أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - إياد العبدالله - الشباب السوري.. السياسة والانتماء















المزيد.....

الشباب السوري.. السياسة والانتماء


إياد العبدالله

الحوار المتمدن-العدد: 1664 - 2006 / 9 / 5 - 10:12
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لا تفصل الدراسات والأبحاث التي تعنى بدراسة تاريخ الأفكار السياسية، بين هذه الأخيرة وبين تاريخ المجتمعات وما تتضمنه من فلسفات وأديان و علوم ومؤسسات وعلاقات اقتصادية و اجتماعية وثقافية... إلخ. ليغدو ازدهار السياسة والأفكار السياسية عَلَماً على ازدهار المجتمعات و ديناميكيتها، والعكس صحيح عموماً، فموت السياسة وجمود الأفكار السياسية يشار إليه بالتلازم مع تفكك واستاتيك مجتمعي يعكس نفسه على كافة المستويات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية و القانونية... إلخ.

ينتمي واقع الحال السوري إلى هذا الحقل الأخير. فتكنيس السياسة من المجتمع، على امتداد العقود الأربعة المنصرمة، ساهم في تكنيس ملامح الاجتماع السوري الحديث, حيث أخذت مكونات المجتمع السوري تنغلق على نفسها على شكل كانتونات وجماعات، منها ماهو طبيعي و منها ماهو مستحدث، يتحدد بها الآخر ويتم اختراعه كنقيض مباشر. فمن أهم التعيينات الحديثة لمفهوم الوطن هو التعيين السياسي الذي يقوم على أساس المشترك بين جماعة بشرية ما، ولا ريب أن إزاحة السياسة ستعرض هذا التعيين إلى انزياحات قاسية وحادة تطيح بهذا المشترك أو تؤدي إلى تهميشه في أحسن الأحوال. إذ إن ضمور الرابطة السياسية بين أفراد المجتمع وجماعاته لا يعني شيئاً آخراً غير أن هذه الوحدة الظاهرية لمكوناته إنما مردها إلى قوة الأجهزة الحارسة لهذه الوحدة، وليس الشعور بالانتماء لدولة واحدة أو وطن واحد.
إن تاريخ الحراك الشبابي السياسي في سوريا هو ذاته تاريخ السياسة فيها، فمنذ ثمانينات القرن المنصرم والسياسة في سوريا تعاني من شيخوخة مزدوجة، أي بالمعنى الفاعلي والعمري؛ وهو ما يمثل نقضاً لِسمة ميزت تاريخ الحراك السياسي السوري، أقلّه منذ بدايات القرن الماضي، وبالأخص في مرحلة ما بعد الاستقلال، حيث كان الحضور السياسي للشباب لافتاً، وخصوصاً أنه ارتبط آنذاك بحركة مجتمع يتوق إلى بناء دولة سيدة تقود عمليات التحديث وتسعى إلى سد الفراغ الذي خلّفه لها الاستعمار بعد خروجه، على كافة الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية... إلخ. وقد تعرضت السياسة في سوريا أثناء سيرورتها إلى انتكاسات عديدة كان من أهمها حالة الطوارئ المعلنة منذ صعود حزب البعث العربي الاشتراكي إلى السلطة 1963، مستنداً في هذا على وطنية مؤدلجة ترى في الاختلاف نقيصة وعائقاً عن انجاز مهام التحرير والتحديث والتقدم. وهذا لن يعني شيئاً آخراً في المستقبل سوى تأميم الدولة والمجتمع لصالح حزب البعث الذي سوف تنتحل مؤسساته فيما بعد صفة الدولة. وهو ما سيجد تعبيره الأمضى فيما بعد في ما يسمى" الجبهة الوطنية التقدمية " المكونة من عدة أحزاب باركت هذا التأميم، والتي اشترط ميثاقها على كل الأحزاب المنضوية فيها ـ ما عدا حزب البعث طبعاً ـ عدم العمل في أوساط الجيش والطلبة، ومنعها من إصدار صحف خاصة بها. وهذا يعني أن سوريا بأكملها غدت ساحة مفتوحة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً وتربوياً أمام حزب البعث من غير منازع. وعلى الرغم من هذا فقد استمر الحضور الشبابي سياسياً، حتى أن أحزاباً وقوىً سياسية شكل فيها الشباب، من كلا الجنسين، غالبيتها شبه المطلقة ( حزب العمل الشيوعي، الإخوان المسلمين...). وسيستمر هذا الوضع للشباب بين انحسار ومد حتى أزمة الثمانينات التي لا زال المجتمع السوري يرزح تحت ثقل نتائجها، حيث سيبدأ فصل جديد من الرواية السورية المعاصرة التي سيكون للشباب السوري دور البطولة فيها، حيث أن تاريخاً جديداً لهم ستصوغه كلاً من المؤسسات التربوية والإعلامية والسياسية والثقافية التي هيمن عليها النظام السياسي السوري/ البعثي هيمنة مطلقة. فعلى صعيد التربية والتعليم مثلاً، الذي اضطلع بدور داعم للنظام من خلال مناهجه المليئة بأحكام قيمة تخدم توجهات النظام وسياسته، وتصور واقع الحال على أنه أفضل بما لا يقارن مع الماضي الذي يتم اختزاله ببضع كلمات ( الإقطاع الذي استغل الفلاح، الرأسمالي الذي يظلم العمال، الأطماع الخارجية...) لتأتي الثورة التي جاءت بالنظام بوصفها انتشالاً لهذا المجتمع من وحل الاستغلال والاستعمار، ودفعاً له باتجاه مجتمع الوفرة والتحرر والتقدم والقوة. وما مادة " التربية القومية الاشتراكية ", التي ترافق المتعلم حتى نهاية المرحلة الثانوية، لتأخذ اسماً آخراً لها في المرحلة الجامعية "الثقافة القومية الاشتراكية"، إلا مثالاً ناصعاً على ما تقدم. تكمل المنظمات الرديفة لحزب البعث والملحقة بالقطاع التربوي، ما بدأت به المناهج. فمنذ اليوم الأول للطالب في مدرسته يصبح عضواً في منظمة "طلائع البعث" التي يشرح اسمها مضمونها والمراد منها، ليصبح في المرحلة الإعدادية " رفيقاً" في اتحاد شبيبة الثورة، ثم رفيقاً بعثياً في المرحلة الثانوية، ثم في الاتحاد الوطني لطلبة سورية في المرحلة الجامعية، والتي تتعاضد جميعها لإنتاج الشخصية الامتثالية ذات العقلية الببغائية التي تردد ما يقال لها عن الوطن وعيد الثورة والحزب.. دون أن تفهم ما معنى كل هذا وغيره. أليس ذا دلالة كبيرة، بعد هذه المسيرة التربوية العقائدية الصارمة والمشبعة بقيم النضال والتحرير..، أن سورية، انتماءاً وتاريخاً، هي الغائب الأكبر عن وعي هؤلاء الشبان؟ أليس ذا دلالة خطيرة أيضاً أن أغلب الشباب لا يعرفون متى نشأت سوريا الحديثة؟ ولا من كان يرأسها قبل عام 1970؟ ولا أي شيء تقريباً عن حزب البعث رغم أن معظمهم منسبون إليه؟ ولا أي شيء أيضاً عن الجولان المحتل سوى أنه أرض سورية محتلة، لاشيء عن سكانه وأسراه ومتى تم اغتصابه..؟ ألا يعكس ذهاب آلاف الشبان السوريين إلى العراق للوقوف ضد العدوان عليه في الوقت الذي يغيب الجولان عن أي فاعلية مماثلة عند هؤلاء الشبان، مفهوماً انتمائياً لهم تتخارج سورية عنه؟!! على أي محك نضع الوطنية السورية في ظل استفحال هويات نابذة ( طائفية، عشائرية، مناطقية،...) عند هؤلاء الشبان، وضمور الهوية السورية كهوية جاذبة جامعة، لكن غير نافية للتعدد والتنوع والاختلاف؟ إن هذه الأسئلة، وغيرها، هي برسم الاجابة وطنياً ومعرفياً و تاريخياً...
لقد شهدت السنوات الأخيرة نشاطاً سياسياً ذو طابع شبابي انطلق من الجامعات السورية، كان أهم ما يميز انطلاقته هذه أنها كانت بمبادرات ذاتية طلابية. لقد كان من الطبيعي أن يجد الاهتمام بالشأن العام مكاناً عند بعض الأوساط الطلابية في جامعاتنا السورية، وخصوصاً بعد هذه التطورات التي طرأت على المنطقة، والتي تقبع سوريا في صلبها. وأيضاً بسبب ما شهده الداخل السوري في السنوات الأخيرة من حراك قوامه المطالبة بالحريات ومكافحة الفساد وغير ذلك مما غدا معروفاً، وخصوصاً أن هذا يمسهم كمواطنين أولاً وكطلاب غير راضين عن الحال المتردي الذي وصلت إليه الجامعة على كافة الأصعدة. إلا أن ما هو طبيعي ( وهو هنا الاهتمام بالشأن العام ) هو بالضبط ما تم إسكاته بقسوة بوسائل متعددة (الفصل الدائم والمؤقت من الجامعة، الاعتقال، الاستدعاءات الأمنية...). إن إلغاء ما هو طبيعي، عبر عدم الاعتراف بطبيعته وطبيعيته، لا يعني إلا دفع الأمور نحو الاحتكام إلى منطق الاستثناء، الذي يجد أحد تطبيقاته في المزاج الذي أخذ ينتشر في بعض الأوساط الشبابية، والذي يرى أن التغيير إما أن يكون خارجياً أو لا يكون؛ وكأن لسان حالهم يقول: " ما الذي يجعلنا نرفض إصلاحاً أو تغييراً من الخارج في حال الحؤول دونه في الداخل؟ "؛ إنه مزاج يقبع الشعور بالعجز وفقدان الأمل في صميمه ومنه يستمد حضوره.في سياق إشارته إلى أن أساس السلطة السياسية يجب أن يقوم على التعاقد الاجتماعي، أكد جون لوك على أن العدالة في أحد أهم تحديداتها، تكمن في عدم التعسف في استخدام السلطة القائمة. وقياساً نستطيع أن نؤكد أن غياب العدالة هو الذي أسس لغياب الجيل الشاب (والمجتمع بكافة فئاته) عن معترك الشأن العام، وبالتالي عن صياغة وجودهم وصناعة حياتهم والتخطيط لمستقبلهم...إلخ.إن الإفراط الذي مارسه النظام السياسي السوري في عملية الضبط والسيطرة على الشباب، قاد إلى إفراط وتطرف في اللامبالاة يصعب السيطرة عليها عندهم. هذه اللامبالاة هي اغتراب مركب يعيشه الشباب عن المجتمع بكليته، بأناسه وقيمه ومؤسساته، اغتراب عن الوطن،اغتراب حتى عن النفس. أن يتحول ما يفترض أنه حميمي إلى شيء مفارق وغريب هو الذي يجعلنا نتكلم عن مجتمع يعيش " خصوبة اللامتوقع " (بريتون). ولهذا فإن بديلاً لا يمكن أن يوجد دون إعادة بناء الوطنية السورية على أساس المواطنة والديمقراطية. وهذا لن يكون دون إعادة بناء الذاكرة السورية المغيبة.إن استرجاع الذاكرة الوطنية ليست نوعا ًمن " الاستمناء السياسي" وإنما هي استعادة بقصد البناء، فمن يبدأ من الصفر لا بد وأن ينتهي إليه. على أن يترافق هذا مع بث ثقافة التنوير التي هي ليست متحفاً تصطف فيه باقي الثقافات، بل إنها بالدرجة الأولى نضال مستمر ضد ثقافة الوصاية وتطبيقاتها، ونفي لأحادية المرجع وأحادية السلطة ( سياسية كانت أم معرفية ).إن فقدان الذاكرة شيء خطير لأنها تجعلك تعيش حالة الصفر بشكل دائم. أي تجعلك تستل سيفك لتعلن جهادك المقدس على هذا العالم.



#إياد_العبدالله (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشباب السوري: بين جهاد الإقصاء وجهاد الحضور
- الحوار/المظاهرة... وموضة الإساءة إلى السوريين
- حلفاء الفراغ...
- المجتمع السوري في وعي نخبه


المزيد.....




- -أخبرتني والدتي أنها عاشت ما يكفي، والآن جاء دوري لأعيش-
- لماذا اعتقلت السلطات الجزائرية بوعلام صنصال، وتلاحق كمال داو ...
- كيم جونغ أون يعرض أقوى أسلحته ويهاجم واشنطن: -لا تزال مصرة ع ...
- -دي جي سنيك- يرفض طلب ماكرون بحذف تغريدته عن غزة ويرد: -قضية ...
- قضية توريد الأسلحة لإسرائيل أمام القضاء الهولندي: تطور قانون ...
- حادث مروع في بولندا: تصادم 7 مركبات مع أول تساقط للثلوج
- بعد ضربة -أوريشنيك-.. ردع صاروخي روسي يثير ذعر الغرب
- ولي العهد المغربي يستقبل الرئيس الصيني لدى وصوله إلى الدار ا ...
- مدفيديف: ترامب قادر على إنهاء الصراع الأوكراني
- أوكرانيا: أي رد فعل غربي على رسائل بوتين؟


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - إياد العبدالله - الشباب السوري.. السياسة والانتماء