|
علم الكرديّ وحلمه
دلور ميقري
الحوار المتمدن-العدد: 1664 - 2006 / 9 / 5 - 10:23
المحور:
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
لطالما حارب الكرديّ تحت راياتٍ غير رايته، بإرادته أو برغمها ، على حدّ سواء . إن إسم صلاح الدين ، محرر بيت المقدس ، غنيّ عن التعريف ؛ هذا القائد الكرديّ ، الفذ ، الذي تجمع مصادر التاريخ مشرقاً ومغرباً ، أنه لولا مآثره الحربية والسياسية ، لما قدّر للإسلام المقام الراسخ على هذه الأرض . وإذ هيمن الجنس التركيّ على مسكبة الهلال الخصيب ، وجدَ العرب والكرد أنفسهم في ظل خلافته الهمايونية ؛ فإستماتوا في الدفاع عنها وتحت رايتها ، أيضاً . إلا أنّ قدَرَ تلك الخلافة ، السماوية ، شاء لها أن تأفلَ في مغيب قرنها الخامس وعلى يد مللها ونحلها ، بالذات ؛ هؤلاء الذين تغلغلت في مراتبهم الإجتماعية الراقية فكرُ التنوير والحرية والمساواة ، الغربيّ ، المتأثر بالثورة الفرنسية بشكل خاص ، والذين تحالفوا مع معسكر الحلفاء خلال الحرب العظمى . وإذاً ، تضع تلك الحرب عن العربيّ أوزارَ الإستبداد التركيّ ، الثقيلة ، ولكنها تنقلها مباشرة إلى كاهل جاره الكرديّ . وبحسب إتفاقية سايكس بيكو ، كان لا بدّ أن تتشكل الدول الحديثة ، في هلالنا الخصيب ، على مقاس العربيّ ، المناسب ، وبدون أن يكلف أحد نفسه سؤالَ جاره الكرديّ عن مقاسه . وكان لصاحب الدولة ، السعيد ، حظ الفخر بالعلم الوطنيّ ، المستحدث ، دونما حاجة لسؤال " مواطنه " الكرديّ عن حقه في مفخرة كهذه .
لطالما خدع هذا الجبليّ ، المتعطش للحرية ، بسراب العهود والمواثيق والأعراف ؛ هوَ البسيط في شخصيته ، الساذج في تدينه . صفتان إنسانيتان ، كانا مناسبيْن ، على ما يبدو ، لكي يستمرّ الجيرانُ في " إستكرادهم " له ؛ حدّ أنهم إستطاعوا تجييشه من جديد ، وبإرادته أيضاً ، في معاركهم ضد الوصيّ الغربيّ ، الذي كان " عرّاب " دولهم المستحدثة . وبصفة دهائهم نفسها ، إستطاع أولئك الجيران ، اللدودين ، أن يدخلوا في روع الكرديّ فصلاً تعسفياً لمفهوم " القومية " ، يزعم تنافيه مع مفهوم " الوطنية " ؛ فأضحى الأول ، حقا شرعياً لهم وحدهم ، فيما الثاني واجباً للكرديّ ، وحده . ولتكرّ ، هكذا ، سبْحَة المهزلة الوطنية : كرديّ من " سيواس " ، سيحمل علم أتاتورك ، جامعاً بني قومه تحت لواءه ، تحدياً للمتدخلين الفرنسيين والإنكليز واليونان ، الذين كانت قواتهم تسرح وتمرح في المدن التركية ، الكبرى . . ؛ كرديّ من " جبل الزاوية " ، سيطلق أول رصاصة ضد المنتدبين الفرنسيين ، ولا يلبث أن يلم ضدهم سوريي الساحل والداخل ، معاً . . ؛ كرديّ من " السليمانية " ، سيرفض مصافحة المندوب السامي البريطاني ، الساعي إلى صداقته ، فيما أن ملك العراق ، الهاشميّ ، كان يُهْمَل في ديوان ذلك المندوب نفسه لساعات طويلة ، مذلة ، قبل أن تتاح له فرصة مقابلة ، منشودة . . ؛ كرديّ بيروتيّ ، كان أول من رفع العلم اللبنانيّ .. ؛ وكردي دمشقيّ ، صار أيضاً في مراتب الفعل نفسه ، بسقوطه مضرجاً بدمه وهوَ يدافع عن العلم السوري ، المرفوع على قبة البرلمان ..
مسموحٌ للكرديّ ، في هذه الدولة الفلانية ، إعلانَ " وطنية " الآخرين ، حسبُ ؛ بيْدَ أنه من الممنوع عليه ، قطعاً ، إعلانه الولاء لقوميته . ومسموحٌ للكرديّ ، في تلك الدولة العلانية ، التغني بـ " حلم " الدولة القومية ؛ إلا أنه يرتكب المحرمات حينما يجسّد حلمه على أرض الواقع مؤسساتٍ وقوانيناً وهوية وعلماً : عندئذٍ ، يصيرُ إنفصالياً وجيباً عميلاً وطابوراً خامساً . هذه المفردة الأخيرة ، أطنبَ بذكرها مراراً محامو الشيطان ، البعثيّ ، أثناء جلسات محكمة الأنفال . كان تشدقهم بذلك النعت ، الموصوف ، ترجيعاً لمأثرة " قادسية صدام " ، بزعم تعاون البشمركة مع القوات الإيرانية ، الغازية . مأثرة / مهزلة ، تفترضُ أنه كان على كرد العراق ، آنذاك ، الممسوحة قراهم بالجرافات والمتراكمة جثثهم في المقابر الجماعية ، الوقوف في صف " وطنهم " والمحاربة تحت رايته الخفاقة . مأثرة / مهزلة ، ما فتئت مستمرة بعض فصولها ، حتى مع إندحار الطاغية البعثيّ وقبوعه مع أقرب معاونيه في قفص الإتهام : فالحزب الحاكم ، أضحى محظوراً بقانون رسميّ ، تحت مسمى " إجتثاث البعث " . والدستور تغيّر ، أيضاً ، وأدخلت فيه نظم لم تكن معروفة قبلاً حتى في أكثر دول الشرق الأوسط ، مدنية وتحضراً ؛ كالفيدرالية ، مثلاً . ولكنّ العلم البعثيّ ، وبعد أكثر من ثلاثة أعوام على سقوط الطاغية ، لم يُمسّ وبقيَ في وسط وجنوب العراق كما لو أنه رمز مقدس .
العلم البعثيّ ، يُشبه صانعيه الإنقلابيين ، من عدة أوجه : ألوانه المثلثة ، كانت ترميزاً لشوفينية القومية الواحدة ، التي لا تريد رؤية غيرها من مكونات الشعب العراقيّ ؛ نجومه الثلاثة ، كانت ترميزاً لدوغمائية الطغمة الحاكمة ، المتاجرة بالمشاريع الوحدوية مع مصر وسورية ؛ عبارة " الله أكبر " ، كانت ترميزاً ، أيضاً وأيضاً ، لبراغماتية الطاغية ، في تلاعبه بالعاطفة الدينية للجماهير داخل وخارج العراق . فما هيَ إذاً المفخرة الوطنية ، المزعومة ، التي يحمل هذا العلم البائس ، دلالتها ؟؟ يقيناً ، إنّ المرء ليتفهم إستهتار جماهيرنا العربية بحجة كرد العراق ، المساقة تبريراً لتنكيس علم البعث ، أبداً ، من سماء وأرض كردستان ؛ وهيَ أنّ " الأنفال " وغيرها من جرائم الإبادة الجماعية ، قد أرتكبت تحت ظلال ذلك العلم : فلم العجب ، وفضائياتنا العربية جميعا ، بإستثناء العراقية ، قد إمتنعت عن عرض فيلم وثائقيّ ، واحد ، عن تلك الجرائم ؟؟ ولم العجب ، وفضائياتنا نفسها أوقفت بثها جميعاً حينما بدأ شهود محكمة الأنفال يتكلمون بلسان كرديّ ، أعجميّ ؛ ما داموا لا يجيدون التكلم باللسان العربيّ المبين ، القويم ؟؟ لم العجبَ ، و لسان أولئك الكرد ، الذي يقيمون به صلواتهم ويتمتمون به ذكرهم ، ربما كان أقل قدراً ، لدى أهل الفضائيات ، من اللسان العبريّ الذي يسرح وبمرح على أثير برامجها السياسية المباشرة وغير المباشرة ؟؟ وإذ ننحي ، جانباً ، الحملة المغرضة المثارة في الإعلام العربيّ بخصوص العلم الكرديّ ؛ فلا محيد عن طرح هذه المساءلة ، برسم القوى السياسية العراقية ، الجديدة : كيف من الممكن لنا تصور صورة ألمانيا ، بعيد تحريرها من هتلر ، لو أنّ العلم النازيّ ما زال مرفرفاً على أبنيتها الرسمية ومدارسها وجامعاتها ووو .. ؟؟
#دلور_ميقري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الجريمة والعقاب : طريق نجيب محفوظ في بحث مقارن 2 / 3
-
محفوظ ؛ مؤرخ مصر وضميرها
-
الجريمة والعقاب : طريق نجيب محفوظ في بحث مقارن 1 / 3
-
كردستان ، موطن الأنفال
-
ثقافة المقاومة أم ثقافة الطائفة ؟
-
المقاومة والمعارضة 2 / 2
-
المقاومة والمعارضة
-
الكوميديا السورية
-
إنتصار الظلامية والإستبداد ؟
-
ثقافة المقاومة ، ثقافة الموت
-
لبنان في فم الأسد ، مجدداً ؟
-
صلاح الدين عصرنا
-
قصف إعلامي ، عشوائي
-
محمد أوزون ؛ كاتبٌ كرديّ على أبواب العالم
-
من البونابرت العربيّ إلى الطاغوت الطائفيّ
-
الزرقاوي ، وسوداويّة الإسلام السياسي
-
الوجهُ الجميل لنظام ٍ قبيح
-
المثقفُ مستبداً
-
الدين والفن
-
بين إيكو وبركات 3 / 3
المزيد.....
-
بيستوريوس: لا يجوز أن نكون في موقف المتفرج تجاه ما يحدث في س
...
-
أردوغان يعلن -مصالحة تاريخية- بين الصومال وإثيوبيا
-
الرئيس التركي أردوغان: اتخذنا الخطوة الأولى لبداية جديدة بين
...
-
قوات -قسد- تسقط طائرة أمريكية مسيرة
-
-CBS NEWS-: ترامب يوجه دعوة إلى شي جين بينغ لحضور حفل تنصيبه
...
-
مجلس النواب الأمريكي يصادق على الميزانية الدفاعية بحجم 884 م
...
-
العراق.. استهداف -مفرزة إرهابية- في كركوك (فيديو)
-
موسكو تقوم بتحديث وسائل النقل العام
-
قوات كردية تسقط بالخطأ طائرة أميركية بدون طيار في سوريا
-
رئيس الإمارات وملك الأردن يبحثان التطورات الإقليمية
المزيد.....
-
الرغبة القومية ومطلب الأوليكارشية
/ نجم الدين فارس
-
ايزيدية شنكال-سنجار
/ ممتاز حسين سليمان خلو
-
في المسألة القومية: قراءة جديدة ورؤى نقدية
/ عبد الحسين شعبان
-
موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من قضية القومية العربية
/ سعيد العليمى
-
كراس كوارث ومآسي أتباع الديانات والمذاهب الأخرى في العراق
/ كاظم حبيب
-
التطبيع يسري في دمك
/ د. عادل سمارة
-
كتاب كيف نفذ النظام الإسلاموي فصل جنوب السودان؟
/ تاج السر عثمان
-
كتاب الجذور التاريخية للتهميش في السودان
/ تاج السر عثمان
-
تأثيل في تنمية الماركسية-اللينينية لمسائل القومية والوطنية و
...
/ المنصور جعفر
-
محن وكوارث المكونات الدينية والمذهبية في ظل النظم الاستبدادي
...
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|