ؟
قلنا له نتيجة للوضع الداخلي في سوريا ..الخ
في هذه اللمحة بقيت محاولة الاستبداد قائمة في جعل التناقضات الخارجية لسوريا هي الأساس في تعبئة الشارع وإن لم تكن موجودة فعليه اختراعها لكي يبتعد المواطن السوري عن معاناته داخل سوريا .لهذا أكثر ما خدم هذا الاستبداد هو سياسة اللاحرب واللاسلم مع إسرائيل ووجوده في لبنان . وبالتالي علينا العودة للداخل السوري دون المرور الإجباري بالمعبر الخارجي !لأنه خارج فإن قابلية مواجهته وتغيير شروطه قائمة على طول الخط مادام يستطيع المواطن السوري أن يعيش جو الحرية والتعبير الصادق عن رأيه بلا خوف ولا وجل . بينما لو أوصلتنا سياسة النظام إلى تفجير الوضع الداخلي السوري فهذا إمكانية العودة عنه أمر يصعب الحديث فيه كما يصعب تخيل سيناريوهاته المحتملة لأنه سيكون دمويا وعبر ثمن سيدفعه شعبنا بلا فائدة فقط لأن السلطة إرتأت أن تدخله ضمن معادلتها الخاصة :
إما استمرارها أو الخراب .
في ظل هذه الأوضاع المعقدة نجد مرة أخرى أن الفعل التغييري هو محصلة لميزان قوى بين قوى تريد التغيير الديمقراطي ومتضررة من الاستبداد وبين القوى التي تقف على أرضيته ؟ وميزان القوى هذا الذي نسعى من أجل تغييره لمصلحة مطلب المعارضة الديمقراطية علينا زحزحته سلميا وبطرق سلمية ومن أجل تغيير سلمي والسؤال كيف ؟
الإشكاليات التي تقف ذاتيا حجر عثرة في وجه توحيد الجهود وتغيير هذا الميزان هي عديدة ولكن أهمها :
إذا كان القمع المزمن عاملا موضوعيا في إجهاد أي فعل معارض فإن قراءته يجب أن تتم بمعزل عن نغمة الخارج الداخل بل يجب أن تتم وفق الحاجة السورية الداخلية ؟ وهذه القراءة ستساهم في توحيد جهود كل أطياف المعارضة .
إذا كان القمع والفساد وتاريخية السلطة قد أسست لإشكالية طائفية بغيضة في سوريا فعلينا قراءتها ليس من باب الشعور واللاشعور الطائفي والديني بل من باب الحاجة السورية للديمقراطية !
وهذا ينطبق أيضا على القوى الكردية كرافعة ديمقراطية عليها أن تؤسس ذلك في سياق فضاء المطلب الديمقراطي لكل الوطن السوري .
إن ترك الباب للسلطة مواربا ـ كما يحب رفيقي المعتقل فاتح جاموس استخدام هذا المصطلح ـ مواربا ـ لكي تجري تغييرا في إرادتها وهذا أمر لا يجب أن يغيب عن الفعل المعارض ولكن ليس على أرضية خطابها وممارساتها هي بل على أرضية خطاب المطلب الداخلي السوري في التغيير الديمقراطي . والمسافة واضحة في هذا الأمر بين المفهومين .
هل مطلوب من المعارضة السورية أن تتحول إلى طرف فيما يجري في لبنان من اصطفافات ؟ ولماذا ؟ ولمصلحة من ؟ وهل لازال في المعارضة السورية من يريد تحرير الجولان عبر جبهة لبنان ؟ في الشق الأخير نعم هنالك طيف واسع من المعارضة السورية يريد هذا الأمر ولا تستطيع أن تميز بين خطابه وخطاب السلطة !! لهذا تجده يتحول إلى داعية عند بعضا من القوى اللبنانية بحجة مقاومة إسرائيل ولا نجد هذا الطيف يطالب مثلا بترسيم الحدود في مزارع شبعا اللبنانية كي تحل المسألة سلميا بين لبنان وإسرائيل عبر المجتمع الدولي وقرارات مجلس الأمن لأنها إمكانية قائمة على طول الخط , فك ارتباط بين المسارين السوري واللبناني وهذا مطلب الأكثرية اللبنانية ـ على الأقل أكثرية ديمقراطية عبر الحكومة اللبنانية !! لأن البساطة تقول ليس اللبنانيين هم من خسروا الجولان بل نحن السوريون من خسرناه !وعلى مبدأ ـ يا أخي اللبنانيون قادرون على حل أزماتهم لوحدهم !!فكيف نحل أزماتنا نحن السوريون ؟
كما هو محرم الحديث الإقصائي لأي طيف سوري أو مكون سوري من مستقبل سوريا الديمقراطية , فإن بالمقابل ليس محرما أن تفتح كل الملفات التي تعيق عملية التغيير في سوريا !!
في هذه العقدة من التساؤلات السورية نجد أننا لازلنا وفق هذه اللوحة بعيدين كل البعد عن تغيير في ميزان القوى من أجل التغيير السلمي الديمقراطي .وهل نحن مقتنعون فعلا بأننا نعمل لمستقبل يكون الحكم فيه هو صندوق الاقتراع أم لازلنا نعمل لمستقبل نستولي فيه على السلطة كرموز لأيديولوجيات بائسة ـ عذرا منكم ؟
#غسان_المفلح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟