|
بين الإيديولوجية ولأدلجة يتجسد التضليل:.....4
محمد الحنفي
الحوار المتمدن-العدد: 1663 - 2006 / 9 / 4 - 10:22
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
9) وتمييز الدين عن أدلجة الدين، لا تتجسد على أرض الواقع إلا باستحضار ضرورة التمييز بين التراث الديني التاريخي، وبين الأدلجة التي تستهدف ذاك التراث، لإعطاء الشرعية لممارسات مؤدلجي الدين في أية مرحلة تاريخية معينة. وإن أول شيء يجب الوقوف عنده: هو ضرورة التمييز بين الثابت، والمتحول في الدين، أي دين.
فالثابت في الدين، أي دين هو الإيمان المطلق به، وبالقوة التي وقفت، وتقف وراء وجوده، وبالقيم التي حملها ذلك الدين إلى البشرية، وبالممارسة الطقوسية المعبرة.
والمتحول هم البشر الذين يؤمنون بالدين، أي دين، والذين يختلفون من زمن إلى زمن، ومن مكان إلى مكان، وتختلف شروط وجودهم الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، مما يؤدي إلى اختلاف فهمهم للدين.
وضرورة اختلاف الفهم ناتجة عن اختلاف الشروط الذاتية، والموضوعية، التي يخضع إليها المومن بدين معين. وهذا الاختلاف الذي ينتج لنا أدبيات دينية ترتبط بالزمن، وبالمكان، هي التي نسميها بالتراث الديني، لأن من حق كل مؤمن بدين معين، أن يمتلك فهمه الخاص بما يؤمن به، ومن حقه أن يعمم فهمه الخاص، لدينه، على جميع الناس، سعيا إلى إحداث تفاعل بين الأفهام المختلفة، والمتنوعة، لنسج قاسم مشترك بين الناس جميعا، في فهم جماعي لدين معين، في مكان معين، وفي مرحلة تاريخية معينة. وذلك الفهم الجماعي، هو الذي يحقق وحدة العقيدة التي تتحول إلى قوة مادية معينة. وهذه القوة هي التي تساعد على قيام الكادحين بدور معين، في مرحلة تاريخية معينة، وهذا الدور تلعب فيه وحدة العقيدة دورا مساعدا، بعيدا عن الإيديولوجية، التي لها علاقة بالمصالح الطبقية.
وما دام التراث الديني يرتبط بما تراكم لدى الشعوب المعتقدة بدين معين، فإن ذلك التراث يجب أن يبقى بعيدا عن الاستغلال الإيديولوجي، الذي ينطلق منه لجعله مفهوما فهما مطلقا صالحا للتطبيق في كل زمان، وفي كل مكان. والإطلاقية التي تعتمد في التعامل مع فهم معين، لدين معين، في مرحلة تاريخية معينة، هي التي تؤدي إلى تحويل ذلك الفهم إلى مقدس. ليصير معبودا، ومعبرا، بذلك التقديس، عن إيديولوجية دينية معينة، يلجأ في إطارها المؤدلجون إلى جعل ذلك الفهم معبرا عن مصالحهم الطبقية. ومن أجل إعطاء الشرعية لأدلجتهم للدين. لأن العمل على تكريس إطلاقية فهم دين معين، هو نفسه العمل على تقديس ذلك الفهم، وهو نفسه الممارسة الإيديولوجية التي تستهدف توظيف التراث الديني لخدمة المصالح الطبقية، كما هو الشأن بالنسبة للفهم الذي تكون عند المسلمين في مرحلة الخلفاء الراشدين، الذي تحول إلى فهم مطلق، يعمل مؤدلجو الدين الإسلامي على اعتماده لاعطاء الشرعية لممارستهم الإيديولوجية، والسياسية.
ومعلوم أن أي تقديس، في الدين الإسلامي، يستهدف تقديس غير الله، حتى وإن تعلق الأمر بتقديس فهم المسلمين للدين الإسلامي في عصر الخلفاء الراشدين، يعتبر تحريفا للدين الإسلامي.
ومؤدلجو الدين الإسلامي يسعون إلى تقديس فهم معين، يرونه مؤديا إلى خدمة مصالحهم الطبقية، ومكرسا لتقديسهم على أرض الواقع، و لتقديس فهمهم، ولتقديس تنظيماتهم، ولتقديس زعاماتهم. وهو ما يؤدي بالضرورة إلى تعدد المقدس، وتعدد المقدس لا يمكن اعتباره إلا شركا بالله، والشرك بالله، من وجهة النظر الإسلامية الحقيقية، يعتبر طامة كبرى، كما جاء في القرءان الكريم: " إن الله لا يغفر أن يشرك به و يغفر ما دون ذلك لمن يشاء".
وتقديس مؤدلجي الدين لتراث معين، في مرحلة تاريخية معينة، يدخل بدوره في إطار المتحول، لأنه يرتبط بدوره بمرحلة تاريخية معينة، قد تصير بدورها في ذمة التاريخ.
ولذلك، فالتمييز بين الدين، وبين التراث الديني، يعتبر ضرورة آنية، ومستقبلية، وتاريخية، في نفس الوقت، حتى نستطيع حماية الدين من أسر الأدلجة، وحتى يكون فهمنا للدين من منطلق ما نعيشه، نحن، من شروط ذاتية، وموضوعية، حتى نستطيع صياغة القيم الدينية المناسبة لنا، وحتى لا ننسلخ عن واقعنا، ونعيش في ذمة التاريخ. ونعتمد ذلك التاريخ في نفي حركة الواقع، الذي نسعى إلى قولبته، وفق ما يقتضيه الفهم التاريخي للدين، الذي يتخذ طابع الإطلاقية، مما يؤدي، بالضرورة، إلى تنميط الواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والمدني، والسياسي، في إطار ما يسميه مؤدلجو الدين ب: "الدولة الدينية"، التي ليست إلا دولة مؤدلجي الدين، التي تشرف على فرض تحريف الدين، من خلال شرعنة تنميط مظاهر الحياة المختلفة، مما يتناقض مع الدين نفسه؛ لأن الانسلاخ عن الواقع هو بداية الانحراف عن المسار التاريخي، في اتجاه اللا تاريخ. لجعل المطلق مقياس الوجود، والعدم، بدل النسبي، الذي يقود إلى تكريس المعرفة العلمية للواقع، التي تقتضي ضرورة التمييز المعرفي، والعلمي، بين الدين كعقيدة، وكإيمان، وبين التراث الديني كفهم مختلف، من زمن إلى زمن آخر، ومن مكان إلى مكان آخر.
10) فهل يمكن أن يتكرس الوضوح الإيديولوجي انطلاقا من الفصل بين الدين، والتراث الديني؟
إن الدين، مهما كان، وكيفما كان مغرقا في القدم، لا يتجاوز أن يكون اعتقادا بوجود قوة خارقة، يعتبرها المعتقد مصدر وجود هذا الكون، ومصدر التحولات التي يعرفها. وهذه القوة مطلقة، وغيبية، تستوجب الخضوع لها. والإيمان بقدرتها على كل شيء، مما يستوجب عبادتها طبقا لطقوس معينة، تتحدد حسب طبيعة الدين، من أجل الفوز برضى المعبود في الحياة الأخرى.
أما التراث الديني، فهو ذلك التراكم الهائل، الناتج عن فهم معين، في مكان معين، وفي زمن معين، و انطلاقا من شروط ذاتية، وموضوعية معينة، ليست ملزمة في تحقق لإيمان بدين معين، بقدر ما هي مساعدة على فهم نصوصه، ما لم تتأدلج، فإنها تصير معرقلة للفهم الصحيح للنصوص الدينية.
وعملية الفصل بين التراث الديني، والتراث المؤدلج للدين، تعتبر مسألة ضرورية، حتى نستطيع التمييز بين الفهم الصحيح للنصوص الدينية، وبين الفهم المؤدلج للدين، وحتى نستطيع كذلك التمييز بين الدين، وبين أدلجة الدين.
فالتراث الديني: هو محاولة فهم النصوص الدينية، بتوظيف آليات معنية، تقتضيها طبيعة تلك النصوص في كل مرحلة من مراحل تاريخ التراث الديني، بعيدا عن السعي إلى تحقيق مصلحة معينة، إيديولوجية، كانت، أو سياسية.
أما التراث المؤدلج للدين: فهو عبارة عن تراكم عمليات تأويل النصوص الدينية، في مختلف الأمكنة، والأزمنة، انطلاقا من مصلحة طبقية معينة، عن وعي، أو عن غير وعي، لخدمة مصلحة طبقية معينة، وسعيا إلى حماية تلك المصلحة في مكان معين، وفي زمن معين.
وهذا الفصل بين الدين، وبين التراث الديني من جهة، وبين التراث الديني، والتراث المؤدلج للدين، يعتبر مسألة منهجية، وضرورية، لحماية الدين من جهة، ولاعتماد التراث الديني من جهة أخرى، في فهم النصوص الدينية، للعمل على جعل المومنين بدين معين، يدركون خطورة أدلجة الدين، وما سببته من كوارث إنسانية على مر العصور، بسبب ما يعرف بالصراع الديني / الديني، إذا اختلفت الأديان، أو بالصراع المذهبي / المذهبي، في إطار الدين الواحد.
وبالفصل بين الدين، وبين التراث الديني، وبين التراث الديني، والتراث المؤدلج للدين، يصير الدين منعتقا من أسر الإيديولوجية، التي تتحدد هويتها، تبعا لتحدد هوية الطبقات الاجتماعية المتصارعة على أرض الواقع، لأن كل طبقة لها مصالحها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، ولها أفكار تخصها، تعتمدها في حماية مصالحها الطبقية، وتلك الأفكار التي لا تكون إلا معبرة عن مصالح طبقية معينة، هي التي تساهم في بناء منظومة فكرية معينة، تكون مهمتها حماية المصالح الطبقية، هي التي تسمى بالإيديولوجية، التي لا تكون إلا واضحة.
ولذلك، فالوضوح الإيديولوجي، يجب أن يبقى بعيدا عن توظيف الدين، وعن توظيف التراث الديني؛ لأن ذلك التوظيف، هو عين التضليل، الذي مورس في عصور مختلفة، وفي جميع الأديان، ولازال يمارس إلى يومنا هذا.
11) فهل نكون قد وفينا بالمراد من توضيح ما معنى التمييز بين الدين، الذي لا يكون إلا لله، وبين أدلجة الدين، التي هي من فعل البشر، الذين لا يتصرفون إلا انطلاقا من مصلحة معينة. والمصلحة، حتى وإن كانت فردية، فإن مسوغها لا يكون إلا طبقيا؟
إن السيد هاشم الخالدي الذي نرجو أن يعيد قراءة مقالتنا السابقة " بين الدين و أدلجة الدين مسافة التضليل" المنشورة على موقعنا الفردي في الحوار المتمدن، وبإمعان كامل، نرجو كذلك أن يقرأ، وبإمعان، هذه المقالة، من أجل استيعاب الخلفية التي تحكمنا من وراء دعوتنا إلى ضرورة التمييز بين الدين، وبين أدلجة الدين بصفة عامة، ومن أجل المساهمة في النقاش الدائر، والواسع، لظاهرة أدلجة الدين الإسلامي بصفة خاصة؛ مما جعل تلك الأدلجة تقف وراء هذه الكوارث العظيمة، الناجمة عن تلك الادلجة، التي أساءت إلى الدين الإسلامي بالخصوص، الذي تحول، بسبب تلك الأدلجة من دين للسلام، إلى دين للإرهاب، على جميع المستويات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، و السياسية.
والذي يهمني، هنا، ليس هو الفصل بين الدين، وأدلجة الدين، من خلال التمييز بين الدين، والتراث الديني، ومن خلال التمييز، كذلك، بين التراث الديني، والتراث المؤدلج للدين. لأن تلك المهمة، ليست مهمة شخص واحد فقط، بل هي مهمة المجتمع برمته. إن الذي يهمني: هو التوضيح، من وجهة نظر معينة، باعتماد منهج معين في التحليل، وفي التفكير، من أجل الوصول إلى خلاصات معينة، تكون منطلقا لإثراء النقاش في هذا الاتجاه.
فهل نكون قد أصبنا من خلال ما أتينا على ذكره في هذه المعالجة؟
وهل نكون قد وفينا لفكرة ضرورة الفصل بين الدين، وأدلجة الدين؟
وهل نكون قد ساهمنا في ترسيخ فكر معين، يقف وراء إنتاج ممارسة معينة، تسعى إلى التمييز بين الدين، وأدلجة الدين؟
أم أن هذا الركام، الهائل، الذي هيمن على الأذهان، شكل جبالا عظيمة من أدلجة الدين، التي تحولت، بفعل السيادة، إلى دين لا يمكن تجاوزه، وتبديله؟
إننا عندما طرحنا، ولازلنا نطرح، قضية أدلجة الدين للنقاش، فلأننا نحرص على سلامة الدين من الاستغلال الإيديولوجي، والسياسي، كما نحرص على أن يبقى الله بعيدا عن الصراع الذي يدور بين البشر، والذي لا يكون إلا طبقيا، وخاصة في المجتمعات التي تعتنق الدين الإسلامي. وحرصنا هذا ناجم عن غيرتنا على ديننا، الذي صار وسيلة الاستغلال الهمجي للكادحين، وعن غيرتنا على المسلمين المضللين بأدلجة الدين الإسلامي، الذين لا يستطيعون مغادرة التخلف.
فهل يفهم السيد هاشم الخالدي ماذا نقصد؟
#محمد_الحنفي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بين الإيديولوجية ولأدلجة يتجسد التضليل:.....3
-
بين الإيديولوجية والأدلجة يتجسد التضليل:.....2
-
بين الإيديولوجية ولأدلجة يتجسد التضليل:.....1
-
استغلال الملك العام وسيلة ناجعة لتحقيق التسلق الطبقي ...؟ !!
...
-
استغلال الملك العام وسيلة ناجعة لتحقيق التسلق الطبقي ...؟ !!
...
-
استغلال الملك العام وسيلة ناجعة لتحقيق التسلق الطبقي ...؟ !!
...
-
استغلال الملك العام وسيلة ناجعة لتحقيق التسلق الطبقي ...؟ !!
...
-
استغلال الملك العام وسيلة ناجعة لتحقيق التسلق الطبقي ...؟ !!
...
-
استغلال الملك العام وسيلة ناجعة لتحقيق التسلق الطبقي ...؟ !!
...
-
استغلال الملك العام وسيلة ناجعة لتحقيق التسلق الطبقي ...؟ !!
...
-
استغلال الملك العام وسيلة ناجعة لتحقيق التسلق الطبقي ...؟ !!
...
-
استغلال الملك العام وسيلة ناجعة لتحقيق التسلق الطبقي ...؟ !!
...
-
استغلال الملك العام وسيلة ناجعة لتحقيق التسلق الطبقي ...؟ !!
...
-
استغلال الملك العام وسيلة ناجعة لتحقيق التسلق الطبقي ...؟ !!
...
-
استغلال الملك العام وسيلة ناجعة لتحقيق التسلق الطبقي ...؟ !!
...
-
استغلال الملك العام وسيلة ناجعة لتحقيق التسلق الطبقي ...؟ !!
...
-
استغلال الملك العام وسيلة ناجعة لتحقيق التسلق الطبقي ...؟ !!
...
-
استغلال الملك العام وسيلة ناجعة لتحقيق التسلق الطبقي ...؟ !!
...
-
استغلال الملك العام وسيلة ناجعة لتحقيق التسلق الطبقي ...؟ !!
...
-
استغلال الملك العام وسيلة ناجعة لتحقيق التسلق الطبقي ...؟ !!
...
المزيد.....
-
الجهاد الاسلامي: ننعى قادة القسام الشهداء ونؤكد ثباتنا معا ب
...
-
المغرب: إحباط مخطط إرهابي لتنظيم -الدولة الإسلامية- استهدف -
...
-
حركة الجهاد الاسلامي: استشهاد القادة في الميدان اعطى دفعا قو
...
-
الجهاد الاسلامي: استشهاد القادة بالميدان اجبر العدو على التر
...
-
أختري للعالم: هدف الصهاينة والأميركان إقصاء المقاومة الإسلام
...
-
اسعدي أطفالك بكل جديد.. ضبط تردد قناة طيور الجنة بيبي 2025 ع
...
-
شاهد: لحظة إطلاق سراح الأسيرة الإسرائيلية أربيل يهود وتسليمه
...
-
تسليم الأسيرة الإسرائيلية أربيل يهود للصليب الأحمر في خان يو
...
-
تردد قناة طيور الجنة الجديد على القمر الصناعي النايل سات وال
...
-
مستعمرون يقطعون أشجار زيتون غرب سلفيت
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|