أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حبيب تومي - تسييس الدين وأخطار الحكم الثيوقراطي في العراق















المزيد.....

تسييس الدين وأخطار الحكم الثيوقراطي في العراق


حبيب تومي

الحوار المتمدن-العدد: 1664 - 2006 / 9 / 5 - 10:25
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


الأنسان حيوان ناطق ، وهو تعريف أرسطو للأنسان باعتباره الكائن الوحيد القادر على النطق عبر اصوات وأحرف وكلمات وجمل وهو ما يعرف بالكلام ، وثمة سمة مميزة أخرى للأنسان وهي ظاهرة ( التديّن ) التي يتميز بها الأنسان من بين المخلوقات الأخرى . لقد كان الدين قرين الأنسان منذ فجر حياته الأجتماعية ، وكان للدين التأثير الفكري والروحي والأخلاقي عبر سيرورة الأنسان وتطوره الحضاري .
لقد استلهم الدين ـ لا سيما الأديان السماوية الثلاث اليهودية والمسيحية والأسلامية ـ في امر كينونته البنى الميتافيزيقية البحتة ، ولكن بمرور الوقت امتزجت العناصر الميتافيزيقية مع العناصر الحياتية المجتمعية ليصبح من العسير الفصل بينهما .
والدين له فعله في المعتقد الأنساني حيث يترك في نفسه شئ من الرضا والراحة ويقول م . رافيل : إن الدين هو اشتراط الحياة الأنسانية بالأحساس بالأتصال بين العقل الأنساني وعقل خفي يتحكم بالكون، وما ينجم عن ذلك من شعور بالغبطة ( فراس السواح ، دين الأنسان24 ) .
الدين حالة انسانية مطلوبة حينما يتركز على متطلبات اخلاقية تسامحية تمثل الحالة الأنسانية بين التنوعات المجتمعية الرسية والدينية واللغوية والمذهبية ...
لكن المسألة تختلف حينما يجري تحقيق وحدة الدين والسلطة وإضفاء الطابع الثيوقراطي المقدس على النظام الحاكم . لقد كانت السلطة في العصور التاريخية القديمة في بلاد ما بين النهرين ومصر لها طابع ثيوقراطي ، وإن الآلهة تقرر مصير البشر وكان كهان الهياكل يشكلون القنطرة الرابطة بين الآلهة والبشر او بتوسط الملوك والحكام مباشرة .
في المجتمع الأوروبي استمرت النزعة الثيوقراطية وسادت طوال تاريخ المجتمعات المسيحية منذ القرن الثالث الى عصر الثورات البرجوازية الحديثة ( سمير أمين : مناخ العصر180 ) ، واتخذت الثيوقراطية موقفاً مبدئياً يقوم على مفهوم وحدة الدين والسلطة ، دون ان يمنع ذلك في واقع التاريخ إخضاع الكنيسة للسلطة وتوظيفها كما كان الأمر عليه في العلاقة بين الخلافة ورجال الدين في الأسلام .
في الحقيقة نستطيع ان نزعم ان الديانة المسيحية قد حسمت أمر فصل الدين عن الدولة بقول السيد المسيح : أعطو ما لقيصر لقيصر وما لله لله ( متي 22 : 21 ) ، لقد قال السيد المسيح إن مملكته لا تقوم ولن تقوم أبداً على الأرض ولهذا لم يشرع قانوناً لأدارة السلطة على الأرض أسوة بالديانتين اليهودية والأسلامية .
لقد تضمنت الشريعة الأسلامية مثلاً تفاصيل دقيقة عن حياة المسلم الاخلاقية والسلوكية في الحياة الشخصية والأجتماعية والعائلية من زواج وطلاق وأرث .. وكل مفاصل الحياة الواردة في هذه النصوص اكتسبت بعداً مقدساً وبات من العسير تغييرها ، وفي البلاد الأسلامية عموماً كان الطابع الثيوقراطي للحكم ، وفيها مزج وتشابك بين الدين والسلطة ولا تلوح في الأفق القريب دلائل تنبئ بفصلهما .
ولكي لا نتيه في متاهات هذا الموضوع الشائك ننتقل الى الحالة العراقية ، إذ بعد سقوط الحكم الملكي في العراق ، بدأت الأحداث الدراماتيكية تعصف في الحياة السياسية والأجتماعية لهذا البلد .
ـ التيار اليساري الذي استقطب الشارع العراقي يومئذِ ، وكان الحزب الشيوعي العراقي يمثل العمود الفقري لهذا التيار ، لكن هذا التيار لم يفلح في تسلم السلطة في العراق ، ولسنا في صدد التطرق الى الأسباب .
ـ لكن التيار القومي الذي كان يتزعمه حزب البعث ، ورغم ضعف رصيده في الشارع العراقي فقد استطاع بالتعاون مع جهات خارجية من تدبير انقلاب عسكري واستلام السلطة في العراق في شباط عام 1963 م . ورغم انتقال السلطة عن طريق الأنقلابات العسكرية ، فإن الخطاب القومي العربي كان عنواناً بارزاً لهذه السلطات ، لكن انقلاب تموز عام 1968 وضع حداً لهذه الأنقلابات ، فيشهد الوضع الأجتماعي والسياسي العراقي نوعاً من الهدوء والأستقرار ، وينتعش الأقتصاد العراقي ويرتفع مستوى المعيشي للفرد . لكن هذا الوضع تغير بعد انتصار الثورة الأسلامية في ايران في عام 1979 ورفعها شعار تصدير الثورة ، ونشوب الحرب بين البلدين الجارين عراق وأيران ، وكان الشعار الذي رفعه العراق هو : كل شئ من أجل المعركة ، فيدفع ثمنه الشعب العراقي من قوّته البشرية ومن ثرواته الوطنية .
إن العراق رزح تحت وطأة حكم دكتاتوري قومي شمولي ، ولم يكن في العراق قوة معارضة داخلية تتصدى للحكم وتقدر على اسقاطه ، لكن بمساعدة قوات التحالف وفي مقدمتها الولايات المتحدة ، كان يوم 9 نيسان عام 2003 يوماً مشهوداً في تاريخ العراق ، حيث ثم القضاء على الحكم الدكتاتوري .
الى هنا كل شئ يسير على ما يرام ، ولكن ... حالما سقط الحكم كانت الأحزاب الدينية قد شمرت عن ساعدها لكي تظفهر بحصة الأسد من الكعكة على الساحة السياسية العراقية .
إن التيار الليبرالي الذي اعتمد النهج السلمي والأسلوب الديمقراطي في التعامل والعمل بين الجماهير أزيح عن الساحة السياسية بقوة التيار الديني الذي اكتسح الساحة السياسية العراقية ، إذ ان هذا التيار لا يؤمن بالأقناع والعمل السياسي السلمي والمدني ، لذلك أفرزت العملية الديمقراطية في العراق حكماً ثيوقراطياً .
اصبح العراق ظاهرة إحيائية دينية بثقلها السياسي والأجتماعي والطقوسي ، وكانت أولى نتائج الصحوة الدينية هذه ، إذكاء نار الحقد الطائفي والديني بين أبناء الشعب العراقي الواحد ، فكان الخطاب الديني الشرعي الذي يعبر عن حقائق أزلية ثابتة لا تقبل التغيير عبر الزمكانية . وهكذا بعدما خرج العراق من نفق الحكم الشمولي القومي كان قدره ان يلج نفق الحكم الثيوقراطي المتكئ على المقدس في خطابه .
في الحقيقة إن رجال السياسة في العالم الأسلامي عموماً والعالم العربي خصوصاً يهابون جانب رجل الدين وغالباً ما يغازلون الخطاب الديني فيتجملون بالرداء الديني ، وقد رأينا الحملات الأيمانية للحكم السابق بقصد مغازلة الخطاب الديني وتجارب الأحتماء بالدين من أجل تمرير إجراءات سياسية والأمثلة كثيرة في الوطن العربي .
سوف لا يكون لنا تحفظ إن كان الحكم الثيوقراطي الديني يلبي مطالب الشعب العراقي ببناء وطنه وتقديم الخدمات الحياتية الضرورية له واستتباب الأمن والأستقرار في ربوعه ، لكن الحكم الديني الذي تسلم الحكم بعد الأنتخابات كان أبعد ما يكون عن تلبية مطاليب الشعب العراقي ، وفشل فشلاً ذريعاً في قيادة سفينة العراق نحو مرفأ السلام والوئام والأمان .
بدلاً من الأحتكام الى منافسة أحزاب سياسية في جو من الديمقراطية والحرية ، لجأوا الى تشكيل ميليشيات عسكرية دينية ، كل واحدة من هذه التنظيمات تأخذ اوامرها من مسؤوليها وتطبق أجندتها على العراقيين بقوة السلاح دون حساب أي اعتبار لهيبة الدولة والحكومة التي انتخبها الشعب .
وعوضاً عن تمجيد واحترام الهوية العراقية الموحدة التي تجمع العراقيين ، بعثت الأحقاد الدينية ، وأذكيت نار الحقد الطائفي والديني والسياسي في المجتمع العراقي فكانت عنواناً للعنف الطائفي والقتل والذبح والخطف والتشريد لأبناء العراق من مختلف الملل والنحل ، كما أصبحت ثروات العراق العامة هدفاً مستباحاً لأصحاب النفوذ ، ويجري السباق على نهبها .
وهكذا طفق العراق غابة للميليشيات وللفصائل المسلحة كل يريد ان يفرض بقوة السلاح أجندته ورؤيته على الناس المساكين ، فلا مكان للنقد السياسي ، ولا مجال للمناقشة او إفحام الحجة بالحجة ، فالفكر والرأي يقابلان بطلقة في الرأس ، وكفى المؤمنون شر الجدال .
يحتفظ الفرد المواطن في الدولة العلمانية بحقوقه كاملة مهما كان دينه او لونه او مذهبه ، لكن تنعكس هذه المعادلة في الدولة الثيوقراطية فهي فوق الفرد والمجتمع لأنها ظل الله على الأرض .
الملف السياسي العراقي بحاجة الى حكومة ليبرالية علمانية نابذه لكل انواع الأصطفافات الطائفية والدينية ، وتحتل مكانها المهيب في الوطن العراقي ، وأن يكون القانون سيفاً مسلطاً على رقاب الجميع دون تمييز . أما الدين فيبقى مرجعية محورية للقيم والأخلاق والتسامح والمحبة بين العراقيين ، بدلاً من استغلاله وتوظيفه لتمرير المصالح الأنانية الحزبية الضيقة



#حبيب_تومي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عسى ان لا تكون قرارات الحركة الديمقراطية الآشورية حبر على ور ...
- تهجير المسيحيين والأقليات الدينية الأخرى من العراق .. ما الع ...
- الكلدانيو او السريانية لغة واحدة لشعب واحد
- ملامح العلاقة الأخوية بين الكلدان وكردستان
- الأب يوحنان جولاغ فارس القوشي في رحاب الأدب والتراث - 2 2
- ديمقراطية بوش ام ديمقراطية بوتين ترياق الوضع العراقي ؟
- الأب يوحنان جولاغ فارس القوشي في رحاب الأدب والتراث 1-2
- بطريركية بابل على الكلدان مسيرة حكيمة أيام السلم والحرب - ال ...
- أقليم كردستان وتعايش اللغات الكردية والعربية والسريانية ..
- فوبيا النقد والحوار .. ( الزوعا ) نموذجاً
- آثاث وأدوات منزلية تراثية بيت القوشي نموذجاً 2 2
- هل يجهل مجلس الأقليات العراقية اسم أقلياته القومية
- هل حقاً بيننا حرب تسميات ؟
- قرار مصادرة هوية لقومية عراقية في القرن ال 21 - القسم الثاني
- قرار .. مصادرة هوية لقومية عراقية في القرن ال 21 القسم الأول
- المسيحيون والمندائيون وحكم الشيعة في الجنوب
- هل من حقائب وزارية للأقليات الدينية في حكومة المالكي
- اثاث وأدوات منزلية تراثية .. بيت القوشي نموذجاً
- هل الشيعة مؤهلون لإدارة الحكم في العراق
- واقع الأقليات الدينية والقومية في أقليم كردستان


المزيد.....




- طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال ...
- آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حبيب تومي - تسييس الدين وأخطار الحكم الثيوقراطي في العراق