|
معتدلو -الشيعة- بالعراق
نصير عواد
الحوار المتمدن-العدد: 7158 - 2022 / 2 / 10 - 23:31
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
يبدو غير متسقا، وسط الانفلات الطائفيّ الحاصل بالعراق، ظهور شخصيّات "شيعيّة" تحمل لقبا دينيّا واجتماعيّا تتحدث عن العدالة الاجتماعيّة والعيش المشترك، ولم تكتفِ بالصوم والصلاة كي تكون فاعلة في مجتمعها. فالمشاكل التي تصنعها التطورات الحياتيّة ليست دينيّة فقط، خصوصا في بلدٍ مشحون بالتعقيدات والتطورات العاصفة كالعراق، كان في فيه التحوّل بعد سقوط الديكتاتور قد أطاح بكل المشاريع الايدولوجيّة وقلب الكثير من المفاهيم والقيم، ووضع الجميع في موقف لم يألفوه من قبل، من بينهم رجال الدين الذين انخرطوا في السياسة والمغانم. مِن المتدينين مَن أدار ظهره لتاريخ من المظلوميّة وانفصل تماما عن القضايا التي تخص الوطن والمواطن، ومنهم من سكت على ما يحدث واكتفى بالاحاديث الخاصة في التعبير عن موقفه، في حين سُمع صوت "قلّة" معتدلة في مواجهة كل ذلك، إذ لابد هناك مَن يقول للعراقيّين إن مَن يعبث بالدوّلة العراقيّة هم ليسوا شيعة العراق، بل احزابهم الإسلاميّة ونخبهم السياسيّة. وحتى لا نبدأ مقالنا بالمبالغة فإن هؤلاء الذين تجمع بينهم العمامة، سوداء او بيضاء، هم قلّة غير متجانسة فكريّا كحال النخب العراقيّة الأخرى. لم يتوهموا بتغيير جذري في العملية السياسيّة، وفي ذات الوقت لم يتركوا الساحة لأصحاب الصوت العالي، وبقوا ناقدين ومدافعين عن طائفتهم بطرق بعيدة عن الشحن والتغليب والتحريض. لبعضهم منطلقات دينيّة صرف ولبعضهم الآخر منطلقات إصلاحيّة ووطنيّة اقتربت في اكثر من موقع من طروحات اليسارييّن والاشتراكييّن. وفي نظرة سريعة على الخارطة السياسيّة سنجد ان هذه الـــ "قلّة" هم أفراد غير تابعين لمؤسسة أو حزب، ولا يبحثون عن مكان لهم في المشهد السياسيّ، وهم حتى الآن لم يدخلوا جوقة المتزاحمين على السلطة والنفوذ، ويحاولون جاهدين الحديث من داخل الطائفة عن الظواهر المهلكة التي انتجتها العملية السياسيّة. وبما انهم "قلّة" فإن الحديث من داخل الطائفة وفر لهم في البداية حماية شكليّة سمحت بالخروج على الحيز الضيق للطائفة باتجاه المفاهيم الإنسانيّة العامة، حماية سرعان ما أطاح بها اشتداد الصراع وافتضاح أسرار اللعبة. في الواقع هناك الكثير من شيعة العراق لهم مواقف وطنيّة مشرّفة، استنكروا فيها سياسات الأحزاب الإسلاميّة، ووقفوا ضد الاحتلال والتدخلات الخارجيّة، ولكن حديثنا هو عن المعمّمين والمتنورين منهم، الذين وقفوا إلى جانب شعبهم ولم يعطوا مشروعية للحكومات التي أعقبت سقوط الصنم مثل ( أحمد القبانجي الذي عاش في إيران وقاتل في صفوف جيشها ضد دولته العراق، وأياد جمال الدين الذي عاش وتعلّم في مدينة قم الإيرانيّة، وأحمد الحسني البغدادي الذي عارض الاحتلال ولجأ إلى سوريا، والشيخ جواد الخالصي وغالب الشابندر.. وغيرهم من الوطنيّين والمعتدلين الإسلامييّن الذين ما زالوا يواجهون صعوبات في ابداء الرأي. فبعد سقوط الديكتاتور خرج العراقيون للمساهمة في المرحلة الجديدة، يحدوهم الأمل في بناء وطن جديد، ولكن في اشتداد الصراع وتفاقم الفرز الطائفيّ قفز إلى الواجهة أصحاب الخطاب الطائفيّ المأزوم، في حين تراجع إلى الخلف أصحاب الرأي والاعتدال منهم، ووجدوا أنفسهم معزولين وغير مؤثرين، وأن حياتهم في خطر، وبالتالي عليهم البحث عن أساليب عمل تحفظ حياتهم وفي ذات الوقت تساعدهم في التخفيف من انزلاق الشيعة إلى مهاوي الطائفيّة والعنصريّة. مواجهة هذه "القلّة" للمشروع الطائفيّ عبر استراتيجيّات فكريّة ودينيّة متنورة بدت "ليّنة" من الظاهر في حين هي شكّلت خطرا داخليّا مضاعفا على الأحزاب الطائفيّة، الأمر الذي ادى إلى تهميشهم واعتقالهم وتشويه سمعتهم ووضعهم في خانة الناكر لأصله وطائفته. في الحقيقة الوقوف مع الشعب ومعارضة الأحزاب الإسلاميّة استفز على الدوام الحكومات التي تشكّلت بعد سقوط الديكتاتور، بصرف النظر عن كون المعارض رجل دين او مصلح اجتماعيّ او ثائر سياسيّ، فكيف إذا كان المعارض من أبناء الطائفة، يعرف اسرارها وتاريخ قادتها. الملفت إن هذه "القلّة" المعتدلة مهددة ليس فقط من غلاة أبناء جلدتها، بل كذلك تعاني من شكوك حراس العلمانيّة المنشغلين بالعمامة وليس بالرأس الذي يحمل العمامة. بمعنى انهم "قلّة" ليس عدديا فقط بل كذلك بسبب التهديد الدائم في بلد لا تقاليد سياسيّة واجتماعيّة فيه للوسطية والاعتدال. طوال التاريخ الإسلامي كان للشيعة صوتهم الرافض للظلم، تجلى في ذهاب أئمتهم قتلا وتسميما، وفي اطلاق خصومهم عليهم لقب الــ "روافض" إلا ان وصولهم كرسيّ السلطة أضاع عليهم قرونا من المظلومية والتقية والرفض، وكشف عن أسوء أنواع التخادم بين السلطة وبين الأحزاب الإسلامية التي تمثلهم. فهذه الاحزاب تمتلك خطابا دينيّا مسيّسا وهشا، من دون شرعية دينيّة، ولذلك تعمل جاهدة على استمالت رجال الدين وتوظيف عمائمهم في تبرير سلوكها السياسيّ واعطائه شرعية دينيّة، وإنْ لم تستطعْ فستشتري صمتهم. وهذا الصمت تحديدا هو الذي سهّل الأمر على الأحزاب الإسلاميّة الذهاب بعيدا في مسلسل النهب والقتل، وإعادة إنتاج الظلم بمسميات دينيّة أدت إلى افراغ المقدسات من محتواها الإنسانيّ والاجتماعيّ، الأمر الذي استدعى ظهور مَن يزيل الغبار عن الحقائق من بين صفوفهم. قد يكون ظهور هذه الـــ "القلّة" تأخر كثيرا، وقد يكون دورها ضعيفا في توضيح الحقائق وابراز الوجه المعتدل للطائفة الشيعية، وهذا جزء من واقع الصراعات التي أعقبت الاحتلال. فتعثر الإسلام السياسيّ في إيجاد الحلول، وتشظي ولائه بين مرجعيّات وأحزاب وتيارات، وسيطرة السلاح على المشهد السياسيّ، ساهم من جانبه بظهور حذر وصعب لنخب معتدلة تسعى للتخفيف من النزعة الطائفيّة المستفحلة بالبلد.
#نصير_عواد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
صفحات هدم الذاكرة العراقيّة
-
دور الرجاء في صناعة المزارات الوهميّة
-
العنف المتبادل يُبطل الاختلاف
-
طبعات العنف العراقيّ
-
شيوعيّو الداخل شيوعيّو الخارج!
-
صورة السياسيّ في روايات سلام إبراهيم
-
السرديّة الانصاريّة(3) نون الحكايّة
-
الاحتفاء بيوم -النصير الشيوعيّ- أم الاشتغال على تاريخه؟
-
-الحزبيّة- وتظاهرات تشرين
-
ساعة الانتخابات العراقيّة لا تدق للجميع
-
السرديّة الانصاريّة (2) الكتابة من الداخل
-
المليشيات المسلّحة بين الخراب والعبادة
-
الإسلاميون وكسر التظاهرات
-
أدلاّء بريمر، أم أدلاّء خامنئي؟
-
لم ينقصْ الشيوعيّ العراقيّ سوى ال-البسْملة-
-
فكرة -المظلوميّة- نفط لا ينفد
-
الحُسين بن عليّ (ع) دوام الحزن وتبدّل الشّعائِر
-
الذّاكرة العراقيّة ليست بخير
-
الهويّات الفرعيّة، ليست -خلايا نائمة-
-
السرديّة الانصاريّة، ملاحظات أوليّة(1)
المزيد.....
-
خلي طفلك ينبسط بكل جديد ومفيد.. طريقة تثبيت قناة طيور الجنة
...
-
الدفاع المدني السوري: انفجار سيارة مفخخة أمام المسجد الكبير
...
-
عاجل | الدفاع المدني السوري: انفجار سيارة مفخخة أمام المسجد
...
-
“صار عنا بيبي صغير”.. استقبل الآن تردد قناة طيور الجنة الجدي
...
-
ابسطي أولادك ونزلي لهم تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 بخطو
...
-
ما ما جابت نونو صغير.. تردد قناة طيور الجنة على النايل سات و
...
-
نقيب الأشراف: اقتحام وزير إسرائيلي المسجد الأقصى عمل إجرامي
...
-
عصا السنوار وجد روح الروح وفوانيس غزة .. «الشروق» تستعرض أبر
...
-
العالم يحتفل بعيد الميلاد ليلة الـ24 من ديسمبر.. هل تعلم أن
...
-
“صار عندنا بيبي جميل” بخطوة بسيطة اضبط الآن تردد قناة طيور ا
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|