صائب خليل
الحوار المتمدن-العدد: 1665 - 2006 / 9 / 6 - 10:40
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
من مميزات المجتمع الضعيف, تماماً كما هو الحال لدى الشخص الضعيف: الشلل بوجه اية مشكلة وأي تحد, فيغرق في قدح ماء ويدوخ امام ابسط المسائل.
تقف الحكومة العراقية امام "مشكلة العلم العراقي" وهي مشكلة لم يخلقها مسعود البرزاني انما اثارها فقط. عندما قرر انزال العلم الذي تركه صدام كقميص عثمان, والتي اثارت ردود فعل حادة وتبادل للتهديدات وزادت الموقف المعقد تعقيداً رغم نفي مسعود للإتهام بنوايا انفصالية تقف خلف القرار.
المشكلة لم يخلقها مسعود فالمشكلة كانت وما زالت موجودة منذ سقوط صدام. ويمكن تلخيصها ان العلم العراقي الذي تركه صدام يمثل تحدياً ليس للشعب الكردي فقط, ولكن لكل من يمثل ذلك العلم ذكرى الإذلال والقهر والإحتقار, الذي كان يميز حكم صدام. فهو مازال يرفرف متحدياً الناس في طموحها نحو عيش كريم كباقي البشر في الأرض.
تعاملت الحكومة بتلكؤ وحذر في موضوع العلم فاختارت احيانا ان ترفع كتابة صدام منه واحيانا اكتفت ان تكتب العبارة بخطوط اخرى, وهو ما اشار اليه البرزاني حين قال إن العلم العراقي الحالي غير موحد في تشكيلته في العراق, مقارنة بعلم الرابع عشر من تموز وهو علم موحد ولايرتبط بذكريات اليمة للعراقيين, على العكس من العلم الحالي لانه يعبر عن " فترة من اشد الفترات سوادا في تاريخ العراق". كما بين مسعود البارزاني واصفا اياه بانه "علم البعث والانفال والقصف الكيمياوي والمقابر الجماعية وتجفيف الاهوار وتدمير العراق باكمله".
كما اشار البارزاني وجلال الطالباني الى الفراغ الدستوري المحيط بموضوع العلم والتلكؤ في تنفيذ المادة الخاصة بتغييره. وفعلا كانت الحكومة العراقية السابقة قد اعلنت مسابقة لتصميم علم جديد يكون معبرا عن مختلف فئات العراقيين لكن المشروع اختنق ككثير غيره في غبار الأرهاب والفوضى.
ورغم ان تغيير العلم ليس امراً غريباً على الثورات والإنقلابات, فأن القرار لامس وتراً حساساً لدى مقالق العراقيين على مستقبل وطنهم ووحدته. وعدا الحساسية والقلق المذكور, وعدا المزايدات التي تستهدف الإضرار بالعراق وزيادة التوترات بين فئات شعبه, فهناك مشكلتان رئيسيتان في هذا الموضوع:
المشكلة الرئيسية الأولى الحساسة في الموضوع هي أن علم صدام اختبأ خلف عبارة "الله اكبر". فحين نشرت تصميم العلم العراقي الذي شاركت فيه في المسابقة المذكورة (*), كتب احد القراء راجيا ان لا نزيل عبارة التكبير من علمنا. واليوم بعد بضعة سنوات من التوتر والتناحر والقلق والطائفية فنحن اضعف كثيرا من اليوم الذي اردنا فيه تغيير العلم وصار حتى حذف تلك العبارة مسألة خطيرة يعترض عليها, ليس المغرضون فقط بل ايضاً الكثير من المسلمين حسني النية, مع ان اليد التي خطتها يد قتلت من المسلمين انفسهم, ربما اكثر من اية يد اخرى في التأريخ. والسؤال هنا هل ان عبارة التكبير المقدسة تذكر قارئها بلفظ الجلالة أم تذكر بصدام الذي كتبها؟ لا شك انها تذكر العراقي بصدام, حين يراها على العلم العراقي بالذات, وفي هذا الوقت بالذات حيث القلق حول المستقبل, فأن لذلك اثر لايحتمل مشكك بهزيمة الدكتاتورية.
لحسن الحظ فأن في التأريخ الأسلامي والقرآن الكريم ما يوحي بالحل بل ويرشد اليه بشكل لا لبس فيه.
فقبيل تبوك, بنى منافق يعادي الأسلام ويدعيه مسجداً اراد به الفتنة, لكن الرسول (ص) لم يتردد في مواجهته, فورد ذكر الحادثة في سورة التوبة:
والذين اتخذوا مسجداً ضراراً وتفريقاً بين المسلمين وارصادا لمن حارب الله والرسول من قبل وليحلفن ان اردنا إلا الحسنى والله يشهد انهم لكذبون(106) لا تقم فيه أبدا لمسجد اسس على التقوى من اول يوم احق ان تقوم فيه رجال يحبون ان يتطهروا والله يحب المطهرين (107)
و من تفسير إبن كثير لتلك الآيات ننقل مايلي :
"سبب نزول هذه الآيات الكريمات, انه كان بالمدينة قبل مقدم رسول الله (ص) اليها رجل من الخزرج يقال له ابو عامر الراهب, وكان قد تنصر في الجاهلية وقرأ علم أهل الكتاب, وكان فيه عبادة في الجاهلية وله شرف في الخزرج كبير, فلما قدم رسول الله (ص) مهاجراً الى المدينة واجتمع المسلمون عليه وصارت للإسلام كلمة عالية وأظهرهم الله يوم بدر, شرق اللعين أبو عامر بريقه وبارز بالعداوة وظاهر بها, وخرج فاراً إلى كفار مكة من مشركي قريش, يماثلهم على حرب رسول الله (ص) فاجتمعوا بمن وافقهم من أحياء العرب وقدموا عام أحد, فكان من أمر المسلمين ما كان وامتحنهم الله عز وجل, وكانت العاقبة للمتقين, وكان هذا الفاسق قد حفر حفائر فيما بين الصفين, فوقع في إحداهن رسول الله (ص) وأصيب ذلك اليوم فجرح وجهه وكسرت رباعيته اليمنى السفلى وشج رأسه صلوات الله وسلامه عليه, وتقدم أبو عامر في أول المبارزة إلى قومه من الأنصار فخاطبهم واستمالهم إلى نصره وموافقته, فلما عرفوا كلامه قالوا: لا أنعم الله بك عينا يا فاسق يا عدو الله, ونالوا منه وسبوه فرجع وهو يقول: والله لقد اصاب قومي بعدي شر
وكان رسول الله (ص) قد دعاه الى الله قبل فراره وقرأ عليه من القرآن, فأبى أن يسلم وتمرد, فدعا عليه رسول الله (ص) أن يموت بعيداً طريداً فنالته هذه الدعوة, وذلك انه لما فرغ الناس من أحد, ورأيى أمر الرسول (ص) في ارتفاع وظهور, ذهب الى هرقل ملك الروم يستنصره على النبي (ص) فوعده مناه وأقام عنده, وكتب الى جماعة من قومه من الأنصار من أهل النفاق والريب يعدهم ويمنيهم أنه سيقدم بجيش يقاتل به رسول الله (ص) ويغلبه ويرده عما هو فيه, وأمرهم أن يتخذوا له معقلا يقدم عليهم فيه من يقدم من عنده لإداء كتبه ويكون مرصداً له إذا قدم عليهم بعد ذلك, فشرعوا في بناء مسجد مجاور لمسجد قباء فبنوه وأحكموه وفرغوا منه قبل خروج رسول الله (ص) إلى تبوك,
وجاءوا فسألوا رسول الله (ص) أن يأتي إليهم فيصلي في مسجدهم ليحتجوا بصلاته فيه على تقريره وإثباته, وذكروا أنهم إنما بنوه للضعفاء منهم وأهل العلة في الليلة الشاتية, فعصمه الله من الصلاة فيه فقال "أنا على سفر ولكن إذا رجعنا إن شاء الله" فلما قفل عليه السلام راجعاً إلى المدينة من تبوك ولم يبق بينه وبينها إلا يوم أو بعض يوم, نزل عليه جبريل بخبر مسجد الضرار وما اعتمده بانوه من الكفر والتفريق بين جماعة المؤمنين في مسجدهم مسجد قباء الذي أسس من أول يوم على التقوى. فبعث رسول الله (ص) إلى ذلك المسجد من هدمه قبل مقدمه المدينة, كما قال علي بن أبي طلحة عن أبن عباس في الآية, هم أناس من الأنصار.......فلما نزل بذي أوان أتاه خبر المسجد فدعا رسول الله (ص) مالك بن الدخشم أخا بني سالم بن عوف, ومعن بن عدي أو أخاه عامر بن عدي أخا بلعجلان فقال " انطلقا الى هذا المسجد الظالم أهله فاهدماه وأحرقاه"......فدخل أهله فأخذ سعفا من النخل فأشعل فيه نارا....فحرقاه وهدماه وتفرقوا عنه, ونزل فيهم من القرآن ما نزل (والذين اتخذوا مسجداً ضرراً وكفراً) الى اخر القصة. (.....)وقوله (وليحلفن) أي الذين بنوه (إن اردنا إلا الحسنى) أي ما أردنا ببنيانه إلا خيراً ورفقاً بالناس, قال الله تعالى: (والله يشهد إنهم لكاذبون)أي فيما قصدوا وفيما نووا, وإنما بنوه ظراراً لمسجد قباء وكفرا ورفقا بالناس, قال الله تعالى : (والله يشهد إنهم لكاذبون) (.......) وقوله (لا تقم فيه أبداً) نهي له (ص) والأمة تبع له في ذلك عن ان يقوم فيه ..." (انتهى الإقتباس من تفسير ابن كثير)
والقصة لا تحتاج الى تعليق فمما لا شك فيه ان صدام الذي قتل من المسلمين اكثر من اي شخص اخر في التأريخ واشعل حروبا بين الدول الأسلامية مثيرا الفتن والخراب بين المسلمين والمسلمين وبين العرب والعرب لهو اشد ضررا ونفاقا من ابو عامر المذكور اعلاه. وان كان الرسول (ص) لايرى ضيرا في احراق مسجد, وهو بيت الله, ان كان بني على نفاق, وحتى لو ادعى بانوه وحلفوا انهم يريدون به الحسنى وخير الناس والدين, وتخليصاً لإرتباط رمز ديني بأساس منافق, فلا شك انه من الصحيح درأً للفتنة ومواجهة النفاق وتخليص رمز التكبير من ارتباطه بشخص مثل صدام حسين, بالغاء عبارة التكبير التي كتبها على العلم.
المشكلة الثانية مشكلة فنية وهي الأبسط نسبياً وهي تمثيل العلم العراقي لكل فئات الشعب العراقي. فلا يمكن ان يحتوي العلم على ما يمثل كل فئة من عشرات الفئات المكونة للشعب العراقي. والحل لهذه المشكلة ان لايحتوي العلم على ما يمثل اية فئة مباشرة وانما يقتصر على تمثيل ما يرمز الى العراق مثل النفط المتواجد في البلاد من شمالها الى جنوبها, وما يرمز الى طموح العراقيين بالسلام والمساواة, وهذه هي الفكرة التي استوحيت منها مشاركتي في مسابقة العلم العراقي التي لم تر النور, وما زلت ارى التصميم الذي قدمته (*) وافيا كحل للأزمة.
(*) تصميم الكاتب للعلم العراقي الجديد:
http://www.doroob.com/?p=587
#صائب_خليل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟