أيهم نور الصباح حسن
باحث و كاتب
(Ayham Noursabah Hasan)
الحوار المتمدن-العدد: 7162 - 2022 / 2 / 14 - 10:42
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
ليس الخوف من أجهزة القمع الوحشية وحده هو الذي يبقي المؤيدين لسلطة بشار الأسد على تأييدهم , إنما يضاف عامل خوف آخر أصبح أهم من الخوف من الأجهزة الأمنية و هو الخوف من رحيل بشار و استلام الإسلاميين زمام الحكم في سورية لعلة الأكثرية - على الأقل – إن لم نقل حلاً للمظلومية السنية التي أصبح تداولها و توريمها عمل من لا عمل له .
لقد لعبت سلطة العصابة على هذا الهدف و أسست له بدهاء منذ البدء , وبالأخص عند أحداث الإخوان المسلمين في الثمانينات , حيث أسست المقولة الأمنية " إذا صار شي لحافظ الأسد , السنة رح يدبحوكن " لرعب حقيقي وجد منفذه في قلوب الأقليات التي تستحضر مظلوميتها التاريخية عند كل نية لفعل شائن أو لتبرير إجرام معين قادم .
انتشرت هذي " الهمسة السرية " في جميع الأوساط الدينية و الاجتماعية التي تعتبر نفسها متمايزة عن الأكثرية السنية بالدين , و حتى ضمن السنة المقربين من السلطة أو المتفقين معها – لسبب ما - في أسلوب تعاطيها مع القضايا الوطنية الأساسية , و بهذا تم ربط وجود و مصير و مستقبل هذه الفئات بوجود و مصير و مستقبل " القائد الزعيم " , كما تمت أخونة غالبية المجتمع السوري , فالسني إخونجي إلى أن يثبت العكس , و كردة فعل مارست الأكثرية السنية إثبات العكس كي تبعد عن نفسها الجرم الملاصق لهويتها الفرعية و تنجو من الشبهة , أما أصحاب الدم و مناصريهم فقد اضطروا أمام هذا الإرهاب الذي لا يرحم إلى ممارسة التقية و النفاق .
عملت هذه المقولة و هذا الربط عمل النبوءة المحققة لذاتها , إذ أصبح الخوف من الانتقام القادم ( المفترَض ) قاعدة تبريرية للإمعان في القتل و التعذيب و التنكيل بالآخر المخالف أيديولوجياً , مما أدى لتكوين قهر عظيم و حقد أعمى سوف نلمس آثاره عند أول فرصة له للتعبير عن نفسه في بدايات الانتفاضة السورية .
لقد أسست مقولة الربط هذه لدمج الوطن بالقائد فأصبح الوطن هو القائد و القائد هو الوطن و من يخالف القائد أو لا يحبه – بكل بساطة – هو خائن للوطن , كما مهدت الطريق لعملية توريث الحكم بكل سهولة فيما بعد .
في هذه المرحلة بالذات تشكلت المظلومية السنية السورية , رعاها و ساندها و نماها تنظيم الإخوان و السلطة السورية معاً , التنظيم لتوسيع قاعدته الشعبية و استدرار العطف و الدعم , و السلطة لاستخدام الحقد الناتج عن المظلومية كإرهاب داخلي في المستقبل و هذا ما كان فعلاً بعد الانتفاضة السورية عام 2011 .
أعيدت التمثيلية نفسها عند بداية أحداث الثورة عام 2011 و تم نبش الحقد التاريخي للسنة على العلويين و الأقليات , و للنصيريين ( لقب العلويون المتداول عند أعدائهم ) على السنة في الثمانينات و مابعدها , و تم استحضار أرواح حكايا المجازر القديمة و المذابح و ..... إلخ , و وُجِّه كل طرف لبناء أحقيته في القتل كدفاع عن النفس وفقاً لمظلوميته التاريخية .
للأسف , لقد تمكن دهاء السلطة من جعل كل الأطراف السورية تسعى إلى ترجيح المظلومية الدينية على المظلومية الوطنية ( دهاء السلطة , و غباء و عنجهية الإسلام السياسي , و انسياق النخبة المثقفة خلف رغبة الغوغاء ) , و كان الخطأ التاريخي و الأعظم انتقال الحراك الشعبي من الحامل الوطني إلى الحامل الديني ( أسلمة الثورة ) , فتحول الحراك من ثورة للحرية و الديمقراطية إلى حرب أهلية بين أكثرية و أقليات .
كانت الأقليات حذرة جداً في التعاطي مع الحراك بدايةً , فالدهشة و الحيرة مما يحصل أقعداها دون فعل , و كي لا تندمج و تنخرط في الحدث , استبقت السلطة قطع الطريق عليها , فأعادت بث روح المقولة القديمة و مشتقات عنها , وقامت بإيقاع الحراك في فخ التسلح و ابتدأ مسلسل القتل و الدم , فتحققت الإرهاصات التي كانت تبثها السلطة و تعمل عليها لستين عاماً .
فيما بعد , لم تفهم نخبة الثورة المتأسلمة , و لم تحاول حتى أن تفهم , عقلية المؤيد أو المحايد , و من فهمها منهم و حاول تفهيمها لم تكن له الكلمة , فأقصي إما بتهمة الانحياز للنظام أو بتهمة الجبن .
و لا يزال عدم فهم الآخر أو حتى المحاولة هو المسيطر بعد أحد عشر عاماً ..
تفهم سلطة العصابة الآخر تماماً و بعمق , لكن تمسكها باستمرار بقاء السلطة في يدها يقضي بأن تمنع وصول هذا الفهم عن رعيتها بكل الوسائل , بينما لم تفهم من ادعت أنها تمثل الشعب السوري كمعارضة أياً من مخاوف الأقليات و هواجسهم , فاستمر الاحتراب على حاله .
ليس المطلوب فهم نخبة المعارضة للآخر الموالي فقط , بل المطلوب تعميم هذا الفهم على قاعدتها الشعبية , كي تستطيع كمعارضة ثورية سورية توسيع رقعتها الشعبية و الجغرافية و تقليل عدد الداعمين لعصابة السلطة قدر الإمكان .
لا يزال من اغتصبوا اسم المعارضة يدورون في فلك الانتقام بمسميات عديدة منها " العدالة الانتقالية " و لا يزالون قصيري النظر و محدودي الرؤية و يؤطرون القضية السورية بأطر محكومة بالفشل و بالتمديد الزمني المفرغ لجوهرها .
لماذا لا ندعو للمسامحة و العفو العام عن كل ماحدث و عن كل الأطراف , بدلاً من العدالة الانتقالية , خاصة و أن المسألة ليست شخصية إنما بحجم وطن ينتظر إعادة تشكيله و تأسيسه , لماذا تم ترك هذا الخيار للعصابة التي تمارسه بمكر باسم المصالحات الوطنية على أتم وجه , لماذا هذا التشبث بالغباء على هذا النحو ؟
أليس واضحاً أن غالبية من بيدهم الحل و الربط ( من الطرفين ) متورطون ؟ فكيف السبيل إذاً للخلاص من هذا البؤس ؟
هل المطلوب إطالة زمن التشرد و التهجير و التقتيل ؟ أم إنهاؤه ؟
لماذا لم يتم العمل على تفقيع البالونات التي تنفخها العصابة في صدور مؤيديها و تفشيل غاياتها ؟
لن تفلح معارضة تعتبر أن المؤيدين الموجودين في الضفة الأخرى من النهر ليسوا شعبها ولا مواطنيها , و من غير المنطقي أن تنعت المعارضة السلطة بمحاولات التقسيم و هي تمارس نفس الفعل بالنسبة للشعب .
إن معارضة لا تستطيع التسامي على جراحها , و تصر على استمرار العداء , و على اعتبار نفسها حبة في السبحة بدلاً من أن تكون هي خيط السبحة , هي معارضة فاشلة , فاقدة لهدفها , غير قادرة على الوصول حتى بمناصريها فقط إلى شاطئ أمان .
عندما نفهم أن مجرد الحديث عن الإطاحة برأس السلطة بشار الأسد يهز أركان الأمان النفسي للمؤيد و يشعره فوراً بالرعب و الضياع , نفهم لماذا يثور و يهتاج ذلك المؤيد أيما هياج .
إن القائمين على إدارة هذا الحديث و المطالبة به في المحافل و الاجتماعات لم يتوجهوا يوماً لهذه الشريحة من الناس بأي خطاب أو فعل يطمئنهم و يجعلهم أكثر استقراراً و يستبدل ذلك الربط الذي تم إيهامهم به من قبل سلطة العصابة بين مصير زعيمهم و مصيرهم و مصير أطفالهم بنموذج تعايش حضاري و إنساني , و لم يتم العمل على قطع هذا الربط أبداً أو حتى نقده , ربما كي لا يغضبوا حاضنهم التركي راعي العمشات و الحمزات و جبهة النصرة , و ربما كي لايخسروا مناصريهم المتطرفين , و ربما يكون الحقد الطائفي قد ختم على قلوبهم فهم عُميٌ لا يبصرون .
نعم كان على من يدعي حب سورية و الرغبة بالحرية و الديمقراطية فيها , البحث عن السلاح الأهم لتحقيق هدفه , و هو العمل على توحيد السوريين جميعاً على مطلب واحد و تعقيم سلاح السلطة العصابة المتمثل بالسيطرة على عقول تابعيها بالخوف و الإرعاب من السوري الآخر الذي تشيطنه , بدلاً من استجداء دعم الدول المؤثرة و التسول الوضيع , والانكفاء للتفكير بكيفية الانتقام , مما أدى إلى نقل حل القضية السورية من الأيدي السورية إلى الأيادي الإقليمية و الدولية .
إن استثمار المظلومية السنية في حكم بلد يعج بالهويات الفرعية , على قاعدة الأكثرية دستورياً , لن يغير في أمرنا شيئاً , و سيبقى استنهاض العصبيات للهويات الفرعية و العمل على إعلائها على الهوية الوطنية السورية فعالاً , إلى أن تكبر كرة الثلج و تفاجئنا بتدحرج غير محسوب .
هل نحن محكومون بأن نبقى مستثمَرين في التغول الطائفي و صراعاته اللعينة ؟
فلنتذكر إذاً أن الديكتاتورية و قهر الشعوب ليست ميزة لطائفة بعينها , و لنا في الدول العربية دلائل و عبر .
لابد لسورية جديدة من تصفير عدادات جميع مظلوميات الهويات الفرعية ( الدينية و القومية ) لصالح المظلومية الوطنية السورية , و لا بد من البدء بالعمل على نشر ثقافة تقبل الاختلاف بشكل مؤسساتي و منهجي و الاستمرار بها حتى ألف جيل سوري , عسانا نصل إلى دولة مواطنة و قانون .
لقد ابتلانا صمتنا باثنتين الأولى عصابة سلطة ديكتاتورية فاجرة , و الثانية مجموعة منتفعين حمقى أغبياء , اغتصبوا اسم المعارضة , حتى بات ديكتاتوريو العالم يحسدون عصابة السلطة عليها , فكان لزاماً علينا أن يطول ليل قهرنا .
#أيهم_نور_الصباح_حسن (هاشتاغ)
Ayham_Noursabah_Hasan#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟