أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد الحسين شعبان - مقالتان في تقريض كتاب د. شعبان -دين العقل وفقه الواقع-















المزيد.....


مقالتان في تقريض كتاب د. شعبان -دين العقل وفقه الواقع-


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 7177 - 2022 / 3 / 1 - 15:39
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


عبد الحسين شعبان محاوراً الفقيه أحمد البغدادي:
«دين العقل وفقه الواقع»… البحث عن أرض مشتركة أملاً في التجاوز

محمد عبد الرحيم
القاهرة ـ «القدس العربي»:
الثلاثاء , 1 مارس , 2022

في منتصف العام الفائت صدر كتاب بعنوان «دين العقل وفقه الواقع» ـ مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت ـ للمفكر العراقي عبد الحسين شعبان، كمحاولة للبحث عن صيغة عقلية للقضايا الدينية، والـ(تديّن) بشكل أدق. لم يكتف شعبان بمجرد التنظير ـ القسم الأول من الكتاب يوضح منهجه البحثي ـ لكنه أقام مؤلفه على جدل حيوي من خلال حوار مطوّل ـ 18 مناظرة ـ مع الفقيه أحمد الحسني البغدادي، المعروف بمواقفه ضد الاحتلال الأمريكي للعراق وأتباعه، حتى انتقاده للحوزة الدينية، جرّاء التزامها الصمت أمام كل ما يحدث في العراق. ورغم التباين بين موقف كل من شعبان والبغدادي، تجاه العديد من القضايا، إلا أن فكرة الحوار النقدي يمكنها إيجاد أرض مشتركة، وصولاً إلى محاولة تجاوز الوضع المتردي الراهن. يقول شعبان في مقدمته.. وستكون أولى المراحل في تخطي فكر القرون الوسطى (الحقبة المظلمة) بإحلال الروح النقدية في التعامل مع الواقع ومع مخرجاته. فلا خوف من نقد عالم دين ولا رهبة له، فهو بشر مثلك مثله، وليكن الأمر خارج نظرة القداسة المسبقة.. ولعل ذلك كان مدخلاً لحواري وعلاقتي مع السيد أحمد الحسني البغدادي، وهو فقيه ومجتهد وصاحب رأي.. والمناظرات معه فيها متعة بقدر ما فيها فائدة، لأنها تتسم بالصراحة والوضوح، وهدفها البحث عن الحقيقة». وفي ما يلي استعراض لـ(بعض) القضايا والآراء التي تناولها الكتاب، وفي حدود ما يسمح به مقال في صحيفة.
المنهج والإطار
يصرّح شعبان في الجزء الأول من الكتاب والخاص بالمنهج البحثي وإطاره، بأن الهدف هو إصلاح المجال الديني، بإضفاء صفة العقل والعقلانية عليه، خاصة في ظل ارتفاع موجة التجهيل والتكفير والتحريم. ويرى أنه لا يوجد فكر واحد وموحد للدين، بل إن لكل مجموعة ثقافية وفكرية ودينية طريقتها في التديّن، حسب درجة تطورها وتفسيراتها الخاصة، وتأويلاتها للنصوص الدينية، خاصة عند ربط هذا التديّن بالسياسة والمصالح الاجتماعية والاقتصادية والأيديولوجيات، بما فيها من ميثولوجيات لا يربطها بالدين رابط، فهناك دين رسمي وآخر شعبي، وسياسي واجتماعي، ودين الأغنياء ودين الفقراء.
من ناحية أخرى يرى شعبان المفارقة في مساجد وكنائس ومعابد امتلأت بالمصلين، في الوقت الذي تزدحم فيه الشوارع بالمشردين والمتسولين، وتفشي الأمراض والأمية والجهل. فالسلطة والقوى المتطرفة تتمسك بقشور الدين لحماية مصالحها، فيتم استغلال البشر وفق ذلك، وما بين الدين والتديّن فارق شاسع، ما بين منظومة قيم، وممارسات وشعائر وعادات بعضها إلى الخرافة أقرب، وهذا ما ينطبق على الأديان كافة. فـ»لا دين دون عقل، ولا عقل دون علم، لكن ذلك لا يتعارض مع الإيمان الذي تجسده القلوب قبل العقول».
«عالمية إلإسلام الأممية تقتضي في هذه الأزمنة تحطيم أوثان التخلف، وتحريك المناطق الساكنة والجامدة في وعينا وفي مسيرتنا، والخروج من الموروث السلبي وتقديم الإنسان الحضاري، من مبادرة الفقيه المبدع المجدد، الذي يتوصل في التماس الحق إلى أقرب الوجوه إلى ظروف وحالات وملكات الأحكام، اعتقاداً لمراد الشارع الأقدس». (الفقيه أحمد البغدادي)
الاجتهاد والوعي بالتاريخ والحداثة
يرى شعبان وفق منهجه أن هناك ترابطا بين التاريخ والاجتهاد، فالوعي بالتاريخ لا يعني استعادته، بل استحضار تجاربه بما يفيد الحاضر والمستقبل. وهذا جزء من مهمة الاجتهاد، وهو ما يؤدي إلى تجديد الخطاب الديني، فلا تجديد دون اجتهاد، أي استنباط الأحكام وفق المتغيرات والمستجدات والتطورات التي تحدث في المجتمع، حيث «تتغير الأحكام بتغير الأزمان» حسب القاعدة الفقهية المعروفة. ويتساءل شعبان في مقدمته عن موقف الإسلام من الحداثة، وكأنه السؤال الإشكالي القائم.. هل العلاقة اليوم بين وعينا الفكري وتطبيق حَرفية النص، تؤدي إلى النتيجة المطلوبة ذاتها، في زمن الوحي الأول والمتلقي الأول؟
الإيمان
«إن الجميع يزعم أنه مؤمن بالله وكل على طريقته الخاصة، المسلم منهم والمسيحي واليهودي، فهل الله واحد بالنسبة إليهم فعلاً؟ وهل هو الإله نفسه الذي يعدون ويؤدون الصلاة له؟ أم ثمّة فهم خاص لكل واحد منهم عن علاقته بالله؟ ثم ماذا يتبقى من الله الذي يجعلونه واحداً للسفاح والإرهابي والجلاد ومغتصب الحقوق والمحتال، وفي الوقت نفسه للضحية والبريء والمهضوم الحقوق والصادق؟». ويقول شعبان إنه لا يوجد دين سيئ وآخر جيد، وأن المشكلة ليست في الدين، بل في توظيفه الإغراضي، وبعض أشكال التديّن التي تتعارض وقيم التقدم. كما أن الإيمان دون عقل سيقود إلى يقينية صمّاء، قد تصل في بعض الأحيان إلى الإرهاب. ويرى شعبان في هذه النقطة أن البغدادي يتوافق معه في الكثير منها، خاصة الذين يدّعون الإيمان ويزعمون التقوى والورع الديني وهم بعيدون عنه.
العنف
«دعوة اللاعنف ذريعة وخديعة» هكذا يرى البغدادي مدعماً وجهة نظره ببعض الآراء التي دعت إلى المهادنة والمساومة مع القوى الخارجية ـ الأمريكان ومعاونيهم ـ خاصة الصادرة عن رجال الدين والمحسوبين على التيار الديني. ويستند في ذلك إلى.. إيقاظ همم الأمة في الكفاح ضد الغزاة، وعدم الخنوع والاستسلام. وهو ما يقره شعبان ويراه مسألة عقلانية محل تقدير. ثم الأمر الثاني ما يراه البغدادي في (الشريعة الخاتمة) تلك التي تبرر العنف ضد الآخر غير المؤمن، لكن ذلك يعد ماضيا لا يمكن العودة إليه أو استحضاره، إضافة إلى لا إنسانيته وتعارضه مع القوانين الدولية. فقاعدة السلم هي ما تأسس عليها ميثاق الأمم المتحدة، لا الحرب. ففكرة الجهاد بوجه عام، يراها العديد من الفقهاء فرعاً من فروع الدين، كالصلاة والصوم والزكاة. فما يؤيده البغدادي هنا يسمى (الجهاد الابتدائي) أي إعلان الحرب المفتوحة على الكفار والمشركين والكتابيين، لرفع كلمة «لا إله إلا الله». وهي الفكرة نفسها التي تمسك بها تنظيم «القاعدة» و»داعش» و»جبهة النصرة»!
رجال الدين
وبالسؤال عن رجال الدين ومكانتهم، ومدى تحكمهم بمصائر الناس، وهل هم مؤهلون حقاً لذلك. جاء رد البغدادي.. بعض رجال الدين يحاول جمع الأتباع والمريدين والسعي لجعل الناس يقلدونهم، حتى يصبحوا بجهلهم وطاعتهم عبيداً مستضعفين. فهم ـ رجال الدين ـ لا يرون سوى أنفسهم يحبونها ويدعون بسطاء الناس إلى تعظيمهم، بل يجبرون العوام على التسليم لهم. وهكذا وجد تياران، تيار الله العظيم وتيار الشيطان الرجيم، والأخيرون يحاولون الاستثمار بالذهب وعبادة البورصة.
الفتوى
هل الفتوى ضرورية؟ دار هذا السؤال عن دور رجل الدين وأشباهه في الفتاوى، التي تتجاوز المشكلات الدينية إلى الحياتية، وهنا لا تقتصر على رجل دين مسلم دون غيره. ولعل الكثير من الفتاوى المضحكة صدرت وقت فيروس كورونا. ويجيب البغدادي بخصوص تناحر المذاهب الإسلامية.. إن كل مذهب يعتبر نفسه (الفرقة الناجية) أما الجميع فهم (الفرقة الهالكة) وهكذا يتجرأ البعض لاستباحة دم الآخر.. إن بعض الفتاوى تخالف السنة النبوية أصلاً، وبعض رجال الدين يفتي خارج قناعاته، إما طمعاً وممالأة، أو حباً في الزعامة والمال.. والشيخ محمد الخالصي على سبيل المثال اتهم بـ(التسنن والعمالة) لاعتباره الشهادة الثالثة بدعة ـ الشهادة بأن علي ولي الله ـ وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
«ما نحتاج إليه اليوم هو إخضاع ما لدينا من سلطات ومؤسسات، ولغات ومعارف ومورثات، وأخلاقيات وقوانين وطرائق تديّن وإيمانيات (بعضها) لا علاقة له بالدين، للنقد حتى إن كان خروجاً عن المسلمات واليقينيات، ما دام هدفه البحث عن الحقيقة». (عبد الحسين شعبان)
وماذا عن النص والحديث ومساقه التاريخي؟ يجيب البغدادي بأنه لا يرد القول إن آراء الماضيين من الفقهاء كانت خاطئة، وإن آراءنا صائبة، إنما أقصد أن آراء الاستنباط والاجتهاد الفكري، الذي يتبنى نظرية الزمان والمكان، ولاسيما في (منطقة الفراغ) حيث لا يوجد نص أو حديث أو سابقة يمكن القياس عليها، فالأمر يحتاج إلى اجتهاد وجواب عن واقع جديد وليس إلى نص موجود فقط، حتى إن كان موجوداً، فهو كمرجع مفيد. والحديث هنا عن فقه الواقع وهو الأهم «علينا الأخذ في فكر التغيير الحداثوي، وليس في فقه التبرير الماضوي».
التكفير
وفي هذه المناظرة دار السؤال عن الرِدّة والمرتد، ليجيب البغدادي بأنه لا يُكفر الشيوعيين مثلاً، مخالفاً بذلك التيار الإسلامي السائد، سواء السني أو الشيعي، ويرى أنه موضوع مُسيّس لا علاقة له بالفقه والواقع. فالشيوعيون إما ملحدون فلسفياً، وهم قلة، ومؤمنون اجتماعياً وهم الأغلبية، فالأولون نحترم قناعاتهم ونختلف معهم بشدة، أما الأغلبية فهم الأقرب إلينا. فالموقف من قضايا الناس هو الأساس.
وهل ناكر الإمامة كافر؟
هنا يجيب البغدادي بأن (الإمامة) من الأصول، ومَن أنكرها من حيث المبدأ ليس شيعياً إمامياً، لكن لا نقول بكفره وجحوده، وعلى هذا الأساس لا نُكفّر أهل السنة والجماعة، الذين لا يرون الإمامة من أصول الدين. ويضيف بأن هناك متطرفين من الفقهاء يزعمون بكفر مَن أنكر الإمامة.
عورة
ونختتم الحديث عن الموقف من المرأة، بكونها ناقصة عقل ودين، وأنها عورة. ويسأل عبد الحسين شعبان.. كيف كرّم القرآن نساء الرسول وامتدحهن في أكثر من موضع، وتأتي الأحاديث المنسوبة لتحط من قيمة المرأة؟
ويرى البغدادي أن ما يُنسب للرسول وللإمام علي زوراً وبهتاناً. فلا فارق بين الرجل والمرأة على الصعد كافة، بشهادة القرآن والسنة والعقل والوجدان والتاريخ. فقد ساوى الإسلام بين الرجل والمرأة في الحدود والقصاص، ولم يسقط عنها أي تكليف، ولم يعفها من أي فريضة لأنها أنثى.
ونختتم بمقولة للبغدادي نفسه، إذ قال «لو خرجت عاهرة بتظاهرة ضد الاحتلال فسأسير خلفها».




دين العقل وفقه الواقع
سباحة فكرية بلا يقينيات



أغنار عواضة
كاتبة وشاعرة لبنانية



دين العقل وفقه الواقع”.. سباحة فكرية بلا يقينيات أغنار عواضة 28/02/2022 موقع 180°
"دين العقل وفقه الواقع" كتاب للدكتور عبد الحسين شعبان، صادر عن مركز دراسات الوحدة العربية، وهو عبارة عن مجموعة كبيرة من المناظرات الهامة مع الفقيه السيد أحمد الحسني البغدادي. كتاب يَحثُنا على القراءة؛ ويضعنا أمام الأسئلة، وأول الفلسفة سؤالٌ، كما يقال. يقول المطران جورج خضر عن الدكتور حسين شعبان “إنه يقيم في الإسلام إقامة المؤمن وإقامة المؤرخ، أما المؤمن فيأتي من أبدية المصدر وأما قارىء التاريخ فمن رؤية الأزمنة تتغير ولكن يحل فيها التنزيل، والمسألة هي كيف تقرأ”؟ قد تستغرق في القراءة لفهم ما وراء الكلام من تأويل وتفسير، وتشعر بمسؤولية كبرى في خوض غمار الفقه والفتاوى والتحريم والتحليل والردة والمرأة، والنقد “كأفضل أداة تنمية وتطوير إكتشفها الإنسان”، بحسب ايمانويل كانط. يقول الشاعر البريطاني توماس ستيرنز أليوت نحن بحاجة إلى ثلاث قضايا للتطور: المعلومة والمعرفة والحكمة، والأخيرة هي الأعلى درجة. ويقول كونفوشيوس إن الحكمة تعني معرفة الناس أما الفضيلة فهي حبهم.
***
حين قرأت كتاب د. عبد الحسين شعبان بعنوان “دين العقل وفقه الواقع” تهيّبت أنا غير المُتدينة في مقاربة فهرس الكتاب ما أن وقعت عيناي عليه، ولكن سرعان ما وجدت نفسي منجذبة إلى سلاسة الموضوعات، وإلى إكتساب ثقافة كنتُ أغيّبُ نفسي عنها لأسباب عديدة. وسرّني كثيراً أن أنحاز مرة إلى السيد أحمد الحسني البغدادي وأصفق له، حين يقر بوجود شوائب عالقة بالدين تشوّه الغاية التي رمى إليها وهو الإنسان والإنسانية، هو العارف بالدين وببواطن الأمور، وأخرى للدكتور عبد الحسين شعبان أحيّيه على جرأة وشجاعة نادرتين في استنباط الرأي السديد والإرتقاء بالمناقشة إلى مستويات فلسفية وسوسيولوجية بخلفية المفكر الموسوعي المتحرر من سطوة الإيديولوجيا ومن تسلّط الفكر الديني وجموده. وهل بغير الموضوعية يستقيم المنهج العلمي وتستقيم الفكرة والعبارة؟ لا بدّ من الإعتراف أيضاً أن سعة صدر وعقل السيد أحمد الحسني البغدادي، ساهمت في دفع الحوار إلى الأعلى بغض النظر عن تطابقه رؤيته أو إختلافها مع رؤية شعبان الأكثر ميلاً نحو العلم والعقل والتنوير والسلام.

“دين العقل وفقه الواقع”، كتاب ثريٌ جداً لغةً ومراجعَ وأفكاراً، وهو يشبه صاحبه الموسوعي الذي يُصرُ على السباحة في هذا الكون كمن يتعلم أواليات الأشياء، بلا يقين ثابت ولا أي نوع من أنواع الجمود الذي يحيط بالأيديولوجيا “

يساري بنشأة نجفية
قبل الخوض في الكتاب، لا بد من التعرّف إلى نشأة شعبان ففي المنزل الذي وُلد فيه في “عكَد السلام” في النجف، كان صوت القرآن الكريم مدوّياً وهادراً، حيث يفتتح والده نهاره بقراءة القرآن وظلّ على عادته تلك طوال أيام حياته ولقد شكّل القرآن أحد الروافد الروحية الأساسية في تكوينه وفي منظومة القيم التي تأثّر بها لاحقاً خصوصاً: الخير والمروءة ومساعدة الفقير ونصرة المظلوم والدفاع عن الحق والانحياز إلى العدل والرحمة والتسامح وغيرها”. وفي مرحلة نشأتي الأولى تلك يقول شعبان: “اطّلعت على “نهج البلاغة” للإمام علي، وهو ما دفعني لاحقاً للاطلاع على المذاهب الأربعة، وفيما بعد على الإنجيل، إضافة إلى البوذية وتعاليمها”. كان أهله من ذوي الميول اليسارية التقدمية، غيرَ أنهم يخالطون شخصيات من أعراق ومذاهب شتى، فأصبح منذ نشأته معتاداً على التنوع الفكري والمجتمعي. لا بدّ وأن تلك النشأة النجفية من عشيرة تتولى رئاسة الخدمة في العتبة العلوية (مقام الإمام علي) قد حصّنت عبد الحسين شعبان ضد التكفير ودعاوى التفريق وغيرها، بعدما طالت سهام الاتهام كتّاباً ومفكرين تجرأوا على “نقد الدين” أو بعض ما ألصق به وتناول موضوعاته الحساسة، ويحضرني الآن الدكتور نصر حامد أبو زيد في نقد الخطاب الديني وغيره العشرات ممن طالتهم الحملات التكفيرية، أو ممن راحوا ضحية التعصّب والتطرّف الديني والمذهبي مثل حسين مروّة ومهدي عامل (حسن حمدان) ومحمد محمود طه وآخرين، الأمر الذي لا ينكره الدكتور شعبان في أكثر من زاوية في كتابه. هل كان ليجرؤ مفكر من بيئة يسارية علمانية على خوض هذه المغامرة؟ أقول نعم، لكن نصيبه من التعرّض للتشهير على أقل تقدير وصولاً إلى إقامة حد السيف، سيكون كبيراً، بل ستلحق به شتّى الاتهامات إذا كان من دين آخر أو مذهب آخر.
نقد الخطاب الديني
لا ينطلق النقاش من السؤال الأول في الوجود هل الله موجود أو غير موجود؟ يتجاهل الكاتب هذا السؤال وإن يفتح مناظراته حول الإيمان واللّاإيمان واضعاً إياه في إطاره الفلسفي الأشمل مع سلسلة من الأسئلة المطروحة على حلبة الصراع الكونية. الدين أمر واقع فعلاً وعلينا أن نتعامل مع المشكلات التي تنبثق عنه وهذا يتفق مع نظرة شعبان المادية الجدلية التي لا يخفيها، مستفيداً من سعة إطلاعه على الفكر الديني وممارسة طقوسه من الداخل والخارج، بل أنه يتحدّث وكأنه من داخل المؤسسة الدينية التي يعرف خفاياها وخباياها ونقاط قوّتها ونقاط ضعفها في آن، لذلك حين ينتقدها يقدّم رؤية للإصلاح من داخلها ومن عمق الدولة ومسؤوليتها أيضاً في إطار وضع الدين في مكانه الصحيح، خصوصاً حين يخضع كلّ شيء للدولة وقوانينها العامة الموحدة. سألت نفسي هل يستقيم الحديث عن إعمال العقل في ضوء سيطرة المسلمات الغيبية التي تغرق فيها الأمم الإسلامية بعدما تفككت وتحللت وصارت قبائل متناحرة ومتأخرة عن ركب الحضارة ونهر المعلومات الهادر؟ نعم إنها جرأة ما بعدها جرأة في مقاربة مواضيع الدين في عقر داره. ولكنها الجرأة المطلوبة لتحديث الخطاب الديني، وحسب شعبان باقتفاء أثر هوبز لا بدّ من إصلاح الفكر الديني أو المجال الديني لكي يصلح الخطاب عن طريق الإعتراف بوجوده أولاً، ثم مخاطبته بلغته وإحداث هزة في الوعي بغية إزالة شوائب التكفير والإرهاب التي ألحقها بعض من يسمون أنفسهم “رجال دين”، على الرغم من عدم وجود هذه المرتبة في النصوص الإسلامية وإنما هي مستحدثة إجتماعياً، لتسليط فئة على فئة وهيمنتها اجتماعياً وإقتصادياً لأهداف سياسية بحتة وأغراض خاصة. هكذا نفهم كل أنواع الإنقسامات، الشيعة والسنة، المذاهب الأربعة وإختلافات فقهية بين مرجع ديني وآخر غيره، ناهيك عن استهداف المسيحيين وأتباع الأديان الأخرى، وهو ما عاشه شرقنا العربي في مرحلة ما بعد الإحتلال الأميركي للعراق وحتى يومنا هذا. ولكن هل يكفي إنكار بعض الأفكار المنسوبة للأحاديث النبوية، حتى ننفي التهمة عن الإسلام بأنه دين متخلف يقتل ويُحقّر المرأة ويُكفّر الرأي الآخر إلى حدّ القتل، وصولاً إلى تحريم الغناء والموسيقى، الأمر الذي يتنافى مع أبسط مبادىء شرعة حقوق الإنسان في العصر الحديث؟ ألا ينبغي التطرق إلى النصوص نفسها ومتابعة زمانها ومكانها وتسلسلهما؟ إقرأ على موقع 180 الكاظمي في واشنطن: الإنسحاب الأميركي مقابل أية إغراءات؟
نقد الماركسية أيضاً
يحضرني قول كارل ماركس الرائج الذي يجتزئه العامة بوصف “الدين أفيون الشعوب”، وكأنه مخدّر يوقف حركة الإنسان ويعيقه، فيما لو أخذت جملته في سياقها الأصلي لإختلف المعنى. لقد قصد ماركس منها، أن الدين نفسه هو منتج بشري، وهو جوهر معاناة الإنسان والإعتراض عليها، وقد فسّرها بعض أنصاره خطأً وبالغوا فيها إلى درجة ظهروا وكأنهم ضدّ الدين، وعن قصد فسّرها أعداءه ووظّفوها ضدّ الماركسيين باعتبارهم ملاحدة، لكن شعبان من خلال العديد من كتاباته بما فيه كتابه “تحطيم المرايا – في الماركسية والاختلاف” وكتابه الآخر “الحبر الأسود والحبر الأحمر: من ماركس إلى الماركسية” أعاد الاعتبار لهذه العبارة بوصفها قيلت عن العلاقات الملموسة في الدولة البروسية والكنيسة البروتستانتية في ألمانيا في القرنين السابع عشر والثامن عشر وكان ماركس نفسه قد اقتبسها من عمانوئيل كانط، حيث وردت في كتابه “الدين في حدود الفعل البسيط” استناداً إلى التطمينات التي كان الرهبان يقدّمونها عند رؤوس الموتى، فوظيفة الدين وأسباب حاجة البشر إليه حسب ماركس باعتباره “الزهرة الوهمية على قيد العبد” أو “زفرة المقهور.

” اتفق مع شعبان والبغدادي في تحميل مسؤولية إنحدار وتدهور الدين إلى مجموعة من البشر يسمون أنفسهم رجال الدين، وبينهم الصالح والطالح، وهم يخطئون ويصيبون، ولا يمكن أن يكونوا أكثر فهماً ودراسة من رجال العلم في مختلف ميادين الحياة

ووفقاً لمحاورتي مع شعبان نفسه، فقد انتقد بعض أطروحات ماركس بشأن انقراض الدين واعتبرها غير صحيحة وهو ما تدحضه الحياة ذاتها، وقد حاول غرامشي من بعد ماركس إعادة النظر بالمسألة الدينية استناداً إلى “البراكسيس” (الممارسة الثورية المتحررة فكرياً) وهو ما يستنتجه شعبان عن الدين الذي يعتبره ظاهرة دائمة ترتبط بالوعي والثقافة وهو تعبير عن الإحساس المشترك الذي علينا إدراكه والتعامل معه من موقع نقدي وليس من موقف النفي أو الضد، وخصوصاً لبعض ما علق به ويتعارض مع العقل. ويفرّق الكاتب بين الدين والقيم الدينية وبين التديّن والممارسة الدينية بما فيها من طقوس وشعائر.
المشكلة الإسلامولوجية
يتألف كتاب “دين العقل وفقه الواقع” من مجموعة من المناظرات التي وقعت بين مؤلفه عبد الحسين شعبان والسيد أحمد الحسني البغدادي وقد بلغت ما مجموعه ثماني عشرة مناظرة وثّقها في القسم الثاني من الكتاب، أما القسم الأول فخصصه للإطار المنهجي والمفهومي متطرقاً إلى حيثيات المناظرات ومحتواها، من الحداثة والتقليد، إلى الوعي بالتاريخ والاجتهاد بالإسلام وصولا إلى جوهر النقاشات التي تدرس الإسلام والحداثة، والديني والعلماني، وفكرة الدولة الإسلامية ومسائل الفكر الديني والإصلاح. في القسم الثاني ولوج إلى لب المناظرات بما هي مبحث إصلاحي يهدف إلى تجديد الفكر الديني وتحديثه من ضمن الأطر المتاحة. مروحة واسعة من العناوين الهامة طالتها المناظرات ومنها على سبيل المثال لا الحصر: الإيمان واللّاإيمان، الدين والإرهاب، الدين والعنف، بين المقدس والمدنس، النقد والنقد الذاتي لرجال الدين، في نقد مبدأ التقليد، الفتوى وضروريتها، الطائفية، المواطنة، الأوقاف، الفدرلة، العصمة، المرأة هل هي ناقصة عقل ودين، الردة والمرتد، الطاهر والنجس، العصمة والمعصوم وعلم الغيب إلخ. في حقيقة الأمر كنت أود تناول مناظرة المرأة، غير أنني سرعان ما غيّرت رأيي حين تعمقت في المناظرة الخامسة التي تتناول نقد رجال الدين لا بل أن نقرأ نقداً ذاتياً بلسان أحد كبار فقهاء الدين (آية الله السيد أحمد الحسني البغدادي). ويبدو أنني اتفق مع شعبان والبغدادي في تحميل مسؤولية إنحدار وتدهور الدين إلى مجموعة من البشر يسمون أنفسهم رجال الدين، وبينهم الصالح والطالح، وهم يخطئون ويصيبون، ولا يمكن أن يكونوا أكثر فهماً ودراسة من رجال العلم في مختلف ميادين الحياة.

يظهر شعبان بمنهجه الجدلي المادي ليخضع كل الأفكار والرؤى والطقوس والنصوص لمشرحة النقد، فلا شيء يُطوّر ويُنقذ الإنسان من الركود إلّا النقد العلمي، وإعمال مبدأ الشك الديكارتي بكل ما يتنافى مع العقل

في هذا الفصل يروي الكاتب طرفة عن مقاربة علي شريعتي وهي تلخص محتوى الفكرة فيقول “بين الجلوس في المسجد والتفكير بالله، أفضل المشي في الشارع وأنا أفكر بالله على الجلوس بالمسجد وأنا أفكر في حذائي”، وفي قوله إشارة واضحة وصريحة إلى تجار الدين. وقد وصفهم كارل ماركس أنهم يفكرون ستة أيام في جمع المال، ويوماً واحداً في الدين. هنا يظهر الكاتب بمنهجه الجدلي المادي ليخضع كل الأفكار والرؤى والطقوس والنصوص لمشرحة النقد، فلا شيء يُطوّر ويُنقذ الإنسان من الركود إلّا النقد العلمي، وإعمال مبدأ الشك الديكارتي بكل ما يتنافى مع العقل. نجح شعبان في الإضاءة على كثير من مواطن المشكلة الإسلامولوجية (أي استخدام التعاليم الدينية بالضدّ منها في إطار نسقي مغلق)، وعمّق التفكير فيها وتناول مسائل غاية في الحساسية غايته في ذلك ليس تهشيم الإسلام ولا مناصرته، وإنما تفعيل النقاش الذي يؤدي إلى تحسين طرق عيش المسلمين وجعلهم يندمجون بركب الحضارة في ضوء احترام فكرة التعددية والتنوع ضمن الدين الواحد وخارجه، وصولاً إلى حق الفرد بأن لا يكون مؤمناً بالضرورة. قد يكون أغفل بعض القضايا عمداً كي لا يُحرج صاحبه أو أنه قرر تأجيلها إلى موعد آخر وكتاب آخر. مثلاً، كنت أودّ أن أقرأ عن رأي السيد البغدادي بخصوص تحريم الموسيقى والغناء، ألِأن الموسيقى تدخل إلى القلب مثل الدين ويخشى مزاحمتها؟ أيضاً رأيه في “سن الحضانة”، وبما تضج بها المحاكم من قصص الظلم والفساد تحت العمائم المتلطية بجمود النص لإخفاء ذكورية مقيتة على المستوى الإنساني؟
خاتمة
“دين العقل وفقه الواقع”، كتاب ثريٌ جداً لغةً ومراجعَ وأفكاراً، وهو يشبه صاحبه الموسوعي الذي يُصرُ على السباحة في هذا الكون كمن يتعلم أواليات الأشياء، بلا يقين ثابت ولا أي نوع من أنواع الجمود الذي يحيط بالأيديولوجيا. هذا النوع من المؤلفات يضيف إلى مكتبتنا العربية وإلى الفكر العربي والإسلامي إسهاماً يُعزّز إمكانية الخروج من الأزمنة المظلمة التي نرقد فيها منذ قرون بعيداً عما وصل إليه العالم من تطورفي مختلف نواحي الحياة.



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأب سهيل قاشا : الرّافديني المسكون بهاجس الحضارة
- أوكرانيا والبطن الرخوة
- لإمام علي فلسفة الحق والعدل: مقاربة حداثية راهنة
- الرئيس عون يستقبل وفد جامعة اللّاعنف
- أحمد بن بلّة الطهرّية الثورية
- في الطريق إلى مؤتمر السلام
- زرياب: الموسيقى والإتيكيت
- فاطمة أحمد ابراهيم وشيوعية الوجدان
- الجزائر وفرنسا: الذاكرة المشتركة
- لؤي أبو التمن وتراجيديا العزلة الذهبية
- فتاة النابالم واللّاعنف
- تدوير الأزمة العراقية حكومة توافقية أم أغلبية سياسية؟
- رسالة من المطران منيب يونان إلى د. شعبان
- رافد -حلف الفضول-
- عن روح الإسلام
- مثلّث الإرهاب : التعصّب والتطرّف والعنف
- المسيحيون والمواطنة الفائضة
- حوار مع الأكاديمي والمفكر العربي د. عبد الحسين شعبان
- ديزموند وقوس القزح
- مولر وفلسفة اللّاعنف


المزيد.....




- مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية شرطة الاحتلال الإسرائي ...
- أجراس كاتدرائية نوتردام بباريس ستقرع من جديد بحضور نحو 60 زع ...
- الأوقاف الفلسطينية: الاحتلال الإسرائيلي اقتحم المسجد الأقصى ...
- الاحتلال اقتحم الأقصى 20 مرة ومنع رفع الأذان في -الإبراهيمي- ...
- استطلاع رأي إسرائيلي: 32% من الشباب اليهود في الخارج متعاطفو ...
- في أولى رحلاته الدولية.. ترامب في باريس السبت للمشاركة في حف ...
- ترامب يعلن حضوره حفل افتتاح كاتدرائية نوتردام -الرائعة والتا ...
- فرح اولادك مع طيور الجنة.. استقبل تردد قناة طيور الجنة بيبي ...
- استطلاع: ثلث شباب اليهود بالخارج يتعاطفون مع حماس
- ضبط تردد قناة طيور الجنة بيبي على النايل سات لمتابعة الأغاني ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد الحسين شعبان - مقالتان في تقريض كتاب د. شعبان -دين العقل وفقه الواقع-