|
نجيب محفوظ
مزن مرشد
الحوار المتمدن-العدد: 1664 - 2006 / 9 / 5 - 10:28
المحور:
الصحافة والاعلام
يعاد نشره لوفاة الكبير نجيب محفوظ ملحق الثورة السورية الثقافي 2-12-2003 أول زيارة كانت لي هناك، لقهوة سميت باسمه . أشاروا بأصابعهم يرشدونني إلى الطاولة التي كان يجلس إليها، ويكتب في ركنه الخاص لساعات طويلة، بالرغم من صخب المكان وازدحامه بالناس والدخان وشعبيته المفرطة إلا أن هذا الجو كان يمده بالإلهام لا العكس . في حي الحسين وعلى امتداد أزقته وحاراته المتصلة يلاحقك الصبية الصغار ليدلوك على الأزقة منادين : " هنا زقاق المدق يا هانم ومن هنا بيبتدي قصر الشوق بتاع محفوظ" وكأن المدينة نسبت إليه . نجيب محفوظ بن الأربع والتسعين عاما ،وما يزال يتلمس أطراف الحياة ليبقى متواصلا مع من أحبوه وسيذكرونه دائما كأنه الهرم الرابع من أهرامات مصر . لم أتصور بأنني من الممكن أن ألقاه يوماً ، ولم أتصور أن يكون اللقاء مؤلماً إلى هذا الحد ولم أستغرب هذا الحزن الذي انتابني عندما رأيت بقايا نجيب محفوظ الأسطورة. جسد منهك ، سمع شحيح ونظارات ، تحمي تلك العينين اللاتي رافقنه كنافذتين مخلصتين يطل عبرهما على العالم ليرسم بعدها عالمه الخاص ، عالم نجيب الذي يختصر تاريخا بين صفحاته. محاولة اغتيال فاشلة لم تنجح في سلب الحياة لكنها نجحت في سلب القلم وترك صاحبه مثل محارب مجرد من سيفه يحارب الريح بروحه فقط. أصدقاء أعزاء هم الشاعرة والمترجمة السيدة فاطمة ناعوت والشاعر المعروف الأستاذ حلمي سالم ومعهم الصحفي والكاتب والناقد أسامة عرابي، وعدوا بمفاجأة خاصة لي وللشاعر السوري الصديق عارف حمزة ولم أعلم ما هي هذه المفاجأة إلا حين وصلنا إلى مدخل بناء في منطقة المقطم وقالوا تفضلوا ، فاحتججت أنا على زيارة البيوت ، فمن يزور القاهرة لا بد أن يستغل كل ثانية ليعيش مع نيلها وحارتها دون أن يسمح للوقت أن يأخذه من هذا الجو البديع ولو للحظة ، لكنني أصبت بالذهول عندما قالوا لي : ديه ندوة محفوظ!!!
نافذة على العالم كالعادة كل ثلاثاء يجلس الأستاذ أسامة عرابي بجانب الكبير نجيب محفوظ ويقرأ له بصوت عال العدد الأخير من أخبار الأدب جريدة الأستاذ نجيب المفضلة لأعوام طويلة وحتى اليوم ، ثم يستعرض له أهم العناوين الأدبية في الصحف ويومها قرأ الأستاذ عرابي مقالا عن رواية الحرافيش كتبه صاحب جائزة نوبل لهذا العام الكاتب الجنوب أفريقي( كويتزي) . وعندما يفرغ من القراءة، يحضر فنجان قهوة الأستاذ الوحيد في اليوم مثل وصفة طبية في موعده المحدد بالرغم من منع الأطباء ، لكنه لا يشربه مثلنا ، بل يضطر لأن يرشف منه رشفة واحدة كل نصف ساعة. أصر الأستاذ الكبير على أن يبقى متواصلا مع العالم رغما عن الأطباء ورغما عن رجل الأمن الوحيد المرافق له ليل نهار حاملا جهازه اللاسلكي حرصا على سلامة الأستاذ من عدم التعرض لاغتيال جديد . إلا أنه فك حصاره بندوة يعقدها كل ثلاثاء يتجمع فيها الروائيون والكتاب والصحفيون وفئات مختلفة ممن أحبوا نجيب وكبروا على إبداعه . بعد انتهاء طقس الافتتاح جلست إلى جواره أخذت أسأله بصوت يشبه الصراخ ولا يكاد يسمعه عن سورية وعن دمشق قلت له : * " هل زرت سورية ؟ ** : للأسف، لا *لماذا؟ ** خرجت من مصر مرتين فقط حياتي مرة لليمن ومرة إلى إحدى الدول الاشتراكية.... من زمان ! *لمن تقرأ من السوريين؟ **أحب ادونيس جداً وقرأت له كثيراً وقرأت أيضاً لحنا مينة وبس. وحاولت أن اسأله أكثر إلا أن طبيبه تدخل معتذرا لي بأن وضع الأستاذ الصحي لا يسمح أن يتحدث أكثر من ذلك وفقط لأنني صحفية من سورية والأستاذ يحب سورية سمحوا له بهاتين الكلمتين . لم اعترض لكن الحزن عاد إلي من جديد عندما احتج الطبيب مرة أخرى على التصوير لأن فلاش الكاميرا يؤذي عيني الأستاذ نجيب ويجعلهما تفيضان بالدمع لمدة ليست بالقصيرة ومع ذلك سمح لي أن ألتقط بعض الصور وفقط لأنني من سورية مما جعلني ممتنة أكثر لهذا الانتماء الذي لا أجد معنى للحياة لولاه. في الغرفة المجاورة حيث جلسنا لنفسح المكان بجانب الأستاذ لقادمين جدد التقيت بالرجل المكلف بحماية الأستاذ وجهازه اللاسلكي يواصل أنينه المعلن عن عمله سألته *هل أنت سعيد بمرافقتك للأستاذ؟ **"الأستاذ يعاملني كأني ولده ودائما يسألني إن كانت مرافقتي له ليل نهار تزعجني، لكني لا أدري ما هو شعوري بالضبط ،لا أستطيع أن أقول بأني سعيد. *هل قرأت روايات الأستاذ؟ **لا *ولا واحدة؟ وهنا لا أدري لماذا أجابني بحنق. **أنا عمري ما قريت حاجه . فقلت له أحسن برضه، برافو عليك . عدت إلى الداخل لأجد الحضور مستمرين بتواصلهم معه بأحاديث الأصدقاء مع الحفاظ على لقب الأستاذ و كل منهم يقرأ ما عنده من شعر وقصة أو أجزاء من روايات جديدة . لا أدري كيف انتهت الساعات الثلاث بصحبة أكبر عمالقة الأدب العربي وآخرهم وعند الرحيل سمعت صوته الضعيف يقول لي : وينك يا سورية؟ قلت : نعم قال : سلمي لي على سورية يبدو أني لن أزورها أبداً
#مزن_مرشد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حارة نسيها الزمن ...الحي الذي أصبح - إبريق الزيت
-
سلبوه ...ماذا سيبقى لنا كأس العالم ....للأغنياء فقط ..
-
سجن عدرا خمس نجوم
-
إلى الرجل الذي خذلته
-
ايها الشباب...تزوجوا وعوضكم على الله
-
الجحر
-
تذكار من سورية
-
التأليف والترجمة في وزارة الثقافة
-
نساء في مهب الريح والتهديد - الحكم العرفي - لعدم الترخيص
-
نائب رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية د:يسري أبو شادي.. از
...
-
جمعية الحجر الأسود السكنية وحكاية الكلب المفقود .. فشلت في ت
...
-
الصناعة وتحديات الشراكة السورية-الأوروبية ... الاستفادة منها
...
-
سورية...من حلم السيارة الى سيارة الحلم
-
حي السيدة عائشة..تعويضات متواضعة لخمسمائة أسرة مهددة بالاخلا
...
-
إذا كنا نخشى البالة كيف سندخل في شراكة أوروبية
-
في البدء كانت الكلمة
-
موت
-
تصحيحا لمعلومات جريس الهامس
-
معوقات ام عقوبات امام الاستثمار في سورية
-
عودة
المزيد.....
-
كيف يعصف الذكاء الاصطناعي بالمشهد الفني؟
-
إسرائيل تشن غارات جديدة في ضاحية بيروت وحزب الله يستهدفها بع
...
-
أضرار في حيفا عقب هجمات صاروخية لـ-حزب الله- والشرطة تحذر من
...
-
حميميم: -التحالف الدولي- يواصل انتهاك المجال الجوي السوري وي
...
-
شاهد عيان يروي بعضا من إجرام قوات كييف بحق المدنيين في سيليد
...
-
اللحظات الأولى لاشتعال طائرة روسية من طراز -سوبرجيت 100- في
...
-
القوى السياسية في قبرص تنظم مظاهرة ضد تحويل البلاد إلى قاعدة
...
-
طهران: الغرب يدفع للعمل خارج أطر الوكالة
-
الكرملين: ضربة أوريشنيك في الوقت المناسب
-
الأوروغواي: المنتخبون يصوتون في الجولة الثانية لاختيار رئيسه
...
المزيد.....
-
السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي
/ كرم نعمة
-
سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية
/ كرم نعمة
-
مجلة سماء الأمير
/ أسماء محمد مصطفى
-
إنتخابات الكنيست 25
/ محمد السهلي
-
المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع.
/ غادة محمود عبد الحميد
-
داخل الكليبتوقراطية العراقية
/ يونس الخشاب
-
تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية
/ حسني رفعت حسني
-
فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل
...
/ عصام بن الشيخ
-
/ زياد بوزيان
-
الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير
/ مريم الحسن
المزيد.....
|