أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - عيدُ الغطاس … والقلقاسُ الأخضر














المزيد.....

عيدُ الغطاس … والقلقاسُ الأخضر


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 7143 - 2022 / 1 / 23 - 10:44
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



يوم 26 يوليو 2013، نزلنا جميعًا، نحن المصريين الغيورين على بلادنا من الاستلاب الإخواني، إلى ميادين مصرَ وشوارعها أفواجًا غفيرةً لكي نطالبَ جيشَنا العظيمَ بحماية هُويتنا والذود عن كرامتنا والضرب على يد الغِلِّ الإخواني، التي توعّدت مصرَ بالويل والإرهاب، بعدما أسقطنا الإخوان عن عرش الجميلة مصر. وافق ذاك اليومُ التاريخيُّ الجمعةَ 18 من شهر رمضان. كنّا صائمين والجوُّ حارٌّ، لكن الوطنَ غالٍ تهونُ أمامَه المشاقُّ. أذَّن علينا المغربُ ونحن في الشوارع نهتفُ باسم الوطن وندعو اللهَ أن يُنجّي مصرَ من كيد الكائدين. كنتُ جالسةً على منصّة أمام "قصر الاتحادية" وقد أنهكني الظمأ. فإذا بصبيّة مليحة تقدّمُ لي زجاجة ماء وتمرةً لأكسرَ صيامي. رفعتُ عينيّ لأشكر الفتاةَ فلمحتُ في رُسغِها صليبًا أزرقَ، بلون النيل، ولون عين حورس الفرعونية. فتأكدّتُ لحظتها أن مصرَ ستظلُّ عصيةً على الشتات والانقسام، غنيةً بشعبها الذي لا يعرفُ سوى الحبَّ ولا يسمحُ بالفُرقة والشقاق، مهما حاول الأشرار. ابتسمتُ لها ونهضتُ لأعانقها، وقد استوثقتُ أن شعبنا الطيبَ الذكيَّ يعرفُ كيف يحفظُ عهدَ الله؛ لنظلَّ في رباطٍ إلى يوم الدين. ومازال في فمي مذاقُ التمرة الشهيةَ لا يبرحُ ذاكرتي.
ليس أشهى من حبّة التمر تلك التي قدّمتها لي يدٌ قبطية لأكسرَ صيامي، وليس أشهى من أقراص الكعك تخبزها الجاراتُ المصريات معًا، مسلمات ومسيحيات، في ليالي رمضان استعدادًا لعيد الفطر، وفي عشيات قدّاسات عيد الميلاد وعيد القيامة، حتى إذا ما عادت الصبيّاتُ في المساء من الأفران يحملن فوق رؤوسهن صاجات الكعك، تبدأ النسوةُ في رشّ السُّكر المطحون فوق أقراص الكعك المتوهّج بنار الفرن ودفء المحبة في قلوبهن. فإذا ما أشرقتْ صباحاتُ الأعياد، طافتِ الصحونُ بين أبواب الدور محمّلةً بالخير والفرح. أقراصُ الكعك في أعيادنا لا تعرفُ التمييز بين هلال وصليب وإنجيل ومصحف، فالكلُّ يذوبُ في فيوض الرحمة الإلهية والودّ الإنساني، مثلما تذوب فتاتُ الكعك على الألسنٍ الطيبةٍ التي لا تعرفُ إلا كلماتِ السلام والمحبة.
وها هو عيدُ الغطاس المجيد قد حلَّ علينا ومصرُ تزهو في ثوب "الجمهورية الجديدة" البهيّ. وليس أشهى من حبّات القلقاس البيضاء، تسبحُ في نهرِ الأخضر الزاهي في صحنٍ تقدّمه لي يدٌ مصريةٌ قبطية، كلَّ عام في شهر يناير. أعشقُ القلقاس الأخضر. لكنني لم أتقن طهوَه أبدًا؛ ربما لأن زوجي وأولادي لا يطلبونه. وكنتُ كلّما تاقت نفسي إلى صحنٍ من القلقاس أطلبه من أمي، رحمها الله. وبعدما غدرت بي "سهير" أميّ، كما تغدرُ الأمهاتُ ويرحلن إلى رحاب الله، كانت أمّي الروحية الجميلة، "آنجيل غطّاس"، هي الملجأ، كلمّا طاف بي شوقُ القلقاس. كان ذلك قبل أن تغدرني هي الأخرى وتطيرُ إلى رحاب الله قبل أربعة أعوام؛ فصرتُ يتيمةً مرتي. ولأن المحيطين بي، وقرائي، يعرفون شغفي بالقلقاس، الذي أعلنته من قبل في مقالاتي وحواراتي، كانت تصلني في كلِّ عيد غطاس، عشراتُ الدعوات الطيبات من أُسرٍ مصرية كريمة، تدعوني لتناول القلقاس على مائدتها بين أفراد العائلة، ليس "كأنني" واحدة منهم، بل "لأنني" بالفعل واحدةٌ منهم. فكلُّ بيوت المصريين الطيبين بيتي، وجميعُ عائلات المصريين الشرفاء أقربائي.
عيدُ الغطاس هو يومُ تعميد السيد المسيح عليه وعلى أمّه السلام في نهر الأردن. والتعميدُ في الأدبيات المسيحية، هو غسلُ الإنسان من الخطيئة، وتبرؤٌ رمزيٌّ من عصيان الله تعالى. وذكر المؤرخون أن المسلمين من أهل مصر، كانوا يشاركون في الاحتفال بعيد الغطاس مع أشقائهم المسيحيين، بالخروج إلى نهر النيل والإبحار في المراكب والغناء والسمر.
ولماذا القلقاسُ في عيد الغطاس؟ لأنه زاخرٌ بالرموز والدلالات العميقة التي تُكرّس مفهوم "عيد الغطاس" في الأدبيات المسيحية. فالقلقاسُ ثمرةٌ جِذرية تنمو مدفونةً تحت الأرض. وتحت قشرتها السميكة تقبعُ طبقةٌ سامّةٌ تؤذي حنجرةَ الإنسان إذا تناولها دون الغمر العميق في المياه. فيرمزُ تقشيرُ الثمرة ونزع قشرتها إلى: نزع ثوب الخطيئة عن الإنسان؛ حتى يتطهّر. ثم يرمز غمرُ الثمرة العارية في المياه إلى غمر الإنسان في ماء العِماد للاغتسال من الآثام. تمامًا كما غُمِر جسدُ السيد المسيح، المنزّه عن الخطيئة عليه السلام، في مياه نهر الأردن بمساعدة القديس "يوحنا المعمدان"، أو النبيّ "يحيى بن زكريا"، الذي قال فيه القرآنُ الكريم: (يا يَحيَى خُذِ الكتابَ بقوّة، وآتيناه الحُكمَ صبيًّا، وحنانًا من لدُنَّا وزكاةً وكان تقيًّا، وبَارًّا بوالديه ولم يكن جبّارًا عصيَّا، وسلامٌ عليه يوم ولِد ويومَ يموتُ ويومَ يُبَعثُ حيًّا.) “الدينُ لله، والوطنُ لمن يحبُّ الوطن.”

***



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رسالةُ سلام للعالم … من أرض السلام
- منتدى شباب العالم … ميلاده الرابع
- تهاني الجبالي … الماعت … وداعًا!
- مِحرابٌ ومَذبح … في الجمهورية الجديدة
- جرسُ الجامعة يُودِّعُ عصفورَ الأدب
- رحلة العائلة المقدسة… وجائزة فخرُ العرب
- السِّحرُ الذي ... معقودٌ بناصيتها
- شجراتُ الصنوبر تُضيءُ جنباتِ مصر
- ميري كريسماس بالمصري... أيها العالم!
- شحاذون
- “إحنا- … ضدّ التحرّش!
- كيف تنمو الموهبة؟
- -النظارةُ البيضاء- … تفضحُ دنيا النفاق
- هل أنت عُكازٌ … أم مِرآة؟
- ڤان ليو … قنّاصُ الجميلات
- مجدي يعقوب… له خفقةٌ في كلِّ قلب
- ماذا قالت -مايا آنجلو- في السبعين؟
- لعنَ اللهُ من أيقظها!
- الرجلُ الشريرُ الذي أفسدَ الكوكب
- مكافحةُ الغلاء … بالاستغناءِ وعدم الهدر


المزيد.....




- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
- إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
- “ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في ...


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - عيدُ الغطاس … والقلقاسُ الأخضر