محمود الزهيري
الحوار المتمدن-العدد: 1666 - 2006 / 9 / 7 - 04:55
المحور:
حقوق الانسان
من منا تخيل أنه في ليلة حالكة السواد معتمة وقد تكون في ليلة من أواخر ليالي شهر من الشهور العربية التي قد تحمل في طيات أيامها مناسبة من المناسبات الدينية كبداية إنتظار شهر رمضان أو عيد الفطر أو الأضحي , وفي هذه الليلة تسمع طرقات عنيفة وشديدة علي باب منزلك الذي تسكن فيه مع زوجتك وأولادك الصغار , ومع أشقاؤك الذكور والإناث , ومع والديك المسنين اللذين أكل المرض وشرب منهما وأقعدهما عن الحركة إلا بمساعدة من الأبناء أو أبناء الأبناء !!
هل تخيلت وقع هذه الطرقات العنيفة علي باب منزلك ؟ وهل تخيلت أنك تأخرت في الرد علي الطارق ووجدت الباب مفتوحا ً ووقعت إحدي دلفتيه علي الأرض محدثة صوتاً وكأن الزلزال قد رج السكن ؟
هل تخيلت أن زوجتك وأولادك قد قاموا مفزوعين مرهوبين ومرعوبين من نومهم , فقام الصغار يبكون مرعوبين ممسكين بأهداب الأب والأم حينما وجدوا العسكر بأسلحتهم النارية المشهرة لأعلي في وجه الأب , والزوجة مازالت بملابس نومها والعسكر يرمقونها بنظرات شهوانية بالرغم من إلتياع نظرات الزوجة وإلتياع نظرات الصغار الذين مازالوا يبكون ويصرخون ؟
هل منكم من تخيل هذا المنظر الدرامي المأساوي حينما ينادي الأب القعيد المريض علي علي أولاده : ماذا حدث يا أولاد ؟ فلا أحد يستطيع الرد !! والأم المريضة تنادي : علي أولادها بأسمائهم جميعاً فلا مجيب لندائها !!
الأم تزحف , والأب يزحف !!
يشاهدا جحافل العسكر علي الباب والشارع مسدود بعربات العسكر والجنود المشرعة أسلحتهم لأعلي تجاه نوافذ المنزل وبابه مخافة محاوله الهروب من العسكر , فتذهل الأم ويذهل الأب , ويتسائلا لماذا كل هذه العساكر ولماذا كل هذا العدد من الضباط ؟
من أجل ماذا ؟ !
وقبل ان يكملا التساؤلات فإذا بالإبن خارج من المنزل مكبل بالحديد وصراخ الأطفال والزوجة يتعالي ويتعالي في فضاء المنزل والزوجة تصرخ وتتأوه تأوهات الضعيف المكلوم المجروح , ومجموعة من العسكر تمنع وتحول الأطفال والزوجة عن الأب والنظرات الحزينة المكلومة التي تبكي دماً ينزف داخل الحشي بين الأطفال وأباهم وبين الزوجة والزوج , والأم تصاب بغيبوبة كبدية , والأب ينتابه غيبوبة من مرض السكر فيغمي عليه والإخوة يتناوبون البكاء والنظرات الدامعه الملتهبة والنظرات كلها تساؤلات وحيرة !!!!
ماذانفعل ؟ ما بأيدينا حيلة !!
آلهة الأرض لها اليد العليا !!
فهي ترحم , وهي تشقي , وهي تعذب , وهي تنعم , وهي تسجن , وهي تعفو , هي ترزق , وهي تمنع الرزق , إنهم فعلاً آلهة الأرض , فالله يحكم في السماء , والسلطة الغاشمة تحكم علي الأرض !!
الله يحكم في السماء ومباحث أمن دولة الرئيس تحكم في الأرض !!
لماذا السجن ؟
ولماذا الإعتقال ؟
ومن هو الجرم ؟
ومن بيده النطق بالحكم ؟
ومن له سلطة تنفيذ الحكم ؟
وهل الحكم مشمول في منطوقه بالضرب والتعذيب وإستخدام أبشع أنواع التعذيب التي لاتحصي ولاتعد من الضرب والتعذيب بالكهرباء علي الأعضاء التناسلية والأماكن الحساسة بالجسد ؟
هل أحكام القضاء مشموله بهذا التعذيب ؟
وهل النيابة العامة التي من المفروض انها تنوب عن المجتمع ممثلة في سلطة النائب العام الذي يرأس المحامين العامين الأول والمحامين العامين ورؤساء ومدراء النيابات ووكلاء النيابة ومعاوني النيابة , أين هم ؟ وأين دورهم في الرقابة والتفتيش علي السجون والمعتقلات والزيارات المفاجئة لها دون إذن أو إخطار أو إعلان سابق ؟
هل النيابة العامة قد قامت بزيارات مفاجئة لأقسام الشرطة ومراكز البوليس وسجلت المخالفات الموجودة بها من أعداد المسجونين والمعتقلين ومدي ملائمة السجن أو غرف السجن والحجز للقانون من عدمه وهل هناك تعذيب وإستعمال قسوة من عدمه ؟
هل النيابة العامة فعلت ذلك في طول البلاد وعرضها ؟
أعتقد ان النيابة العامة لم تفعل ذلك ولن تفعل مادام منصب النائب العام يتم بالتعيين من جانب رئيس الجمهورية ومن ثم تخضع النيابة العامة في مصر لتبعيتها للنائب العام المعين من جانب رئيس الجمهورية ومن ثم تصبح النيابة العامة مقيدة في قراراتها بتعليمات النائب العام والتي تصبح في قوتها وفعاليتها أقوي من القانون وأعلي منه في الأمر والنهي !!
فكيف تقوم النيابة العامة بالتفتيش علي السجون والمعتقلات وهي التي ترقي وتندب وتنقل وتفصل وتعار وتتلقي الرواتب والبدلات والحوافز من الحكومة وهي التي تكتب عنها التقارير السرية في الترقية إلي الدرجات العليا ؟
هذا لايمكن أن يتم فلا يعقل أن يخالف النائب العام من عينه في منصبه كنائب عام وهو رئيس الجمهورية الذي هو في ذات الوقت رئيس للحزب الوطني الحاكم ؟!!
هذا لايمكن أن يتم مادام وزير العدل يحمل حقيبة وزارية من حقائب حكومة الحزب الوطني الذي يرأسه حسني مبارك الذي هو في ذات الوقت رئيس الجمهورية ؟
فهل يعقل ان تقول النيابة العامة أن هناك في مصر سجون ومعتقلات سرية ؟
وهل يعقل أن تقول النيابة العامة في مصر أن هناك جرائم تعذيب وإستعمال قسوة للمواطنين في السجون والمعتقلات وأقسام الشرطة ومراكز البوليس ؟
هل يعقل أن تقول النيابة العامة أن السجون والمعتقلات لاتليق بأي حال من الأحوال بآدمية الإنسان وأن المعاملة فيها من القسوة والتعذيب والإهانة بل والقتل أحيانا ً تتم كلها داخل السجون والمعتقلات والسجون المصرية ؟
هل تقدر النيابة العامة أن تقول بأن أقسام الشرطة ومراكز البوليس عبارة عن سلخانات بشرية يعذب فيها البشر ويهانوا وتنتهك آدميتهم داخلها ؟
إذا كانت النيابة العامة فعلت ذلك فأين التقارير التي كتبت عن ذلك ؟
بل إن تقارير المنظمات الدولية عن التعذيب في مصر وإنتهاك حرمات المواطنين وتعذيبهم وقتلهم فاقت الوصف والتعبير بكل المقاييس وأن مصر لا تختلف في سجونها ومعتقلاتها عن سجن أبو غريب ومعتقل جوانتانامو الرهيب شئ !!
أين هم رجال الدين ليفتونا في جرائم القتل والتعذيب اللا مبرر من السلطة الحاكمة ؟
أين هم رجال الدين الذين حرموا علينا كافة أمور حياتنا ووضعونا في معتقل الحرام وسجن الحلال ؟
أين هم من هذه السجون والمعتقلات وإنتهاك حرمة الآدمي في سكنه وحياته الخاصة وفي معتقده الديني أو السياسي ؟
أنطقوا لماذا خرست ألسنتكم في هذه القضايا وشغلتم حياتنا بالصلاة والصيام والطهارة والنجاسة والسنة والبدعة !!
أين هم زعماء الأحزاب السياسية الذين قبعوا داخل مقار أحزابهم كأنهم خشب مسندة فلا دور لهم يذكر ولا حراك منهم يري وكأنهم أموات ؟
أين هي جمعيات ومؤسسات حقوق الإنسان داخل مصر الحزينة المسجونة , مصر المقهورة بسيف سلطة الفساد والإستبداد والغطرسة , مصر الحزن , مصر التي ارتدت السواد من الثياب لعمر طويل من عمر سلطة الفساد ومن عمرقانون الطوارئ السئ السمعة الذي تم إستخدامه للتغطية علي تجار المخدرات والرقيق الأبيض , وسارقي الوطن , ونواب القروض والكيف , ونواب الدعارة , مصر المحزونة علي أبنائها المسجونين والمعتقلين والقتلي والمعذبين , مصر التي لم تجف دموعها علي أبنائها قتلي إلتهاب الكبد الوبائي والسرطان من الهرمونات والمبيدات المحرمة , مصر الباكية الحزينة علي 14 مليون عاطل و9 مليون عانس , ومصر التي تبكي عندما تشاهد أبناؤها في المستشفيات لغسل الكلي المريضة من مياه الشرب الملوثة , مصر تبكي علي ضياع التعليم والصحة والأمن والحرية والسياسة والفن والثقافة , مصر تبكي لأنها لم تعد مصر !! مصر التي لاتقدر علي إطعام شعبها من أرضها وتستورد مايزيد عن ثلثي غذائها , مصر الباكية الحزينة علي قتلي العبارة وحرقي المسرح وقتلي وحرق قطار الصعيد وقطار قليوب , مصر الرافضة الكارهة الغاضبة لماسمته سلطة الفساد بالبنود الإضافية في ميزانية حكومتها التي ترفضها مصر وتريد وتبحث عن حكومة غيرها ولكنها تري أبناؤها مرضي وقتلي وصرعي ومعتقلين !!
في كل الدول المتحضرة المحكومة بسيادة القانون والمؤسسات إذا إرتكب أحد المواطنين جريمة من الجرائم فإن الشرطة تقوم بالقبض عليه ويتم تحويله للنيابة العامة دون ضرب أو تعذيب أو إرهاب أو إهانات من أي نوع , وبعد تحقيقات النيابة العامة تستوفي الأوراق ويتم تحويل الأوراق للمحاكمة العادلة , فإما القضاء بالبراء أو بالإدانة !!
فلماذا التعذيب ؟
ولماذا القتل ؟
ولماذا الملاحقات الأمنية ؟
ولماذا التجسس والتنصت علي المواطنين؟
هل السلطة الفاسدة تخاف من الموطنين ؟
ولماذا تخاف ؟
وإذاكان الخوف موجود فيكون درئه بالقتل والتعذيب والسجون والمعتقلات ؟
وفي نهاية الأمر هل تخيلت سلطة الفساد المعاناة التي يعانيها المسجون أو المعتقل داخل سجنه أو معتقله ؟
هل تخيلت منظر الأطفال وهم لحظة فراق آبائهم والدموع الحارة الملتهبة والبكاء الذي يشق الصدور بعد النداء علي إنتهاء الزيارة ؟
هل تخيلت سلطة الفساد والتعذيب منظر المسجون أو المعتقل وهو يتعذب ويتأوه من شدة التعذيب والألم ؟
أنا أقضي عقوبة فلماذا أعذب ؟
ولماذا أقتل ؟
ومن المسؤل عن ذلك ؟
هل المسؤل هم الضباط القائمين علي أمر القتل والتعذيب ؟
أم مدراء السجون والمعتقلات؟
أم أن المسؤل هو وزير الداخلية ؟
ولماذا يفعل ذلك وزير الداخلية ؟ ولمصلحة من ؟
أعتقد أنه من مصلحة النظام الحاكم أن يفعل ذلك للحفاظ علي بقائه في كرسي الحكم والسلطة !!
ومن ثم تنعقد مسؤلية جرائم القتل والتعذيب وإنتهاك حرمة المواطنين في رقبة رأس السلطة التنفيذية الذي هو رئيس الجمهورية الذي هو رئيس المجلس الأعلي للهيئات القضائية , والذي هو رئيس المجلس الأعلي للشرطة , والذي هو حسني مبارك !!
الذي هو رئيس الحزب الوطني الديمقراطي !!
فمن المسؤل غيره إذاً ؟!!
#محمود_الزهيري (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟