أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سيد القمني - الحزب الهاشمي وتأسيس الدولة الإسلامية تأسيس (١)















المزيد.....

الحزب الهاشمي وتأسيس الدولة الإسلامية تأسيس (١)


سيد القمني

الحوار المتمدن-العدد: 7191 - 2022 / 3 / 15 - 22:46
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


الحزب الهاشمي وتأسيس الدولة الإسلامية
تأسيس (١)
«إذا أراد الله إنشاء دولةٍ خلق لها أمثال هؤلاء.» قالها «عبد المطلب بن هاشم» وهو يشير إلى أبنائه وحَفَدته، فبرغم التفكك القَبَلي في بيئة البداوة التي عاشتها جزيرة العرب، فإن هناك مَن استطاع أن يقرأ الظروف الموضوعية لمدينة مكة بوجه خاص، وأن يخرج من قراءته برؤية واضحة؛ هي إمكانُ قيامِ وَحْدةٍ سياسية بين عرب الجزيرة، تكون نواتها ومركزها «مكة» تحديدًا، برغم واقع الجزيرة المتشرذم آنذاك.

وكان هناك مَن هو على رأي عبد المطلب من ذوي النظر الثاقب، والفكر المنهجي المخطَّط، الذين استطاعوا أن يَصِلوا إلى النتيجة نفسها بعد قراءة واعية للخريطة السياسية، والظروف الاجتماعية والاقتصادية. لكنَّ الكثرةَ الغالبة لم تكن مع هذه الرؤى، حتى اليهود الذين كانوا يعيشون بين ظَهْرانَيِ العرب — كعرب — ما خطَرَ لهم هذا التوقُّع قط، وإنما كانوا يترفَّعون على سائر العرب، ويُفاخِرون بأن لهم من الأنبياء عددًا وعُدَّة، ومن الأسفار المقدسة كتابًا سماويَّ المصدر. ومن ثَمَّ أجاز الأستاذ العقاد لنفسه — وهو رجلٌ متَّزِن ومتوازِن — أن يجزم قاطعًا: «بأن شأن اليهودية في توضيح هذه الحقائق كان أعظمَ من كل شأن لها في جزيرة العرب.»١ وهذه الحقائق التي يَعْنيها الأستاذ العقاد هي أنه برغم عدم قراءتهم الصحيحة لإفرازات الواقع على الأقل بالنسبة لمكة؛ فإن حكاياتهم عن مغامرات أنبيائهم القُدَامى، وعن دولتهم الغابرة التي أنشأها الملك النبي داود، وما لحقها من تهويلات ومبالَغات، كانت وراء الحُلم الذي داعَبَ خيالَ سَراةِ العرب وأشرافهم؛ حتى بَدَا لكلٍّ منهم طيفُ زعامته للدولة الموحدة مشرقًا في الخيال، تدعمه ما بدأت تشهده الجزيرة في مناطق متعددة من محاولاتٍ لتوحيد القبائل سياسيًّا؛ سواء عن طريق التحالفات الجانبية التي شكَّلت نويات مَرْجوَّة لوَحْدة أكبر، أو عن طريق إخضاع قبيلةٍ لأخرى، أو التحالفات التي تتفق ومنطق البداوة، والتي كانت تتم بين القبائل المنتمية إلى سلف واحد؛ مما يجعل انتظامَها تحت إِمْرةِ زعيمٍ واحد أمرًا أيسر، خاصةً عند حدوث جَلَل طارئ أو خَطَر مشترك. ولا ننسَ المحاولات الأخرى المباشِرة التي اتخذَتْ صيغةَ الملك وصِبْغته؛ كمحاولة «زهير الجنابي» زعيم قضاعة تمليكَ نفسه على بكر وتغلب،٢ أو الممالك التي قامت فعلًا من زمنٍ سابق لكنْ في ظروف مختلفة — على حدود الإمبراطوريات الكبرى — مثل: مملكة الحيرة، ومملكة الغساسنة.
لكن بقية الناس — حتى داخل مكة — ممَّن كانوا يعتبرون أنفسهم عقلاءَ لم يكونوا مع هذا التفاؤل، ولا مع هذا الجموح في الآمال؛ فهذا «الأسود بن عبد العزى» يقدِّم الاعتراض البدهي والواضح والمباشر، قائلًا: «أَلَا إنَّ مكة لَقَاح لا تدين لملك.»٣ وهو اعتراض يستند إلى قراءة أخرى؛ فالعرب — أيًّا كان الظرف الاجتماعي — لا تقبل بفردٍ يملك عليهم ويسود؛ لأن معنى ذلك سيادة عشيرة على بقية العشائر، وقبيلة على بقية القبائل، وهو ما تأباه أَنَفة الكبرياء القبلي وتنفر منه. ولعل هذه القراءة تجد حجتها البالغة في تجربةِ رجلٍ مثل «النعمان بن المنذر»، الذي ورث المُلْك أبًا عن جَدٍّ في مملكة الحيرة، ومع ذلك وقف يُلقِي خطابه أمام كسرى الفرس، وفي حضرةِ وفودِ دولٍ عدة، مدافعًا عن عروبته بقوله:
فليست أمة من الأمم إلَّا وجهلَتْ آباءَها، وأصولَها، وكثيرًا من أوائلها، حتى إن أحدهم ليُسْأل عمَّن وراء أبيه دنيا، فلا ينسبه ولا يعرفه، وليس أحدٌ من العرب إلا يسمِّي آباءَه أبًا فأبًا، حاطوا بذلك أحسابهم، وحفظوا به أنسابهم، فلا يدخل رجل في غير قومه، ولا ينتسب إلى غير نسبه، ولا يُدعَى لغير أبيه … وأمَّا تحارُبُهم وأكْلُ بعضِهم بعضًا، وترْكُهم الانقيادَ إلى رجلٍ يَسُوسهم ويجمعهم، فإنما يفعل ذلك مَن يفعله من الأمم، إذا أَنِستْ من نفسها ضَعْفًا، وتخوَّفت نهوضَ عدوِّها إليها بالزحف. وإنما يكون في المملكة العظيمة أهلُ بيتٍ واحد، يُعرَف فضْلُهم على سائر غيرهم، فيُلْقون إليهم أمورَهم، وينقادون لهم بأزِمَّتِهم. وأما العربُ فإنَّ ذلك كثير فيهم، حتى لقد حاولوا أن يكونوا ملوكًا أجمعين.٤
والخطاب هنا — سواء صحَّتْ نسبته للنعمان بن المنذر أو لم تصح — لصاحبِ رؤيةٍ سياسية فذة، حاوَلَ أن يوضح — بإيجاز — الظرفَ الاجتماعي العربي، الذي حال حتى هذا الوقت دون قيام وَحْدةٍ سياسية كبرى لعرب الجزيرة؛ ذلك الظرف المتمثِّل في «نظام قبلي»، و«عصبية عشائرية» كانت من لزوم ما يلزم عن شكل المجتمع البدوي غير المستقر، للإبقاء على دوامِ وجودِ القبيلة؛ باعتبارها وَحْدةً عسكرية مقاتِلة يلزمها التماسُك اللَّزِج دومًا، والذي كانت مادتُه اللاصقة: رابطةَ الدمِ التي اكتسبتْ قدسيةً مفرطة، وهو ما يفسِّر الشكل الديمقراطي البدائي الذي تمتعت به القبيلة؛ بحيث وقف جميع الأفراد داخلها على قدم وساق، بمساواة تامة، وبمعيار الانتساب لأبٍ واحد، وذلك وَحْده كان كفيلًا بإلغاءِ أيِّ تمايز، إضافة لظرفٍ آخَر دعَمَ هذه المساواة؛ وهو مواجَهتهم جميعًا لذات المصير دومًا، كمقاتلين.

والخطاب يوضح أيضًا — بشكل وضاء — الأسبابَ التي لم تؤدِّ بالنظام البدوي إلى إفراز مؤسسات سياسية (ملكية) متوارَثة؛ لأن القبيلة وَحْدة عسكرية طارئة، و«زعامتها بدورها أمر طارئ» متغيِّر، تبعًا لمقتضيات الصراع الناشئ وظروفه؛ تلك المقتضيات التي تحدِّد سمات الزعيم المطلوب آنيًّا؛ وعليه فالزعامةُ كانت تُمنَح منحًا لصاحب القدرات التي تناسب الظرف ومقتضياته، وهي صفات مكتسَبة لا تنتقل بالوراثة؛ على حين ينضوي الجميع في الظروف الاعتيادية تحت لواء الأحكم، الأكبر، الأكثر درايةً والأكثر قدرةً على المنح والعطاء. وفي كلا الحالين «تظل المساواة حاضرة»؛ مما جعل البدوي واعيًا تمامًا لفرديته، مُصِرًّا على الاعتداد بنفسه؛ بإسراف تمثُّله دواوين العرب في الحماسة، والفخر، والاعتزاز بالفرد أو بالقبيلة أو بالنسب.

وفي خطاب «النعمان» دعْمٌ آخَرُ لوجهة نظر «الأسود بن عبد العزى»؛ فهو يؤكد أن الأمم إنما تَقْبل الخضوعَ لملك فرد في وَحْدةٍ سياسية، إذا «تخوَّفت نهوضَ عدوِّها إليها بالزحف». وقد أثبَتَ الحجاز — ومكة بالذات — أنه بعيد المنال، ولا يتخوف نهوضَ عدوِّه إليه؛ فبينما كانت الممالك العربية قد وقعت تحت الاحتلال أو النفوذ الأجنبي — ففقدت اليمن استقلالَها منذ الربع الأول من القرن السادس الميلادي، وسقطت تحت حكم الأحباش ثم الفرس، وفقدت مملكة الحيرة استقلالَها وتحوَّلت إلى إمارةٍ يحكمها أمير فارسي، واضطربت أحوال المملكة الغسانية بعد أن قلب لها الرومان ظهرَ المِجَن — فإن منطقة الحجاز بمدينتَيْها الرائدتَيْن «مكة ويثرب»، كانت تتمتع باستقلالٍ نقي، هيَّأها له وضْعُها الجغرافي، ووعورة الطريق إليها؛ فكانت هي البيئة العربية الخالصة، البعيدة عن مجال الصراع الدولي، وعن التأثر بالحضارات الأجنبية، بدون أن تفقد التواصل معها. ولم تخضع لحاكم أجنبي، ومع ذلك فلم تكن فيها ممالك بالمعنى الحقيقي، «ولا وَحْدة سياسية كبيرة تنتظم أمر قبائل الحجاز جميعًا»؛ وهذا كله إنما هو دعم حقيقي لرأي «الأسود بن عبد العُزى»!

وإزاء كل هذه العوائق الواضحة، والمحبطات السافرة للحُلْم، وللأمل، وللتوقع، لم يجد الآخَرون سوى الاهتداء إلى أنه لا حلَّ سوى أن يكون مُنشِئُ الدولة المرتقَبة نبيًّا مثل داود، وعندما وصلوا إلى هذا، فشا الأمر بسرعة هائلة بين العرب؛ حتى اشتدَّ الإرهاص بالنبي المنتظر خلال فترة وجيزة، وآمَنَ هؤلاء بذلك، وأخذوا يسعَوْن للتوطئة للعظيم الآتي، وإنْ ظلت المشاعر القبلية داخل النفوس التي تهفو للوَحْدة، وظن كلٌّ منهم أن الآتي سيكون منهم، مثل «أمية بن عبد الله الثقفي» الذي راودَتْه نفسه بالنبوة والملك، فقام ينادي:

ألا نبي منا فيخبرنا ما بعد غايتنا في رأس محيانا؟
لكن العجيب فعلًا ألَّا يمضي من السنين غير قليل، حتى تقوم في جزيرة العرب دولة واحدة، بل دولة قوية ومقتدرة، تطوي تحت جناحَيْها — وفي زمنٍ قياسي — ممالكَ الروم والعجم؛ بعد أن أعلن حفيد عبد المطلب بن هاشم: محمد بن عبد الله ﷺ، أنه النبي المنتظر!

١ عباس محمود العقاد: طوالع البعثة المحمدية، دار نهضة مصر، القاهرة، ١٩٧٧م، ص٧٣.
٢ ابن الأثير: الكامل في التاريخ، ليدن، بريل، ١٨٨٦م، ج١، ص٢٠٦.
٣ عبد الملك بن هشام: السيرة النبوية، تحقيق طه عبد الرءوف سعد ومحمد محيي الدين عبد الحميد، شركة الطباعة الفنية المتحدة، القاهرة ١٩٧٤م، ج١، ص٢٠٦.
٤ ابن عبد ربه: العقد الفريد، تحقيق د. عبد المجيد الترحيني، دار الكتب العلمية، بيروت، ط٣، ١٩٨٧م، ص٢٧٧، ٢٧٨.



#سيد_القمني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- النسخ في الوحي
- الملوك الأربعة
- نماذج من الأساطير التوراتية ومدخل إلى فهم دورها التاريخي
- القمر الأب أو الضلع الأكبر في الثالوث
- أضحية للذَّكر، قربان للأنثى ومدخل إلى جذور الدين الاجتماعية
- زهرة للحب، زهرة للحرب
- قراءة سريعة في موضوع الإله النقيض
- حتى لا يضيع العقل مع الأرض
- التضليل الصهيوني (فليكوفسكي نموذجًا)
- التوراة قراءة نقدية
- دولة الإسلام عند المتأسلمين
- الأنثى‭ ‬والدم‭ ‬الأزرق
- بيان إلى الأقباط
- ما هي الثقافة؟
- أصول فلسفه الدم
- الدولة العلمانية هي الحل
- مملكة الأساطير في التوراة والتاريخ
- فى التوراة وفى التاريخ
- موسى والتوراة
- التوراة وشعبها وأربابها - الطقطوقة الثالثة


المزيد.....




- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
- إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
- “ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في ...
- “ماما جابت بيبي” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 بجودة عالي ...
- طقوس بسيطة لأسقف بسيط.. البابا فرانسيس يراجع تفاصيل جنازته ع ...
- “ماما جابت بيبي” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 بجودة عالي ...
- ليبيا.. سيف الإسلام القذافي يعلن تحقيق أنصاره فوزا ساحقا في ...
- الجنائية الدولية تحكم بالسجن 10 سنوات على جهادي مالي كان رئي ...


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سيد القمني - الحزب الهاشمي وتأسيس الدولة الإسلامية تأسيس (١)