أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - الحجر الجيولوجي والحجر الأركيولوجي














المزيد.....

الحجر الجيولوجي والحجر الأركيولوجي


سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 7143 - 2022 / 1 / 23 - 09:57
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


الإنسان الكامل
٤ - الحجر

لا بد قبل الذهاب أبعد من هذا التساؤل الإشارة إلى أن الفرق بين العلوم الطبيعية "التجريبية" والعلوم الإنسانية لا يكمن فقط في المنهج المستعمل في البحث والتحليل ولا في الأدوات العديدة المستعملة للتجربة والقياس، الفرق الحقيقي يكمن في الهدف الذي نريد الوصول إليه من وراء البحث. العلوم التجريبية لا ترمي إلى "المعرفة" connaissance بالمعنى الفلسفى وإنما إلى "العلم" بمعنى الدراية savoir حيث تبحث عن الإلمام وتسجيل شروط إمكانية الحوادث العامة وإظهار القوانين التي تسير عليها. فهي تتعلم تدريجيا وخطوة خطوة ما يوجد قبليا في الطبيعة وتظهره للوجود، فالكهرباء والذرة والجاذبية والموجات الكهرومغناطيسية والجينات، كلها متواجدة في الطبيعة حتى دون أن نكتشفها، والبشرية لم تنتظر أرشميدس لتبني القوارب والبواخر وكل الأجسام الطافية على الماء. والعلم بهذه القوانين يمكن الإنسان من تنظيم عمله بطريقة تمكنه من كسب الوقت وبناء وتركيب أدوات جديدة لتسهيل حياته وهو ما يسمى عموما بالصناعة والتكنولوجيا. فالعلوم التجريبية مكنت الإنسان من أن يبحث عن كيفية صناعة وسيلة للتنقل تختلف عن الحمار والحصان أو الجمل، ويتمكن تدريجيا من الوصول إلى صناعة الباخرة ثم القطار ثم السيارة والطائرة والصاروخ. وفي الجانب الآخر نجد العلوم الإنسانية تبحث عن "فهم" الدوافع التي تجعل الإنسان محتاجا للطيران وللتنقل السريع بدلا من السير على قدميه أو الزحف على بطنه مثل بقية الأحياء. عملية الفهم إذا ترتبط بالعمل الإنساني وقصديته ودوافعه المتعددة. فالجيولوجي مثلا لا يرمي إلى "فهم" الحجر الذي بين يديه، إنه فقط يحلل مكوناته ونسبة المعادن المختلفة الداخلة في تركيبه ليتمكن من تحديد الفترة الجيولوجية التي تكوّن فيها ويدرس نسيج الحجر وبنيته الكثيفة أو الطبقية ولونه، ويحدد إن كان ينتمي إلى الصخور النارية أو الرسوبية أو المتحولة إلخ . أما الأركيولوجي أو عالم الآثار، فإن ما يهمه في دراسة الحجر هو أثر الإنسان على هذا الحجر، كيف تحصل عليه ومن أي مصدر وكيف نحت وصنع منه أداة تمكنه من أداء وظيفة معينة، وكذلك خصائص هذا الإنسان الذي استعمله ومظهره وطوله ووزنه وحجم يده إن كان رجلا أو إمرأة، مستعملا اليد المنى أو اليسرى.. إلخ. فهذا الحجر لا يشير فقط إلى مكوناته المعدنية الجيولوجية ولم يعد موضوعا طبيعيا كحجر الجيولوجي، ولكنه أصبح موضوعا ثقافيا يشير إلى إنسان معين في فترة معينة من تاريخ البشرية. وعالم الآثار الذي يدرس هذا الحجر يرمي إلى فهم الإنسان الذي استعمل هذا الحجر ذات يوم في غرض من أغراضه. من هنا نرى أن العلوم الطبيعية والتجريبة لا تهدف أساسا إلى معرفة العالم أو فهمه كما سبق القول، إنها خطوة مهمة في الطريق إلى هذه المعرفة ولكنها غير كافية وتحتاج إلى المعرفة الإنسانية الأكثر شمولا والأكثر إرتباطا بالإنسان. فتكديس المعلومات وتراكم القوانين والنظريات العلمية وعظمة الإنجازات التكنولوجية لن يجعلها تتحول بمعجزة إلى معنى أو معرفة. فالأفعال الإنسانية مهما كانت لن تنتظم من تلقاء نفسها في مركب جوهري يدل بنفسه على معناه، لا بد من تدخل العقل الإنساني ليدرك أن كل فعل ذو دلالة في جوهره، وإذا غابت هذه الدلالة تسقط وتتلاشى طبيعته كفعل إنساني. وربما يكون هذا التدخل هو ما يمكن تسميته بالفكر الفلسفي الذي يسعى إلى تحديد المبادئ العامة والوصول إلى معنى الإنسان والحياة والعالم، وإدراك جوهر الأشياء وماهيتها. الفلسفه إذا هي المجال "الوحيد" الذي يتحقق فيه العقل بكل إمكانياته ويعبر عن جوهره ويرسم خريطة البشرية ويخطط حدوده القصوى. وتاريخ الفلسفة هو بطريقة ما تاريخ العقل ذاته في محاولاته المتعددة واليائسة وربما المستحيلة لتجاوز ذاته والخروج من سجن الفكر المنغلق وفك الحصار وايجاد الأدلة على مشروعيته. وعندما نطرح هذا السؤال البسيط ما هو العقل؟ فإنه من الواضح أن العقل ذاته هو مصدر التساؤل، وهو الذي يتسائل عن ماهيته بواسطة اللغة، وسيلة التساؤل الوحيدة والممكنة والقادرة على إيصال الجمل الإستفهامية إلى الآخر ـ القارئ ـ العاقل بدوره والذي يستطيع أن يمارس عملية التفكير ويحاول الإجابة عن السؤال عن ماهية العقل. العقل إذا يسائل نفسه عن ماهيته، فكيف يستطيع العقل أن يتعالى عن ذاته ويعاين هويته ويحيط بها دون أن يتحول إلى "موضوع" للدراسة ويتشيأ. وهذه الحلقة المغلقة تبدو في كثير من الأحيان غير قابلة للكسر أو الإنقطاع. العقل لا يستطيع أن يفكر في ذاته وهو يفكر، كما أن العين البشرية لا تستطيع أن ترى ذاتها وهي "ترى" أي لا تستطيع أن ترى الرؤية ذاتها، كذلك العقل لا يستطيع أن يفاجئ نفسه وهو يفكر، فلا بد له من أن يستعين بمعارف سابقة، ليست مباشرة ليتصور نفسه وكيفية تواجده في العالم.



#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عناقيد الهموم
- الإنسان الإلكتروني
- رطوبة الصمت
- ثنائية العقل والجسد
- الإنسان ومعجزة العقل
- حكايةعن الجوع والحرية
- عن الكابوس الليبي والندم
- الحلم بليليث
- عذاب القبر
- سيجارة السابعة والنصف صباحا
- الآخر ومنفى الأنا
- الكابالا والفلسفة الحديثة
- التصوف والعدم
- اللغة كسلاح ملوث
- الثورة .. والثورة
- عار الكلمات العارية
- أزمة العقل وضرورة الثورة
- المادة والثورة
- الحيوانات تحب لعق البترول
- الأمل أفيون الفقراء


المزيد.....




- -عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
- خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
- الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
- 71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل ...
- 20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ ...
- الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على ...
- الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية ...
- روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر ...
- هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
- عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز ...


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - الحجر الجيولوجي والحجر الأركيولوجي