أيهم نور الصباح حسن
باحث و كاتب
(Ayham Noursabah Hasan)
الحوار المتمدن-العدد: 7152 - 2022 / 2 / 4 - 22:28
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
" يُحكى أن نعامة أرادت دفن رأسها في الرمال .. فارتطم رأسها برؤوس العرب ... "
تلخص هذه الحكاية القصيرة جداً أسلوب المجتمع العربي في مواجهة قضاياه و مشكلاته .
فقد ثارت منذ أيام قليلة ثائرة بني يعرب على فيلم " صحاب .. ولا أعز " و شرَّقوا في عويلهم و غرَّبوا , فيالثارات شرف المجتمع العربي الطاهر الخلوق و يا لخجلة خير أمة أخرجت للناس بعد اتهامها بهذه الانحطاطات الاجتماعية التي لصقها بها الفيلم زوراً .
إذ إنه لمن غير المعقول أن يُنسب للمجتمع العربي الذي تشحذ رجاله و نساؤه و أطفاله على قارعة الطريق - بكل حرية و لطافة - هذه الفواحش التي أظهرها الفيلم , لقد أزعج الفيلم العرب الذين ترمى أطفالهم في القمامة و على أبواب المساجد و المشافي .
أزعج الفيلم العرب الذين لن يفلحوا إن ولوا أمرهم لامرأة و الذين أبطلوا وأدها صغيرة لكنهم دفنوها في العباءة و الحجاب و الخمار و في مقبرة قوانينهم السماوية اللاإنسانية .
لقد خدش الفيلم قيم العرب الذين يزوجون بناتهم في التاسعة و يؤمنون بأن شهادة المرأة بنصف شهادة الرجل و بأن الرجم بالحجارة هو عقاب الزاني و الزانية المحصنين !
نعم لقد أثار الفيلم حفيظة العرب لأنه صنيعة نيتفليكس و الغرب " الفاسد أخلاقياً " !!!
أزعج الفيلم العرب الذين لا يعرفون ماهي حقوق الإنسان حتى الساعة , بالرغم من أن جميع حكوماتهم قد وقعت على وثيقة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادرة عن منظمة الأمم المتحدة عام 1948 و الذي يحظر في المادة الرابعة منه الرق و العبودية .
أزعج الفيلم العرب أصحاب الفضيلة و التاريخ المجيد , كيف لا وهم من ألغوا العبودية في السعودية فقط عام 1962 بينما كانت موريتانيا آخر دولة في العالم تلغي نظام العبودية و ذلك عام 1981 .
لم ينظر المشاهد العربي إلى السبب الذي دفع منى زكي لخلع كيلوتها , و ربما أخطأ الكاتب هنا في طريقة تحفيز التساؤل لديه , فالعقل العربي يتعطل تماماً حين يتعلق الأمر بالفرج أو بما يستره أو يدل عليه , و يتم تفعيل الغريزة مباشرةً بدلاً منه , فعِوضَ أن يتلمس المشاهد العربي إشكالية ضعف العلاقة الزوجية و أسبابها و نتائجها , سرح خياله في شكل الفرج الذي كان يغطيه ذاك الكيلوت و ميزاته الفنية و التعبوية , و انتفت أي قدرة للعقل العربي على الوصول للقصد المراد من المشهد .
لامَ قسم من حراس الفضيلة و الدين و حماة الأخلاق الأسرية الفنانة منى زكي على قبولها بهذا الدور في الفيلم , بينما ذهب قسم آخر إلى أبعد من ذلك مطالباً زوجها الفنان أحمد حلمي بتطليقها , و لك أن تتخيل عزيزي القارئ مقدار الوعي الذي يحمله هؤلاء الذين يسمحون لأنفسهم بالتدخل في أخص خصوصيات حياة الإنسان و لا يملكون القدرة على التفريق بين الإنسان و الممثل , بين الشخص الطبيعي و الدور التمثيلي ( المهني ) الذي يقوم به كي يعيش , الأنكى من هذا كله أنهم يعتبرون أنفسهم نخبة المجتمع و لهم وحدهم يعود قرار تحديد المعايير الدينية و الاجتماعية و الأخلاقية و السياسية التي يجب أن تُحتذى !!!
إن تعدد الآراء و اختلافها أمر طبيعي و جيد بل و ضروري لتقدم سيرورة الحياة , لكن ما ليس بجيد هو إصرار ثلة تمثل الغوغاء و العوام على إقرار عاداتها القبلية و الهمجية كقانون ملزم لجميع أفراد المجتمع .
هاج قسم آخر و ماج على طريقة تعامل الأب مع ابنته التي بلغت الثمانية عشر عاماً فيما يخص حياتها الجنسية , فالفيلم يقدم لنا نموذجاً لأب يفهم طبيعة الجسد و النفس البشرية و يحاول تعليم ابنته مسؤولية الحرية التي يمنحها إياها في ظل مجتمع محافظ , و يركز على عدم قدرة الأم على التعامل مع ابنتها في هذه المسالة ( كمثال عن ذكورية الأنثى الموروثة في مجتمعنا ) بالرغم من أنها طبيبة نفسية و بالرغم من أنها تخون زوجها مع صديقه , أي بالرغم من علمها بالحاجة الجسدية الشديدة للجنس , و هنا يبرز لنا الفيلم إشكالية أخرى مهمة جداً في المجتمع العربي هي إشكالية النفاق على النفس قبل النفاق على الغير .
نعم لقد خدش كيلوت منى زكي حياء العرب الذين ترك إلههم الكون كله بما فيه من مجرات و كواكب و شموس كي يرسل لنبيه رسالة يشجعه فيها على نكاحه من ابنة عمته زينب بنت جحش - زوجة ولده بالتبني زيد - فطلب من زيد أن يطلقها كي ينكحها هو صلى الله عليه و سلم .
خدش الفيلم حياء العرب الذين كتبوا المجلدات و الأسفار في نكاح الحرمة و الميتة و البهيمة و تقارعوا طويلاً حول مسائل النكاح و أحكامه و حلاله و حرامه .
خدش الفيلم حياء العرب الذين جُل همهم التساؤل حول مسائل جنسية عظيمة كوجوب الغسل أو عدمه إذا ما دخل الذكر في الفرج بأقل من الحشفة ..
خدش الفيلم قيم الطهارة و العفة للأسرة العربية التي تُبنى بموجب عقد نكاح تعرفه الشريعة بأنه عقد بين رجل و امرأة غايته حل استمتاع بعضهما ببعض أو إباحة وطئها !!!
لم يفلح العرب سوى بالنفاق , فبدلاً من طرح الإشكالية و تشخيصها و البحث عن سبل علاجها تراهم يبحثون عن أخبث الطرق لدفنها و إخفائها و التظاهر بأنها غير موجودة عملاً بالحديث : (( و إذا ابتليتم بالمعاصي فاستتروا ))
و كالعادة و هرباً من المواجهة يبحث العقل العربي عن خيوط المؤامرة على ذكائه الوقاد و عبقريته الفذة و قيمه الأسرية العفيفة المستمدة من دينه الحنيف , إذ رأى قسم من المشاهدين أن شبكة نيتفليكس تشترك مع الشيطان و الدول الغربية الكافرة في سعيها الحثيث لضرب القيم الدينية و الأخلاقية و الاجتماعية في مجتمعاتنا العربية الطاهرة الشريفة , إذ خرج علينا الممثل السعودي ناصر القصبي ليقول أن " نيتفليكس فاسدة و مفسدة في تبنيها للمثلية " علماً أن الفيلم لم يتبنى المثلية إطلاقاً و كل مافي الأمر أنه أظهر طريقة تعاطي عينة من المجتمع مع الآخر المختلف عنها , و لك عزيزي القارئ أن تضع أي قضية خلافية موضع المثلية كاللادينية أو الإلحاد أو اللاإنجابية مثلاً و سوف ترى نفس النتيجة في طريقة التعاطي , مع أني شخصياً أرى أن ردة الفعل التي قدمها الفيلم حول معرفة مثلية أحد الأصدقاء كانت بسيطة جداً ولم تقارب الواقع العربي إطلاقاً بما يحدث حقيقةً من نبذ و كره و حقد وصل إلى حد القتل في بعض الأحيان كعقاب مصدره الشرع الإسلامي .
و لابد أن نذكر هنا أن المثلية التي يقرفها حراس فضيلتنا و يتدافعون لمحاربتها قد أغواهم الله بها في القرآن لشدة ولع العرب بها إلى جانب نكاح الحور العين (( وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَّنثُورا )) 19- سورة الإنسان , فمن ذا الذي يفرح بأن يداوم على خدمته طفلٌ حسن الوجه و الجسم أبيضه ؟ !!!
أي أن المشكلة لدى حراس الفضيلة و كالعادة هي مشكلة في التوقيت و المكان و ليست إشكالية أساسية في المبدأ و الجوهر , فالزنا مع الحور العين في الجنة حلال و شرب الخمر في الجنة حلال و اشتهاء الولدان المخلدون في الجنة حلال ( و طبعاً كل الخدمات و اللذائذ هي للذكور فقط ) !!!
يغرس العرب رؤوسهم في الرمل هرباً من مواجهة أمراضهم و إشكالياتهم عند أي محاولة لتشخيص أي إشكالية اجتماعية أو دينية أو سياسية , كنوع من التعامي عن المشكلة , و ذلك إما بادعاء المؤامرة أو بإنكار وجود المشكلة أو بالتجاهل و هذه الأساليب الثلاثة هي أساليب طفولية غريزية يلجأ لها الأطفال عندما تواجههم مشكلة ما .
ليست إشكاليتنا في أننا لا نزال كمجتمع في طور الفطام و لم نبلغ المراهقة بعد , و إنما في علل و أسباب بقائنا في هذا الطور دهوراً طويلة .
#أيهم_نور_الصباح_حسن (هاشتاغ)
Ayham_Noursabah_Hasan#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟