أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبدالجبار الرفاعي - مالك بن نبي والقابلية للاستعمار















المزيد.....

مالك بن نبي والقابلية للاستعمار


عبدالجبار الرفاعي

الحوار المتمدن-العدد: 7186 - 2022 / 3 / 10 - 10:04
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


عبد الجبار الرفاعي

برعَ مالكُ بصياغة معادلات تنطوي على تجريد رياضي يعكس البنيةَ الذهنية لتكوين مهندس، واستطاع بمهارة نحتَ معجمه الاصطلاحي الخاص. أسهمت دراستُه وهو يتخصّص في الهندسة الكهربائية بمدرسة اللاسلكي بباريس ببناء عقليته رياضيًا، كما جاء في مذكراته: "ودخل من خلالها إلى مناخ الكم والكيف حيث يخضع كل شيء إلى المقياس الدقيق، ويتسم فيه الفرد أول ما يتسم بميزات الضبط والملاحظة". ويصف ولعَه بالرياضيات بقوله: ‏"وكانت مادة الرياضيات تمارس عليّ نوعًا من السحر الأخّاذ الذي يستبد بي كاملًا، فتجدني ألقى في المعادلات والصيغ نوعًا من الشعر الآسر أعظم مما أجد في الأبيات".
قدّم مالك بن نبي تفسيرًا للتخلف والانحطاط في عالَم الإسلام في سلسلة "مشكلات الحضارة"، فصاغ معادلةَ الحضارة من عناصر: "الإنسان، والتراب، والوقت". ورسمَ مراحلَ الدورة الحضارية هكذا: "مرحلة الروح، ومرحلة العقل، ومرحلة الغريزة"، في المرحلة الأخيرة يدخل المجتمع نفقَ الانحطاط، ويمسى: "مكبلًا بذهان السهولة والاستحالة، فلا يستطيع فعل شيء". يؤرخ مالك لنهاية مرحلة الروح بحرب صفين، وبسقوط الموحدين تنتهي مرحلةُ العقل وتبدأ مرحلةُ الغريزة. في رأيه بلغت حضارةُ الإسلام دورتَها الكاملة عند مجتمع الموحدين، وعند سقوطهم انحدرت إلى مرحلة انحطاطها.
كان مالك بن نبي دقيقًا في توصيف "القابلية للاستعمار"، التي تحدّث عنها في كتاب "الصراع الفكري في البلاد المستعمرة"، وأشار إليها في أعماله الأخرى. يرى بن نبي أن القابلية للخضوع للمستعمِر في "محور طنجة جاكارتا" مقابل "محور موسكو واشنطن"، هي العامل الأساسي لقبول الاستعمار وتمكّنه واستمراره. في هذه القابلية تكمن مشكلةُ الإنسان المستعمَر، بوصفها توفر أرضيةً مجتمعية واستعدادًا للاستعمار، استعدادُ مَنْ أدمن التقليدَ والانقيادَ والخضوع. في إشارة دالة لمعاناته يكشف بن نبي موقفَ المجتمع منه ومن أمثاله المناهضين للاستعمار، إذ يقول: "العقلية الأهلية والقابلية للاستعمار هما دومًا أفضل وسائل الادارة الاستعمارية ضدي، وضد أي أحد يسوقه سوء حظه ليطلع على اللعبة بوضوح".
لم يخرج بن نبي كثيرًا على رأي ابن خلدون في تقليد المغلوب وولعه بالاقتداء بالغالب. لا أظنُ "القابلية للاستعمار" بعيدةً عن القول: "إن المغلوب مولع أبدًا بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيه ونحلته وسائر أحواله وعوائده"، الذي شرح أسبابَه ابنُ خلدون بقوله: "والسّبب في ذلك أنّ النّفس أبدًا تعتقد الكمال في مَنْ غلبها وانقادت إليه، إمّا لنظره بالكمال بما وقر عندها من تعظيمه، أو لما تغالط به من أنّ انقيادها ليس لغلب طبيعيّ إنّما هو لكمال الغالب، فإذا غالطت بذلك واتّصل لها اعتقادًا فانتحلت جميع مذاهب الغالب وتشبّهت به، وذلك هو الاقتداء أو لما تراه والله أعلم من أنّ غلب الغالب لها ليس بعصبيّة ولا قوّة بأس، وإنّما هو بما انتحله من العوائد والمذاهب، تغالط أيضًا بذلك عن الغلب، وهذا راجع للأوّل ولذلك ترى المغلوب يتشبّه أبدًا بالغالب في ملبسه ومركبه وسلاحه في اتّخاذها وأشكالها بل وفي سائر أحواله. وانظر ذلك في الأبناء مع آبائهم كيف تجدهم متشبّهين بهم دائمًا، وما ذلك إلّا لاعتقادهم الكمال فيهم، وانظر إلى كلّ قطر من الأقطار كيف يغلب على أهله زيّ الحامية وجند السّلطان في الأكثر لأنّهم الغالبون لهم، حتّى أنّه إذا كانت أمّة تجاور أخرى ولها الغلب عليها فيسري إليهم من هذا التّشبّه والاقتداء حظّ كبير، كما هو في الأندلس لهذا العهد مع أمم الجلالقة فإنّك تجدهم يتشبّهون بهم في ملابسهم وشاراتهم والكثير من عوائدهم وأحوالهم، حتّى في رسم التّماثيل في الجدران والمصانع والبيوت، حتّى لقد يستشعر من ذلك النّاظر بعين الحكمة أنّه من علامات الاستيلاء والأمر للَّه. وتأمّل في هذا سرّ قولهم العامّة على دين الملك فإنّه من بابه، إذ الملك غالب لمن تحت يده والرّعيّة مقتدون به، لاعتقاد الكمال فيه اعتقاد الأبناء بآبائهم والمتعلّمين بمعلّميهم. والله العليم الحكيم وبه سبحانه وتعالى التّوفيق".
ركّزَ مالك على العوامل التربوية والثقافية والمدنية في بناء الحضارة، إلا أن أكثر معادلاته لا تخلو من مثالية تحلم بتمنيات لا يمكنها التحقّقُ في واقع المسلمين، وأحيانًا تتورط بتعميم يختفي فيه التمايزُ الواضح داخل "محور طنجة جاكارتا"، ذلك المحور المتنوّع بلغاته وثقافاته وإثنياته، وميراثه الحضاري قبل الإسلام، والمتعدّد بهوياته. يرى الإنسانُ التمايزَ بين الإسلام الأندونيسي والإسلام العربي والإسلام التركي والإسلام الايراني والإسلام الأندلسي، وغير ذلك من تمثلات الإسلام في المجتمعات المعتنِقة له، بل يرى التمايزَ بين إسلام بدوي وإسلام ريفي وإسلام حضري في مجتمع واحد. المشتركُ الإسلامي واحدٌ، غير أن الإسلامَ بوصفه تدينًا وثقافة تتنوّع تعبيراتُه في المجتمعات على وفق السياقات التاريخية للهوية القومية للمجتمع ولغته وثقافته وحضارته ونوع ديانته ونمط تدينه قبل الإسلام.
لا يخفي بن نبي تفاؤله، وهو يراهن على مواقف زعماء كجمال عبد الناصر وغيره في "حركة عدم الانحياز"، وإغواء خطاباتهم المولعة بإنتاج بروبغاندا دعائية لمشاريع أصداؤها صاخبة في وسائل الإعلام، إلا أنها لم تجد حضورًا فاعلًا يومًا ما على الأرض. "فكرة كمنويلث إسلامي" يحاكي فيها مالك "مؤتمر باندونغ" لحركة عدم الانحياز، ولبث يراهن عليها كلَّ حياته. استفز الاخوانَ المسلمين موقفُ مالك بن نبي واهتمامُه بدعوة جمال عبد الناصر لعدم الانحياز، وربما كان ذلك أحدَ أسباب عدم حماسهم لفكره، لولا اهتمامُ نخبهم لاحقًا به ممن ابتعدوا عن تنظيماتهم.
لا يمكن عزلُ فكر المفكّر عن ‏الواقع الذي كان يعيشه، أيُّ مفكر يتعرض للظلم والاضطهاد والإهانة لا يستطيع التحكمَ بانفعالاته وغضبه. مضافًا إلى شعور مالك بن نبي بجرح استعمار الجزائر، تعرّض مالكُ أيضًا للجوع والحرمان من فرصة عمل تليق به في باريس ووطنه الجزائر، فاضطر في بعض الأوقات للعمل بمهن خدمية شاقة.كان بن نبي عزيزَ النفس شديدَ الشعور بالكرامة، عزةُ نفسه وكرامتُه أعجزت عقلُه من كبت انفعالاتِ مشاعره وغضبه في بعض المواضع من كتاباته. أحيانًا جاءت أحكامُه إثر غضبه بسبب خلافات شخصية،كما ‏حدث بينه والشيخ العربي التبسي بالجزائر، الذي يصفه بالشيخ الأزهري الزيتوني.كتب مالك بن نبي في سياق عرضه لسبب هذا الخلاف يقول: "‏ومن يومها أصبحت استفظع ثقافة الأزهر والزيتونة التي تقتل الضمائر والأرواح، واعتبرها أسوأ كارثة يمكن أن تهدد العالم الإسلامي. وحتى يعيش الإسلام أو يُبعَث من جديد في الضمائر، يجب تخليصه مما يسمى اليوم الثقافة الإسلامية. هذه الثقافة التي تلوث الأرواح، وتذل الطبائع، وتضعف الضمائر، وتخنث الفضائل. وعندي اليوم هذه القناعة أكثر من أي وقت مضى. وليس من قبيل الصدفة أن رجلًا كحسن البنا ليس في تكوينه شيء يدين به للأزهر أو للزيتونة". ليت مالك بن نبي حيًا ليرى مصائر رهانه على حسن البنا، وكيف فشلت دعوته وأفشلت بناء الدولة عندما تمكنت من السلطة في عدة بلدان. تلوح في كتابات مالك بن نبي بصمةُ لاهوت التحرير، ‏لاهوتُ التحرير يرى العنفَ مكونًا أساسيًا لماهية الدين، ‏لاهوتُ التحرير نسخةٌ أخرى للإسلام السياسي. لا تطابقَ بين رؤيةِ لاهوت الحرية لله والإنسان والعالَم ورؤيةِ لاهوت التحرير.
مالكُ بن نبي من أكثرِ مفكري الإسلام اهتمامًا بتشريح مشكلات الحضارة. أحدُ مداخله الأساسية لتفسير هذه المشكلات الصراعُ الحضاري بين الشرق والغرب، وكأنه يستأنف مقولةَ الشاعر الإنجليزي "روديارد كبلنغ" في نهاية القرن التاسع عشر: ‏"الشرق شرق والغرب غرب ولن يلتقيا". عندما يتأمل الباحثُ كتاباتِ مالك بن نبي يجدها تجعل القارئَ العادي أكثرَ استعدادًا لقبولِ تصنيفِ العالَم إلى فسطاطين لن يلتقيا أبدًا، وربطِ كلّ مشكلات الواقع بعوامل خارجية. لا أخلاقَ لدى الاستعمار بكلِّ أشكاله، الاستعمارُ يعبرُ عن أبشع صورة لموت الضمير الأخلاقي ‏في العصر الحديث، لكن التشديدَ على العوامل الخارجية للتخلف تحوّل إلى أداة تفسيرية لمختلف المشكلات، وصارت تبرئةُ الذات ذريعةً لتجاهل العوامل الداخلية للتخلّف.كان ومازال التفسيرُ التآمري أداةً لتشخيص عوامل الفشل في بلادنا للأيديولوجيات اليسارية والقومية والدينية، وذريعةً لتجاهل العوامل المجتمعية، مضافًا إلى عمل التفسير التآمري على تجذير كراهية المختلف. ‏


#مالك_بن_نبي
#القابلية_للاستعمار
##عبدالجبار_الرفاعي



#عبدالجبار_الرفاعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هاجس مالك بن نبي تحرير وطنه من الاستعمار
- موت الحرب عند جودت سعيد
- داعية سلام في زمن العنف رحيل الشيخ جودت سعيد
- علم الكلام الجديد
- خير القرون: كيفَ نفهمُ الخيرَ في التاريخ؟
- حكاية النبي موسى والراعي في المثنوي
- نمط الحياة الامتلاكي ونمط الحياة الوجودي
- اعادة تعريف الإنسان
- بؤس الذائقة الاستهلاكية وتشوهها
- مصطلح الإنسانيَّة
- مفهوم التجديد وأركانه
- الحيثية الأساسية والحيثية الإضافية للدين عند وحيد الدين خان
- الدينُ والمقدَّسُ
- الحق في الخطأ ضرورة تربوية
- تقديم طبعة بغداد لكتاب مقدمة في علم الكلام الجديد
- كل القيم تجد معناها في حمايتها للكرامة
- محمد رضا حكيمي وإعادة إنتاج الأخبارية
- هل هناك حاجة للكراهية؟!
- كتاب الدين والكرامة الإنسانية
- الفردانية المطلقة وسوء فهم مفهوم الفرد


المزيد.....




- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبدالجبار الرفاعي - مالك بن نبي والقابلية للاستعمار