مآثر بطولية في نضال الشعب العراقي ضد الاستعمار البريطاني في ملحمة الرارنجية في منطقة الحلة

فلاح أمين الرهيمي

الحوار المتمدن-العدد: 7183 - 2022 / 3 / 7 - 11:42
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

ترك الثوار مدينة الكوفة إلى قبائل بني حسن المجاورة للمدينة في محاصرة الحامية البريطانية بقيادة علوان السعدون وعمران السعدون وعلوان الياسري واتجهوا إلى مدينة الكفل فاحتلوها في يوم 22/ تموز واتخذوها مركزاً لتجمعاتهم فطلب الميجر الانكليزي (بولي) من قائد حامية الحلة (لوكن) أن يرسل قواته إلى الكفل لإرهاب القبائل المقيمة على طريق (حلة – كفل) والذهاب إلى مدينة الكوفة لفك الحصار عن الحامية المحاصرة فيها وكانت الباخرة البريطانية (فاير فلاي) تدوي قنابلها في شط الكوفة وكانت مدينة الحلة هادئة مما حمل الميجر (بولي) أن يلح بطلبه على العقيد (لوكن) قائد حامية الحلة الإسراع في إرسال قوات حاميته لفك حصارها حامية الكوفة وفي يوم 23/ تموز/ 1920 سارت قوات الحامية التي عدد أفرادها ثمانية آلاف مجند بقيادة العقيد (هاردكاستل) نحو مدينة الكفل مشياً على الأقدام حتى لا تتعرض لهجوم الثوار في حالة انتقالها بواسطة القطار ولكي نبث روح الخوف والذعر عند القبائل المتواجدة في الطريق وإطلاق النار عليها إذا شمت فيها رائحة العدوان عليها وأن تحصن المعسكر الذي تقضي ليلتها فيه .. كما أرسلت قوات من مدينة الديوانية لنجدت الحامية المحاصرة في مدينة الكوفة إلا أن الميجر (بولي) طلب من القوات أن تسير في الليل من أجل الوصول بسرعة حتى لا تستطيع قوات الثوار من احتلالهم مدينة (سدة الهندية) وصدرت الأوامر بتحرك القوات البريطانية من مدينة الحلة وقضت ليلتها في منطقة (إمام بكر) التي تبعد خمسة أميال من مدينة الحلة وعند الصباح استمرت في مسيرتها حتى عسكرت عند قناة الرستمية في المقاطعة التي سميت باسم القناة التي كانت خط دفاع لتلك القوة لارتفاع ضفتيها وفي عصر اليوم الثاني بينما كان الجنود البريطانيون يحفرون الخنادق إذ كان في نية القوة أن تقضي هذه الليلة في هذه المقاطعة إذاً بقوة الاستطلاع البريطانية تشاهد من بعيد زحف الثوار من مدينة الكفل تتراوح حوالي ثلاثة آلاف مقاتل فاضطربت القوات البريطانية لهذا النبأ وأراد ضباطها العودة إلى مدينة الحلة ولكن التعب قد أعيى الجنود فقرر الطبيب المرافق لهم أنهم بحاجة إلى الاستراحة لمدة لا تقل عن 24 ساعة وقام الرتل الانكليزي بضرب معسكر (الحصين) التابع للثوار على قناة الرستمية إلا أن الثوار لم تضعف عزيمتهم وأصبحت القبائل تتجمع لمحاربة الانكليز فانضم إليهم الشيخ إبراهيم السماوي رئيس قبيلة خفاجة في هذه المقاطعة إلى الثوار وحدثت الملحمة في الوقت الذي كان الحاج سماوي الجلوب رئيس عشيرة آل فتلة في مدينة الهندية ليستنهض قبائل (الجبور) و (آلبو سلمان) فزحفت الأولى على مدينة الحلة من الجنوب وتزحف الثانية عليها من الشمال والشرق واتفقا على الوقت اللازم للحركة وكذلك تزحف ثوار من قبيلة (اليسار) من الشمال فيقطعوا الخط الحديدي كي لا يتمكن القطار من حمل المؤن إلى مدينة الحلة وفي نفس الوقت يكون الثوار قد زحفوا عليها من مدينة الكفل .. وما كاد الشيخ مرزوك العواد رئيس عشيرة (العوايد) يسمع أزيز الرصاص ويرى الجيش البريطاني مشتبكاً مع الثوار حتى قام بحركة التفاف خطيرة جداً فأصبحت القوات البريطانية المحتلة بين نارين حاميتين ولما كان المساء ذعرت حيوانات النقل العائدة للقوات البريطانية فسارت وسط الجنود وتفرقوا وصار بعضهم يقتل بعضاً وهم يعتقدون أنهم يقاتلون الثوار بسبب الظلام الذي يسود المنطقة وفي محاولة من العدو للتخلص من المأزق أمر العقيد (هارد كاستل) قائد القوة البريطانية بالجلاء من المعسكر وتحول التراجع إلى هزيمة منكرة للقوات البريطانية المحتلة إذ لم يستطع سوى نصف الرتل العسكري من الوصول إلى قواعده الخلفية وعند بزوغ الصباح في اليوم التالي وصلت جماعات متفرقة من الرتل إلى مدينة الحلة وقد خسرت القوات البريطانية المحتلة في المعركة 180 قتيلاً و 60 جريحاً و218 مفقوداً ووقع في الأسر 89 جندياً بريطانياً و 81 جندياً هندياً وغنمت قوات الثوار المنتصرة كميات ضخمة من الذخيرة والمؤن وعدداً كبيراً من البنادق والرشاشات والمدافع كما غنموا مدفعاً من عيار 18 باوند استعمله الثوار في ضرب الباخرة (فاير فلاي) وإغراقها في شط الكوفة.
لقد كان هذا الانتصار الرائع الذي حققه الثوار سبب ضربة ماحقة ضد محاولات المحتلين لضرب الثورة والقضاء عليها وزادت ثقة جماهير الشعب في قدرتها على سحق المحتلين وطردهم من العراق وعلى أثر هذا الانتصار أخذت الثورة تزداد اتساعاً يوماً بعد يوم .. ففي الرابع والعشرين من شهر تموز/ 1920 اضطر الانكليز إلى الجلاء عن مدينتي المسيب والهندية وفي الثامن والعشرين منه عاودت الفصائل الثائرة هجومها ثانية على مدينة الحلة وبعد معارك ضارية دموية استطاع الثوار التغلب على جميع الاستحكامات التي أقامتها القوات البريطانية في مدينة الحلة واستطاعت بذلك اجتياز القوات المتجمعة حول مدينة الحلة ومن ثم استطاع الثوار دخول مدينة الحلة وحررتها من المحتلين الانكليز وقد استقبل أهالي مدينة الحلة الثوار استقبالاً جماهيرياً منقطع النظير .. أما أهمية واقعة الرارنجية فإنها موّنت الثوار بما يحتاجون إليه من عتاد وذخيرة لمدة طويلة مضافاً إلى السلاح الذي غنموه من الانكليز في معركة العارضيات على بعد خمسة كيلو مترات من مدينة الرميثة.

#فلاح_أمين_الرهيمي (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات