|
لماذا يخافون من فيلم؟
حميدة العربي
الحوار المتمدن-العدد: 7150 - 2022 / 1 / 31 - 22:19
المحور:
المجتمع المدني
الإنسان الذي يبني بيته بأساسات هشة وغير متماسكة يبقى، دائماً، قلقاً ومتوتراً وحذراً بحساسية عالية، يراقب الطقس والانواء دون هوادة، ينتابه الخوف أبداً من أية ريح خفيفة قد تهدم ذلك البيت لأنه غير واثق من أساساته. وكذا المجتمع الغير متماسك ذو الأساسات الهشة والغير متينة يهتز وينهار من أية نفخة، في حين المجتمع القوي الأساسات والواثق من بنائه لا تهمه العواصف ولا الزلازل. يعيش حياته واثقاً مطمئناً مهما كانت المتغيرات أو المؤثرات عقدة الناس، عندنا، هي الخوف، الخوف من أي شيء ومن كل شيء، لأنهم غير واثقين من بنائهم وغير واثقين من أنفسهم.. يخاف على ابنائه من أقرب الناس إليه ويخاف من الآخر رغم وجود مشتركات كثيرة بينهم، كل أفراد المجتمع يتوجسون ويخافون من بعضهم البعض.. لا ثقة ولا أمان بينهم، يرفضون الجديد ولا يتقبلون المختلف ويسعون لتغيير الآخر ليكون شبيهاً بهم أو نسخة ثانية منهم، ومن لا يمشي حسب إرادتهم ويفكر مثلهم يعتبرونه خصماً ويتخذون منه موقفاً معادياً. من يرى شيئاً لا يعجبه أو لا يتناسب مع قناعاته يطالب بتغييره أو إلغائه أو منعه أو استنكاره او التهجم عليه خوفاً على نفسه وبنيانه من التأثر، لأنه يعرف نفسه ضعيفاً لا يستطيع الصمود، فلو كان واثقاً من صلابة نفسه ويقظة ضميره لسار في طريقه دون وساوس أو تخوف. رغم إن هذا التخوف ليس في صالح الفرد ولا المجتمع لأنه دليل ضعف وفشل. يثورون لمشهد خاطف، موجود مثله في الواقع، ويغمضون أعينهم عن المشاكل والقضايا الأساسية في المجتمع ( السرقة، الرشوة، العنف، الاغتصاب، الغش، التزوير، التحرش، الفقر، الجهل.. وغيرها الكثير) ينشغلون، بكل حماس وإصرار في أمور ثانوية ( فيلم أو مسلسل، موضة جديدة، خصلة شعر منفلتة على جبين فتاة، صورة لإعلان ترويجي في الشارع.. الخ) لاعتقادهم إن هذه الأشياء هي التي ستزلزل بنائهم لإنهم غير واثقين منه وممكن أن ينهار من أبسط الأشياء. دون أن يتوقفوا مع أنفسهم ويتساءلوا، هل البنيان هش وضعيف الى هذا الحد الذي يجعله يتهاوى بسبب فيلم أو مسلسل؟ هل الخوف الدائم من أي شيء سيجعل المجتمع محصناً فعلاً؟ وهل عقلية المنع هي الحل الأمثل لمواجهة تسونامي الحداثة؟ التجارب التاريخية تؤكد عكس هذا تماماً. فيلم ( أصدقاء ولا أعز ) واحد من الأفلام التي كشفت بعض الحقائق الموجودة أصلاً في كل المجتمعات لكن الناس لا يريدون رؤيتها معروضة أمامهم ولا يتقبلون من يذكّرهم بها، مجرد الإشارة إليها سيذكّرهم بفشلهم في كل ما عملوه واعتقدوا إنه صحيح وسليم.. وخيبتهم من إن البناء ليس صلباً كما يتمنون ( كالأب الذي يربي ابنه ويعلمه ثم يكتشف إنه فاشل وعاق فيبدأ بتعنيف أمه ولوم المدرسة) ومن صدمتهم أفرغوا غيظهم وغضبهم في شخص الممثلة، وهي أضعف الحلقات في هذا الأمر ( مثل الذي يلعن الريح لأنها هزت ستائر بيته وكشفت ما خلفها ). دعك من المشهد الذي استخدموه سلاحاً واهناً ضدها فالمجتمعات تُخفي تحت ستار الكتمان مختلف أنواع المساوئ، والسينما العربية منذ بدايتها امتلأت بمشاهد الإغراء والإيحاءات والقبلات وبدلات الرقص المكشوفة وأزياء البحر، والثياب الشفافة التي تكشف الكثير من التفاصيل لكن لم يهتم أحد ولم يعترض. هل كانت العقلية مختلفة، تعرف إن هذا تمثيل لن يؤثر في المجتمع، والفنان حر في ما يقدم وما يلبس؟ هل كانت الناس واثقة من نفسها ومن تربيتها لأبنائها وتماسك مجتمعها، ولم يسكنها الخوف وعدم الثقة بنفسها وبالآخرين؟ و ـ مع هذا كله ـ عدم وجود وسائل تواصل، كما الآن، والتي توفر الفرصة لكل من هب ودب أن يدلو بدلوه في عملية الشحن والتحريض والانتقاد. حتى إن البعض لم يشاهد الفيلم لكنه تابع ما كتبه الآخرون فأصيب بالعدوى وشارك بالهجوم.. ربما كسباً للإعجابات؟ الأفلام والمسلسلات الاجنبية ايضاً أغلبها مليئة بالمشاهد الجريئة والعري وما شابه؟ يتابعونها بشغف واهتمام ويصفقون لها ويمنحونها جوائز، فقط لأنها لا تشير الى مجتمعهم ( النسخة الأصلية الإيطالية، من فيلم، أصدقاء ولا أعز. عرضت في أكبر مهرجان عربي للسينما عام 2016 وفاز بالجائزة الأولى لأفضل سيناريو، والكل امتدحوه وصفقوا له ولم يعترض أحد.) والمنصة التي عرضت الفيلم منصة أجنبية، مشفرة، يدفعون من أموالهم كذا مبلغ ( اشتراك) لكي يتابعونها وهم يعرفون ماذا تقدم من مواضيع وأكثرها لا يتناسب مع أفكارهم وقناعاتهم.. فلماذا يدفعون لها ويتابعونها؟ هؤلاء الناس ـ الذين يتجاهلون مشاكلهم الأساسية ومعاناتهم الدائمة وقضاياهم الرئيسية ويتناسون ما يستحق الاهتمام فعلاً ـ لو استثمروا هذا الانشغال والجهود المبذولة في التصيد اللامجدي والنقد المؤذي والمتابعة السلبية وراء أجهزة الكومبيوتر ووفروا الأوقات الثمينة والطويلة المستقطعة من حياتهم، ووظفوها في أمور تحسّن واقعهم وتغيّر أوضاعهم وتنمّي أفكارهم، لأصبحوا في مقدمة المجتمعات وأكثرها تطوراً.. لنتذكر إنه لا شيء يعطل حياة الإنسان إلا: قلة الوعي، حيث يتأثر الفرد بما يقال ويُنشر دون تفكير وتساؤل، ما يجعله هدفاً لنوايا الآخرين وفي متناول أهوائهم. كثرة الفراغ، وضياع الوقت في صغائر الأمور التي لا نفع فيها ولاخير ولا تقدم انعدام الهدف في الحياة، يجعله منشغلاً بالآخرين وحشر أنفه في كل صغيرة وكبيرة، حتى تلك التي لا يفهم بها.. مفوتاً الفرصة على نفسه في أن يعيش الحياة ويترك الآخرين بسلام. ودون أن يتذكر إنها.. حياة واحدة لا أكثر.
#حميدة_العربي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الفرح هو الأساس.. والحزن نتيجة طارئة
-
عندما تتحول العُقد الى قوانين
-
شباب اليوم.. هل تعلم؟
-
السندريللا في الساحة
-
ذكريات تحت بند الترويج
-
قصة قصيرة تمتدح العدو
-
انا ضد المرأة
-
الفيس بوك.. والتعري من الداخل
-
المرأة ونظرية ( راحت علينا )
-
السر وراء هوس العرب بفريقي ريال وبرشلونة
-
ثلاثيات الرجل العراقي ( للنساء فقط )
-
من يلحن النشيد الوطني العراقي؟
-
بين ظلم الرجل واستسلام المرأة.. تترسخ التفرقة
-
من هو أول تلفزيون عربي ؟
-
هل توجد صداقة بين الرجل والمرأة ؟
-
المرأة وعيدها
-
هل تتحمل المرأة مسؤولية اضطهادها ؟
-
عراقية
-
ايها المثقفون الاعزاء .... اين نصفكم الثاني ؟
-
المحارة ... قصة قصيرة
المزيد.....
-
لجنة طوارئ تتابع حاجات اللبنانيين النازحين من سوريا
-
اعتقال عصابة تقوم بتنظيم هجرة غير شرعية إلى روسيا
-
الاحتلال يشن حملة اعتقالات ومداهمات ليلية واسعة في الضفة
-
الاحتلال يشن حملة دهم واعتقالات في الضفة الغربية
-
مسئول بحماس: إسرائيل تريد اتفاقا بدون توقيع.. ولم توافق على
...
-
دراسة: إعادة اللاجئين السوريين قد يؤثر سلبا على اقتصاد ألمان
...
-
إيران تُسرع تخصيب اليورانيوم والأمم المتحدة تدعو لإحياء الات
...
-
اعتقال أوزبكستاني يشتبه بتورطه في -اغتيال جنرال روسي بتعليما
...
-
مسئول أمريكي سابق: 100 ألف شخص تعرضوا للإخفاء والتعذيب حتى ا
...
-
تواصل عمليات الإغاثة في مايوت التي دمرها الإعصار -شيدو- وماك
...
المزيد.....
-
أسئلة خيارات متعددة في الاستراتيجية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|