اسكندر أمبروز
الحوار المتمدن-العدد: 7149 - 2022 / 1 / 30 - 18:17
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
أعوذ بالشيطان من الله الرجيم , باسم الشيطان الرحمن الرحيم أمّا بعد , نعلم جميعاً في الأوساط الإلحاديّة واللادينية وحتى التنويرية العلمانيّة أن دجل وهرتلات شيوخ الإسلام (وكغيرهم من رجال أي دين كان) مليئون بالهراء والتخريف , ومن أعلام هذا التخريف الديني في الأوساط البول بعيرية هو الشيخ الCringe راتب النابلسي , وكغيره من الأمثلة المروّجة للعهر الإسلامي يحتلّ راتب النابلسي مكانة كبيرة الى درجة التسليم في كلامه في عقول أمّة لا عدوى.
وما يميّز هذا الشيخ عن غيره هو أسلوبه السخيف , والذي استحوذ به على عقول الملايين نظراً لخلق هالة من التصوّف والكلام المليئ بالهلاوس والفصام المنطقي وحتى الثيولوجي الاسلامي , وسنناقش الآن بعض ما يأتي به هذا المعتوه من سخافات , وسنضعها في ميزاننا نحن كعلمانيين وملحدين , ومن ثم سنضع كلامه في ميزان دينه هو وسنستعرض بعض الردود من داخل النصوص الدينية الداعشية التي تنسف كلامه وحتى تُكفّره.
وراتب النابلسي وغيره من المروّجين للدجل الديني كعمر عبد الكافي أو أمجد قورشة أو عمرو خالد وغيرهم من روّاد هذا التيّار التخريفي , يشكّلون السقطة الأولى على سلّم العقلانيّة لأي مؤمن , ويمثّلون أول غطسة في وحل الرمال المتحرّكة الداعشية التي تستدرج الشباب والشّابات وغيرهم ممن يريد "الإلتزام" بالزفت الاسلامي.
وهؤلاء في رأيي هم بمثابة من يحرث عقول المؤمنين تمهيداً لزراعة الفكر الإرهابي من قبل غيرهم من الحيوانات البرّية السلفيّة , أو حتى إدخالهم هم ذاتهم للسم في الدسم , من خلال الترويج للأصوليّة السلامية "والدين الصحيح" مع الكلام والهلاوس المعسولة الدينية التي تحجّم العقل شيئاً فشيئاً الى أن لا يبقى منه شيء حيث يتم نسفه وتفجيره حرفيّاً في كثير من الحالات التي تتحوّل الى "الدين الصحيح" بفضل تمهيد هؤلاء الحمقى.
وما دفعني حقيقةً لكتابة هذا المقال هو بثّ كنت قد سمعته اليوم صباحاً وأنا متّجه نحو عملي على راديو إسلامي , حيث استوقفني وأنا أُقلّب في قنوات الراديو صوت هذا الدعدوش الذي كنت قد ترعرعت على سماعه منذ الطفولة بحكم شهرة هذا الأخرق في سوريا , ولا أستمع بشكل دوريّ الى شيوخ الدجل وإنما أتصفّح كلامهم الذي حفظته عن ظهر قلب منذ نشأتي والذي نعلمه جميعاً كلا دينيين أو تاركي الإسلام عموماً أيّاً كانت توجّهاتنا , لا لشيء سوى لمعرفة آخر الأكاذيب التي يختلقونها لترقيع دينهم المُمزّق.
وفي هذا "الدرس" الديني الذي كان يستفرغه راتب على الناس كان يناقش فيه آية 34 من سورة النساء "الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ..الخ" وطبعاً منذ بداية الكلام الى نهايته لم يذكر الشيخ الآية كاملة التي تقول في نهايتها..."وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا"
فيما يوضّح منذ البداية أسلوب التدليس والدجل المتّبع هنا , ولكن فيما ناقشه الشيخ من الجزء الأوّل للآية لاحظت في كلامه 3 أمور خطيرة...
1- إعادة تفسير الكلام بما يتماشى مع هواه.
حيث فسّر الرجال قوّامون على النساء..الخ. بالآتي "الله فضّل الرجال بإعطائهم القدرات الخاصّة بالإنفاق , وأعطى النساء قدرات مغايرة" وأن "قوّامون متعلّقة بالقيام بالأعمال وقادرون على تأديتها على عكس النساء , وأن المرأة لها واجبات مختلفة وأن الله فضّلها بإعطائها تلك القدرات المغايرة"
وطبعاً هذا ليس اقتباساً حرفيّاً ولكنه فحوى ما قاله بالضبط , وإن لم تلحظوا المشكلة اليكم بعض التحليل...
أولاً تلاعب الدعدوش بمعنى "فضّل" , وحوّر معناها من خلال سياق كلامه الى "إعطاء" أو "مَنْح" , وتعامل مع الكلمة على هذا الأساس , ثانياً لا يوجد شيء في الآية أو التفاسير الصحيحة التي سنراها الآن يدلّ على أن المعنى من الكلام له علاقة بتمايز قدرات الرجال والنساء أو بقدراتهم أصلاً أو بمنحهم تلك القدرات من قبل الإله والذي سمّاه الدعدوش "تفضيلاً".
2- تشتيت الموضوع.
وهو الأسلوب الأكثر شهرة عند هذه الشرذمة البشريّة التي تتخذ من جهل الناس مكسباً للرزق , حيث بعد أن فصّل في تفسيره المريخي الذي لا علاقة له بالآية أصلاً , بدأ بالدخول بالهلاوس التخديريّة والجرعات الأفيونيّة من كلام دينيّ يتعلّق بالحسد ولعن الله للذين يتشبّهون بالجنس الآخر والذي لا ندري لماذا ينزعج اله الكون من هكذا أمر تافه لدرجة لعنه لمن يقوم به , والإخاء بين المسلمين , وما استوقفني من هذا الهراء هو قوله "أن المسلمين يشتركون مع بعضهم في 99% ومع هذا هم متفرّقين , وأن أعداء الإسلام يشتركون مع بعضهم ب5% ومع هذا مجتمعين"
وطبعاً لا ندري من أين جاء شوال البصل هذا بهذه الإحصائيات الرفيعة المستوى التي تنافس مركز بيو للأبحاث والإحصائيات , ولكن على فرض أنها صحيحة أي أن المسلمين يشتركون مع بعضهم ب99% في كل شيء , فهذا أكبر شاهد ضد دين رضاع الكبير , فاختلافهم في 1% فقط ولّد لنا مئات الحروب منذ بدئ الطاعون الإسلامي وحتى اليوم , واختلافهم في ال1% هذه تسبب بخراب أوطان وصراع بين سنّة وشيعة على سبيل المثال لا الحصر , والذي أهلك ويهلك ملايين الشباب والبشر والمدن والبلدان , ناهيكم عن تكفير الطوائف الأخرى ونسف المسلمين لبعضهم البعض ليل نهار حتى داخل الطائفة الواحدة ! فإن كان 1% من الاختلاف في الاسلام كفيل بكل هذا الخراب والفجور , فماذا لو كان الاختلاف أكبر ؟ ولو كان 1% فقط كفيل بكل هذا الاقتتال وسفك الدماء , فهل هذا دين حقّ ؟ أم أداة لصنّاع القرار من سياسيين لتحريك الشعوب كالدمى لخدمة مصلحة الأيديولوجيا والخرافة الدينية ؟
ولو كان الغرب الكافر مجتمعاً رغم اختلافه ب95% بحسب مركز راتب للإحصائيّات , فهذا أكبر شاهد على أن البشريّة ليست بحاجة للفجور الاسلامي , وأنها بألف خير كلّما ابتعدت عن دين رضاع الكبير الذي من المفترض أنه جاء لإصلاح حال الانسانيّة , وطبعاً الرد المعروف لأي أيديولوجيا باطلة هو إمّا نظريّات المؤامرة العائمة المنعدمة البرهان والدليل والمرفوضة تماماً عند أي عاقل , أو عدم تطبيق الأيديولوجيا بشكل صحيح كادعاء الشيوعيين وغيرهم من المدافعين عن أي دين سوائاً أكان ديناً ميتافيزيقيّاً او ماديّاً.
3- نصوص الدين تكذّب النابلسي وأمثاله.
ولو وضعنا كلّ ما سبق جانباً وركّزنا في عته النابلسي وتدليسه مع مقارنته بنصوص دينه ذاتها سنجد العجب...
فلو عدنا للمثال المذكور أوّل المقال المتعلّق بتفسير الآية السقيمة على كيفه , وقارنّا التفاسير المعتمدة والبليغة والصحيحة للآية سنجد كمّاً من التدليس والدجل يفوق دجل المشعوذين والسحرة !
ففي تفسير ابن كثير للآية ذاتها نقرأ...
" ( الرجال قوامون على النساء ) أي : الرجل قيم على المرأة ، أي هو رئيسها وكبيرها والحاكم عليها ومؤدبها إذا اعوجت ( بما فضل الله بعضهم على بعض ) أي : لأن الرجال أفضل من النساء ، والرجل خير من المرأة ولهذا كانت النبوة مختصة بالرجال وكذلك الملك الأعظم لقوله صلى الله عليه وسلم : " لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة " رواه البخاري من حديث عبد الرحمن بن أبي بكرة"
"( وبما أنفقوا من أموالهم ) أي : من المهور والنفقات والكلف التي أوجبها الله عليهم لهن في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، فالرجل أفضل من المرأة في نفسه ، وله الفضل عليها والإفضال ، فناسب أن يكون قيما عليها ، كما قال ] الله [ تعالى : ( وللرجال عليهن درجة ) الآية [ البقرة : 228 ]"
أو في تفسير الطبري...
"فيما يجب عليهن لله ولأنفسهم { بما فضل الله بعضهم على بعض } يعني بما فضل الله به الرجال على أزواجهم من سوقهم إليهن مهورهن , وإنفاقهم عليهن أموالهم , وكفايتهم إياهن مؤنهن. وذلك تفضيل الله تبارك وتعالى إياهن عليهن , ولذلك صاروا قواما عليهن , نافذي الأمر عليهن فيما جعل الله إليهم من أمورهن "
"عن ابن عباس , قوله : { الرجال قوامون على النساء } يعني : أمراء عليها أن تطيعه فيما أمرها الله به من طاعته , وطاعته أن تكون محسنة إلى أهله حافظة لماله وفضله عليها بنفقته وسعيه"
"{ وبما أنفقوا من أموالهم } بما ساقوا من المهر. فتأويل الكلام إذا : الرجال قوامون على نسائهم بتفضيل الله إياهم عليهن وبإنفاقهم عليهن من أموالهم"
فأين كلّ هذا من تفسير راتب ؟
وطبعاً لن أذكر تفسير ما يلي ذلك من آية ضرب المرأة نظراً لمعرفة الجميع بفحوى ورسالة الله التي تمثّل قيئاً فكريّاً وفجوراً دينيّاً ذكوريّاً فاضحاً ناسفاً لإله الإسلام ولوجوده أصلاً.
وهذا في المثال السابق فقط , وإليكم بعض الردود من مواقع اسلاميّة على النابلسي هنا
https://rb.gy/t32flm
والتي لن أقتبس منها هنا من باب الاختصار فقط , مع التنويه الى أن هذه الردود مجرّد غيض من فيض , وكلام السلفيين وغيرهم من أتباع النصوص والإسلام الصحيح كثير جداً في راتب وغيره من الحمقى الذين يضرب بعضهم ببعض ليل نهار تاركين المجال لنا للضحك والاستمتاع في هذه المسرحيّات , وفي النهاية يقول الاختلاف 1% فقط !
أتمنى أن تكون الصورة قد اتضحت ومضمون الرسالة قد وصل ومن يريد إضاعة وقته في هرتلات راتب وأمثاله للرد عليهم له كل الاحترام والتقدير طبعاً ولكن لا أعتقد أن هذا ضروري , فالاكتفاء بالتنويه لتدليس هؤلاء ونزع التصديق الأعمى الذي يحمله أتباعهم تجاههم مع كشف كذبهم ونسف مصداقيتهم المزعومة يكفي , وتوضيح الحقائق ونقد النصوص الدينية بمفهومها الصحيح والحرفي كما فهمها ووضعها صانعوا الاسلام من الأساس هو الأفضل , سوائاً أكان نقداً من داخل النصوص الداعشية عن طريق الفضح وكشف العورات , أو عن باستخدام الطرق الخارجيّة كالعلم والفلسفة والمنطق...الخ , فكلّها وسائل لمحاربة الفكر التضليلي المهمّش للعقل ألا وهو الدين وهالة القداسة السفيهة التي تحيط به وبالمروّجين له.
#اسكندر_أمبروز (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟