|
الخروج من الدين ح2
عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 7175 - 2022 / 2 / 27 - 11:01
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
إن مفهوم الخروج من الدين الذي تبنى مشروعه الفرنسي مارسيل غوشيه يجب أن لا بنظر له على أنه واحدا من المحاولات التنويرية التي يقودها العقل العلماني ضد سحر الدين وتأثيره على العقل المؤمن، لكنه من جهة أخرى لا يعدو أن يكون دراسة أستقصائية تأريخية تتمثل في دراسة السيرورة المدنية للمجتمع البشري وتقلباته بين العقيدة الدينية التي تتوارث الواجب التنظيمي الأجتماعي وبين أحكان تطور النظام الأجتماعي السائر نحو المزيد من ضبط العلاقات الأجتماعية من خلال أستبدال القواعد الأختيارية ذات الطبيعة الفردية لقوانين جامعة مجردة لا يمكن أن تنتهك بتفسيرات أو تأويلات تحت عنوان الإشاءة أو الرغبة في الثواب والعقاب، تقول الباحثة المغربية بشرى عثماني في قراءتها لأقمار مارسيل عن الجذور الفكرية التي أستمد منها مارسيل فكرته وتحديد تأثره العميق بـ "ماكس فيبر" (حاول من خلاله تفسير العلاقة بين الديني والسياسي في عالم البشر، وتتبع المسار التاريخي لتطورهما منذ العصور البدائية إلى اللحظة الحالية مستضمرا التراث الليبيرالي. هذا التطور تماشى ونشأة الديمقراطية في إطار تفاعل بين المعطى الديني والمستجد في الواقع الأجتماعي،. في إطار هذه الصيرورة استطاع الإنسان الانتقال من كائن سلبي مفعول به من طرف قوة مفارقة، إلى كائن فاعل بمقدوره إدراك متغيرات عالمه المحايث وعقلها فتجاوز بذلك سحر المتعالي إلى الإيمان بقدرة العقل، وتحول من االعتقاد الديني إلى الأعتقاد السياسي). إذا لم يكن غوشيه فيلسوفا في دائرة التنوير الديني في حدود مفهوم التنوير، وإنما دارسا أجتماعيا تتبع علاقة الديني بالسياسي وتحولاته وتطوره دون أن يخوض في العقائد أو المسارات الإيمانية، مستخدما أدوات النقد والتمحيص والمقاربات وحتى التصحيح العقائدي، الرجل كان تأريخيا في دراسته لعلم الأجتماع الديني في ذات الوقت الذي كان فيه أجتماعيا تحليليا في دراسة تأريخ الدين والإنسان (إن مسار الممارسة السياسية التي شهدتها المجتمعات البشرية منذ مراحلها البدائية، لم تنفصل جذريا عن المعتقدات الدينية، وإن بدا الأمر على عكس ذلك في كثير من المراحل؛ فقد ظل الإنسان يسعى من خلالهما إلى إرساء ما يجمع المتعدد، ويضم المشتت حول فكرة الواحد)، فكرة الواحد هذا يجب أن تتميز بخصائص ومميزات تفارق بل وحتى تتضاد مع فكرة الف ذاته حتى تكتسب فرادتها وسحرها المتعالي، فلا بد أن يكون غائبا أو غيبيا لا مرئيا ولكن يمكن تبرير الإحساس به وكذلك يصعب إثباته وإنكاره، وثانيا أن يتمتع بالقدرة والقوة التي لا يمكن للبشر الوصول إليها أو حتى تصورها، هذه الفكرة الثنائية تؤمن للدين القدرة على التحدي الواقعي مما تلجئ الفرد لمحاولة التصالح إن لم نقل الهزيمة أمامها، هذا من جهة، ومن جهة أخرى تستغل الغياب المحير الفنتازي والقوة الأفتراضية في الهيمنة على إرادة الإنسان لتسخيره لأختيار الشرط الأجتماعي الذي تضعه دون مقاومة أو أعتراض. التنويريون عموما يدرسون الفكرة الدينية مجزأ أو على أساس تفكيك الفكرة الكلية المترسخة بوجدان الفرد العقائدي، يفرزون ما بين ما يتمتع بالإصالة والمنطقية وبين ما يرونه مخالفا للمنطق العقلي أو معارضا لرؤيتهم، وهم بذلك لا يبحثون في جذور الفكرة وتطورها إلا من خلال المنطق، أي من خلال رؤية مسبقة لما هو صحيح برأيهم وخطأ مفترض، أيضا لا يدرسون قيمة التأثير الديني في السياسي ولا السياسي في الديني تأريخيا إلا من خلال عامل التخادم بينهما، فهم يهدمون جزء من عقيدة الفرد وتعرية زيفها وإنحرافها أستنادا أما للنموذج الأصل وهم ما يطلق عليهم التنويريون المصححون، أو إنكار كل فكرة أو رؤية أو نشاط تعبدي أو إيماني يتعارض مع النموذج المصنوع من قبلهم، في رأي المتدين الذي يواجه حركة التنوير وخاصة الشكل الثاني منه يستشعر أن هذا التنويري يريد أن يحل محل الديان الأول الذي يؤمن به، من خلال فرض رؤيته على أنها الأصوب سواء أكانت فعلا كذلك أم أنها مجرد فكرة خرجت من عقله، لذا فالصراع بين التنويري والمتدين هو صراع على شرعية الديان. هنا يمكننا أن نفرق بين التنوير الديني بشكليه النقدي الصارم والإصلاحي الذي يحاول إعادة الدين من جديد للساحة العقلية كحامل مبادئ وقيم، وبين فكرة "الخروج عن الدين" من أن هدف الأول هو شكل وجوهر العقيدة والروابط الفكرية بين الدين والإنسان، وبسطها في واقع جديد رافضا التراث التاريخي جزئيا وأحيانا كليا أستنادا إلى أن الجوهر الصانع الأول للعقل يرفض هذا الإرث كما يرفض التدخل البشري في تأويله خارجا عنه، أما فكرة الخروج فهي تتبع مراحل ومسارات التحول في رؤية المجتمع للعلاقة بين الدين والسلطة كمظهر أساسي من خلال مقولة تحول المجتمع من الدولة الدينية أو المجتمع الديني المحكوم كليا بالظاهرة الإيمانية إلى دين الدولة أو دين المجتمع كرابط من روابط الدولة والمجتمع في طريق سيرورتها وصيرورتها إلى دين الفرد (ولا يعني، كما يبدو من ظاهر القول، التخلي عن المعتقد الديني، وإنما الخروج من عالم يكون فيه الدين محددا بنيويا، وموجها سياسيا للمجتمعات، ومحددا البنية الاقتصادية للرابط ولا يمكن تحميل مسؤولية ذلك أي من المجالين، فمحفزات الخروج من الدين لم تكن دينية تماما مثلما التحولات السياسية لم تكن أسبابها سياسية، نستطيع القول إن ذاك المسار جاله صراع برادايم Paradigm سياسي مثلته الدولة وبرادايم ديني مثلته الكنيسة. فكانت النتيجة مسارا مفتوحا لبراديمات تتناسل وتتصارع دون أن تستقر على حال)، هذه الحالية من الصراع ستنتهي بالنتيجة إلى ما يعرف بالعقلانية الكاملة التي تحمل شعار (أنا أفكر بدل أنا أؤمن). إن مسار الخروج من الدين في النصف الثاني من القرن الثامن عشر أوربيا على الأقل ومنه شع عصر الأنوار، استطاع تحقيق خطوات عملاقة أخرجت الدين من شرنقته التقليدية المنحصرة بالواحد اللا مرئي صاحب سحر القوة والغياب ليصير شأنا تداوليا، كما أخرجت الإنسان من عصر الظن بالطاعة والإيمان بها لأنها تمثل الإيمان كاملا إلى عصر التفكير ومنطقه لفهم حقيقة الإيمان وإخراجه من دائرة التابو المحرم، فكانت مناسبة لولادة قيم الحرية، المساواة، حقوق الإنسان.. لتؤشر بداية حقيقية صاحبت عصر التنوير الذي ساهم هو الأخر بشكل ما في تحرير العقل البشري من دائرة الظن الإيماني إلى الواقعية الإيمانية المتمثلة في حق الإنسان أن يفهم لماذا يؤمن وبماذا يؤمن قبل أن يؤمن بما هو ظني أو تسليمي أو إرثي لا تفسير له سوى ضرورة الطاعة مقابل فكرة الجنة والنار
#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)
Abbas_Ali_Al_Ali#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الخروج من الدين
-
الى صديقي ...أخي فراس معلا
-
حرب إعادة التموضع
-
مقتطفات من وحي الروح
-
العبادة البديلة
-
نداء ... للعقل والحرية
-
صباحك يلا منجل ولا مطرقة
-
كأسي الأخير في الليلة الأخيرة وحديث الروح
-
هذيان الرب
-
فصة المسيح الضال
-
اللغة العراقية ومفهوم الدلالات ح 30
-
زمن القبائل بدائية
-
اللغة العراقية ومفهوم الدلالات ح 29
-
رغبة قهرية
-
اللغة العراقية ومفهوم الدلالات ح 28
-
اللغة العراقية ومفهوم الدلالات ح 27
-
أنت فاسد
-
اللغة العراقية ومفهوم الدلالات ح 26
-
اللغة العراقية ومفهوم الدلالات ح 25
-
وجه أخر لعالم جديد
المزيد.....
-
شاهد: لحظة إطلاق سراح الأسيرة الإسرائيلية أربيل يهود وتسليمه
...
-
تسليم الأسيرة الإسرائيلية أربيل يهود للصليب الأحمر في خان يو
...
-
تردد قناة طيور الجنة الجديد على القمر الصناعي النايل سات وال
...
-
مستعمرون يقطعون أشجار زيتون غرب سلفيت
-
تسليم رهينتين في خان يونس.. ونشر فيديو ليهود وموزيس
-
بالفيديو.. تسليم أربيل يهود للصليب الأحمر في خان يونس
-
الصليب الأحمر يتسلم المحتجزين الإسرائيليين أربيل يهود وجادي
...
-
القناة 13 العبرية: وصول الاسيرين يهود وموسيس الى نقطة التسلي
...
-
الكنائس المصرية تصدر بيانا بعد حديث السيسي عن تهجير الفلسطين
...
-
وصول المحتجزين الإسرائيليين أربيل يهود وغادي موزيس إلى خان ي
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|