أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبد الله عنتار - رحلة إلى تخوم درعة














المزيد.....

رحلة إلى تخوم درعة


عبد الله عنتار
كاتب وباحث مغربي، من مواليد سنة 1991 . باحث دكتوراه في علم الاجتماع .


الحوار المتمدن-العدد: 7162 - 2022 / 2 / 14 - 00:03
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


لم يكن غرضنا من هذه الرحلة هو التنزه وحسب، بل كان غرضنا المعرفة والاستكشاف على خطى المغامرين الكبار أمثال فوكو ودوتي وغيرهما ممن اخترقوا القرى والمداشر والأرياف المغربية. إلا أن مقاربة واقع القرى المغربية يحتاج إلى طاقم كبير. أما رحلتنا المتواضعة فهي رحلة بسيطة استعنا فيها بملاحظتنا البصرية وهاتف متواضع ودراجة نارية. واتخذت من التحدي شعارا لها. بحيث كان من الممكن أن يطال الدراجة النارية عطب في الخلاء، فتتوقف الرحلة وتتلاشى المغامرة في برهة من الزمن. وما كان للرحلة أن تنجح لولا الحماس الكبير ولولا الإصرار العنيد. لا من طرفي أنا ولا من طرف صديقي. وعلى الرغم ضيق الوقت بالنظر إلى الالتزامات العملية، فإننا عزمنا على مضي قدما إلى أبعد نقطة بغية فهم المغرب الآخر. ذلك المغرب الذي لا نعرفه. المغرب الجغرافي والمغرب السوسيولوجي. كان هاجسنا أن نعرف عن قرب الثروات الهائلة التي يحتوي عليها الأطلس. وعلى رأسها الثروة المائية. بحيث أن كل الأودية تنبع من الأطلسين الكبير والمتوسط (كرو، أبو رقراق، بهت، أم الربيع، العبيد، احنصال، درعة...). وبقي السؤال: ما مصير هذه الثروات ؟ هل توزع بعدالة ؟ لماذا نجد هنا وهناك قرى تعاني من العطش غير بعيدة عن الأطلسين؟
لقد لاحظنا السدود الكثيرة التي شيدت على هذه الأودية، ناهيك عن الطاقة الكهربائية التي استخلصت من هذه السدود، فلماذا نجد بعض القرى الأطلسية لا تستفيد من الكهرباء؟
لازالت الأسواق الأسبوعية نشيطة في القرى المغربية. لم يفقد سوق الأحد بالمعازيز بريقه. مازال القرويون يمتطون "كراويلهم" كما دأب أجدادهم. كما أن سوق الأربعاء بأغبالة مازال في مكانه منذ أزمنة قديمة رغم التفكير في الأيام الأخيرة بنقله خارج مدينة آيت سخمان، وعملية "الدلالة " في رحبة البقر مازالت بنفس الكيفية: مساومات، مزايدات وفي الأخير الذي يدفع أكثر يحصل على البهيمة. أما سوق الجمعة بتالكيت يشعرك بزمن ولى افتقدناه في منطقة الشاوية، إذ على الضفة اليسرى لواد أحنصال المنساب هناك عدة قرويين عائدين من السوق، يمتطون بغالهم ويمسكون بنعاج وأكباش اقتنوها من السوق. سوق الجمعة بتالكيت. لا يأفل زوالا ولا عصرا، بل يبقى صامدا حتى المساء إلى أن يغرب مع غروب الشمس !! وتبدأ دورة الحياة !!
لا تخلو الأسواق التي مررنا منها من آفة التسول، إنها تعبر عن الحاجة والعوز، بل تدل عن شعور وحشي بالفقر والتهميش. وسواء عبرنا الهضبة الوسطى من نقطة المعازيز أو توجهنا الأطلس الصغير من نقطة خنيفرة أو سرنا إلى الأطلس الكبير من نقطة إملشيل أو عبرنا تخوم درعة من بومالن دادس. فيمكن القول أن التسول ظاهرة سوسيولوجية. تحتاج إلى طاقم كبير لدراستها للوقوف على أبعادها الطبقية والجندرية والنفسية ...
الأطلسان الكبير والمتوسط فقيران اجتماعيا. لكنهما غنيان طبيعيا. إلا أن الأطالسة يقاومون رغم التحديات الملقاة على عاتقهم. فرغم قلة الأراضي المنبسطة، فإنهم يمارسون الزراعة، وجانب المياه المتدفقة لمياه أم الربيع يغرسون الزيتون، ورغم قساوة البرد، تجد المرأة القروية تمارس الرعي وتجلب الحطب من الغابات المجاورة. لم أر كفاحا يضاهي كفاح المرأة الامازيغية التي تجلب الحطب على ظهرها من الغابات المجاورة رغم البرد الشديد .
ولئن كان الأجداد قد شيدوا تحفة أثرية اسمهما مخازن الحبوب بأجكال، فإن الأحفاد مازالوا يقاومون جبروت الطبيعة العاتي. من يسير بين مضايق تدوغى على طريق آيت هاني. سيلاحظ أن العديد من الرعاة يسكنون في مغارات تتسنم أعالي المضايق. إنه ازياح بعيد عن الحضارة، ازياح عن الحضارة غير المتحضرة. لقد تعلمت أن العلم يمكن أن يستقى من هؤلاء البدويين. إن صبيب الأخلاق عال بالأطلسين المتوسط والكبير. فإذا كنت بسيارتك أو دراجتك أو متوقفا أعزلا، فكن على يقين أن أي شاحنة أو سيارة ستتوقف لتسألك عما إذا كنت بحاجة إلى المساعدة. لقد علمت الطبيعة القاسية هؤلاء القرويين على أن يكونوا متضامنين. ولذلك لم يكذب جون جاك روسو حينما قال بأن الحضارة أفسدت البشر. بينما الطبيعة تترك الإنسان على سجيته. تتركه طيبا مع الآخرين.
لولا طيبوبة هؤلاء القرويين لبقينا عالقين في منعرجات امجكاك والتواءات أمسكار وأعالي إيغيل أمكون. ولذلك مازالت القرية المغربية تحفل بأخلاق عالية. وبالطبع يكون القرويون حذرين نحو الأجنبي. لكن إذا عرفوا نواياه الطيبة تعاملوا معه بسمو كبير.

ملحوظة : خصال إنسانية نبيلة في خضم الرحلة

بمجرد ما غادرت أنا وصديقي قرية ألمدون التابعة لإقليم تنغير حتى التقينا رجلين من تبانت بإقليم أزيلال في غاية النبل والإنسانية. كانا واقفين بمعية دراجتيهما، توجهت عندهما وسألتهما:
- هل هذه هي الطريق المتوجهة إلى تبانت ؟
أجابني أحدهما بالأمازيغية: (...)
قلت له : أنا لا أفهم الأمازيغية؟
أجاب أحدهما بالعربية : نعم هذه هي الطريق
- أنا: شكرا لك
ناداني الثاني : توقف !
توقفت.
وحينما توقفت قال لي : :نحن سنتبعكما في الطريق وإن احتجتما إلى المساعدة. سوف نساعدكما ."
أنا: شكرا لكما .
ولما صعدنا منعرجات أمجكاك الخطيرة التي تفوق تيزي نتيشكا خطورة، وقفنا لنستريح برهة من الزمن، مرا بالقرب منا ووجها إلينا التحية.
إلا أن النبل الإنساني سيظهر حينما قطعنا 13 كلم كلها منعرجات وسط أمواج ثلجية عاتية وتسمى بانعراجات ايغيل مكون. لقد وجدنا الرجلين القادمين من قلعة مكونة والمتوجهين إلى تبانت في انتظارنا في نقطة 3005 م فوق سطح البحر. بحيث قدما إلينا كل العون والمساعدة حتى خرجنا سالمين. وقطعا معنا عدة كيلومترات حتى وصلنا إلى تبانت معقل قبيلة آيت بوكماز. فتحية لهذين البطلين اللذين دعاننا إلى المبيت عندهما حتى الصباح. فشكرناهما على عملهما النبيل. لقد سمعت أحدهما يقول لنا وسط الظلام الدامس: " عندكم ساعة من الطريق إلى تبانت، ينتظركما جبل ولكن لن تجدا الثلوج. رفقتكما السلامة " . وعقبت عليه وسط الظلام: "شكرا لك أيها العزيز" .



#عبد_الله_عنتار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رمزية الأفاعي
- من منا لم يحلم (١)
- سيبقى اسمك ...
- بين ذاتوية باسكال وغيرية إدغار موران
- الفساد لم يأت من السماء
- رحلة إلى قبائل ورديغة وقبائل زعير والأطلس (3)
- رحلة إلى قبائل زعير وقبائل ورديغة (2)
- 300 كلم بدراجة نارية وسط قبائل ورديغة وقبائل زعير (1)
- 294 كلم .... على متن دراجتين ناريتين بأرض الشاوية !!
- شرق وغرب
- كلمات ... من أجل القضية الفلسطينية!!
- أهمية العصيان المدني
- التخلص من السياج الوثوقي
- نحو أنسنة الخطاب الديني/ ملخص لكتاب خطبة الجمعة بين الديني و ...
- الحرية لا تتجزأ
- الوداع أيتها البطلة
- في الحاجة إلى العلم والعلمانية
- العلم والعلمانية
- المسيحية والإسلام وخواطر أخرى
- الحراك العشريني: روح الديمقراطية المتجددة


المزيد.....




- فوضى في كوريا الجنوبية بعد فرض الأحكام العرفية.. ومراسل CNN ...
- فرض الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.. من هو يون سوك يول صا ...
- لقطات مثيرة لاطلاق صاروخ -أونيكس- من ساحل البحر الأبيض المتو ...
- المينا الهندي: الطائر الرومنسي الشرير، يهدد الجزائر ولبنان و ...
- الشرطة تشتبك مع المحتجين عقب الإعلان عن فرض الأحكام العرفية ...
- أمريكا تدعم بحثا يكشف عن ترحيل روسيا للأطفال الأوكرانيين قسر ...
- -هي الدنيا سايبة-؟.. مسلسل تلفزيوني يتناول قصة نيرة أشرف الت ...
- رئيس كوريا الجنوبية يفرض الأحكام العرفية: -سأقضي على القوى ا ...
- يوتيوبر عربي ينهي حياته -شنقا- في الأردن 
- نائب أمين عام الجامعة العربية يلتقي بمسؤولين رفيعي المستوى ف ...


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبد الله عنتار - رحلة إلى تخوم درعة