أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اراء في عمل وتوجهات مؤسسة الحوار المتمدن - ياسر محمد - الحلم بالتغيير على الطريقة الأمريكية هل ينتهي بكابوس















المزيد.....


الحلم بالتغيير على الطريقة الأمريكية هل ينتهي بكابوس


ياسر محمد

الحوار المتمدن-العدد: 1664 - 2006 / 9 / 5 - 06:37
المحور: اراء في عمل وتوجهات مؤسسة الحوار المتمدن
    


من احدث الطرائف في التراجيديا السورية الممتدة منذ عقود طويلة إلى ما شاء الله , ان الناشط السياسي أو الباحث في الشأن العام أو المهتم يجد نفسه لدى أي محاولة للبحث الجدي السياسي في مسألة العامل الخارجي والأمريكي منه تحديدا ...ماهيته , مخاطره المحتملة على المجتمع أو المنطقة ومهما كانت مصداقية هذا الشخص قوية أو حياديته بادية للعيان و ومهما كان رصيده المحتمل في النضال والتضحية كبيرا , يجد نفسه وكأنه مضطر لتقديم براءة ذمة وطنية قبل الشروع في أي بحث في الموضوع الانف الذكر , على سبيل المثال يفضل ان يبدأ الشخص المعني بتقديم نبذة توضح انه من المعارضة ويرفض الاستبداد والفساد واحتكار السلطة , أو يوضح انه وطني يسعى بكل تأكيد لمصلحة شعبه , وإلا فان قائمة طويلة من التهم جاهزة لكي يدفع بها والناتجة عن العقلية السطحية الاقصائية الانفعالية الأزلية التي يتمتع بها الكثيرون في هذا الوطن المنكوب , والأشد طرافة وإيلاما ان هذا الشخص العاثر الحظ قد يجد نفسه يهاجم من النظام وقد يجد نفسه يهاجم من بعض أوساط المعارضة , فالنظام قد يصفه كالعادة بالخيانة وتهديد الوحدة الوطنية ...الخ , وقد يصفه بعض المعارضين بمغازلة النظام واستخدام لغته وأسلوبه وخدمة مباشرة لأهدافه
قد يكون منطقيا سلوك أهل النظام هذا المسلك , لكن كثير من المعارضين المعولين على الخيار الأمريكي كخيار وحيد للإنقاذ أحس وكأنهم فقدوا بوصلة التوجه السليم وابسط أشكال التفكير المنطقي على أرضية من اليأس المطلق من إمكانية التغيير من الداخل وصولا إلى إمكانية التحالف مع الشيطان ان كان قادرا على التغيير , وعلى أرضية من الحقد لدى البعض المتولد من مأساتهم الشخصية في التعامل مع قمع واستبداد النظام .
قد يكون الحقد أحسن معلم , أحسن دافع لكن ان يستبدل الإنسان عقله السياسي الواعي بالحقد فلا اعتقد ان هذا سيوصل سوى إلى العبثية .
يبدو ان البعض على هذه الخلفية يتجاوز العقل السياسي المنطقي بالكامل وابسط أشكال التفكير المنهجي ابتداء بأبسط التساؤلات التي تطرح لدى تناول هكذا موضوع , وأول هذه التساؤلات يقول ماذا تريد أمريكا منا أولنا ؟ وما هي ملامح الإستراتيجية الأمريكية في المنطقة ؟والإجابة عن هذه الأسئلة تستوجب بالضرورة إطلالة موضوعية على السياسة الأمريكية بالنسبة لدول العالم الثالث في مرحلتي ماقبل انتهاء الحرب الباردة وما بعدها .
يتفق كثيرون بما فيهم الأمريكيين ان الولايات المتحدة والغرب عموما دعم بقوة وصنع أنظمة موالية له في دول العالم الثالث كانت سمتها المشتركة الديكتاتورية والقمع والفساد والموالاة للغرب بدرجات مختلفة تتفاوت حسب الدور الإقليمي المناط بكل دولة , ولكن ما ليس موضع إجماع هذه الفكرة القائلة بتبدل الإستراتيجية الأمريكية بالكامل في هذا الصدد بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وبدع أحداث 11 أيلول 2001 – وتكمل الفكرة سياقها لتقول ان هذه الأنظمة البالية أصبحت عبئا على السياسة الأمريكية وهي من مخلفات الحرب الباردة , ولم تعد تفيد شيئا سوى المزيد من المتطرفين المعادين بقوة للغرب و لم تعد تخدم مصالح أمريكا والغرب عموما , ولابد من تغييرها , والقرار بالتغيير قد اتخذ بشكل نهائي ويؤكد هذا التبني الأمريكي الرسمي القوي لنظرية ضرورة نشر الديمقراطية في كافة أنحاء العالم .
وأي بحث موضوعي في هذا الشأن يفضي إلى ان الولايات المتحدة في العقد الأخير على وجه التحديد سمحت بقيام أنظمة ديمقراطية منتخبة بشكل حر في مناطق سادتها لفترة طويلة أسوأ أشكال الأنظمة الاستبدادية (دول أمريكا اللاتينية) , ودعمت بقوة قيام أنظمة ديمقراطية في دول استبدادية روسية الولاء (دول الاتحاد السوفيتي السابق) ويعرف الجميع فيما يتعلق بالدول السوفيتية السابقة التي تم فيها التغيير ان استبدال الأنظمة صحيح انه تم بطريقة ديمقراطية لكنه أتى بأنظمة ميزاتها الأولى هي ولاؤها للغرب ودون ان تكون اقل فسادا أو أكثر قدرة على حماية مصالح شعبها بالضرورة من سابقتها , وبالتالي فان التغيير في هذه المنطقة خدم بالدرجة الأولى الإستراتيجية الأمريكية الجديدة التي تتعلق بمحاصرة روسيا والصين .
ودون ان يعني قيام أنظمة ديمقراطية في دول أمريكا الجنوبية رضى أو سكوت وقبول أمريكا أبدا خصوصا ان التغيير هذه المرة أتى بأنظمة موالية فعلا لشعوبها وذات توجه يساري واضح معادي للولايات المتحدة ولكن يبدو ان الصراع على هذه الجبهة محكوم بعوامل عديدة منها ان أمريكا ذات الصوت الأعلى المطالب بالديمقراطية لا تستطيع بسهولة ان تشكك بشرعية هذه الأنظمة التي قامت بطريقة حرة لا غبار عليها , كما انه من الواضح ان أمريكا لديها أولويات في مناطق أخرى من العالم أكثر حساسية وأهمية بكثير من الوضع في أمريكا الجنوبية وبالتأكيد فلا بأس من فترة هدوء نسبي بين الولايات المتحدة والأنظمة المعادية لها في جنوب القارة على الأقل ريثما تنتهي من معالجة الملفات الأخرى الأكثر سخونة وأهمية دون ان يعني هذا الهدوء النسبي تبريد هذا الملف تماما فنحن نشهد تزايد وتنوع مختلف أشكال الضغوط على هذه الأنظمة الحرة حديثة العهد , ضغوط اقتصادية وسياسية حتى الآن مع الاتجاه لزيادة الجرعة في بعض البؤر الحرجة وخير مثال على هذا ما يحدث في فنزويلا منذ سبع سنوات تقريبا , حيث لا يخفى على احد الدعم الكبير الذي تقدمه واشنطن للمعارضة الفنزويلية وصلت حد الدعم الكامل للانقلاب العسكري الفاشل الذي قام ضد نظام الرئيس شافيز , حيث كانت الولايات المتحدة الدولة الوحيدة في العالم التي اعترفت بشرعية ذاك الانقلاب بعد ساعات من قيامه رغم انه حاول الإطاحة بنظام شرعي منتخب بشكل حر ويحظى بإرادة شعبية لا شك فيها .
أما فيما يتعلق بالعالم العربي والشق الأوسط عموما , فالحسابات السياسية الأمريكية تختلف تماما عنها تجاه بقية أنحاء العالم فنحن نتحدث هنا كما يقال بالتعبير الشعبي عن (أم الصبي) , في هذه المنطقة توجد الجائزة الكبرى أكبر احتياطي نفطي في العالم , إنها المنطقة الأكثر حساسية وأهمية بالنسبة لأمريكا والغرب عموما , والعوامل التي تتحكم باللعبة السياسية فيها تختلف جذريا عنها في أي مكان في آخر , والإستراتيجية المعبرة عن مصالح القوى العظمى تجاهها وعلى رأسها أمريكا طبعا تحسب بدقة وحساسية اكبر , وبالتالي فلا يوجد مجال كبير أمام الولايات المتحدة مثلا للعب دور الناشر للديمقراطية والمدافع عن حقوق الإنسان في هذه المنطقة, أو في أحسن الأحوال لا يسعها ارتداء هذا الثوب سوى للحظات قليلة غير جادة لزوم البروباغندا السياسية والإعلامية ويزيد من الضغط على الأنظمة .
ولن نعود إلى التاريخ القريب لإيضاح الصورة بأدوات قديمة , بل الحاضر في هذه المنطقة هو نتيجة طبيعية واستمرار طبيعي لهذا التاريخ , لم يتغير شيء على الأقل فيما يتعلق بالثوابت التي تحكم بناء الإستراتيجية الأمريكية والغربية المعبرة عن مصالحها الدائمة فائقة الأهمية والحيوية .
لقد دخلت الولايات المتحدة لعبة السيطرة على المنطقة منذ بدء الحرب الباردة كوريث شرعي لبريطانيا وفرنسا وقامت إستراتيجيتها على أساس إدامة ودعم الأنظمة الديكتاتورية الملكية الموروثة عن الاستعمار الأوروبي السابق , وعلى أساس تصنيع وفبركة ودعم أو على الأقل الموافقة الضمنية على قيام ديكتاتوريات عسكرية في الدول حديثة الاستقلال قطعت الطريق على التجارب الديمقراطية الجديدة أو منعت إمكانية سير المجتمعات باتجاه النمو والتطور ضمن مناخات صحية وسليمة (مصر-سوريا-العراق) .
وضمن معطيات وممكنات ظروف الحرب الباردة طبقت أمريكا إستراتيجيتها في المنطقة مستفيدة من كون الدول العربية جميعها ترزح تحت نير أنظمة شمولية بغض النظر عن كونها تقدمية أو رجعية , ونجحت في الحفاظ على أمن واستقرار الأنظمة الرجعية الموالية لها , كما نجحت في إدارة اللعبة مع الأنظمة العسكرية التقدمية المعارضة لها (الناصريون والبعثيون في حقبة الخمسينات والستينات) ورغم ان هذه الأنظمة كانت تمثل لدى البعض ضررا كبيرا على المصالح الأمريكية ففي حقيقة الأمر خدمت هذه الأنظمة المصالح الأمريكية على المدى المتوسط والبعيد خدمة كبيرة من حيث لا تدري , فمن جهة كان من السهل على الإدارة الأمريكية حصار واستنزاف هذه الأنظمة عسكريا واقتصاديا من خلال اسرائيل , وفي المقابل ساعدت تلك الأنظمة من خلال إصرارها على ركوب موجة المد القومي التي اجتاحت المنطقة , ساعدت على امتصاص هذه الموجة وتوجيهها ضمن قنوات محددة لها سقف عال من المطالب والشعارات الرومانسية الحماسية , كما قدمت خدمة أخيرة من خلال إصرارها على طبيعة أنظمتها العسكرية المتفردة التي همشت شعوبها وحيدتها ونصبت نفسها وصية عليها ولم تعنى ببناء الإنسان مما حولها إلى عملاق بأرجل من خشب , كل هذه الأخطاء والخطايا ساعدت أمريكا عندما اتخذت القرار بإنهاء اللعبة مع هذه الأنظمة بتوجيه ضربة حاسمة إلى حركة المد القومي عام 1967 لم تقم بعدها لها قائمة , ولتبدأ المرحلة الجديدة في العالم العربي بتقديم الدعم لسلسلة من المغامرين العسكريين ليقفزوا إلى سدة الحكم في عدد من الدول العربية بين عامي 1968-1970 (مصر-سوريا-العراق-ليبيا-السودان)سمتهم الأساسية هي الموالاة المعلنة أو المضمرة لأمريكا وما فعلته تلك الأنظمة في السبعينات والثمانينات خدمة للمصالح الأمريكية أكثر من أن يحصى من مجاز أيلول الأسود في الأردن إلى التدخل السوري في لبنان عام1976 لضرب اليسار اللبناني القوي وتحجيمه والسيطرة على القرار الفلسطيني المستقل وضبط الوجود الفلسطيني في لبنان وصولا لتصفيته نهائيا بعد حرب 1982 إلى اتفاقيات فك الارتباط في سيناء ومعاهدة كامب ديفيد إلى الحرب العراقية الإيرانية .
ولتبدأ من بعدها مرحلة جديدة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي لم تتضمن تغييرا حقيقيا في الثوابت الإستراتيجية الأمريكية تجاه دول المنطقة كل ما هنالك ان المرحلة الجديدة كانت تتطلب تغييرا في الأساليب تتوافق مع متطلبات هذه المرحلة بدءا ببعض التصريحات والتلميحات الأمريكية بضرورة إحلال الديمقراطية في المنطقة وانتهاج دولها طريق الإصلاح والانفتاح السياسي ليتضح بعد هذا ان الغطاء الأمريكي لم يرفع أبدا عن هذه الأنظمة مطلقة الولاء للولايات المتحدة رغم أنها من ابرز الدول في المنطقة استبدادا وقمعا للحريات وفسادا وصل حد الفجور , اتضح ان المطلوب منها ليس أكثر من بعض إجراءات تجميلية تمد في عمر هذه الأنظمة وترفع الحرج عن واشنطن في دعمها لها , وكم كانت خيبة كثير من المثقفين والناشطين المصريين الذين عولوا كثيرا على رفع الدعم الأمريكي عن نظام مبارك وراهنية وحتمية التغيير الديمقراطي عندما أعاد النظام المصري ارتباطه وحقق صفقة تضمن استمراره إلى مالا يعلم إلا الله مداه , وكل ما هو مطلوب منه بعض الإجراءات الشكلية التي تحافظ على جوهر النظام وتحسن صورته , وقد أبدى المسؤولون الأمريكيون صراحة أنهم لا يستطيعون التخلي عن نظام مبارك الذي قدم ويقدم لهم خدمات جلى وبالتالي فكان لا بد من غض النظر عن الأحداث التي جرت في الأشهر الأخيرة والقمع الشديد الذي تعرضت له المعارضة الوطنية المصرية من اعتقالات وضرب في الشوارع وهتك أعراض على شاشات التلفزيون مع صمت الرأي العام الغربي عن كل هذا صمت القبور .
ولا ننسى التهليل الأمريكي الاحتفالي بالانجاز الديمقراطي الكبير الذي حققه النظام السعودي الظلامي من تحقيق الانتخابات البلدية المجزوءة والتي لا تتجاوز صلاحيات الناخبين فيها الإشراف على شؤون النظافة والمجارير وري الحدائق لترى أمريكا فيها خطوة كبيرة في المسار الديمقراطي متجاهلة بالمطلق وضع الشعب السعودي الذي يعيش في العصور الوسطى متعرضا لأبشع أنواع القمع والإذلال وعقوبات قطع الأعناق والأيدي والأرجل , ان السياسة الأمريكية تتعامل مع المنطقة على أنها مجموعة ملفات متفاوتة الأولوية في التعامل معها ولكن السمة العامة لها والواضحة وضوح الشمس هي تفتيت وتذرير المنطقة إلى دول فتات على أسس عرقية وطائفية يسهل السيطرة عليها وهذه الدول الفتات بمعظمها لا تملك مقومات الدولة وستكون مجبرة على الارتماء الكامل في الحضن الأمريكية دون ان تأمل في يوم من الأيام ان تملك عوامل القوة مجددا أو إمكانية النهوض والتطور , ومن لا يصدق يستطيع فتح الخريطة ومتابعة وضع الدول العربية من القرن الإفريقي إلى جبال طوروس , فالسودان يخوض عدة حروب أهلية ومرشح بقوة ليتحول إلى أربع دويلات على الأقل , والصومال انتهى كدولة ليتحول إلى مجموعة من العصابات والقبائل المتحاربة , ولبنان لم يكف انقسامه إلى سبع عشر طائفة ليبدأ شكل جديد من الاستقطاب والاصطفاف والمواجهة بين معسكرين معسكر أمريكا ومعسكر سوريا وإيران لينذر بحرب أهلية قد تنهي والى الأبد لبنان كدولة تطمح في يوم ان تكون متماسكة ولكل مواطنيها .
أما في العراق النموذج الأمثل للديمقراطية الأمريكية فقد تحول بعد الغزو الأمريكي إلى كونفيدرالية هشة للطوائف والأعراق أو بتسمية أخرى ديمقراطية الطوائف على أرضية حرب أهلية غير معلنة تدور رحاها وتطرح كل يوم خمسين قتيلا مدنيا على الأقل ضحية الذبح الطائفي المتبادل مغذاة من الاحتلال ومن الأطراف الإقليمية المجاورة التي أصبحت عنصرا فاعلا وبقوة في الأزمة العراقية ليتحول العراق إلى ساحة صراع بين القوى الإقليمية (سوريا-إيران) وأمريكا, ما نشهده الآن هو تقسيم غير معلن للكيان العراقي إلى ثلاثة أجزاء ولا ينتظر وضعه قيد العلن سوى قرارات خارجية تزيد من تناقضات الوضع الداخلي ولا يحتاج الأمر سوى إلى بضعة أحداث استفزازية مفتعلة وبضعة ألاف من الضحايا ليصبح التقسيم أمرا معلنا وهذا هو السيناريو الأرجح , العراق كما كنا نعرفه ببساطة انتهى .
أما قضية فلسطين التي لا اعتقد انه يخفى على احد الدور التاريخي للولايات المتحدة في مفاقمة مأساتها فقد ألغت أمريكا الحلم القديم بتحرير فلسطين من النهر إلى البحر ليتحول وفق المبادرة الأمريكية التي طرحت في مدريد إلى دولة تقتصر على الضفة الغربية وغزة وحتى هذا المشروع اتضح انه لم يكن أكثر من غطاء لتمرير تطبيع العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل وإراحة اسرائيل من كثير من أعباء الحكم العسكري المباشر للضفة والقطاع عبر خلق شكل من أشكال الحكم الذاتي يعفي اسرائيل من اغلب مسؤولياتها تجاه هذا الشعب المحتل مع الإبقاء على السيطرة الفعلية عليه , ونشهد الآن ملامح المشروع الإسرائيلي قيد التطبيق والمدعوم أمريكيا والمتضمن عزل الفلسطينيين ضمن كانتونات منفصلة ومحاصرة ومرتبطة بشكل كلي بالكيان الإسرائيلي ودون ان ننسى الموقف الأمريكي من الانتخابات الفلسطينية الأخيرة ورفض الاعتراف بنتائجها واستغلالها لمزيد من تجويع وتركيع الشعب الفلسطيني .
كذلك نسمع كل يوم بمشاريع مستقبلية لتفكيك السعودية وربما مصر .
أما بالنسبة لسوريا فمعروف ارتباط النظام بأمريكا منذ العام 1970 ومعروف ان احد أهم أسباب ديمومته هو الغطاء الأمريكي الذي ناله , ومعروفة أيضا الخدمات الجليلة التي قدمها النظام بدءا من ضرب اليسار اللبناني الصاعد عان 1976 والهيمنة على القرار الفلسطيني المستقل وضبط الوجود الفلسطيني في لبنان تمهيدا لإزالته بشكل كامل بعد العام 1982 وصولا للمشاركة العسكرية المباشرة مع قوات التحالف الدولي في ضرب العراق عام 1991 ولقاء هذه الخدمات نال النظام غطاءا كاملا أتاح له توطيد أركان حكمه من خلال قمع المجتمع وإبادة المعارضة وصولا للقيام بعمليات إبادة جماعية دون اعتراض من احد .
واستمر هذا الغطاء حتى فترة قريبة جدا سامحا للنظام بالتحول إلى قوة إقليمية على جثث السوريين واللبنانيين والفلسطينيين , وليسمح له بالاستمرار في جمع الأوراق الإقليمية للمقايضة بها في تركيا والعراق ولبنان وفلسطين وليحول بسياساته لبنان إلى بقعة أمنية ملحقة بسوريا وورقة قوة في يدها من خلال بناء نظام امني ملحق بسوريا هدد النسيج الاجتماعي اللبناني وقمع وسجن واغتال ودمر لبنان اقتصاديا .
واعتقد ان الغطاء الأمريكي لم يرفع كليا عن النظام أبدا , كل ما هنالك انه قد تزحزح قليلا وكان ذلك نتيجة العدد الكبير من الأخطاء الفادحة التي وقع النظام السوري فيها نتيجة سوء قراءته للمتغيرات الدولية وحساباته الخاطئة وكان الثمن زحزحة الغطاء كما أسلفنا وتجلى هذا خلال العام والنصف المنصرم بسلسلة من القرارات الدولية والضغوط والتهديدات , ولكن لم تدّع ان أمريكا أو أي طرف غربي حتى الآن أنها بصدد تغيير النظام لتتوافق مع تسريبات عديدة تقول ان أمريكا ربما تكون بصدد صفقة مرحلية تكتيكية مع النظام على خلفية المأزق الأمريكي في العراق تستفيد من علاقات ونفوذ النظام السوري في العراق وعلى خلفية الأزمة النووية الإيرانية, فالنظام السوري أعاد توطيد تحالفه مع إيران كرد فعل على سياسة أمريكا تجاه النظام لاستخدامها كورقة للمقايضة ولذلك فان أمريكا قد تكون مضطرة بالإضافة إلى الموضوع العراقي إلى ان تحاول فك الارتباط السوري الإيراني وهذا بالطبع له ثمنه لذلك ربما تكون أمريكا أميل إلى التهدئة مع النظام على الأقل بانتظار الحسم في الموضوع الإيراني , لابأس من التذكير بكل ما سبق لكل الحالمين ليلا نهارا بعاصفة أمريكية تقتلع النظام من أساسه .
وعلى فرضان الموضوع الإيراني تم حسمه ورفعت أمريكا الغطاء عن النظام وماذا بعد ؟ قد يستمر النظام سنوات طويلة , ألم يصمد نظام صدام حسين رغم أقسى أنواع الحصار 13 سنة إذا ما المطلوب في هذه الحالة ... تدخل عسكري أمريكي ؟ ألن يكون عندئذ كمن يهرب من (تحت الدلف لتحت المزراب) هل من المعقول ان نستبدل نير الاستبداد بنير الاحتلال ؟ وهل يفترض كثير من الحالمين بالتدخل العسكري الأمريكي كحل وحيد يقلب الأمور بين عشية وضحاها دون تعب وخصوصا بعد الوضوح الفاقع للنموذج العراقي , هل يفترضون ان المارينز في حال أتوا سيزيلون النظام ويضعون رجاله في السجن ثم يتجولون قليلا في الشوارع يداعبون الأطفال ويرشقون المارة بالزهور ثم يرحلون مودعين بالابتسامات والزغاريد ؟
هل من المعقول ان يقول البعض فليأتي الاحتلال سيخلصنا من النظام ثم بعد ذلك نرى ماذا سنفعل ؟ وهل الوطن يتحمل ان يكون مختبر لهكذا نظريات ؟ وهل المجتمع السوري الذي تسببت عقود القمع والاستبداد الطويلة بتمزيق نسيجه الاجتماعي ووحدته الوطنية لصالح استقطاب طائفي وعرقي حاد , هل يتحمل تجربة الاحتلال ؟
تساؤلات كثيرة برسم الإجابة من قبل تيار العامل الخارجي الذين لا أشك أبدا بوطنية الكثيرين منهم .
اعتقد بأن الأجدر بقوى المعارضة في سوريا أحزاب وأفراد الالتفاف حول مشروع وطني مشترك من اجل التغيير ووضع الاستراتيجيات المناسبة للتمدد أفقيا وعموديا , وإعادة صلتها بجماهير الشعب صاحبة المصلحة الحقيقية في التغيير وأداة الفعل الوحيدة , سيتطلب الأمر بالتأكيد وقتا طويلا ولكن التغيير سيأتي حتما , لأن نضج الظروف الموضوعية وازدياد وعي الجماهير وإدراكها لمصالحها الحقيقية سيفرض التغيير بشكل طبيعي ولكنه سيأتي هذه المرة على يد أصحاب المصلحة الحقيقية فيه وليس بندقية المارينز .
ياسر محمد
5-6-2006





#ياسر_محمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ( من يستحق التعاطف أكثر الفلسطينيين أم نحن ( نعوات عربية
- جبهة الخلاص رصاصة الرحمة للمعارضة الوطنية أم بداية السيل


المزيد.....




- كيف يؤثر اسمك على شخصيتك؟
- بعد العثور على جثته.. إسرائيل تندد بمقتل حاخام في الإمارات
- حائزون على نوبل للآداب يطالبون بالإفراج الفوري عن الكاتب بوع ...
- البرهان يزور سنار ومنظمات دولية تحذر من خطورة الأزمة الإنسان ...
- أكسيوس: ترامب يوشك أن يصبح المفاوض الرئيسي لحرب غزة
- مقتل طفلة وإصابة 6 مدنيين بقصف قوات النظام لريف إدلب
- أصوات من غزة.. الشتاء ينذر بفصل أشد قسوة في المأساة الإنساني ...
- تحقيق لأسوشيتد برس: حملة قمع إسرائيلية ضد الفلسطينيين المقيم ...
- خبير فرنسي: هذه هي الإدارة الأكثر معاداة للفلسطينيين في التا ...
- واشنطن بوست: معاد للإسلام يعود للبيت الأبيض


المزيد.....

- مَوْقِع الحِوَار المُتَمَدِّن مُهَدَّد 2/3 / عبد الرحمان النوضة
- الفساد السياسي والأداء الإداري : دراسة في جدلية العلاقة / سالم سليمان
- تحليل عددى عن الحوار المتمدن في عامه الثاني / عصام البغدادي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اراء في عمل وتوجهات مؤسسة الحوار المتمدن - ياسر محمد - الحلم بالتغيير على الطريقة الأمريكية هل ينتهي بكابوس