|
الليبرالية الحنبلية لحزب الغد
محمد فُتوح
الحوار المتمدن-العدد: 7151 - 2022 / 2 / 1 - 00:57
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
---------------------------------------- كنت حينما يسألنى أحد عن د. أيمن نور مؤسس ورئيس حزب الغد ، كان جوابى دائماً : " أنني حقاً لا أعرفه على وجه التحديد والدقة ". وربما يأتى حرصى على الدقة ، من كونى اشتغلت كثيرا بالبحوث العلمية الأكاديمية ، والتى من مزاياها التى نتعلمها ، توخى الحذر فى الحكم ، ومحاولة رؤية الأبعاد المختلفة للصورة ، قبل الإدلاء برأى حاسم أو حكم واثق . بالاضافة الى ذلك ، فاننى أتمتع باستعداد فطرى للدقة ، وتركيب التفاصيل مع بعضها البعض . لكننى بعد متابعتى لتصور د. أيمن نور للمستقبل فى مصر ، " الغد " ، وذلك من خلال حملته الانتخابية ، أستطيع أن أقول رأيى بدرجة كبيرة من الثقة ، وهى ثقة استقيتها من كلامه هو شخصياً ، وليست مجرد تكهنات أو استنتاجات من الفراغ. لقد دهشت ، بل وصدمت من وصفه لحزب الغد الذى أسسه ورأسه ، ومنه يرشح نفسه لرئاسة مصر " الغد " .. قال د. أنور نور : " نحن إذا جئنا إلى الرئاسة وإلى الحكم فإننا لن ننتقم من أحد ، ولن نعلق المشانق لأحد ، ولن نقطع الرقاب ، فليس لدينا وقت للانتقام. نحن حزب الليبرالية الأزهرية المستمدة من الأزهر الشريف ، نضع عمامة ابن حنبل على رؤسنا .. القرآن دستورنا على اليمين ، والقوانين على اليسار". إننى أتذكر أن د. أيمن قبل ترشيحات الرئاسة ،وقبل تعديل المادة 76 من الدستور ، وقبل حملاته الانتخابية ، كان يقول كلاماً مناقضاً لتصوره الانتخابى الذى يردده اليوم لكسب الأصوات ، وأتذكر مثلاً أنه كان يتفوه بعبارات مثل : " الدين لله والوطن للجميع " أو " مصر الغد دولة مدنية " ، " فصل الدين عن الدولة " ، " عدم تسييس الدين " ، "انتقادات ليبرالية لخطورة تسييس الإسلام " .. أشياء مماثلة ، كلها تصب فى خطاب الدولة المدنية الليبرالية الحديثة العصرية المنفتحة. ثم جاء خطابه فى الحملة الانتخابية للرئاسة ، خطاباً لا يأتى إلا من أصحاب المرجعيات الدينية ، بل من أكثر أصحاب المرجعيات الدينية تزمتاً وتشدداً ، وهو " ابن حنبل " ، حيث نعلم كلنا أن هناك مرجعيات دينية إسلامية أقل تزمتاً وتشددا. ودعونى أعلق بدءاً على نبرة الخطاب " الأيمنى النورى " : " لن ننتقم .. لن نعلق المشانق .. لن نقطع الرقاب " ، ما هذه النبرة الإرهابية ، ما هذا التخويف المستتر فى كلمات النفى ؟ ، " انتقام " و " مشانق " و " رقاب " ، إنها لغة التيارات الإرهابية المنافقة ، التى تريد أن تخفى رغباتها الحقيقية ، ولكن بلغة مكشوفة تفضح أكثر مما تستر. ثم ما معنى " الليبرالية الأزهرية " ؟ . إن المصطلح لا وجود له فى جميع المراجع السياسية ، إنه مصطلح اخترعه حزب الغد ليكسب به أصوات المتأسلمين وأنصار خلط أوراق الدين ، ومَنّ يمثلون الإسلام ومؤسساته الدينية " الأزهر" ، وكذلك أصحاب التمهيد لخلق دولة دينية دستورها هو القرآن. لا أعتقد أن واحداً من جماعة الإخوان المسلمين المحظورة ، كان سيتكلم بمرجعية دينية إسلامية أكثر من كلامك يا د. أيمن ، هل أنت " إخوانجى " فى هذه المرحلة ، أكثر من الإخوان أنفسهم ؟ ، أو إسلامى دينى أكثر من ورثة الخمينى ؟ . والأهم والأكثر خطورة من كل هذا ، لماذا اخترت " ابن حنبل " كثر الأئمة تزمتاً ؟. قد يقول البعض أن كلام د. أيمن نور فى حملته الانتخابية يتسق مع " لعبة السياسة " التى لا تعرف المبادىء الأخلاقية ، ولكن يحكمها شعار " اللى تكسب به العب به " ، والمعيار هو " الغاية " ، أى الوصول إلى الحكم وكرسى الرئاسة بأى ثمن وأى تحالف ، وبالتالى فهو ينهج الدرب السياسى المعروف والمشروع فى لعبة السيطرة والحكم وهو التحالف مع أى أحد ، حتى ولو الشيطان نفسه ، لو كان معنى ذلك الفوز فى معركته. أرد بالقول أن التحالفات المؤقتة فى عالم السياسة معروفة ، وتمارس فى كل بلاد العالم ، وأن المبدأ الميكيافيلى " الغاية تبرر الوسيلة " سائد فى العمل السياسى عن أى مجال آخر . ولكن فى رأيى أن التحالف مع الشيطان ، أكثر أماناً وأكثر سلامة وأكثر فائدة من التحالف مع التيارات الدينية والجماعات المنظمة ، والإخوان المسلمين المحظورين ، فالشيطان قد يحرض النفوس الضعيفة المستهترة ، مترهلة الضمائر بارتكاب بعض الخطايا ، لكن الشيطان لا يستهدف " الخطر الأكبر" وهو قيام الدول الدينية وزرع ألغام التفرقة الدينية والعمل على سيادة مرجعية دينية محددة ، هذا إذا لم تكن التيارات المتأسلمة والجماعات الدينية قد اشتغلت على " الشيطان " نفسه وغيرت طبيعته وأهدافه ، وأسمته " الشيطان الإسلامى " مقابل " الشيطان الكافر " ، أو " الشيطان المرتد " أو " الشيطان العلمانى " أو " الشيطان المستورد من الغرب ". للدكتور" أيمن نور" فى حملته الانتخابية أن يضع برنامجه الانتخابى كما يريد ، وأن يعمل تحالفاته كما يريد . لكننا نقول أن الارتداد بمصر باستخدام الدين ومغازلة أنصار الدولة الدينية ، إلى حد اختراع شئ اسمه طريق "الليبرالية الأزهرية " المزعومة ، وعمل القرآن هو الدستور ، فهذا ضد كل انجازات مصر الحضارية ، وتمهيد لعصر يلعب بالنار ، ولى للمصطلحات والحقائق السياسية ، وضحك على عقولنا واستهتار بطموحات المصريين المتعطشين لعهد يوحدهم لا يفرقهم ، يجمعهم ليقويهم وليس يشتتهم ، وأخطر تفرقة وأبشع تشتيت هو الملتحف بعباءات الدين. لقد صرح د. أيمن أن حكومة الظل الائتلافية التى كونها هى " مصر الغد " . وأنا أقول له ، لتبق حكومتك فى الظل د. نور ، ولا نريد لحكومتك أن ترى النور . إننى كمصرى أرى أن تقدم وطنى مرهون بعدم اللعب على الأديان ، بل بفصل الدين عن الدولة وإعلاء شعار " الدين لله والوطن للجميع ". من كتاب " الشيوخ المودرن وصناعة التطرف الدينى " 2002 -------------------------------------
#محمد_فُتوح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قانون نقل الأعضاء من الموتى .. لماذا لا يصدر ؟؟
-
كونداليزا رايس ..... أليست امرأة ؟!
-
تأملات فى مفهوم الجمال ( 5 )
-
تأملات فى مفهوم الجمال ( 4 ) الجمال فى الفكر الاسلامى
-
تأملات فى مفهوم الجمال ( 3 )
-
تأملات فى مفهوم الجمال ( 2 )
-
تأملات فى مفهوم - الجمال - ( 1 )
-
النيولوك للاخوان المسلمين .... الجهاد على أنغام الموسيقى الش
...
-
وظيفة شكلية - تصحيح صورة الاسلام والمسلمين -
-
العلمانية صمام أمن للمجتمع وشرط للتقدم
-
لولا ثورة 23 يوليو 1952 ما كنت تعلمت
-
امامة المرأة للصلاة ... نساء تستعذبن الصفوف الخلفية
-
الاسلاميون فى تركيا وتعريض المكتسبات العلمانية للخطر
-
حفيدات حسن البنا
-
الشيوخ المودرن وصناعة التطرف الدينى
-
الجماعات الاسلامية والصيد فى الماء العكر
-
ثقافة الحجاب والوعى الزائف للمرأة
-
- ثقافة القبح - تفسد حقوق المواطنة
-
متى ندفع الثمن لنستحق الديمقراطية أو العدالة أو الحرية ؟؟
-
مروجو الفتاوى واحتلال الاسلام الشكلى الخليجى والأفغانى لمسلم
...
المزيد.....
-
حركة الجهاد الاسلامي: ندين المجزرة الوحشية التي ارتكبها العد
...
-
البوندستاغ يوافق على طلب المعارضة المسيحية حول تشديد سياسة ا
...
-
تردد قناة طيور الجنة على القمر الصناعي 2024 لضحك الأطفال
-
شولتس يحذر من ائتلاف حكومي بين التحالف المسيحي وحزب -البديل-
...
-
أبو عبيدة: الإفراج عن المحتجزة أربال يهود غدا
-
مكتب نتنياهو يعلن أسماء رهائن سيُطلق سراحهم من غزة الخميس..
...
-
ابو عبيدة: قررت القسام الافراج غدا عن الاسرى اربيل يهود وبير
...
-
المجلس المركزي لليهود في ألمانيا يوجه رسالة تحذير إلى 103 من
...
-
ترامب سيرحل الأجانب المناهضين لليهود
-
الكنيست يصدق بالقراءة الأولى على مشروع قانون يسمح لليهود بتس
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|