ثائر البياتي
الحوار المتمدن-العدد: 7145 - 2022 / 1 / 25 - 00:38
المحور:
الطب , والعلوم
للعدد 12 حضور بارز في حياة البشر وحضاراته وأديانه المختلفة. إنه عدد ساعات النهار وعدد ساعات الليل وعدد شهور السنة وعدد أبراج السماء وعدد ألهة السومريين والأغريق والرومان وعدد ألواح ملحمة كلكامش وأمور أخرى كثيرة. وأما ظهوره في الأديان القديمة والحديثة، فحدث ولا حرج. إنَّه عدد وكلاء النبي سليمان، وعدد قبائل اليهود وعدد تلاميذ المسيح، وعدد أئمة الطائفية الشيعة الأثني عشرية، وأمور كثيرة أخرى. في هذا المقال سنناقش الموضوع من جانببه، التاريخي والرياضياتي، ونستنتج في النهاية، أنَّ للعدد 12 خواص حسابية نادرة، ومزايا عملية فريدة، جعلته أن يدخل في تعاملاتنا اليومية بعمق ويغزو معتقداتنا الدينية بقوة، حتى أضفتْ عليه الأجيال، وبمرور آلاف السنين، هالة من التقديس، أصبحنا نخاف من مناقشته أو السؤال عنه، رغم أنَّه عدد طبيعي في سلسلة الأعداد الطبيعية.
تقتضي رحلتنا مع العدد 12 العودة الى الماضي بنحو 5000 سنة، الى فترة إختراع الكتابة وبدء التدوين ووضع أسس أولى الحضارات البشرية، التي ساهم السومريون في بنائها. كشفتْ التنقيبات الأثرية ومدونات الألواح الطينية، براعة السومريين في إستخدام الأعداد وفهم علاقاتها المختلفة. وهم أول من أخترعوا نظاماً للعدد أساسه العدد ستون( من مضاعفات العدد 12)، ونسميه اليوم" نظام العد الستيني". ولا زلنا نستخدمه في قياسات الزمن والزوايا الهندسة وخطوط الطول والعرض، فنقول الساعة 60 دقيقة والدقيقة 60 ثانية، واليوم 24 ساعة ومجموع زوايا المثلث 180 درجة والدائرة 360 درجة وهكذا. وهناك نظم عددية أخرى، سوف لا ندخل في تفاصيلها الا بقدر الحاجة لتوضيح اهمية العدد 12.
ومن تلك الأنظمة، نظام العد العشري واساسه العدد 10، وهو النظام الذي نستخدمه في حياتنا اليومية. ونظام العد الأثنا عشري( النظام الدرزني) واساسه العدد 12، ولا زلنا نستخدمه في بعض تعاملاتنا، فنقول درزن بيض ودرزن قمصان والقدم 12 أنج والشلن الأنكليزي القديم 12 بنس وهكذا. ورغم أنَّ نظام العد العشري هو النظام السائد عالمياً، الا أنَّ الكثير من الباحثين يفضلون نظام العد الأثنا عشري، ويعتبرونه الأكفء بين الأنظمة المختلفة، بسبب خواص العدد 12.
عَرفَ السومريون والأغريق ، أنَّ للعدد 12 خواص فريدة، منها: إنَّه أصغر عدد في سلسلة الأعداد الطبيعية (0,1, 2 ,3,4, ….الخ) ، لديه أكبرعدد من القواسم، قياساً لصغره، تقسِّمه الى أعداد صحيحة( غير كسرية). وعدد قواسمه 6، وهي: (1،2،3،4،6،12). وهذه خاصية تعطي كفاءة للعدد 12 في الإستخدام اليومي، وخاصة عند التعامل مع الكسور. ولا تتوفرهذه الخاصية في الأعداد السابقة ولا في الكثير من الأعداد اللاحقة للعدد 12.
وجدير بالذكر أنَّ السومريون والأغريق، عرفوا علاقات عددية كثيرة، منها العدد التام، وهو العدد الذي يكون مجموع قواسمه (بإستثناء العدد نفسه) يساوي العدد نفسه. ومن أمثلة الأعداد التامة الصغيرة التي كانت معروفة عند السومريين، العددان 6 و 28 لاحظ الهامش(*). وكذلك كانوا يعرفون : "العدد السامي"، وهو عدد يحقق خواص عددية بسيطة، لا يشاركه فيها الا عدد آخر كبير جداً، تمَّ إكتشافه في السنوات الأخيرة بإستخدام الحاسبة الأليكترونية، وعدد مراتبه 76 مرتبة عددية، لاحظ الهامش(**). هذه المسألة تعطي خصوصية فريدة للعدد 12 لكونه العدد الصغير الوحيد الذي يحقق شرط السمو في سلسلة الأعداد الطبيعية.
يبين العدد 12 كفاءة كبيرة عند مقارنته مع العدد 10، بخصوص كتابة الكسور. وذلك بسبب عدد قواسمه الستة، فيما أنَّ عدد قواسم العدد 10 هي ( 4)، (1،2،5،10). ويمكن توضيح ما سبق كما يلي: أنَّ ثلث وربع وسدس العدد 12، هي أعداد صحيحة: (4 ، 3 ، 2 )، لكن ثلث وربع وسدس العدد 10، هي أعداد غير صحيحة، وهي: (3/10، 4 /10، 6/10) أي، ...3.333 ، 2.5 ، ...1.666 على التوالي، لا بل أنَّ بعض هذه الأعداد، أعداد غير منتهية، ما تسبب مشاكل في التعاملات الحياتية. وهذا ما يجعل نظام العد الأثنا عشري أكثر كفاءة من نظام العد العشري.
إنَّ إدراك السومريين مرونة العدد 12 وسموه مبكراً، جعل له إيقاعاً سحريا خاصاً، فدخل في تفاصيل حياتهم، بعد أن قسَّموا السنة الى 12 شهراً، بأربعة فصول، والفصل الى 3 شهور والشهر الى 30 يوماً. وعادوا فقسَّموا السنة الى 360 يوماً وهي الفترة التقريبية لدوران الأرض حول الشمس، وقسَّموا اليوم الى 24 ساعة وهي عدد ساعات دوران الأرض حول نفسها التي ينجم عنها حدوث الليل والنهار. وما زاد من سحر العدد 12 أقترابه من عدد دورات القمر حول الأرض خلال السنة. وللشمس والقمر كان مقاماً كبيراً عند الإنسان. إنَّه كان يقدم العبادات والصلوات لهما يومياً ولآلاف السنين السابقة.
تجلى العدد 12 في قصص الفناء والخلود السومرية، إذ أنَّ ملحمة كلكامش، التي تضمنتْ قصة الخلق والطوفان، كـُتبتْ على 12 لوحة، ومات بطلها الأسطوري أنكيدو في اليوم الثاني عشر من تمرضه، وفي البحث عن الخلود، أستغرقت سفرة كلكامش الى غابات الأرز ستة ايام، وطلبت الألهة منه الا ينام ستة أيام كي يحصل على الخلود ولكنه لم يتمكن من ذلك. واستمر الطوفان الشامل، ستة أيام لحين هدأت العواصف في اليوم السابع. واستخدام العدد 6 بهذا الشكل، لكونه أصغر عدد تام، وهو نصف الأثنا عشر، ما يشير الى أهمية العدد 12 لفترات تسبق كتابة الملحمة التي دُونتْ بنحو 2500 قبل الميلاد. ولم تتحددْ أهمية ظهور العدد 12 في بلاد الرافدين، بل تـَعدى ظهوره الى بلاد أخرى، كمصر وايران والصين والهند واليونان. في اليونان مثلاً، اسس الفيلسوف فيثاغورس ديناً، قوامه االعدد، عندما اعتبرَ جوهر كل شيء في الوجود العدد والنغم الموسيقي. وسمى العدد 12 عدداً ملائكياً.
يُنسب لفيثاغوس وضع نظرية الموسيقى. ويعود ذلك لإكتشافه أنَّ نسب عددية على الوتر الموسيقي الهزار، تقابلها انغام موسيقية، أصبحت الأساس فيما بعد، في بناء السلم الموسيقي. ويعود الفضل بذلك، الى تمكنه من تصنيف الأنغام الموسيقية المريحة للأذن. وتوصل لذلك بإستخدامه طولاً للوتر الهزاز مكون من 12 وحدة، قسمها الى أجزاء صحيحة من النصف والثلث والربع وبأستخدام الرياضيات، اشتق نسب عددية جديدة، تقابلها أنغاماً موسيقية جديدة، ومن ذلك جاء بناء السلم الموسيقي. وسيكون لنا موضوع خاص بتفاصيل ذلك.
أما الفيلسوف افلاطون، فتكَّونتْ جمهوريته المثالية من 12 قبيلة، نفوس كل منها 420 نسمة، وعدد نفوسها الكلي 5040، الذي ينبغي بقاءه ثابتاً، بفعل ضوابط صارمة، تصل الى حد قتل المرضى والمعاقين من الأطفال. وفي الهند إتخذ بوذا 12 تلميذاً، وكذلك فعل زرادشت في ايران.
يظهر العدد 12 في التوراة والأنجيل 187 مرة، منها: ليعقوب 12 ولداً، ولأسماعيل 12 ولداً، وللنبي موسى 12 نهراً، ولسليمان 12 وكيلاً. وشهد للمسيح عند ولادته 12 شاهداً، ودخل المعبد وعمره 12 سنة، ذلك المعبد الذي مكثتْ به أمه السيدة مريم العذراء 12 سنة، وكان عدد الذين حضروا العشاء الأخير مع المسيح 12 من حواريه. وظهر العدد 12 في القرآن مرات عديدة، منها: أن عدد الشهور عند الله اثنا عشر شهراً، وإن أسباط بني إسرائيل اثنا عشرة سبطاً، وإن النقباء الأثني عشر، هم أمراء الأسباط، وهناك حديث نبوي شريف، سـُميّ بحديث الأثني عشر خليفة، قال: إنَّ أمرَ الإسلام سيظل قائماً حتى يمضي 12 خليفة، كلهم من قريش. واستلهاماً من الحديث، تأسستْ الطائفة الأثني عشرية، من أكبر الطوائف الإسلامية الشيعية وعدد أئمتها 12. ووصل ظهور العدد 12 الى الحضارات المعاصرة، عندما أصبح عدد المحلفين الأنكليز في القضاء وكذلك عدد المحلفين الأمريكان 12.
مما سبق نستنتج، أنَّ العدد 12، هو عددٌ من الأعداد الطبيعية، تميَّز بخواص نادرة وبصفات فريدة جعلته وبمرور آلاف السنين، أن يصبح عنصراً مهماً ورمزاً مقدساً، بعد دخوله في مفاصل الحياة السومرية وأساطيرها، وانتقاله الى الحضارات البشرية وقصصها والى الأديان ومعتقداتها. وقبل النهاية ينبغي القول: أنَّه هناك أعداد مختلفة لها رحلات شيقة وممتعة، تشبه رحلة العدد 12، ظهرتْ في أساطير الحضارات، كالعدد واحد وثلاثة وستة وسبعة وتسعة وعشرة وغيرها، وإنتقلتْ إلى الأديان وقصصها ونالتْ الأهمية أيضاً، غير أنَّنا أخترنا البحث في العدد 12 لأنَّه دخل في جزئيات تعاملاتنا الحياتية بشكل اوسع، وانتقل الى صلب معتقداتنا بشكل أعمق، وأحيط بهالة من التقديس، فأصبحنا خائفين حتى من مناقشته. وفي النهاية تروي لنا رحلة العدد 12 جانباً مهماً من ملاحم الحضارات، ومشهداً مثيراً من مشاهد تطور الإنسان ومغامراته.
أنتهــــــــــــــــــــى
الهامــــش
(*)العدد التام، هو العدد الذي يكون مجموع قواسمه (بإستثناء العدد نفسه) يساوي العدد نفسه .
أمثلة: العدد 6 هو عدد تام، قواسمه: 1،2،3،6. مجموعها، دون العدد 6: 1+2+3= 6
والعدد 28 هو عدد تام، قواسمه: 1،2،4،7,14,28 . مجموعها، دون العدد 28 : 1+2+4+7 + 14= 28.
(**) نُعرِّف العدد السامي، على أنّه العدد، الذي عدد قواسمه ومجموعها، يكونان: عددان تامان
12 عدد سامي: عدد قواسمه(6)، وهي:( 1,2,3,4,6,12)، ومجموعها هي: 1+2+3 + 4+6 + 12= 28
وكما نعرف من(*) ان العدد 6 والعدد 28 هما عددان تامان.
تمَّ الحصول على العد السامي الثاني بإستخدام الحاسبة الأليكترونية، وجد انه يتكون من 76 مرتبة عددية:
6,086,555,670,238,378,989,670,371,734,243,169,622,657,830,773,351,885,970,528,324,860,512,791,691,264
https://en.wikipedia.org/wiki/Sublime_numb
#ثائر_البياتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟