|
الأعلام العراقية والإعلام العربي
دلور ميقري
الحوار المتمدن-العدد: 1666 - 2006 / 9 / 7 - 06:06
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
حينما خط صدام حسين ، بدمه ، عبارة " الله أكبر " على ما يسمى زوراً بالعلم العراقيّ ، إبان حرب تحرير الكويت ، لاقى فعله إستهجاناً من عالم العرب المتحالفين ضده في تلك الحرب . آنئذٍ ، إنبرى إعلام تلك الأنظمة نفسها ، وخصوصاً الخليجية ، لتذكير الخلق بيديّ ذلك الطاغية الملطختين بدماء ملايين المسلمين ، وحقيقة نظامه البعثيّ ، المعادي فكراً وممارسة للدين الحنيف وتعاليمه . ولكن ، حينما أذنت ساعة الطاغية ونظامه ، بإستهلال حرب تحرير العراق ، رأينا كيف إنقلب موقف الإعلام العربيّ ، ( بإستثناء الكويتيّ ، طبعاً ) ، على أقصى درجاته ، بركوبه موجة الغوغائية السياسية والشعوذة الدينية ، التي قادها المدلسون المرتشون من أولي الإستثمارات الإقتصادية والكوبونات النفطية . إعلامنا ذاته ، من فضائيات وصحافة وإنترنيت ، يتناسى مواقفه تلك فيتأسى اليوم ويُبكي مشاهديه وقرائه على مصير العلم الصداميّ ، بزعم كونه رمزاً لوحدة العراق وإستقلاله. وكأنما أبقى صاحبُ العلم ، السعيد ، وحدة ً لموطنه ، بسياساته العنصرية والطائفية طوال أكثر من ثلاثة عقود ، بعثية .. ؛ وكأنما صان إستقلال ذلك الوطن ، بحروبه المجنونة ضد الأهل والجيران ؟؟ هوذا الطاغية ، البائد ، خلف قضبان العدالة البشرية ، في طريقه إلى يد العدالة الربانية ، لم يبق له من " مفخرة " على أرض الرافدين ، سوى ذلك العلم البائس ؛ وحاله كحال أحد الأعراب ، الذي قال له جيرانه : " لقد صادروا صندوقك ، يا أبا لمعة " ، فأجابهم الرجل : " ولكنني أحتفظ بمفتاحه " !
لقد إنهار ذلك النظام ، إذاً ، وما زال بعض " أعراب " الإعلام بين المحيط والخليج ، إياهم ، يتباهون بعلمه المرفوع خفاقاً على أطلال مجده التليد . كأنما هذا القماش المصبوغ بألوان ثلاثة والمعلق بعصا ، سيكون الرمز الخطير ، المستطير ، المعلق به مصير وطن وشعب . وكأنما إسم الجلالة ، تعالى وتبارك ، سيجعل ذلك العلم مقدساً إذا خط بدم طاغية ، فاسد ، وتمّ توزيعه بين فراغات أنجمه الثلاث ؟؟ علمٌ مزوّر ، كتاريخ الإنقلابيين البعثيين ، بأسره ؛ علمٌ مُشرَع ، دونما أيّ شرعية دستورية لصانعيه الإنقلابيين ، المدحورين : وبالرغم عن كل تلك الحقائق ، الموصوفة ، سيقول لنا الإعلام العربيّ أنّ علم الإجرام هذا ، هوَ خشبة خلاص العراقيين .. ؛ وأنه ركن وحدتهم الوطنية ، المكين . ولكن ، ما فاتَ إعلامنا ، العتيد ، تبيانه للجماهير العربية ، في هذا الشأن ، إنما هوَ حقيقة بسيطة لا بالخطيرة ولا بالمستطيرة : أنّ بقاء ذلك العلم الصداميّ ، بعد مضي ثلاثة أعوام ونيف على إندحار أصحابه ، ما منع إستباحة دماء المدنيين ، في وسط وجنوب العراق ، من قبل عصابات الطوائف ومخلفات البعث وجماعات القاعدة ، وما يشيعونه من رعب يوميّ بالقتل والتفجير ورميَ الجثث المقطعة الرؤوس والأوصال على جوانب الطرقات وفي أعماق الأنهار والأهوار ، علاوة على تدمير سكنى أولئك المواطنين ومقدساتهم وترويعهم وتهجيرهم . أما الجانب الآخر من تلك الحقيقة ، فهوَ أنّ كنس ذلك العلم الصداميّ ، نفسه ، من على أرض شمال العراق ( إقليم كردستان ) ، ما منع إزدهار تلك المنطقة من جميع النواحي ، وخاصة لجهة توفر الأمن والأمان لعموم مواطنيها وكذلك لمن يلوذ بها من أهالي الأقاليم الاخرى ، المنكوبة بالإرهاب الصداميّ والتكفيريّ والمذهبيّ .
لم يرَ الإعلام العربيّ ، هناك في الشمال العراقيّ ، سوى علم الإقليم الكرديّ ، الفيدراليّ ، حسب ؛ فأهاج النخوة َ العربية في رؤوس الجماهير . نخوة ، لم يهيجها أحدٌ لمرأى الأعلام الإسرائيلية ، الخفاقة في سماء بيت المقدس ، ( الذي حرره يوماً صلاح الدين ، الكرديّ ) ؛ ولا لأعلام هذه الدولة ، ذاتها ، وهي مشرعة على مباني سفاراتها وقنصلياتها ومكاتبها في عدة عواصم عربية . نخوة لم تكترث ، أيضاً وأيضاً ، لمرأى أعلام عراقية الهوية ، إيرانية الهوى ، ترفرف في أقاليم وسط وجنوب بلاد ما بين النهرين . نعم ، هاج الإعلام العربيّ وهاجت معه دول الجوار ، كذلك : تركية ، واحة الحضارة والمدنية والعلمانية ـ كذا ، التي يجتمع تركمان العراق في عاصمتها لعقد مؤتمراتهم تحت يافطة علمهم الخاص ؛ في الوقت نفسه الذي تمنع فيه عشرين مليوناً من مواطنيها من مجرد التكلم بلغتهم ، الكردية ، ناهيك عن حقوقهم الاخرى ؛ هيَ نفسها ، مستنفرة الآن حكومة وبرلماناً ومعارضة وعسكراً ، خشية من العلم الكردستانيّ ، الإنفصاليّ . وسورية ، بلد الممانعة والصمود والمقاومة ، التي نسيَ مواطنوها علمها الوطنيّ ، ناهيك عن العلم اللبنانيّ ، بما حشد في مدنها وقراها وفضائياتها وأراضيها من أعلام حزب الله ؛ هيَ أيضاً ، إستنفرَ نخوتها القومية مرأى ذلك العلم الكردستانيّ ، خشية أن يطلب أكرادها حقوقهم الثقافية والسياسية ؛ وهي نفسها ، التي لاتعترف حتى بمجرد حقوق المواطنة لهم . وأخيراً إيران ، بلد آيات الله ، التي تتغلغل أجهزتها الإستخبارية وحرسها الثوري في كل مفاصل الحياة العراقية ؛ هيَ أيضاً ، يخامرها نفس الإستياء ، الموسوم آنفاً ، بما أنها بدورها تفرض تمييزاً مزدوجاً على مواطنيها الكرد ، عنصرياً ومذهبياً ، ولا تطيق رؤية ذلك العلم الكردستانيّ ، النوويّ !
#دلور_ميقري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
علم الكرديّ وحلمه
-
الجريمة والعقاب : طريق نجيب محفوظ في بحث مقارن 2 / 3
-
محفوظ ؛ مؤرخ مصر وضميرها
-
الجريمة والعقاب : طريق نجيب محفوظ في بحث مقارن 1 / 3
-
كردستان ، موطن الأنفال
-
ثقافة المقاومة أم ثقافة الطائفة ؟
-
المقاومة والمعارضة 2 / 2
-
المقاومة والمعارضة
-
الكوميديا السورية
-
إنتصار الظلامية والإستبداد ؟
-
ثقافة المقاومة ، ثقافة الموت
-
لبنان في فم الأسد ، مجدداً ؟
-
صلاح الدين عصرنا
-
قصف إعلامي ، عشوائي
-
محمد أوزون ؛ كاتبٌ كرديّ على أبواب العالم
-
من البونابرت العربيّ إلى الطاغوت الطائفيّ
-
الزرقاوي ، وسوداويّة الإسلام السياسي
-
الوجهُ الجميل لنظام ٍ قبيح
-
المثقفُ مستبداً
-
الدين والفن
المزيد.....
-
تطايرت القمامة على وجهه.. شاهد ما حدث لعامل خدمة نظافة بعد ت
...
-
شاهد كيف سلّمت كتائب القسام رهائن اسرائليين للصليب الأحمر في
...
-
ابتعد عن شراء ما يسوّقه لك المؤثرون، ربما ستدرك حينها أن ما
...
-
لا إعفاءات حتى الآن..البيت الأبيض يعلن تطبيق رسوم ترامب الجم
...
-
الجيش الإسرائيلي يؤكد وصول رهينتين إلى إسرائيل أفرجت عنهما ح
...
-
رسائل -حماس- الصريحة لتل أبيب والعالم لكسر جانب من هيبة الجي
...
-
-القسام- تسلّم الأسير الإسرائيلي الأمريكي الثالث للصليب الأح
...
-
كيف تُسقط دولة دون إطلاق رصاصة؟
-
أحدهما روائي.. أسيران مقدسيان في رابع دفعة من -طوفان الأحرار
...
-
13224 مهاجرا عربيا غير نظامي بأميركا يخشون الترحيل
المزيد.....
-
الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات
/ صباح كنجي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت
...
/ ثامر عباس
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|