سامى لبيب
الحوار المتمدن-العدد: 7148 - 2022 / 1 / 29 - 18:58
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
- لماذا نحن متخلفون (90) .
لازالت سلسلة "لماذا نحن متخلفون" تجد الكثير من مظاهر التخلف والتردي في شتي مناحي حياتنا لتتعامل معها وتفضحها , ليكون القاسم المشترك لهذا التخلف هو حضور وإجترار ثقافتنا الإسلامية المتغلغلة في الجينات والنخاع لتخلق دوماً مظاهر وتمظهرات التخلف , ومن هنا تأتي رسالتي بأهمية إصلاح وتجديد منظومتنا الفكرية والثقافية أولاً بما يتناسب مع العصر والحضارة , فهذا الإصلاح والتظوير والتجديد يأتي قبل أى إصلاح سياسي إقتصادي فبدونه نكون كمن يحرث في الماء ,
هذه تأملات أو قل هي توقفات أمام مظاهر تخلفنا وفهمنا المعوج للأمور وتقييمنا الفاسد للأشياء الذي يحركه عواطفنا وأوهامنا الدينية التي تنتج فى النهاية التمرغ فى مستنقع التخلف والتردي .
- بالنسبة لذكري ما يُطلق عليها ثورات الربيع العربي علينا أن نستفيق من وهم وسحر كلمة الثورة التي نولكها فى ألستنا كاللبان , فالثورة تغيير طبقي إجتماعي وما حدث هو انتفاضة غضب وسخط , فلا برنامج أو مشروع تتحرك الجماهير لإنجازه بل غضب وسخط على سائق الأتوبيس لتكون الآمال في إستبدال سائق الأتوبيس , ولتكون الخيبة في عدم وجود سائق بديل فى وعي الجماهير , ولتكون المصيبة الأكبر أن السيارة على حالها من التردي فالعيب فيها قبل السائق , لكن هكذا هو وعينا وحراكنا .. قصة الإعتناء بعزل السائق فقط هو فكر النخب أما الجماهير فهي تتحرك كالقطيع لمن يستطيع أن يصرخ ويقودها .
- الدول العربية والإسلامية لا تعتني بحرية الفكر والتعبير والإعتقاد , وهذا لا يرجع لسطوة أنظمة إستبداديية بل لطبيعة وثقافة الشعوب ذاتها , فمن سيقف في وجهك عندما تعلن عن حرية فكرك وإعتقادك هو المواطن جارك أولا وليس أجهزة قمع الدولة وهذا يرجع لثقافة تغلغلت في الجينات تحتقر وتزدري وتقاوم حرية الفكر والتعبير والإعتقاد .
- هل الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان مطلب جماهيري حيوي أم الخبز وحده يكفي , فكيف تفسر إفتفاد المملكة العربية السعودية على سبيل المثال لأي مظهر من مظاهر الحريات والديمقراطية والحياة السياسية , فلا تجد رفض ولا مقاومة لهذا الوضع البائس لدي السعوديين , فالخبز وحده أولا يكفي لدي شعوبنا ولتنعدم تماما أى مطالبة بالحريات عندما يكون الخبز وفيراً .
- نحن نصيغ الحرية والديمقراطية وفق ثقافتنا الإقصائية البائسة , فها هي العراق تكرر تجربة لبنان الطائفية ليكون الحكم والهيمنة للطائفة الأقوي وليميل المواطن لطائفته قبل الوطن , ليطل سؤال هل يمكن أن تتواجد الديمقراطية والمواطنة فى ظل الطائفية .
- منشأ الطائفية والتعصب الديني المذهبي من حضور الإسلام السياسي الذي يتواجد ويقتات من تحطيم الإنتماءات الأسرية والوطنية فلا إنتماء لأسرة تحمل فكراً مغايراً للنهج الإسلامي ولا إنتماء لوطن ولا وجود للمواطنة مع الكفار والمرتدين ومن هنا يظهر التشرنق والعصبية فلا وجود لمواطنة ووطن جامع , فهل أدركنا الآن خطورة الإسلام السياسي ؟
- نحن شعوب لا تقرأ التاريخ ولا تحلل الواقع فجميع حركات الإسلام السباسي ذات تاريخ طويل من التبعية والعمالة للغرب لتنقذ أجندته في مقاومة وصد الحركات اليسارية والتقدمية والوطنية بل القومية أيضا فهكذا جاؤا بهم ورغماً عن ذلك نعتبر الإسلاميين هم الشرفاء حماة الدين وظل الله على الأرض .
- بماذا تفسر وعي الشعوب التي ترفع الإسلام السياسي لمنصة الحكم فهل هي تثق فى الأحزاب الإسلامية أن تصون الحريات والديمقراطية وهي التى ترفضها فى أيدلوجياتها , وهل تفهم برامج الإسلام السياسي , وهل تعلم شيئا عن الشريعة الإسلامية المراد تطبيقها وفرضها , وهل توجد لهذه الأحزاب الإسلامية برامج تنموية , وماهي توجهات هذه البرامج هل مع الرأسمالية أم الإشتراكية فإذا كانت تنحاز لإحداهما فما هي الإسلامية هنا ؟ ولماذا نبحث عن آذاننا ؟
- يكون حضور السلفية ومنهجها في التأثير على الجماهير من إستحضار وإجترار أقوال السلف لإسقاطها على واقع مغاير , ليطل سؤال لماذا هم حريصون على ذلك لتكون الإجابة السهلة لإفلاسهم وعدم وجود رؤي حداثية للإسلام لديهم , ولتكون الإجابة العميقة هي خلق تابو تقديس السلف والإنبطاح أمامهم بحكم نقاوتهم وطهارتهم الإسلامية , لتبقي المصيبة فى إنبطاح القطيع أمام هذه الرؤية السلفية .
- تتمنهج ذهنية القطيع من الإلحاح على مظاهر بسيطة وإعلاء شأنها لتصير هي القضية الوجودية الأولي كإثارة قضية الحجاب والنقاب واللحية بإعتبارها قضية جوهرية وأن الإنصراف عنها هو تقليل من إسلامك وسبب كل تردي , ومن هنا ينفذ الإسلام السياسي ليمرر بعد ذلك منظومته القهرية كالخلافة والحاكمية والإرهاب فقد تم إستلاب عقلك بمظاهر تم تطويعك عليها .
- تجد الأفكار والأيدلوجيات الشمولية الإستيدادية حضورها وسط الجماهير عندما تتمنهج نحو خلق التمايز والقوقية في نفوس مَسحوقة مُهمشة لتمنحها وجود وقيمة , ومن هنا وجد الإسلام السياسي الحضور بخلق وهم التمايز والقيمة وإسترداد خير أمة أخرجت للناس .
- نحن شعوب غير إنسانية فلا نعتني بالإهنمام بمصائب الآخرين إلا بعد أن نفتش فى هويتهم فإذا كانوا على نفس هويتنا الدينية والعرقية فلهم منا التعاطف أوقل للدقة الإهتمام , وإذا كانوا على هوية ودين وعرق غير ديننا وعرقيتنا فلهم منا الإهمال بل يصل الحال عند البعض بالشماتة وهذا نتاج ثقافة قميئة عفنة تعتبر الإخوة مقصورة على إخوة الدين مع تصاعد فقه الولاء والبراء المتغلغل فى جيناتنا ونخاغنا .
- لدينا غرور وصلف غريب فنحن نعزي مصائب الآخر المغاير لنا فى العقيدة إلى إنتقام الله منهم كونهم كفار يشربون الخمر ويأكلون لحم الخنزير ولديهم حريات جنسية إما مصائبنا وبلاوينا فهي إختبار الله لصبرنا وإيماننا .. هناك فصيل من الأغبياء المتعجرفين المنتمين فى الغالب للفكر السلفي يفسرون تقدم الغرب بأن الله سَخر الغربيين لنا ولا تعليق سوي أننا أمام ثقافة التعجرف والتخلف والفشل التي لا تخجل من تخلفها وهوانها .
- نحن شعوب مهووسة جنسياً ليكون كل إجترارنا من تقنيات الغرب هو إستحضار أباحيته وحريته الجنسية , فإستخدمنا الفيديو لمشاهدة أفلام البورنو وعلقنا الأطباق الهوائية لإلتقاط الأفلام الجنسية , وإستحضرنا الإنترنت لجلب أفلام اليورنو , والطريف أننا نلعن الغرب بعدها !
- لدينا إزدواجية فكرية في الوعي الجمعي فلا يفرق في هذا تنويري عن سلفي لتجعلنا نقرأ التاريخ وفق مزاجنا فنحن ندين الحملات الصليبية التى غزت بلادنا تحت شعار الصليب ونهمل تماما الغزو والحضور الإسلامي لبلادنا تحت شعار الهلال والجهاد , فهل القدس بلاد المسلمين , وهل صار غزو الغزاة المسلمين للأرض إسلامية , ولماذا نهمل بديهية أن الغزوات والحروب والحملات تحركها دوما المطامع والمصالح .. يضاف لإزدواجيتنا أننا ندين ونلعن ونستنكر الغزو الامريكي للعراق ولا ندين أونستنكر الغزو الإسلامي لبلادنا بل نعتبره فتحاً عظيماً !!
- نحمل إزدواجية فكرية وسلوكية لتجدنا نستشاط غضبا عند السخرية ونقد الإسلام ورموزه بينما نحن نملأ الدنيا سخرية وإزدراء لعقائد الآخرين الذين يعبدون البقر ويثلثون الإله , فإذا كان الآخرين لا يتوقفون ولايستاءون من نقدنا وسخريتنا وسبابنا فلماذا نستاء نحن من سخريتهم ؟ فهل يرجع هذا لغرورنا ام هشاشة إيماننا أم أن الدين صار هوية .
- السلفية تكسب دوما .. نحن شعوب تتسم بالنفاق والرياء والتخاذل فتجد حضور للحياة المدنية والتعاطي مع منجزات العصر من قوانين ومنظومات مدنية كتقدير الدمقراطية والفنون ولكن ما أن تُحشر فى حوار لنقدم رأي ورؤية علنية ستجد السلفية تحل فنلعن ونزدري الفنون بإعتبارها مُفسدة وإنحلال لنغازل فى هذا الآراء السلفية طلباً لنيل شهادة الإيمان والتقوي منهم .
- الأديان عموماً والإسلام خاصة بجناحه السياسي يعادي الفنون ويجرمها ويقبحها ويزدريها وهذا لا يأتي من فكر منغلق متعصب بدوي فقط بل من رؤية أن الدين منظومة حرب وقتال ليتم تمجيد الموت بينما الفنون منظومة حياة وتغيير ورقي فلا مكان لها فى منهجية حياة تقوم على الصرامة والقتال , ومن هنا يكون تشبثنا بالفنون هو إنتصار للحياة في مواجهة منظومات القتل والتوحش .
- يتخذ الفكر الديني السياسي نهجاً جديداً بعد إفلاسه وإنحساره فلا يلجأ للتصادم السياسي ورفع شعارات سياسية ليعتني كل الإعتناء بتمهيد الأرض للفكر السلفي وجعلك تتبني مواقفه الإجتماعية والسلوكية حتي ولو لم تكن منتمياً له ومن هنا ستتعاطف وستتبني لاحقاً فكره الإرهابي بإعتباره جهاداً وديناً .
- نحن شعوب أصحاب ثقافة قاسية جاهلة فحتي لو رفعنا رأسنا من دفنها في الرمال فلنا موقف غبي وقاسي كحال تعاملنا مع المثلية والمثليين لنمارس عليهم الإزدراء والتقبيح والقسوة والمطالبة بعزلهم ومحاكمتهم بينما هم نتاج ظروف مادية قاهرة سواء جينات أو حالة إجتماعية وبيئية فرضت وخلقت تلك الحالة , ولكن العقلية الدينية الغبية تتصور أن الأمور تتم بإرادتهم ومزاجهم الخالص ليطفو سؤال مُحرم أيضاُ : وما شأنك أنت بحريته ؟!
- هناك منهج يبرر حشر الأنوف والتدخل فى حريات الآخرين بالقول هل ترضي هذا على امك وأختك ومن هنا يخجل أي مواطن من الرد حتي الليبرالي فالجميع مُتشرب من ثقافة تعلن الوصاية على الأنثي .. للأسف نحن شعوب تفتقد لثقافة إنت مالك أهلك لتحشر أنفك فى شئوني , فحريتنا وشئوننا الشخصية مباحة تحت يافظة ثقافة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ليصير الجميع أوصياء مطوعين ونصير نحن أسري لوصايتهم .
- مشهد دائم الحدوث يدل على مدي قبح وهيمنة وسطوة الفكر الديني فى التعاطي مع شئون حياتنا بتفرد فما أن نناقش قضايا تخص حياتنا كنقل وزرع الأعضاء أو التبرع بالأعضاء أو حال المثليين والمدمنين حتى تجد كل من يتعاطي فى هذه المواضيع هم شيوخ الدين ولا يوجد أحد من علماء الطب والإجتماع وعلم النفس وإذا كان لهم حضور فهم كالصبية أمام الشيوخ بالرغم أنهم الأحق والأكثر وعياً وعلماً وفهماً .
- الفكر الديني لا يخجل من غباءه وتخلفه ليعلن بعض رجال الدين وحاشيتهم أن الأرض مسطحة وليست كروية ولكن المشكلة ليس في هذا الإدعاء الغبي لنجد كل المصيبة فى عدم وجود رد قاسي عليهم فالجميع يخجل فضحهم فهم رجال الدين القابضين على أسراره .
- نعيش وهما نجتره ونلعنه عندما نردد الأسطوانة المشروخة بالغزو الثقافي لمجتمعاتنا متوهمين أن الغرب يخطط ويهدف لغزونا ثقافيا وتسريب منظومته الثقافية والسلوكية بغية تحطيم ومحو ثقافتنا العربية والدينية الإسلامية البائسة ليطل سؤال يصفع تلك العقول البائسة : ماذا تفعل لمواجهة هذا الغزو الذي تدعيه طالما أنت تفطن له وتحذر منه ؟.. الأمور لا تزيد عن أن الثقافات البائسة تتصور أنها من الأهمية بمكان أن يخطط لها كما ترفع شعار الغزو لإعطاء إنطباع بأهميتها .
- نحن أصحاب نظرية التشخيص الخاطئ فما من مصيبة حتى نعزيها لمؤامرة الغرب علينا الذي يريد النيل من إستقلالنا وقيمنا وتراثنا لننهج هذا النهج بغية تبرأة أنفسنا من الفشل والإخفاق .
قد يكون هناك آمال ورغبة وتخطيط من أمريكا لتقسيم العراق مثلا إلى شيعة وسنة وأكراد حتى لا يكون له قائمة ولكن تظل هذه رغبات وأماني ما لم نحققها نحن بأيدينا , فأمريكا تعلم جيدا الخلاف والتناحر السني الشيعي لتتركه يقوم بكل المهمة أى أن الأمور تتم بأيدينا فإذا كنا نستطيع تجاوز هذا التناحر فلا ألف أمريكا قادرة على تحقيق أمانيها , ولكنها ثقافتنا البائسة القادرة على التشرذم والإقصاء والعداء .
- بارقة أمل : إعتقدت دوما بأن التغيير الحقيقي يأتي من القاعدة وليس من رأس السلطة أى من القاعدة الجماهيرية وليس من البناء الفوقي ولكن لا يعني هذا إهمال تجارب ورؤية السلطة والقادة فهناك تجارب رئاسية صار لها الوجود والفاعلية والحضور كتجربة عبد الناصر وبورقيبة ولكنها لم تستمر كونها بناء فوقي .
هناك تجربة جديدة وفريدة فى المملكة السعودية فقد قرر ولي العهد أن يغير دماغ السعوديين ليخرجهم من السلفية الوهابية التي جسمت على صدورهم وعقولهم عقود كثيرة إلى مجتمع مدني تختفي فيه رجال الوهابية والمطوعين وتظهر فيه ملامح الفن والترفيه والبهجة لتشهد هذه التجربة حضور طاغي وسط السعوديين وتتواري فيه أصوات السلفية الوهابية .. ليكون السؤال : هل لها أن تستمر أم سترتد الأمور إلى السلفية والوهابية ؟
دمتم بخير .
لا صلاح ولا نجاة فى وجود فكر ومنهج سلفي التفكير .. لابد من عودة الوعي ونسف حمامك القديم .
#سامى_لبيب (هاشتاغ)