مصطفى الرزاق
الحوار المتمدن-العدد: 7182 - 2022 / 3 / 6 - 09:18
المحور:
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
دولة الرعية .. دولة المؤسسات ..
تروي سير الأنبياء نشأةً واحدة لهم ، مثل عملهم في مهنة الرعي في سنينهم الأولى ، و يرد في المعاجم اللغوية أن الراعي هو من يحفظ الماشية و يرعاها ، و هو من ولي أمر قوم ، أما الرعية فهي الماشية التي تُرْعَى و الناس الذين تُرْعَى أمورهم و تُدَبَّر شؤونهم " المعجم المدرسي " ، و في الحديث النبوي كلكم راع و كلكم مسؤول عن رعيته ، أمَّا في التطبيق العملي فلم يفهم من هذا الحديث أن المسؤولية تعني المحاسبة و تحمل النتائج ، بل مزايا و سمات شخصية إختار الله الحاكم من بين كل البشر كي يودعها فيه من أجل أن يحكم وفق إرادته دون عقبات ، وفق هذا المفهوم تم تقديم تعريف لدولة الرعية بإعتبارها تقوم على فكرة الوثوق بأخلاق الحاكم و مقدرته المطلقة على عدم إرتكاب الأخطاء ، بما يختلف كلياً عن دولة المؤسسات التي تقوم على توقع إرتكاب الحاكم للأخطاء ، لذلك فقد شكلَّ إنتقال دولة الرعية إلى دولة المؤسسات إنعطافة هامة في تاريخ البشرية إنبثق عنه نظام فصل السلطات الذي يقوم على توزيعها لا تركيزها في يد واحدة درءاً للإستبداد و الفساد .
تكون العلاقة بين المواطن و السلطة نديَّة في دولة المؤسسات ، يؤطرها عقد مفترض بينهما يختار المواطن بموجبه السلطة التي تحكمه وفق شروط متفق عليها فإذا أخلَّ أحدهما بهذه الشروط تعرض للمساءلة و المحاسبة .
تستعيض دولة الرعية عن تلك العلاقة القانونية برابطة بدائية تقفز فوق الدولة إلى الخلف -- إلى ماقبل الدولة --
بحيث تستبدل الأدوات القانونية بعلاقات عاطفية و دوافع غرائزية ، كما هو الحال عليه في الحب المتبادل بين الحاكم و أبناء رعيته بوصفهم إخوة و أبناء له .
في دولة الرعية يتم الدمج بين شخصية الحاكم و شخصية الدولة في جسد واحد ، و لتبرير ذلك يتم إشاعة هدف غال سام يعجز عن الإتيان به سوى الحاكم ، و في معادلة يتم إختلاقها بدهاء يتم ربط مصير الرعية و سعادتها القصوى بتحقيق هذا الهدف ، إلا أن ذلك مرتهن ببقاء الحاكم و دوام أمره ، يشبه هذا العقائد التي تفرضها الأديان على أتباعها ، حيث غاية المؤمن إرضاء ربه لكن ذلك لا يتحقق دون رضى النبي أيضاً ، تتبدى خطورة ذلك في أن سمو الهدف يمنح الحاكم سلطة مطلقة من أجل تحقيقه لهذا فإن أي إعتراض عليه يضع رأس المعترض تحت مقصلة الكفر أو الخيانة .
قال أوهيميروس في يومٍ مضى :
الآلهة ... هم ملوك أُلِّهوا !!..
#مصطفى_الرزاق (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟