|
ادوات الكتابة - روى بيتر كلارك - الأداة االثامنة والثلاثون
خالد محمد جوشن
محامى= سياسى = كاتب
(Khalid Goshan)
الحوار المتمدن-العدد: 7148 - 2022 / 1 / 28 - 23:41
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
اكتب نحو نهاية ما
ساعد القارىء على اغلاق دائرة المعنى
نتعلم منذ سنواتنا المبكرة ، أن لكل قصة نهاية ، مهما كانت إمكانية توقعها .
فالامير والاميرة سيعيشان فى سعادة ابدية ، وراعى البقر سيمضى بحصانه باتجاه غروب الشمس .
والساحرة ستموت . انها النهاية . أو فى حالة افلام الخيال العلمى : " النهاية ؟ " فى الحياة الواقعية غالبا ما ينتهى الامر بالأمير والاميرة الى الطلاق .
ويسقط راعى البقر من على جواده ز وتلتهم الساحرة الاطفال .
ان معضلة الكُتاب هى أن الواقع فوضىوى، لكن القارىء يريد خاتمة .
فى العام 1999 كلفتنى شركة نيويورك تايمز بكتابة رواية صحافية متسلسلة سميتها " لم ينته الامر بعد " .
تقع احداث القصة فى الشهور الاخيرة قبل مطلع الالفية ، وتحكى عن محقق صحفى كبير السن يتتبع طائفة تزعم بحلول نهاية العالم .
لم أكتب القصة بدءا من خطوط عامة ، أو حتى عن خطة مسبقة ، كل ما كنت اعرفه هو أنه فى الفصل الاخير على بطل القصة – الذى يعانى من رهاب المرتفعات والصواعق – ان يقاتل الرجل الشرير فى منتصف الليل ، على قمة جسر ضخم ، فى اثناء هبوب اعصار .
بكلمات اخرى ، لم أكن أعرف أين تكمن نقاط التوقف عن الكتابة ، لكننى كنت اكتب وفى رأسى خاتمة مسبقة .
لهذا لم أدهش حين علمت أن أول ما بدأت الكاتبة " جيه كيه . رولنغ " فى صياغته ، عندما شرعت بكتابة سلسلة هارى بوتر ، كان الفصل الأخير من الجزء الاخير ، بل وكشفت عن الكلمة الأخيرة منه ، وهى " ندبة "
لكى تكتب نهاية جيدة ، عليك قراءة نهايات جيدة . فهناك قليل من الاعمال الادبية التى تنتهى بتأثير مهيب ، من مثل نهاية " غاتسبى العظيم " :
" وبينما كنت جالسا أتأمل بحزن فى العالم القديم ، المجهول ، فكرت فى تعجب غاتسبى عندما لمح الضوء الاخضر على جانب ديزى من الرصيف .
كان قد قطع مسافة طويلة حتى وصل الى هذا المرج الازرق ، ولابد أن حلمه بدا شديد القرب بحيث لايمكن ان يفشل فى الامساك به .
لم يكن يعلم انه اصبح خلفه ، فى مكان ما فى ذلك الغموض الشاسع الذى يتجاوز المدينة ، حيث الحقول المظلمة للجمهورية تمتد وتتسع تحت جنح الليل .
لقد أمن غاتسبى بالضوء الأخضر ، بالمستقبل الحسى الممتع الذى يتراجع عاما بعد عام أمامنا .
حينئذ كان يراوغنا ، ولكن لا يهم – غدا سنركض أسرع ، نفتح ذراعينا أكثر .. وذات صباح –
وهكذا نتقدم ، كقوارب تسير عكس التيار ، عائدين من دون توقف الى قلب الماضى " .
يضع الكاتب ف . سكوت فيتزجيرالد البذور الأولى لهذه النهاية فى مرحلة مبكرة من روايته ، وبالتحديد عند خاتمة الفصل الاول ، ذاك عندما يقابل الراوى " نككاروارواى غاتسبى " للمرة الأولى :
قررت ان اناديه . كانت ميس بيكر قد دعته على مائدة العشاء ، وسيكون ذلك بمنزلة تعارف .
لكنى لم افعل ، لأنه أعطى إيماءة مباغته بكونه راض ببقائه وحيدا – فقد مد زراعيه نحو المياه الداكنة بطريقة غريبة ، وكدت أقسم ، على الرغم من بعدى عنه ، على أنه يرتعش .
ونظرت لا أراديا جهة البحر، فلم أميز شيئا غير ضوء واحد أخضر ، دقيق وناء ، يمكن أن يكون نهاية ظهر سفينة .
وعندما نظرت مرة أخرى إلى غاتسبى كان قد أختفى ، وأصبحت وحيدا من جديد وسط الظلام المضطرب " .
تتضمن العبارة السابقة دروسا عظيمة .
أنظر عبارة " الظلام المضطرب " يرينا الكاتب أن تلك الجمل والفقرات لها نهاية ايضا ، حتى عندما تلقى تلك النهايات بظلالها على خاتمة المشهد الاخير من الكتاب ، بعد ما يقارب 160 صفحة ، حين الضوء الأخضر مؤخرة السفينة ، والذراعان الممتدان فى تكرار لفكرة مؤثرة .
تلك التقنيات ليست حكرا على الأدباء وحدهم . فقد كتب زميل لى هو " تشيب سكالان " ، مقالة افتتاحية لصحيفة نيويورك تايمز يجادل فيها الصحافيين بأن عليهم تعلم الدرس من المواطن حين يتعلق الامر بطرح أسئلة جيدة على الساسة ، يكتب زميلى :
" بينما يستعد بوب شايفر لصقل اسئلته فى قناة سى . بى . أس الاخبارية لمناظرة الرئاسة غدا ، لعل عليه أخذ صفحة أسئلة من دانيال فارلى . وراندى جيكوبز . أو نورما – جين لوران أو ماثيو أوبراير-ن ، أو جيمس فارنر ، أو من سارة ديجينهارت ، أو ليندا غرابل " . فى الفقرة الرئيسية السابقة ، يضع تشيب قائمة بأسماء مواطنين سبق وأن طرحوا أسئلة مؤثرة فى فى أثناء مناظرات الرئاسة السابقة .
وفى فقرته الختامية ، يغلق تشيب حلقة الدائرة ، مكررا العزف على أوتار كان قد عزف عليها منذ البداية ، يقول :
" إذا ، بامكان السيد شايفر ان يفيد العامة بتقديمه درسا لزملائه المراسلين ، درسا مهما حول جمع الحقائق ، فبأمكانه أن يقتدى بأسئلة كان قد سبق أن طرحها أهالى ميزورى الذين يدركون أن الأسئلة الصعبة هى تلك التى تخبر البلاد من من المرشحين لن – أو لا يستطيع – الأجابة . هناك ما يحصى من الطرائق لبدء أو إنهاء نص مكتوب ، لكن المؤلفين يعمدون الى صندوق صغير من أدوات الاستراتيجيات ، مثلما يفعل الموسيقيون تماما .
ففى المؤلفات الموسيقية من الممكن أن أن تبنى الغنية تصاعديا ، أو أن تخفض تدريجيا ، أو أن تتوقف فجأة ، أو أن تردد صدى المطلع .
بينما فى المؤلفات الكتابية ، يستطيع المؤلف الاختيار من بين هذه الادوات وغيرها :
إغلاق الحلقة . تذكرنا النهاية فى هذه الحالة بالبداية ، وذلك بالعودة الى مكان مهم أو إعادة تقديم شخصية رئيسية إلينا من جديد .
النهاية الدائرية ، يحبذ الكاتب الفكاهى ديف بارى أن يربط نهاياته بعناصر غريبة غير مألوفة من القصة .
الإطار الزمنى يشيد الكاتب بناء يحكم بأنتهاء الوقت ( فنحن نتجه إلى النهاية ) حيث يتقدم الزمن بلا هوادة . ولكى ينهى الكاتب القصة ، عليه أن يقرر ما الذى يجب أن يحدث أخيرا .
الإطار المكانى ، يهتم الكاتب بجغرافية المكان أكثر من إهتمامه بالوقت . على سبيل المثال ، سيأخذنا المراسل التلفزيونى الذى يتتبع إعصارا من موقع إلى أخر ، كاشفا لنا الدمار المروع الذى تسببه العاصفة ، وفى نهايات كهذه ، ما على الكاتب إلا ان ينتقى وجهتنا الأخيرة .
المكافأة ، كلما طالت القصة ، ازدادت أهمية المكافاة ( التى سينالها الكقارىؤ ) .
هذا لا يتطلب نهاية سعيدة بالضرورة ، بل تكفى نهاية مرضية شافية ، تأتى بمنزلة مكافاة فى ختام الرحلة .
على سبيل المثال ، سر يكشف ، أو غموض يفسر .
ما بعد النهاية أأو المخرج ، القصة تنتهى لكن الحياة تستمر . كم مرة تساءلت بعد نهاية فيلم وإضاءة مصابيح دار العرض : عما سيحدث لاحقا للشخصيات ؟ إن االقراء يهتمون بمصير الشخصيات فى القصص . لذا ما بعد النهاية سيساعد على إشباع فضولهم .
العقدة والحل ، هذا البناء الشهير يقترح نهايته بنفسه . ففيه يحدد الكاتب العقدة منذ البداية ، ثم يوفر للقارىء الحلول الممكنة والخاتمة .
الاقتباس المناسب ، قد تتكلم بعض الشخصيات عند النهاية ، لتقدم بلغتها الخاصة موجزا انيقا ، أو نبذة عما سبقها من أحداث . فى أغلب الحالات ، يستطيع الكاتب كتابة هذا الموجز علة نحو أفضل سرد هذه الشخصيات له ، ولكن ليس دائا .
النظر الى المستقبل ، تدرج أكثر الكتابات امورا حدثت فى الماضى ، ولكن ، ماذا يظن الناس
بشأن ما سيحدث لاحقا ؟ ما عواقب هذا القرار أو تلك الأحداث ؟
تحفيز القارى . النهاية الجيدة تستطيع توجيه القارىء إلى وجهة اخرى : حضور هذا الاجتماع ، أو قراءة ذلك الكتاب ، أو إرسال رسالة الكترونية الى ذلك العضو فى مجلس الشيوخ ، أو التبرلاع بالدم لضحايا كارثة .
سوف تكتب نهايات أفضل حين تتذكر أن الاجزاء الاخرى من قصتك بحاجة الى نهايات هى الاخرى فالعبارات لها نهايات .
والفقرات لها نهايات . وكما رأينا فى غاتسبى العظيم ، كل من هذه النهايات الصغيرة تمهد لخاتمة قصتك .
سأختم بتحذير ، تجنب النهايات التى تستمر وتستمر الى ما لا نهاية وكانها كونشرتو لراخمانينوف ، أو معزوفة لفرقة موسيقى ميتل
لا تدفن نهايتك . ضع كفك على الفقرة واسأل نفسك : " ما الذى سيحدث لو انتهى الامر هنا ؟ "
قم ارفع كفك الى الفقرة السابقة واطرح السؤال ذاته الى ان تجد موقف التوقف الطبيعى
والى الجزء الرابع والاداة التاسعة والثلاثون فى مقال قادم
#خالد_محمد_جوشن (هاشتاغ)
Khalid_Goshan#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مسدس بلا فائدة
-
ادوات الكتابة - روى بيتر كلارك - الأداة السابعة والثلاثون
-
ادوات الكتابة - روى بيتر كلارك - الأداة السادسة والثلاثون
-
اتفضل بيع عمرك كله ؟
-
الاسانسير899
-
ادوات الكتابة - روى بيتر كلارك - الأداة الخامسة والثلاثون
-
ادوات الكتابة - روى بيتر كلارك - الأداة الرابعة والثلاثون
-
ادوات الكتابة - روى بيتر كلارك - الأداة الثالثة والثلاثون
-
الجنس مع الموتى
-
ادوات الكتابة - روى بيتر كلارك - الأداة الثانية والثلاثون
-
ادوات الكتابة - روى بيتر كلارك - الأداة الواحد والثلاثون
-
ادوات الكتابة - روى بيتر كلارك - الاداة الثلاثون
-
ادوات الكتابة - روى بيتر كلارك - الاداة التاسعة والعشرون
-
عذابات الشعب الفلسطينى
-
نحن بشر
-
حكاية ولاء
-
ادوات الكتابة - روى بيتر كلارك - الاداة الثامنة والعشرون
-
ادوات الكتابة - روى بيتر كلارك - الاداة السابعة والعشرون
-
ادوات الكتابة - روى بيتر كلارك - الاداة السادسة والعشرون
-
ادوات الكتابة - روى بيتر كلارك - الاداة االخامسة والعشرون
المزيد.....
-
واشنطن -تشعر بقلق عميق- من تشغيل إيران أجهزة طرد مركزي
-
انهيار أرضي يودي بحياة 9 أشخاص في الكونغو بينهم 7 أطفال
-
العاصفة -بيرت- تتسبب في انقطاع الكهرباء وتعطل السفر في الممل
...
-
300 مليار دولار سنويًا: هل تُنقذ خطة كوب29 العالم من أزمة ال
...
-
زاخاروفا ترد على تصريحات بودولياك حول صاروخ -أوريشنيك-
-
خلافات داخل فريق ترامب الانتقالي تصل إلى الشتائم والاعتداء ا
...
-
الخارجية الإماراتية: نتابع عن كثب قضية اختفاء المواطن المولد
...
-
ظهور بحيرة حمم بركانية إثر ثوران بركان جريندافيك في إيسلندا
...
-
وزارة الصحة اللبنانية تكشف حصيلة القتلى والجرحى منذ بدء -ا
...
-
-فايننشال تايمز-: خطط ترامب للتقارب مع روسيا تهدد بريطانيا و
...
المزيد.....
-
-فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2
/ نايف سلوم
-
فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا
...
/ زهير الخويلدي
-
الكونية والعدالة وسياسة الهوية
/ زهير الخويلدي
-
فصل من كتاب حرية التعبير...
/ عبدالرزاق دحنون
-
الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية
...
/ محمود الصباغ
-
تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد
/ غازي الصوراني
-
قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل
/ كاظم حبيب
-
قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن
/ محمد الأزرقي
-
آليات توجيه الرأي العام
/ زهير الخويلدي
-
قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج
...
/ محمد الأزرقي
المزيد.....
|