|
في مواجهة تداعيات الحرب السورية، توصيات ومقترحات
شذى كامل خليل
كاتبة
(Shaza Kamel Khalil)
الحوار المتمدن-العدد: 7142 - 2022 / 1 / 21 - 21:42
المحور:
التربية والتعليم والبحث العلمي
( في مواجهة تداعيات الحرب السّورية وتأثيراتها على منظومة تعليميّة كاملة، توصيات ومقترحات) الباحثة : شذى كامل خليل خريجة كلية التربية قسم معلم صف / مواليد طرطوس 1982م منهجُ البحث : دراسة حالة ـ استقصاء ـ تحليل المحتوى ـ الدّراسات المُقارنة. سوريا / طرطوس
محتوياتُ البحث
أولاً ـ المقدمة ثانياً ـ تحديدُ مشكلاتِ البحث : 1 ـ المشكلةُ الأولى وصفُها وتحليلُها وتقديمُ الحلولِ لها 2 ـ المشكلةُ الثانيةُ وصفُها وتحليلُها وتقديمُ الحلولِ لها ( اقتراحُ برنامجٍ صيفيّ للمعلمينَ والمعلماتِ بشكلٍ خاص ) 3 ـ المشكلةُ الثالثةُ وصفُها وتحليلُها وتقديمُ الحلولِ لها ( اقتراحُ منهاجٍ ترّبويٍّ يقومُ على مفهومِ أسسِ الحرب وتلافيها مُستقبلاً وطرقِ التّعامل مع مشكلات أخرى ) 4 ـ تحديدُ المشكلةِ الرّابعة وصفُها وتحليلُها وتقديمُ الحلولِ لها ثالثاً ـ ملاحظات عامة حولَ تجربةٍ شخصيةٍ في التّعليم رابعاً ـ تلخيصٌ شاملٌ وعامٌ لكلّ ما وردَ في هذا البحثِ، مع اقتراحاتٍ أخرى تنصبُّ في مصلحة التّعليم السّوري. خامساً ـ الملحقات ( استبيان ) والمراجع
مقدمة للحربِ تداعياتُها؛ كما لِكلِ دَمارٍ فَجواتهُ التي لا يُمكنُ سَدّها أو التخلصَ منها بِقدرةِ ساحرٍ. تدخلُ الحروبُ منذُ الأزلِ في القائمةِ السّوداء التي غالباً ما تَقضي على مَنظومةٍ كاملةٍ مُتكاملةٍ من الأُسسِ الاجتماعيّة والسّياسيةِ، التّربويةِ والتّعليميةِ على وجهِ الخُصوص. وإن كُنا نعتمدُ في البُنية الأساسيةِ لأيّ مجتمعٍ على عَمليةٍ تربويةٍ تكونُ القاعدةَ الحقيقيةَ لانطلاقِ حضارةٍ مَبنية بواسطةِ أكثرِ الأساليبِ التّعليميةِ حداثةً وأكثرها رُقيّاً؛ يَصيرُ من المؤكدِ يوماً تِلوَ أخر؛ مكانةَ التأسيسِ الفعالِ لِمنهجٍ تربويٍّ يكونُ الخُطوةَ الأولى للنُهوضِ العامِ في المجتمعاتِ التي تَنتظرُ النُّورَ في أخرِ النَّفق. منذُ عام 2011م وحتى عام 2020م شَهدتِ المنطقةُ العربية حَرباً مُدمرةً على مُستوى الإنسانِ بحدّ ذاتهِ، دمرتِ القيمَ الإنسانيّةَ والاجتماعيةَ. استطاعت أن تُعيدَ حالةَ التّعليمِ الجيدِ إلى أقصى درجاتِ التَّردي، ففي عُرفِ الحُروب السّارية لا يمكنُ أن تَدفعَ بالذين تَعرضُوا للتّلويثِ التعليميّ؛ إلى تطويرِ أنظمةِ تعليمٍ مُشابهةٍ للأنظمةِ العالميّةِ، يُعزى ذلكَ وبشدةٍ إلى أنَ الحربَ تدفعُ بِهم للبحثِ عن لقمةِ العَيشِ أو محاولةِ النّجاةِ في عالمٍ يَسودهُ الموتُ والخَوفُ منَ المستقبلِ. انطلاقاً من الحاجةِ المُلحةِ لإعادةِ تبني قَراراتٍ تربويةٍ تخصُّ المدارسَ السّوريةَ الحكوميةَ على وجهِ الخصوصِ، كانَ لا بدَ من إجراءِ بحثٍ مُكثفٍ حَولَ الأمورِ التي خَربتها الحربُ واساءت لعمليةِ تعلّمٍ وتعليمٍ كاملةٍ، ولماذا لا نجدُ مَساراتٍ تثقيفيةٍ حقيقيةٍ يُرادُ مِن خِلالها تَوجيهُ أنظارِ المُجتمعِ التّعليميّ من مدرسينَ ومدرساتٍ إلى بؤرةٍ خطيرةٍ بدأت تتسعُ في مرحلةِ ما بعدَ الحربِ السوريةِ وهي بُؤرةٌ تكادُ تُفسدُ العَملية التعليميةَ والتّربويةَ بِشكلِها الكاملِ بدءاً مِن مَرحلةِ رياضِ الأطفالِ وحتى المرحلةِ الثّانويةِ، حيثُ تَمكنتِ الحربُ وتداعياتِها من تزويدِ الإنسانِ السّوري بإحباطٍ مزمنٍ وسجنتهُ في دائرةِ البحثِ عن الطّعامِ والبقاء بعيداً أو النّجاةِ بحياتهِ لا أكثر. يقولُ نورمان شوارتسكوف : " يدركُ كلّ جندي مُحترفٍ أن الحربَ تعني قتلَ الناس، والحربُ تعني تشويهَ الناس، والحربُ تعني تلكَ العائلاتَ التي تُركت بدونِ آباءٍ أو أمهاتٍ أو أطفالٍ " يُرادُ مِن هذا البحثِ، توجيهَ النّظرةِ السّوريةِ القاصرةِ نحوَ أهميةِ الأجيالِ التي بينَ أيدينا، الأجيالِ المُنقذة لعالمٍ متهاوٍ وما يزالُ يَتهاوى، والتّمهيدَ لبناءِ جسرٍ فَعالٍ يَصلُنا بالآخَرين ويمكّنُنا بِطريقةٍ جدّية مِن فتحِ أبوابِ الحوارِ المُجتمعيّ القائمِ على عَمليةِ تَبادلِ المَعلومات والتركيزِ على أفضلِ ما لدى العولمةِ الفكريةِ بالإضافةِ إلى تَخليصِ تلكَ الأجيالِ مما تراكمَ لدى الكبارِ من مَخاوفَ تِجاهَ الحياةِ العامةِ والحياةِ الاجتماعيةِ بِشقيها الإنسانيّ والشخصيّ. سيتمُ تخصيصُ بعضِ أجزاءِ هذا البحثِ للمدرساتِ حَصراً باعتبارهنَ الغَالبيةَ السّاحقةَ الممسكةَ بدَفةِ التّعليمِ السّوريّ. وَقد أقولُ أن الحربَ السّوريةَ التي مَرت قَد أثرَت بشكلٍ فادحٍ على المرأةِ بشكلٍ عامٍ ولذلكَ فإنَ معالجةَ بضعةِ نقاطٍ تخصُّ هذهِ الحالةَ سيكونُ لها أثرٌ فعالٌ في تجاوزِ أخطاءٍ تعليميةٍ ارتُكبت قبلَ الحرب وبَعدها. إذاً لا بدَ منَ الإحاطةِ الكاملةِ بنَواحي المُشكلة، سَواء تلكَ المُتعلقة بتكوينِ المرأةِ وطبيعتِها المُتغيرة بِسببِ تقلباتِ المزاجِ والتغييراتِ الهُرمونية، أو بِالنواحي التي تَتعلقُ بِنظرتِها نحوَ الطّفلِ باعتبارهِ كائنٌ يحتاجُ إلى العاطفةِ قبلَ حَاجتهِ للتعلمِ، مُروراً بالآليةِ الواجبُ اتباعَها أثناءَ التّعاملِ مع أطفالٍ في سنٍّ حرجةٍ مثلَ سنّ المراهقةِ أو الأطفالِ الذينَ يدخلونَ المدرسةَ في سنواتِ حياتهم الأولى. ولا بدَ أيضاً وبشكلٍ جديٍّ، أن يتمَ إيجادُ حلولٍ تخصُّ المشاكلَ التي تواجهُ المدرساتَ أثناء عمليةِ تثقيفِ وتزويدِ الطّفلِ بالمهاراتِ التّعليميةِ أو الاجتماعيةِ وغَيرها من مَهاراتٍ تربويّة أخرى، وهي مشاكلٌ تتعلقُ بالأداءِ الوظيفيّ خلالَ مُزاولة عَملية التّعليم وبالأداءِ المهنيّ الذي يتطلّبُ قدراً كبيراً مِن الإلمامِ بأسسٍ بسيطةٍ في علمِ نفس الطّفل، إلى تطويرِ المناهجِ التّعليمية وتطويرِ الأساليبِ المُرافقة لعمليةِ طرحِ المَعلومات أو تقديمَها بالشكلِ المُناسبِ والذي يتغيرُ بينَ طفلٍ وآخرَ، إذ لا يمكنُ اعتبار جميعِ الأطفالِ على نفسِ السّويةِ العقليةِ والنّفسية، يجب أيضاً تعزيزُ عمليةِ التّغذية الرّاجعةِ الخاليةِ من تعقيداتِ الأسئلة أو جُمودها، وهي عمليةُ تعزيزٍ تحملُ طابعاً ترفيهياً للطفلِ أكثرَ مما تحملهُ كمادةِ تلقينٍ يجدرُ بالطفلِ حَفظها. سيعالجُ البحثُ أيضاً إمكانيةَ تأليفِ مادةٍ جديدةٍ تحملُ الأثار السّلبية للحربِ حتى يَتم تَلافيها مستقبلاً، ويمكنُ تعميمُ هذهِ الفكرةِ على جميعِ مدارسِ الوطنِ العربي، وأعني مادةً حقيقيةً تحيطُ بكلِّ زوايا الحربِ، دوافعها، نَتائجها وما السّبيل الحقيقي لوقفِ تقدمها. بالإضافة إلى أن هذا البحثَ سيقدمُ حُلولاً مَنطقيةً تدفعُ بالمُدرسينَ السوريينَ وغيرهِم إلى تغييرِ طريقةِ تفكيرهِم الجامِدة وتَحقيقِ أعلى النّتائج تَعليمياً وتربوياً من أجلِ الوصولِ إلى المَرحلةِ الثانية في الفكرةِ النّهضويةِ التي يُراد الوصولُ إليها، إمعاناً في الحصولِ على جيلٍ يُحققُ أعلى درجاتِ التآلفِ المجتمعيِّ والتَرابطِ الاجتماعيّ المَتينِ الذي لا يُمكنُ كسرهُ من خِلال فتنٍ مَدروسة أو أفكارٍ متطرفة. أولاً ـ تحديدُ المُشكلة: ـ تحويلُ سَاحةِ المَدرسةِ من سَاحةٍ ممتلئةٍ بالأنشطةِ التّعليميةِ الهادفةِ والممتعةِ إلى ساحاتٍ لتفريغِ الضّغوطاتِ الحيّاتيةِ اليوميةِ التي تُعاني مِنها المُدرّسة على وجهِ الخصوصِ، بالإضافة إلى عدمِ اتخاذِ عملِ التّدريسِ على مَحملِ الجِد، باعتبارهِ أكثرَ الأعمالِ قُدسيةً؛ إذ يُهيأ الأجيالَ لتسلّم دَفة مُجتمعٍ بِكامله. ـ عَدمُ الحصولِ على ذخيرةٍ تثقيفيةٍ، تعليميةٍ كافيةٍ لدى المُدّرسَة وعدمُ مُتابعتها لقوانينِ عِلم النّفسِ التي مِن شَأنها رَفع قُدراتها التّربويةِ وتَمكينها على وجهِ الخُصوصِ مِن مُعالجةِ ما يُواجهُ عَملها من مَشاكلَ تَنمو بَينَ التلاميذِ بطريقةٍ أو بِأخرى أو هي مَشاكلٌ تُعزى إلى وجودِ الحربِ أولاً والخلافاتِ العائليةِ ثانياً، إضافةً للمشاكلِ الشّخصيةِ المُرتبطةَ بالنّموِ البدنيّ والنّفسي والعَقلي للطَالب. ـ عدمُ وجودِ منهاجٍ موحدٍ بينَ مراحلِ التّعليمِ الأساسيّ ومرحلةِ التعليمِ الإعدادي والثّانوي، وهوَ منهاجٌ يتطورُ تباعاً وفقَ نموِ الطالبِ ونضجهِ وانتقالهِ من صفٍ إلى صفٍ أعلى، منهاجٌ يزودهُ بأساسياتِ التعاملِ الأخلاقي والإنساني ويبلورُ نتائجَ الحربِ في حوادثَ حقيقيةٍ مرّت على سكان المنطقة، يزودهُ المنهاج أيضاً بطرقِ التنفيسِ عن مشاعرهِ السّلبيةِ ويساعدهُ على تجاوزِ مشكلاتٍ آنيةٍ أو مشكلاتٍ يبدو أنها سَتزيدُ على المدى البَعيدِ، مثل مواجهة نوباتِ الهلعِ الناتجة عن إجراء امتحانٍ مهمٍ أو إحباطٍ ناجمٍ عن رسوبٍ أو اكتئاب نتيجةَ عواملَ متعددةٍ أدت في النّهايةِ لنشوءِ مشكلةٍ مزمنةٍ لدى الطّالب. ـ عدمُ التركيزِ على بلوغِ المّدرّسة أقصى درجاتِ الرّقي في التّعاملِ الإنساني معَ طفلِ المرحلةِ الأولى وهي مرحلةُ رياضِ الأطفالِ حيثُ لا يتمُ إعدادُها لتكونَ ذاتَ طبيعةٍ مرادفةٍ لطبيعةِ الأمِّ وهنا تقدمُ نوعاً معززاً من العاطفةِ مع قليلٍ من عمليةِ التّعليمِ بحيث لا يطغى التّعليم على إشباعِ الطّفلِ عاطفياً، كما وأنهُ لا يتمُ إعدادُها لتكونَ جيدةً جداً في تعامُلها مع تلاميذِ المراحلِ الأخرى وهنا تجدرُ الإشارةُ إلى ضرورةِ امتلاكِها شخصيةً جدّيةً إلى مرحةٍ بعضَ الشيء، فعمليةُ المزجِ بين القسوةِ المطلوبة في بعضِ الظّروف والضحكِ هي عمليةٌ ناجحة وتؤتي النّتائج التّربويةَ اللازمةَ أثناءَ تنشئةِ الطفل تعليمياً وتربوياً، بالإضافةِ إلى أنها تزرعُ فيهِ الثّقةَ بالنّفسِ والقدرةَ على مواجهةِ المُشكلاتِ. في البدايةِ لا بدَ من فهمِ طبيعةِ التّعليمِ في سورية، مَراحلُ التعليمِ وشروطهِ وهي على الشّكلِ التّالي: في فترةِ ما قبلَ الحربِ، ما قبلَ عام 2011م؛ يعدّ التَعليمُ وفقَ الدّستورِ السّوري حقٌ من حقوقِ السَوريينَ جميعَهم، وهو إلزاميٌّ ومجانيٌّ في مرحلةِ التّعليمِ الأساسي، وغيرَ إلزاميٍّ في مرحلةِ التّعليمِ الثّانوي وأما في مرحلةِ التّعليمِ الجَامعي فيعدّ مُتاحاً برسومٍ رمزيةٍ، تستطيعُ العائلاتُ التي تعتبرُ من ذوي الدّخلِ المحدودِ، إرسالَ أبناءَها للجامعاتِ بيسرٍ وسُهولة. يعتبرُ التعليمُ السّوريُّ، تعليماً جيداً مُقارنة بالتّعليمِ في الدّولِ المُجاورة، وفي فترةِ ما قبلَ الحربِ كانت مهمةُ الدّولةِ بانتظامِ؛ تطويرَ المناهجِ التعليميةِ أُسوةً بالبلادِ المُتقدمةِ وتأكيداً على ضرورةِ مُواكبةِ التّحضّر المجتمعيّ القائمِ على تحسينِ مُستوى التّعليمِ وتحديثهِ بجميعِ الوسائلِ المُتاحة، وهذا ما شهدناهُ في الفتراتِ السّابقةِ من الحربِ، حيثُ تمكنتِ الدّولة من توفيرِ مُستلزماتٍ تعليميةٍ وتربوية وتقنيةٍ جيدةٍ لجميعِ مدارسِ القطرِ مِثل شاشاتِ العَرضِ وأجهزةِ الإسقاطِ والحواسيبِ، ووفرت قُروضاً تَكفلُ لكلِ مدرسٍ الحصولَ على حاسوبٍ خاصٍ بهِ بكلِ سهولةٍ ودونَ أن تفرضَ أعباءً إضافيةً عليهِ متمثلةً برسومٍ لا يستطيعُ دفعَها من راتبهِ الشّهري. يمكنُنا ملاحظة أن الوضعَ المعيشيَّ للمواطنِ السوري كان في تقدمٍ وكانَ التّعليمُ يَحظى بالإقبالِ الشديدِ من قبلِ الأهالي أنفسِهم الذين اعتبروا أنَ نهضةَ بِلادهم ورفعَتها تحصلُ من خلالِ تقدُم أبناءهِم وتطورِ مَعارِفهم على المَدى الطّويل. وباعتبارِ أن سورية كانَت ولا زالت مَركزاً حَضارياً هاماً في منطقةِ الشّرقِ الأوسطِ حيثُ تمَّ اكتشافُ أولِ أبجديةٍ فيها وهي أبجديةُ أوغاريت، فإن نظرةَ القائمينَ على تطويرِ العَملية التّعليميةِ والتّربويةِ غدت في اتساعٍ، فتمَ الانتقالُ من مهمةِ تطويرِ المناهجِ الدّراسية إلى تطويرِ مفاهيمِ المُدرسينَ والمُدرِّسات حولَ تحديثِ أساليبِ التّعليمِ وإحداثِ تغييراتٍ جذريةٍ وحقيقيةٍ في البُنيةِ الدّاخليةِ للمدارسِ وربطِ مفهومِ التّعليمِ الدّاخلي في المدارسِ بالتّعليمِ الخارجي، مع المدارسِ الأُخرى لتأتي فكرةُ مسابقةِ الرّوادِ على عدةِ مُستوياتٍ، مثلَ مستوى المنطقةِ ومن ثُم مستوى المُحافظة وانتهاءً بمستوى القطر. بالإضافةِ إلى تعزيزِ قيمةِ المُعلمِ من خلالِ تخصيصِ شهاداتِ تَميزٍ وتقديرٍ للمُعلمِ الذي بذلَ جهداً كبيراً في عَمليةِ التّعليمِ وأثناءَ مسيرتهِ المِهنية. يُقسم التعليم في سُورية إلى مرحَلتين؛ مرحلةُ التّعليمِ ما قبل الجامعي ويشملُ: 1ـ مرحلةُ رياضِ الأطفالِ وهي تُعتبرُ مرحلةَ تعليمٍ غيرَ إلزاميةٍ تتراوحُ مدةُ التّعليمِ فيها من سنةٍ إلى سنتينِ وفقَ المنهجِ الذي تضعهُ ( الحَضانة ). لا توجدُ رياضُ أطفالٍ رسميةٍ وهي غالباً ما تكونُ خاصةً أو تابعةً لنقابةِ المُعلمينَ أو الاتحاد العامِ النِّسائي. 2ـ مرحلةُ التّعليمِ الأساسي: المرحلةُ الأولى و التي تَمتدُ من سِن السّادسة ( الصّف الأول ) وحتى سن الثّانية عَشرة ( الصّف السّادس) وتُوصفُ هذهِ المَرحلة بالحلقةِ الأولى وهي إلزامِيةٌ كما وأَنها مَجانيةٌ بالكاملِ في جميعِ مدارسِ الدّولة. المرحلةُ الثّانيةُ التي تمتدُ من سنِ الثّالثة عشرة ( الصّف السّابعِ ) وحتى سنِ الخامسةِ عشرة ( الصّفِ التّاسع) وتعدّ هذه المرحلةُ إلزاميةٌ كما وأَنها مَجانية، وتُوصف هذهِ المرحلة بالحلقةِ الثانيةِ. 3ـ مرحلةُ التّعليمِ الثّانوي : هذهِ المرحلةُ الممتدةُ من سنِ السّادسةَ عشرة ( الصّف العاشر ) وحتى سنِ الثّامنة عشر ( الصّف الثّالثِ الثانوي ـ البكالوريا )، تُعتبرُ مرحلةٌ تعليميةٌ غيرَ إلزاميةٍ وهي مجانيةٌ تقريباً، تُقسمُ هذه المَرحلة إلى : ـ التعليمُ الثّانوي العامُ بفرعيهِ الأدبيّ والعلمي. ـ التّعليمُ الثّانوي المِهني بفروعهِ ( زراعة ـ صناعة ـ نسوي ـ تجارة ـ معلوماتية ـ سياحة وفنادق ) ـ التّعليمُ الثّانوي الشّرعي. بعدَ تلكَ المَراحلِ التّعليميةِ تبدأُ مرحلةُ التّعليمِ العَالي ( التّعلمُ في الجَامعاتِ ) حيثُ توجدُ جامعاتٌ حكوميةٌ توفرُ تعليماً مُساعداً للطالبِ وبرسومٍ رمزيةٍ كما وتتوفرُ جَامعات خاصةٌ بأقساطٍ سنويةٍ، يمكنُ للطالبِ اختيارَ نوعِ التّعليمِ المُناسب لدرجاتهِ التّعليمية مثلَ التعليمِ الموازي أو التعليمِ المفتوح أو التَعلم الافتراضي عبرَ الانترنت تبعاً للطريقةِ أو الأسلوبِ التَعليمي الذي يُفضل. وفقَ احصائيةٍ تم اجراؤها عام 2006م ( حسب ويكيبيديا ـ التعليم في سوريا ) فإنِ نسبةَ القادرينَ على القراءةِ والكتابةِ في سورية هي نسبةُ جيدةٌ جداً تتجاوزُ 83% ـ 86% إناث ـ 55% ذكور. ووفقاً لتلكَ الإحصائيةِ فإنَ سورية تتربعُ في المَرتبةِ التّاسعة بينَ الدّولِ التي تُحارب مَحو الأميّة. يمكنُ القولُ أن فترةَ ما قبلِ الحَربِ كانت تعدُّ بالكثيرِ في المجالِ التّعليميّ، وكانت مَنظومةُ التّعليمِ تَجري على قدمٍ وساقٍ وفقَ المَعاييرِ الأوروبيةِ الحَديثة، مع الإشارةِ إلى أن وضعَ المُدرِّسات بدا بأفضلِ حالاتهِ مما انعكسَ إيجاباً على طرائقِ تقديمهنَ المَناهجَ التّعليمية، وتطويرَها مع الطلابِ جنباً إلى جنب، ساهَمت مُنظمة طلائعِ البعثِ واتحاد شبيبةِ الثّورة بدعمِ الأساليبِ التّربويةِ الحديثةِ من خلالِ ندواتٍ تثقيفيةٍ لكلٍّ منَ المُدرِّسات والتّلاميذ كما وقدمَت لَهم رحلاتٍ ومُسابقاتٍ تربويةٍ هادفةٍ بالإضافةٍ لتَعريفهم بالواقعِ المجتمعيِ السّوري وتوثيقِ أواصرِ التّلاحم والترابط الأسري في المناطقِ السّوريةِ جَميعها، كما في تجربةِ استقبالِ محافظاتٍ معينةٍ لأطفالٍ طلائعيينَ مِن محافظاتٍ مُختلفةٍ في فترةِ مُسابقة الرّواد على مُستوى المنطقة. ( على سبيلِ المثال : يقضي الطليعيّ القادمُ من دمشق فترةَ المسابقة لدى عائلةٍ في طرطوس ) في فترةِ ما بعدَ الحرب؛ ما بعدَ العام 2011م ، وبعد اشتعالِ المنطقةِ وتوترِ الحالةِ الاجتماعية والسّياسية والاقتصادية في البلادِ، تراجَعتِ العمليةُ التعليميةُ السّوريةُ بشكلٍ واضح. إن أيةَ عمليةٍ تعلّم يُرادُ لها تحقيقَ النّتائجِ المَطلوبةِ لدى المُتلقي هي عمليةٌ خاليةٌ من الضغوطاتِ الخَارجيةِ، وهي عمليةٌ يسكُنها الشَّغف والرّغبة بتقديمِ أقصى المَعرفةِ للمُتلقي، وبما أنَ الحربَ تزيدُ من حَالةِ القلقِ لدى المُدّرساتِ اللواتي يُعلّمن الطُّلابَ في المدارسِ الحكوميةِ، كما وتعملُ على رفعِ حالةِ الاحباطِ لديهنَ فإنَ أيةَ مُحاولةٍ منهن لترميمِ الفاقدِ التّعليميّ لديهم هي مُحاولةٌ عَبثيةٌ ما لم يَتم مُعالجة الاحباطاتِ المُحيطةِ بهن بدءاً من الواقعِ المعيشيّ السّيء، مُروراً بتحسينِ شُروطِ التّعليمِ من تَنقلاتٍ مُتوفرةٍ و توفيرِ الكُتبِ الدّراسية والقرطاسيةِ وكذلكَ إمكانيةَ إدخالِ البهجةِ إلى قلوبِهن بالإشارةِ إلى جُهودهن المَبذولة تجاهَ عمليةِ التَعليم من خِلال تقديرِ هذا الجَهد أو توفيرِ مِنحٍ نقديةٍ رمزيةٍ للمعلماتِ اللواتي يَلتزمن بأداءِ الرِّسالةِ التَّربويةِ على أحسنِ صُورة. نعودُ إلى المشكلاتِ التي تمَّ تحديدُها في بدايةِ هذا البحثِ وقراءتِها بتمعنٍ ثم تَحليلُها للوقوفِ على أسبابِها مع طرحِ جميعِ الأسئلةِ المُمكنة حولها وإطلاقِ حُلولٍ مُعينةٍ لمُعالجتها. ( المشكلة الأولى ، وصفها، تحليلها وتقديم الحلول المناسبة ) ( تحويلُ سَاحةِ المدرسة من سَاحةٍ ممتلئةٍ بالأنشطةِ التّعليميةِ الهادفةِ والممتعةِ إلى ساحاتٍ لتفريغِ الضّغوطات الحياتيّة اليوميةِ التي تُعاني منها المُدّرِسَة على وجهِ الخصوص، بالإضافة إلى عدم اتخاذ مهنةِ التّدريس على محملِ الجد، باعتبارهِ أكثرَ الأعمالِ قُدسيةً ويهيأ الأجيالَ لتسلمِ دَفة مُجتمعٍ بكاملهِ ) لا يُخفى أمرُ التهاءِ النَّاسِ عموماً بالنتائجِ المُزريةِ التي تُخلِفُها الحربُ وراءها، وهي نتائجٌ على جميعِ الأصعِدة، الاجتماعيةِ والسِّياسيةِ والاقتصاديةِ والنّفسية. تَواري النّاس خلفَ لُقمةِ العيشِ ستجعلُهم يَنخرطونَ في أعمالٍ أخرى مَما يؤدي إلى ابتِعادِهم عن شَغفِهم الحقيقيّ في الحياةِ أو التَخلي عن إدارةِ أعمالِهم ذاتِ المُستوى المعيشيّ الأقلِ في سَبيلِ إدارةِ أعمالٍ أكثرِ إنتاجيةٍ، وإذ يعدُّ التّعليمُ في سورية بعدَ الحربِ من أكثرِ الأعمالِ التي لا تَلقى اهتماماً ماديّاً أسوةً بالمجتمعِ اليابانيّ على سبيلِ المثالِ حيثُ يعدّ راتبُ المعلمِ من أكثرِ الرَّواتبِ ارتفاعاً في اليابان إذ ينظر من خلالِ التّجربةِ اليابانية في التّعليمِ إلى المُدرسِ على أنهُ صَانعُ مُجتمعٍ بِحاله. عندما تصطدمُ المرأةُ بجوٍ اقتصاديٍّ سَيءٍ، وواقعٍ اجتماعيٍّ لا يُعولُ عليه فإنها سَتكون أكثرَ عُرضة للاكتئابِ مقارنةً بنظيراتِها اللواتي تتوفرُ لهنَ حياةٌ جيدةٌ على المُستوى المَعيشي، وبالتالي أمرُ تَحويلِ طاقتِها السّلبية الدّاخليةِ المُتزايدة يَوماً تلوَ آخر إلى طَاقةٍ مُنبعثةٍ من دَاخِلها نحوَ الخَارجِ، هي نتيجةٌ حقيقيةٌ ومنطقيةٌ للحالةِ النّفسيةِ التي تَسودُ عَالمَها، لذلكَ فإنَ تَعامُلها مع الآخرين سينسجمُ مع أفكارِها حولَ مَا يفرضهُ الواقعُ من تَصدعاتٍ ومُستقبلٍ بائسٍ، ماذا لو كانت هذه المرأةُ التي تتعرضُ لمثلِ هذهِ الضّغوطاتِ هي مُدّرسة أيضاً؟ بالطبعِ لا يمكنُ للمعلماتِ اللواتي يَستلمنَ أكثرَ مِن عملٍ في الوقتِ ذَاتهِ بممارسةِ عَملٍ إلى حدّ الاتقانِ، فالتّعليمُ المتميزُ يَتطلبُ تفرُغاً نسبياً، أي أنَ لا تخضعَ فيهِ المُدّرسة لأعباءٍ تَفوقُ طَاقتها ومن هُنا يجدرُ تقديمَ المُساعدةِ النّفسيةِ اللازمةِ للمدّرِساتِ اللواتي أثرَّت عليهنَ الحَرب ونتائِجها البَائسة، حيثُ يمكنُ تخفيفُ سَاعاتِ العملِ واخضاعِهن لبرامجِ فُنونٍ؛ تُفرغُ طاقتهنَ السّلبية وهي برامجٌ مُعدّة خِصيصاً لهنَ، برنامجٌ ترفيهيٌ للمُعلمات تُستخدمُ فيهِ المُوسيقا كآليةِ عِلاج، أو توفيرَ أماكنٍ خَاصةٍ للمُعلماتِ وهي أماكنُ استجمامٍ بأسعارٍ رمزيةٍ، إن تلكَ الطّاقةَ السّلبية التي نتحدثُ عَنها إن لم تَجدَ مَكاناً تتطفلُ عليهِ وتنسحبُ إليهِ، ستتحولُ ولا بدَ إلى صراخٍ مستمرٍ في وجهِ التّلاميذِ وإلى شتائمَ تُلغي صِفة الرَقي واللباقة لدى المُعلمة بالإضافةِ إلى إحاطةِ التّلاميذِ بضغوطٍ هُم في غِنى عَنها، يجبُ مُعالجةُ الضُّغوطاتِ التي سَببتها الحربُ للمعلماتِ اللواتي يَعملنَ داخلَ وخارجِ المنزلِ ويستهلكنَ طَاقتهنَ في تنظيمِ أعمَالهن غيرِ المُنتهيةِ، كما ويمكنُ توفيرَ برامجٍ تَدريبيةٍ من شَأنِها تخليصَ المرأةِ المُدّرسة من تَوترها الشخصي باستخدامِ تقنيةِ اليوغا أو الاسترخاء ويمكنُ إرفاقُ هذهِ الحصةِ بجدولِ الحصصِ المخصصِ لتعليمِ التّلاميذِ وبذلكَ نجدُ أنهُ سيكونُ منَ المُمتعِ متابعةُ عَملِها المُرهقِ نوعاً ما في عمليةِ تلقينِ التّلاميذِ ما أمكنَ منَ المعارفِ وبينَ التّخلصِ من إرهاقِها خِلال عمليةِ التّلقين. يمكنُ أيضاً تخصيصُ مُعالجٍ أو مُعالجةٍ نفسيةٍ في كلّ مَدرسةٍ منَ المدارسِ السُّوريّة الحكومية، وهو مُعالجٌ على قدرٍ كبيرٍ من الثّقة ويكونُ قد خضعَ لاختباراتٍ كثيرةٍ تجعلهُ أهلاً للتَعاملِ مع مدّرساتٍ أو مدرسينَ مُحبطينَ بسببِ ضغوطاتِ الحياةِ اليوميةِ، من خلالِ توفيرِ أساليبِ التّعاملِ الجيدِ والخلّاقِ مع المشكلةِ، و التّخلصِ مِنها في زمنٍ قصيرٍ، أو مُساعدتِهم على تفريغِ طاقاتٍ سلبيةٍ يوميةٍ وبذلكَ فهُم لا يراكمُونها يوماً تلوَ آخر. كما وأنهُ بإمكانِ هذا المعالجِ امتلاكَ صلاحياتٍ تُعطيهِ القدرةَ على التّمييزِ بينَ المدرّساتِ أو المُدرسينَ الذين يَملكونَ القُدرةَ على بلوغِ أداءٍ وظيفيٍّ باهرٍ مهما واجهتهُم من مُشكلاتٍ وبينَ مُدرسينَ أو مُدرساتٍ لا يملكنَ أيةَ فرصةٍ في احرازِ تَقدُمٍ خلالَ العمليةِ التّعليميةِ أو أنهم سيشكلونَ عِبئاً أكثرَ على سيرِ العَمليةِ التّربويةِ في المدرسة. يقومُ هذا المعالجُ باستخدامِ تقنيةِ ( اختبار ملغرام *1 ) يمكنُ من خلالهِ التعرفَ على الأشخاصِ الذين يزاولونَ مهمةَ التّدريسِ واكتشافِ قُدرةِ كلّ منهم على التّسببِ بألمٍ للأشخاصِ الآخرين ( التّلاميذ على سبيلِ المثالِ ).
ملغرام * : دراسةٌ سلوكيةٌ للطاعةِ أجراها ستانلي ملغرام، عام 1963م . يقولُ ستانلي ملغرام : لقد قمتُ بإجراءٍ بسيطٍ لقياسِ كمية الألم التي يمكنُ لشخصٍ عاديٍ أن يسببها، لشخص آخر، بما يتعارض مع مبدأ عدم إيذاءِ الآخرين مهما حدثَ وفي ظلِ أية ظروف، حيث قد تفوزُ رغبةُ الشخص بإيذاءِ شخصٍ آخرَ إلى درجةٍ لا يتصورها عقل. ( المشكلة الثانية، وصفها، تحليلها وتقديم الحلول لها ) ( عدمُ الحصولِ على ذخيرةٍ تثقيفيةٍ كافيةٍ لدى المُدّرِّسة، وعدمُ إلمَامها ببعضِ قوانينِ علم نفس الطّفل التي من شَأنها رفعُ قُدراتِها التّربويةِ وتمكينِها على وجهِ الخُصوصِ أن تعالجَ ما يواجهُ عَملها من مشاكلَ تنمو بينَ التّلاميذِ، وهي مشاكلٌ تُعزى إلى وجودِ الحربِ أولاً والخلافات العائليةِ ثانياً، إضافةً للمشاكلِ الشّخصية المرتبطةِ بالنّمو البدنيّ والنفسيّ والعقلي للطّالب) ـ وفقَ ما ذُكرَ في الموسوعةِ الشّاملة على الأنترنت تحتَ عنوان التّعليمِ في مرحلةِ الطّفولة المبكرة : يتطلبُ تدريسُ الأطفالِ بعضَ المؤهلاتِ مِن المعلمينَ الذين يتطلعونَ إلى الانخراطِ في هذا المجالِ، تشيرُ شَهادةُ التّعليمِ للسّنواتِ المُبكرةِ إلى أن المُعلمَ استوفى مَجموعةً من المعاييرِ التي تُوضحُ أنهُ على درايةٍ بأفضلِ الأساليبِ التّعليميةِ والتربوية . ما الذي يُقصد بجملة ( مجموعةٌ منَ المعاييرِ ؟) إنهُ لمنَ الواضحِ أن عمليةَ التعلّم لا تأتي عن عبثٍ، ثمةَ من يمتلكُ درايةً واسعةً تحيطُ علماً بجوانبِ النّفسِ الإنسانيةِ وكما لديهِ القُدرةَ على تحليلِ واستنباطِ الحلول من مجموعةِ مشاكلَ تظهرُ فجأةً، إن القائمَ على تعليمِ فئةٍ معينةٍ منَ التّلاميذِ هو قائمٌ على تعليمِ ذاتهِ أولاً، ففكرةُ التّعلمِ بحدِّ ذاتها تَعني المُتلقي والذي يقومُ بإلقاءِ بالمعلوماتِ وتَقديمها، هي عمليةٌ متبادلةٌ حيثُ يُمكنُ في أوقاتٍ كثيرةٍ أن يُقدمَ الطّالبُ مَعلومةً ما؛ وهنا على المُعلم تنفيذُ سلسلةٍ من الأفعالِ المُتوقعةِ مثلَ الثّناءِ على التّلميذِ أو توظيفَ معلومتهِ أثناءَ شرحِ الدّرس. في الدّول الُمتقدمةِ يتمُ التّركيزُ فعلياً على مَرحلةِ الطّفولةِ المُبكرة وقد قلتُ سَابقاً أنها مرحلةُ رياضِ الأطفال وهي غيرُ رسميةٍ في سورية ولكنها مُستحدثة عبرَ قطاعات خاصة، والواضحُ من خلالِ الكثيرِ من الدّراسات حولها أنها من أهمِ فتراتِ حياةِ الطّفلِ التي يُمكن من خلالها تزويدهُ بشتى الوسائلِ والمعارفِ المُساعدة له على المدى البَعيد سواءٌ بعلاقتهِ مع والديهِ أو علاقتهِ مع المحيطِ المُتغير. ووفقَ دراساتٍ حديثةٍ فإنَ تعليمَ الأطفالِ في الصّغر يؤثرُ على مهمةِ صِناعتِهم للقرارِ في الكبرِ، وهذا بحدِّ ذاتهِ يُعتبرُ باباً سِحرياً يمكنُ الولوجُ من خلالهِ إلى جيلٍ يرفضُ التّطرفَ الإنسانيّ ويركزُ على عدمِ الوقوعِ في الأخطاءِ مستقبلاً. المُشكلةُ الحقيقةُ تكمنُ في عدمِ فَهمِ الكثيرِ من المُدرِّساتِ لهذهِ النّقطةِ بالذاتِ واعتبارُ رياضِ الأطفالِ مُجردَ مرحلةً ترفيهيةً يُرادُ من خِلالها تمريرَ وقتَ الطّفلِ بحيث يَتسنى لهُ الابتعادُ عَن أهلهِ لبعضِ الوقتِ أو يُرادُ لهُ تحويلَ طاقتهِ أو التّخلصَ منها كَيفما اتفق! لم تبلغْ رياضُ الأطفالِ في سورية حتى الآن المُستوى المَقبولَ أو المُستوى الجيد جداً الذي يُركزُ على طاقةِ الطفلِ تنموياً وفكرياً كحالِ رياضِ الأطفالِ في أوروبا حيثُ يتعلمُ الطّفلُ في الرّابعة من عمره لغتين وثلاثة لغاتٍ ويخضعُ لدوراتٍ تؤهلهُ للقراءةِ والكتابةِ بحيث يتوجهُ تلقائياً كَحالِ المُحيطينَ فيهِ نحوَ القراءةِ واكتسابِ المَعرفةِ من الكُتب! ما يطرحُنا أمامَ مشكلةٍ مُتشعبةٍ أخرى وهي عَدمُ تشجيعِ الطّفلِ على القراءةِ، على هذهِ الحال فإن إمكانيةَ تشجيعِ المُدّرسَة على قراءةِ الكتبِ هي إمكانيةٌ لا طائلَ مِنها، فالفكرةُ التي تزدادُ اتساعاً في فترةٍ ما بعدَ الحربِ هي أن ثورةَ الجياعِ أقوى من ثورةِ القلمِ والكتابِ وأن الاندفاعَ نحوَ تأمينِ المعيشةِ يطغى على زيادةِ النمو فكرياً، وهذا مبدأٌ خاطئٌ تماماً، إذاً تدخلُ المُدّرِسَة بعد تلقِيها التّعليمَ الجامعيّ إلى مدرسةٍ حكوميةٍ ما؛ وتبدأُ بعملِها التّدريسيّ بشكلهِ المُمل! لا أنكرُ احتواءَ المنهاجِ الجامعيّ في كليةِ التّربية قسم مُعلم صَف على أساسياتِ التّعاملِ معَ الطّفلِ والتّربيةِ العامةِ وعلم النّفس ولكنها أمورٌ شكليةٌ لا تأتي بمشكلةٍ حقيقيةٍ وتحللُها وتُعالجُها، لا يغدو الأمرُ كونهُ نَظرياً، وأن عمليةَ تلخيصِ تلكَ الكُتب سوفَ تقللُ من المُحتوى التّثقيفي للكتابِ نَفسهِ مما يُعرضهُ لعمليةِ مَسخٍ كاملةٍ، وبالتّالي لا يتمُ الاستفادةُ من مهاراتهِ العَملية. المُدّرِسَةُ السّوريةُ تدخلُ الجامعةَ في أغلبِ الأوقاتِ كي تحصلَ على عملٍ بعدَ التّخرجِ، إن عمليةَ التّعليمِ لا تحظى بِشهرةٍ واسعةٍ إلا بسببِ العُطلةِ الصّيفيةِ التي تجدُ فيها المُدّرِسةُ وقتاً طويلاً للراحةِ مما يُعرضها حتماً للابتعادِ عن جوِّ التّدريسِ وانخراطِها في حياةٍ مُملةٍ وغير مثمرةٍ على الصّعيدِ المِهني. يمكنُ إلغاءُ فكرةِ توجُه المدّرسَات للقراءةِ واكتسابِ مَعارفهنَ التَّنمويةِ والتّثقيفيةِ بأنفُسهن وإخضاعِهن خلالَ العُطلةِ الصّيفيةِ إلى برنامجٍ يختصرُ لهنَ عدةَ كتبٍ بِطريقةٍ ممتعةٍ بعضَ الشيء، ويعرفهنَ على أهدافِ العمليةِ التّعليميةِ وأثرَها على مُجتمعهن، إن إظهارَ الكيفيةِ التي تعملُ الحربُ على نَشرِ خَرابها من خِلالها هي مهمةٌ ليست سَهلة ولكنها بالتأكيدِ ستحولُ مَسارَ المدّرسَاتِ الفكري مِن بليدٍ إلى مُتفاعل، ومن عَملية الاختباءِ والنأيِّ عَن النّفس إلى عمليةِ الانخراطِ والدفاعِ. يمكنُ تلخيصُ هذا البرنامجِ الصّيفي إلى قسمين ويكونُ على الشّكلِ التّالي : 1ـ تعريفُ المُعلماتِ واطلاعِهن على التّجربةِ اليابانيةِ في العَمليةِ التّعليميةِ وهذا يتطَلبُ بَحثاً مكثفاً حولَ التّعليمِ اليابانيّ ومدى جِدّيته وما هي الأساليبُ الحديثةُ التي يَتبعها في سبيلِ تَنميةِ الطّاقةِ الطّلابيةِ ورفعِ مُستواها العلميَ والثقافيَ ولماذا تُعدّ التّجربةُ اليابانيةُ من أهمِ التّجاربِ التّعليمية؟ وما هي نقاطُ الضّعفِ فيها والتي يجبُ التّغاضي عَنها وعدمُ الآخذِ فيها؟ ـ يَصلُ عددُ أيامِ العامِ الدّراسيّ في اليابانِ إلى 240 يوماً دراسياً ( أي طوالَ العامِ ) ويُقسم العامُ الدّراسيُّ إلى ثلاثِ فُصول تبدأُ من أولِ إبريل وتنتهي في نِهاية مارس مِن العامِ التّالي، الفصلُ الأولُ من شهرِ إبريل وحتى نهايةِ يوليو، الفصل الثاني من شهرِ أيلولَ وحتى نهايةِ كانونَ الأولِ، الفصلُ الثالثُ من بدايةِ شهرِ كانون الأول وحتى نهايةِ شهرِ مارس. / إن توزيعَ العَمليةِ التّعليميةِ على مدارِ العامِ، يعدّ فُرصةً عَظيمةً لتخريجِ جيلٍ مِنَ الطّلابِ يُتابعُ بشكلٍ مُستمرٍ عَمليةَ التّعلمِ ويمكّنهُ بطريقةٍ سَلسَلة من فهمِ واستيعابِ الموادِ الدّراسيّة المقدمةِ لهُ، كما ويُبقي المُعلماتِ على احتكاكٍ وثيقٍ بِعمليةِ التّعليم/ بالنسبةِ للإجازاتِ في اليابانِ، فهي متعددةٌ وقصيرةٌ تُمنحُ ما بينَ الفُصولِ الدّراسيةِ وإن كَانت أطولُ إجازةٍ تُمنحُ من نهايةِ يوليو وحتى نِهاية آب. / وهي شبيهةٌ بالعطلةِ الصّيفيةِ في سورية ولكنها أقل تضييعاً للوقتِ فهي مُمتدةٌ على مدارِ شهرٍ واحدِ فقط، فيما تمتدُ العُطلةُ الصّيفية في سورية على مدارِ ثلاثةِ أشهُر! / ماذا عن المَناهجِ في اليابان؟ إن الطّالبَ اليابانيّ في المَرحلةِ الثّانويةِ والذي لا يتجاوزُ عُمرهُ أربعةَ عشرة عاماً، يكونُ قد تعرضَ لتعليمٍ لم يتعرضْ لهُ طالبٌ في أمريكا وعمرهُ ثمانية عشرة عاماً، يَرجعُ ذلك في الدرجةِ الأولى لنظامِ المنهاجِ التّعليمي الموجودِ في اليابان وطريقةُ تَعليمِه أو تَقديمه، إذ يتمُ بناؤها وتَطويرَها وفقاً للمَعاييرِ التّاليةِ : ـ الاعتمادُ على الدّراساتِ البَحثيةِ المُتخصصةِ من خلالِ المُؤسساتِ الحُكومية. ـ أخذُ آراءِ أولياءِ الأمورِ فيما يُقدمُ لأبنائهِم من خَدماتٍ تَعليمية. ـ التّطويرُ وفقَ المُستجداتِ والتّطوراتِ التّعليميةِ والتّقنيةِ، وتشكيلُ لِجانٍ مِن أجلِ هذا الخُصوصِ ( مركزيةٌ وفرعيةٌ ) . ـ الاعتمادُ على النّاتجِ الوطني في التّعليم. كما وتجدرُ الإشارةُ إلى أنَ اختيارَ الكُتبِ المَدرسية في المرحلتينِ الابتدائيةِ والثّانويةِ يتمُ كلَّ ثلاثِ سنواتٍ، بمعنى أن الكُتبَ تُستخدمُ لمُدةِ ثلاثِ سنوات قَبل تغييرها. تُوزعِ الحُكومةُ اليّابانيةُ الكُتبَ المَدرسيةَ مَجاناً في جميعِ المَراحلِ حتى المَدارسَ الخَاصة، لكن في مرحلةِ التّعليمِ الثّانوي العالي، يَشتري الطُلابُ كُتبَهم مِن المَكتبات. بالنسبةِ لنظامِ التّعليمِ الثّانوي فإنهُ يتمُ وفقَ نظامِ الحضورِ الجِزئيّ أو بالمُراسلةِ / وهذه نقطةٌ مُهمةٌ يجدرُ الوقوفُ أمَامها مُطولاً، إذ أنَ مِثلَ هذهِ الأنوَاع مِن أنظمةِ التّعليمِ يَتركُ مَجالاً مُريحاً للطالبِ تُمكّنهُ من الحُصولِ على التّعليمِ الجيدِ دونَ تَلقي الضّغوطاتِ المُختلفة المُتعلقة بشخصيتهِ الحسّاسة أو تلافياً لتعريضهِ إلى تأقلمٍ غيرِ مُحببٍ وسطَ مجتمعٍ لا يشاركهُ اهتماماتهُ ذاتَها/ هناكَ أيضاً سِت مجالاتٍ للدّراسة في اليابان، الصّحة والمجتمعُ والطّبيعةُ والمُوسيقا والفنَ واللغةَ، يبدأُ تَدريسُها في رياضِ الـأطفالِ؛ ودورِ الحَضانة اليابانيةِ تشبهُ رياضَ الأطفالِ من ناحيةِ مَجالات الدّراسة، حيثُ تبدأُ مدارسَهم أنشطتَها التّعليمية بمبدأِ اللعبِ الحرّ كبداية تَشجيعية. أما في التَعليمِ الابتدائي حيثُ ينصُ قانونُ التّربيةِ المَدرسية الصّادر عام 1947م في التأكيدِ على غرزِ الرُّوحِ التّعاونية، ومعرفةِ التقاليدِ المَحليةِ والقوميةِ، وغرزِ روحِ التّفاهمِ العَالمي والتركيزِ على مفهومِ اللغةِ والقدرةِ على استخدامِها والقدرةِ على فهمِ الرّياضيات. كما ويتمُ التّشجيعُ على تقديرِ المُوسيقا والفنِ والأدبِ، أما بالنسبةِ لمادةِ الأخلاقِ فهي تُقدَم كحصةٍ أسبوعيةٍ دائمة. ومن مظاهرِ تنميةِ السّلوكِ التّعاوني بينَ الأطفالِ اليابانيينَ: أن الصّغارَ ينظفونُ حُجراتِ الدّراسةِ ويقدمونَ وجباتِ الطّعامِ لأنفسِهم بالتّناوبِ وينعكسُ ذلكَ بالمحافظةِ على المَدارسِ واكتسابِ صِفاتٍ خَاصةٍ بتعلّمِ النّظام. تعلّم تِقنية ضبطِ النّفسِ واكتسابِ مَهارة التّعاون كمهارةٍ أخلاقيةٍ وصِفةٍ شَخصيةٍ دائمة. ـ بالنسبةٍ لكلّ ما ذُكرَ حتى الآن في البرنَامجِ التّعليميّ الياباني هي مبادئٌ مَدروسةٌ ويتمُ إخضاعُها للتحليلِ المستمر ومقارنَتها مع النتائجِ، وبالتالي فإن اقتباسَ برامجَ تربويةً أو استنسَاخها من دولٍ حقَقت بواسطةِ تلكَ المناهجِ قفزةً تنمويةً نوعيةً هو اقتباسٌ عظيمٌ ولا يمكنُ أن يقدمَ نتائجَ عَكسية في البلدِ الذي نَقلَ تلكَ التجربةَ، لكن أعودُ وأقولُ أن ثمةَ بعضَ الأخطاءِ في التّجربةِ اليابانية؛ وسآتي على ذِكرها مِن خِلال هذا البحث والوقوفِ على حقيقةِ ضَعفها وضرورةِ تلافي مثلِ تلكَ الثّغرات في أيةِ منظومةٍ تعليميةٍ سواءَ دَاخل أو خَارج سُورية. يُمكنُ الآخذُ بأساليبِ التّعليمِ في اليابان، حيثُ يتمُ فيها التّركيزُ على الجانبِ العلميَ التَطبيقي ويستخدمُ أساليبَ المُمارسةِ التي يتمُ تعويدُ الطفل عليها منَ المرحلةِ الابتدائيةِ حتى المراحلِ العُليا في التّعليم، مما يُشيّعُ استخدامَ أسلوبِ حلِ المشكلاتِ باستخدامِ نَمطِ اللعبِ التَّعليميّ، كما أن قدرةَ المعلمينَ المِهنيةَ والثّقافيةَ جَعلت المَدرسةَ مَكاناً مَحبوباً لدى التّلاميذِ / هذهِ نقطةٌ حساسةٌ تَستوجبُ دراسَتها بشكلٍ مُكثفٍ وهي تحويلُ المَدرسةِ مِن مَكانٍ يُثيرُ الرّهبة إلى مكانٍ تنبعُ منهُ العَمليةُ التّعليمية بكلِّ مُرونةٍ وبشكلٍ مُمتعٍ / يتمُ التّركيزُ في المَدرسةِ اليابَانية على قُدراتِ المُعلم الإبداعيةِ أيضاً، التي تتمثلُ بِقدرتهِ على جَذبِ الانتباهِ والقدرةَ على استخدامِ التّقنياتِ بفعاليةٍ ومُتابعتهِ لطلابهِ داخلَ المَدرسةِ وخَارجَها / إن متابعةَ المعلمِ الجدّي لطلابهِ داخلَ المَدرسةِ وخارجها إنما يعززُ التّعليم العَاطفيَّ والذي أعني من خلالهِ إمكانيةَ ربطِ النّمو العَاطفي بالنّموِ المَعرفي وهذا أثبتَ فَعاليتَه في الحفاظِ على مُستوى مُتقدمٍ لدى الطّالبِ لا يُمكنُ لهُ التَّراجعَ عَنه أو أنهُ يعيقُ وصولهُ إلى المرحلةِ التي يُراد لهُ الوصولَ إليها وهي مَرحلةُ إعدادهِ ليكونَ فَعالاً في المُحيطِ المُجتمعيّ ومُدركاً لحاجاتهِ الاجتماعيّة / من أكثرِ الأشياءِ المُهمةِ في المَدارسِ اليابَانية هي عدمُ وجودِ رسوبٍ أو نجاحٍ في المَرحلةِ الابتدائيةِ، لأن عَمليةَ التّعليمِ في هذهِ المَرحلة إنما تُركزُ على استثمارِ طَاقةِ الطّفلِ الرَوحيةِ والعاطفيةِ والاجتماعيةِ في مُحاولةِ فَهمِ التّرابطِ بينَ جميعِ الأمورِ من حَولهِ وهو تَرابطٌ إنسانيٍّ يمكّنهُ من إقامةِ علاقاتٍ وثيقةٍ بينَ بيئتهِ كمكانٍ للعيشِ ومكانٍ للنّموِ وإحداثِ تَطورٍ مَعرفيٍّ تنمويٍّ من خلالِ تلكَ العلاقاتِ، فعلمُ نفسِ الطّفل يُركزُ قبلَ أيةِ عَمليةِ تعليمٍ على تَهيئةِ الطّالبِ عَاطفياً لتلقي كَميةٍ كبيرةٍ من المعلوماتٍ التي يَحتاجُها لمُعالجةِ ما يُواجهُ من مُشكلاتٍ في المُستقبلِ البعيدِ. المشكلةُ الوحيدةُ التي يَقفُ عِندها التّعليمُ اليابَاني هي في المَرحلةِ العُليا في التّعليمِ الثّانوي، حيثُ يَخضعُ الطّالبُ فيهِ لنظامٍ امتحانيٍّ صارمٍ ويَستخدمُ المُعلمونَ نَتائجَ هذا الاختبارِ بالإضافةِ لسلسلةِ تقاريرَ مَدرسيةٍ من جَميعِ مَراحلهِ الدّراسيةِ و من خِلالِ تحليلِ البياناتِ جَميعها يتمُ تحديدَ الجَامعةِ التي سوفَ يدرسُ فيها وقد نَجمَت عدةُ مَشاكلَ عن تلكَ الاختباراتِ الصّارمةِ ومنها ازديادُ عددِ المُنتحرينَ بينَ الشّبابِ الياباني بسببِ عَدمِ قُدرتِهم على تحمّلِ ضُغوطاتِ المَرحلةِ الثّانويةِ التي تتطلّبُ منهُم، بَذلَ أقصى قُدراتِهم بما يتعارضُ معَ ما كانَ يُطلبُ مِنهم في المراحلِ التّعليمية الدُّنيا. مما يطرحُ أمامنا السُّؤالَ التَّالي: ما الواجبُ اتباعهُ في المرحلةِ الثَّانوية ويكونُ منسجماً مع المراحل الدّنيا وأكثرَ ترابطاً معهُ بحيثُ لا تطغى مرحلةٌ على أخرى، أو يتمُ تخفيفَ أعباءِ مرحلةٍ ما على حسابِ مراحلَ أخرى مما قد يَتسبب بالذّعرِ النّفسي بين التّلاميذِ وهو ذعرٌ لا يُرى بالعينِ المُجردة وتنشأُ عنهُ مُشكلاتٌ شخصيةٌ عديدةٌ تؤدي في النهايةِ إلى تدميرِ ذاتِ الطالبِ وخسارةِ جيلٍ بكامِله؟ هنا أعتقدُ أن الإجابةَ تكمُنُ في دراسةِ مِنهاجٍ مُترابطٍ كما قلتُ سابقاً يكونُ صِلة وصلٍ حقيقيةٍ بينَ مرحلةِ رياضِ الأطفالِ والمرحلةِ الثّانوية، بحيث ينتقلُ الطَّالبُ بمرونةٍ ويسرٍ مِن مطبٍ تعليميّ إلى مَطبٍ آخر بطريقةٍ مثيرةٍ للاهتمام وليسَ مُثيرة للقلق. 2ـ في البرنامجِ الصّيفيّ يمكنُ للمُعلمة ممارسةُ هِواياتها: تقومُ فكرةُ هذا البَرنامجِ على إلحاقِ التّرفيهِ بالتّعليمِ، وربطِ الشّغفِ بالمُمارسةِ، وهناكَ الكثيرُ من المُعلماتِ اللواتي يَمتلكن رغبةً بإطلاقِ العنانِ لمَشاعرهنَ من خلالِ الفَن. الرّسم والمُوسيقا والكتابة أيضاً، إن مُحاولةَ تَبني مِثل هذهِ القُدراتِ الإبداعيةِ سيكونُ ذا شأنٍ عَظيمٍ ينعكسُ إيجاباً على المُعلمةِ أولاً وعلى طُلابها ثانياً، فالمُعلمةُ المُبدعةُ هي المُدركةُ الحَقيقيةُ لجميعِ القُدراتِ الفَرديّة التي يَمتلكُها طُلابها، وستكونُ على مُستوى عالٍ في التّعاملِ مَعها، استخراجِها وتوظيفَها في المكانِ المُناسبِ، والعملِ بجدّية على تَطويرها. يحتوي البَرنامجُ الصّيفيُّ على ورشاتِ عَملٍ حقيقيةٍ، حيثُ يتمُ تقسيمُ المُعلماتِ فيهِ إلى عدةِ فئاتٍ بحيثُ تهتمُ كلُّ فئةٍ بالنّوعِ الذي تحبهُ من الفُنونِ، أو الأقربَ إلى قلبها والذي تشعرُ أنها أكثرَ راحةٍ بالتّعاملِ معهُ، ستكونُ الفِئاتُ على الشّكل التّالي: ـ فئةُ الرّسمِ : تعليمُ أساسياتِ الرّسمِ وإنشاءِ معارضَ محليةٍ تعرضُ فيها المُعلماتُ أعمالَهن بأسعارِ رَمزيةٍ وهذا من شأنهِ تشجيعها على الحُصول على مَبالغ نقديةٍ رمزيةٍ إضافيةٍ حسب الجُهد المُقدم. ـ فئةُ المُوسيقا : تعليمُ العَزفِ على بعضِ الآلاتِ الموسيقيةِ والقيامُ بإنشاءِ جَولاتٍ موسيقيةٍ تستعرضُ فيها المُعلمةُ قُدراتِها في العَزفِ، كما ويُمكنُها إدراجُ مَادةِ المُوسيقا كمادةٍ عِلاجيةٍ ضِمنَ البَرنامجِ الصّيفيِّ أو حتى المدّرسيّ باعتبارِ المُوسيقا جزءاً لا يتجزأُ من عَملية عِلاج وشِفاء كَاملة للأشخاصِ الذينَ تأذوا مِنَ الحَربِ ولا يُمكنهم التَّعبيرُ بالكلامِ عما يُخالجُهم من مَشاعرَ سَيئة. ـ فئةُ الكتابةِ الإبداعيةِ : وهي فئةٌ مُهمةٌ للغايةِ فالتركيزُ على كتابةِ القِصصِ أو الشّعرِ أو المقالاتِ، من شأنهِ تعزيزَ فكرةِ الشِّفاءِ مِنَ الضّغوطاتِ النّفسيةِ الدّاخليةِ، ففي واحدةٍ من الدّراساتِ النّفسيةِ التي أُجريت حَولَ الكتابة فإنَ أول شيءٍ يطلبهُ الطّبيبُ النّفسيُّ من مريضهِ هو كتابةُ مَشاعرهِ الدّاخليةِ التي لا يمكنُ لهُ البوحَ بها للآخرين، ثمَ تمزيقَ الورقةِ والتّخلصَ مِنها. إن تنميةَ مَهاراتِ الكِتابةِ لدى المُعلماتِ سيعززُ قُدراتهنَ اللغويّةَ وسيمكنهنَ مِن الحفاظِ على تراثِ اللغةِ العَربيةِ ورفعِ مَكانتها تربوياً وتعليمياً، إذ تعتبرُ اللغةُ العربيةُ في المَرتبة الرّابعة عالمياً وفقَ مُوقعِ ( بلومبيرغ بيزنس ويك 2011م ). ـ فئةُ الأعمالِ اليّدويةِ: وهي فئةٌ مهمةٌ وذاتُ مردودٍ اقتصاديٍّ مُهم يُمكنُ توظيفَ مَا تنتجهُ هذه الفئة في تَحسينِ الحَالةِ المعيشيةِ خَاصةً في فترةِ ما بعدَ الحربِ حيثُ يعدّ الاقتصادُ أولَ المؤسساتِ المُتهاويةِ. تندرجُ ضِمنَ هذه الفئةُ النّشاطاتُ التّالية : صِناعةُ السّجادِ اليدويِّ، المَشغولاتُ القطنيةُ، التّطريز، صِناعة السِّلالِ الخشبيةِ، صِناعةُ المَلابس الصُّوفية، صِناعة وخياطة المَلابس اليّدوية الجَاهزة وتَصميمُ بعضِ المَلابس وهذا يعتمدُ على فئةِ الرَّسمِ ضِمنَ ( رسمِ التّصميماتِ الإبداعيةِ ) كمَا ويمكنُ للمعلمةِ تنظيمَ مَعارضَ خَاصةٍ بمثلِ تلكَ المَشغولاتِ الوطنيةِ ويمكنُ تَحويلهُ خِلال فترةٍ قَصيرةٍ زمنياً، مِن مَعرضٍ مَحليٍّ إلى معرضٍ يشملُ جميعَ المحافظاتِ كما ويمكنُ ترويجُ تلكَ المشغولاتِ على مُستوى الوطنِ العربي. أشيرُ إلى أن رَفعَ المُستوى المعيشيّ للمُعلمة؛ من شأنهِ تحسينَ قابليتِها للتّعليمِ وتلقينِ الأطفالِ أو طلابَ المَراحلِ التَّالية ما أمكنَ من المَعارفِ والمَهاراتِ، كما ولا يمكنُ الاعتمادُ على دعمٍ آخر في سبيلِ تحسينِ المُستوى المعيشيّ وأعني الدّعمَ الخارجي الذي يُقيد من مُواجهة المُعلمات للمشكلاتِ التي حَدثت لهنَ بعدَ الحَربِ، أيةُ مُحاولة جدّيةٍ لحلِ المَشاكلِ الشّخصيةِ والاقتصاديةِ العالقةِ هي محاولةٌ سيكونُ لها أثرٌ كبيرٌ على المُستوى البعيدِ، وإن تجربةَ المُعلماتِ في حلِّ تلكَ المَشاكل سيكونُ ذا صدىً بالنسبةِ للطلابِ الذين يُعايشون مُشكلةَ البلادِ ويُشاهدونَ الكبارَ وهم يقومون بمُواجهتها، الأمرُ يشبهُ مُتابعةَ مُشكلة ما وحَلها في ذاتِ الوقت وبهذا فإن إنتاجَنا لجيلٍ يعتمدُ على نَفسهِ من خلالِ ما نكرسهُ من قِيمٍ أمامهُ هي إمكانيةٌ حقيقيةٌ ومَطلوبة. ـ فئةٌ للترفيهِ: وأعني بهذهِ الفئة؛ المعلماتَ اللواتي لا يجدنَ هوايةً تناسبهنَ ويكتفينَ بمتابعةِ أعمالِ الأُخريات، يمكنُ استثمارهنَ في تَخصيصِ وقتٍ لهنَ مع أطفالِ المُعلماتِ اللواتي اضطررنَ لسببٍ أو لآخرَ أن يُحضرن أولادهنَ إلى مركزِ التّدريب الصيفيّ. إنَ العَمليةَ التّربوية القائمةَ على مبدأِ الآخذِ والعطاءِ هي عمليةٌ عظيمةٌ، إذ بقدرِ ما يوفرُ المعلمُ طاقَتهُ في سبيلِ الأخرينَ سيلقى الصّدى المَطلوبَ لمثلِ هذا التّفاني، إنَ التّجربةَ اليابانية قد عدّت المُعلمَ أسطورةً حقيقيةً وقدمَت لهُ جَميعَ التَّسهيلاتِ التي من شَأنها أن تَستثمرَ قُدراتهِ وطاقتهِ وشَغفه في سَبيلِ النُّهوضِ بواقعِ اليابان التَّعليمي والذي بِدورهِ سَينهضُ بالاقتصادِ الياباني، إذ ثمةَ علاقةٌ وثيقةٌ بينَ التَّعليمِ الجِيد والاقتصادِ الجيد ولا يُمكنُ فَصلُ الأمرينِ عن بَعضهِما البَعض. إن حصولَ ويليام نوردهاوس على جائزةِ نوبل عام 2018م لم يأتِ عن عبث، إذ أَجرى هذا الباحث العديدَ من الدِّراساتِ والأبحاثِ حولَ تلك العلاقةِ الوثيقةِ والمُترابطةِ بينَ الاقتصادِ مِن جهةٍ وتطويرَ عمليةِ التَّعليمِ من جِهةٍ أُخرى، كما وقامَ الأستاذُ الجامعيُّ بول رومر سنة 1990م بنشرِ نموذجٍ رياضيٍّ للنّمو الاقتصاديّ في ورقةٍ بحثيةٍ تكونَت من 32 ورقة تحتَ عنوان ( التغييرُ التكنولوجيَ الدَّاخلي) حيثُ اعتبرَ بول أنَ الأفكارَ والاكتشافاتَ التّكنولوجية هي المحركاتُ الدافعةُ للنموِ الاقتصادي في القرنِ الحاديَّ والعِشرين، وعلى حدّ تعبيرهِ فإن العناصرَ الثلاث ( الأرضَ والآلاتِ ورأسِ المَال ) لا يتميزونُ بذاتِ الوفرةِ التي تتميزُ فيها المعرفةُ أي بمعنى أنَ الأفكارَ لا تَخضعُ لقانونِ التَّناقصِ التَّدريجي. ربما يجدُ الكثيرونَ أن تطبيقَ مِثلَ هذا البَرنامجِ الصّيفيَ هو أمرٌ صعبٌ ويتطَلبُ تكاليفاً ورسوماً عاليةً، لكن باعتقادي يُمكن إقامتهُ دون تكاليف تُذكر ودونَ فَرِض ضغوطاتٍ إضافيةٍ على المُعلماتِ، باعتبارِ العُطلةِ الصّيفيةِ هي الفترةُ الزّمنيةُ التي تقضِيها المُعلمة مع عَائلتها، لكن هناكَ شيءٌ مُؤكدٌ في العُطلةِ الصّيفية وهي أنَ أغلبَ المُعلماتِ لا يعملنَ شيئاً فيها ولا يطورنَ أيةَ مهارةٍ، ففكرةُ هذا البرنامجِ تُعدّ ضَروريةً مِن أجل تَلافي مثلِ هذهِ الثّغراتِ في الواقعِ الحَياتيّ للمُعلمة. يمكنُ طَرحُ فكرةٍ مغايرةٍ للبرنامجِ الصَّيفي التَّدريبي، وهي تَصميمُ دوامٍ مدّرسيٍّ يمتدُ على مَدارِ العامِ بكاملهِ يشبه تماماً ما ذكرتهُ في برنامجِ الدّوامِ المَدرسيِّ الياباني وقد نُعدّله بما يتناسبُ معَ واقعِ الأمةِ الإسلاميةِ من حيثُ الأعيادِ الدّينية أو الوطنيةِ أو القومية. يقولُ يوهان فيلهلم سلنمان ( 1806 ـ 1881 م ) وهو عالمٌ فلندي مؤثرٌ في تكوينِ الهويةِ القومية، وقد اقتبستُ مقولته تلكَ إيماناً بما جاءَ فيها وباعتبار أن فِنلندا دولةٌ رائدةٌ في التّعليم. " التعليمُ سرّ الأمان بالنسبةِ إلى الأمم الصّغيرة " وصَلت فنلندا بِفضلِ تَعليمها المُتوازنِ والمدروسِ إلى الصُّفوفِ الأولى بينَ أغنى دُولِ العَالمِ خلالَ النِّصفِ الثَّاني من القَرنِ العشرين، فَقد استَطاعت إثارةَ الرّغبةِ بينَ مواطِنيها للتَّعلم وتجنَبت الدّولةُ حُدوثَ عدمِ المساواةِ الاجتماعيةِ بينَ المُواطنينَ المُتعلمينَ وبينَ أولئكَ الذينَ لم يَحصلوا على قَدرٍ كافٍ من التَّعليم، بالإضافةِ إلى سِعةِ إطلاعِ مُواطني الدّولةِ الفِنلندية على مجموعةٍ كبيرةٍ من القَضايا والاهتماماتِ المُجتمعيةِ سَواء داخلَ البِلادِ أو خَارجَها. لا يخفى على أحدٍ تلكَ المَشاكلُ العَالميةُ التي بَدأت تَظهرُ في الآونةِ الأخيرةِ وهي مشاكلٌ تطرحُ تحدياتٍ كَبيرةٍ وتتطلبُ حُلولاً ذاتَ قيمةٍ مَكانيةٍ وزمانيةٍ وتدومُ من خِلال تَطويرها وتحديثُ نَتائِجها على المُستوى العَام والفَردي، وإن تلكَ المشاكلَ العالميّة لا يواجُها بلدٌ واحدٌ وإنما يبدو أنَ جميعَ البِلادِ في مواجهةٍ مُستمرةٍ لها ومن تلكَ المُشكلاتِ ( تذبذبُ المناخ ـ تذبذبُ الاقتصاد ، قلةُ فُرصِ العَملِ والبَطالة ـ الحُروب ـ الأوبئة ـ التّكنولوجيا الحَديثة وسبلُ تطويرها ومُخاطرُ تلكَ التّكنولوجيا ـ الهِجرةُ الجَماعيةُ ـ ارتفاعُ عددِ كِبار السّن ـ قلةُ اليد العاملَة الشّابة والمُثقفة ـ تمتينُ العَلاقاتِ العَامةِ بينَ البلادِ وتجاوزِ الأزماتِ الوطنيةِ والدّولية ) تعدُّ تلكَ المشاكلَ بمثابةِ تحديٍ كَبيرٍ يواجهُ التّعليمَ التّقليدي القائمَ على اختباراتٍ لا طائلَ منها وتعتمدُ على الحشوِ والمَعلوماتِ التّراكميةِ وعدمُ مُعالجتِها قبلَ الاستمرارِ في تمديدها على المُستوى التَّعليمي المُتقدم، أو عدمُ مُراجعتها وتعزيزِها بسبلٍ لا تقومُ على المَهاراتِ الكِتابية وخوضُ امتحاناتٍ عاديةٍ لا تؤدي الغَرض المَرغوب منها . إضافةً إلى أن التّعليمَ التَّطوريَّ والمحدّثَ سيعملُ على مُواجهةِ مِثلِ تلكَ التّحدياتِ المُزمنةِ فإن التّعليمَ غيرِ التّقليديَ يُعدّ أساساً للديموقراطيّة ولبناءِ عالمٍ حَديثٍ وانطلاقاً من هذهِ الفكرة قُمتُ بتصميمٍ برنامجٍ للدوامِ المَدرسي يمتدُ من الصّف الأول ( 6 سنوات ) وحتى الصّف التاسع ( 14 سنة ) كما ويمكن تعميمُ هذا البرنامجِ على المَرحلةِ الثّانويةِ أيّ من الصّفِ الأولِ الثّانوي حتى الصَّفِ الثّاني الثانويّ أما مَرحلةُ الثّالثِ ثانوي ( البكالوريا ) فهي تخضعُ إلى برنامجٍ امتحانيّ نهائيٍّ قائمٍ على أسلوبِ أو نظامِ الأسئلة المُؤتمتة التي من شَأنها تخفيفَ الضّغوطاتِ على الطّالبِ في هذه المَرحلة. تقومُ فِكرة تقسيمِ البَرنامجِ الدّراسيِّ على مدارِ العَام بكاملهِ ( للتعليمِ من الصَفِ الأول الابتدائيّ وحتى الثالثِ الإعدادي ) وفقَ الشّكل التالي: 1 ـ المرحلة الأولى : يبدأ العامُ الدّراسيُّ من أولِ أيلول وتمتدُ المرحلةُ التّعليمية الأولى من 1 أيلول وحتى 20 تشرين الأول، حيثُ يقدمُ المعلمونَ القسمَ الأول من المِنهاج التعليميَ مع التَركيزِ على الجانبِ النّظري منه ( التّاريخ، العُلوم الطّبيعية، الرّياضيات بمفهومِها العام ، أساسياتُ الرّسم والفنونِ الأخرى، اللغات ـ الإنكليزية والفَرنسية ـ التركيزُ على اللغةِ العربية نظرياً وتطبيقياً في جميع المراحلِ )، ثم تتمُ عمليةُ امتحانِ الطلابِ في القسمِ الأولِ من المِنهاج التّعليمي بتاريخ 20 تشرين الأول وتمتدُ الامتحاناتُ حتى الأول من شَهر تشرين الثاني. يحصلُ بعدها المُعلمونَ والطّلابَ على الأسبوعِ الأولِ مِن تشرينَ الثاني كعطلةٍ ضمنَ عملية التّعليم، وهي ضرورية لإعادة شَحن القَابلية الذّاتية للتعليم. 2 ـ المرحلةُ الثّانية: بعد انتهاءِ العُطلة الأولى، يعاودُ التّلاميذُ والمعلمونَ عَمليةَ التَّعليمِ في السّابع من تشرين الثاني حتى 20 كانون الأول ، حيثُ يقدمُ المُعلمونَ القِسم الأولَ من المِنهاج نفسه الذي قُدم في المرحلة الأولى ولكن يتمُ التّركيزُ على الجانبِ التّطبيقيّ مِنه ( تطبيقاتُ الرياضيات ، قواعد اللغاتِ جميعها ـ تطبيقاتُ الرّسم والفنونِ الأخرى ، تطبيقاتُ العُلوم وغيرها من المواد الدّراسية الداخلةِ ضمنَ الخطةِ الدّراسيةِ ). يُجرى الامتحانُ الثّاني لهذا القسمِ في 20 كانون الأول ويستمرُ حتى بداية كانونَ الثّاني حيث تبدأ في نهايتهِ العُطلة الثّانية للتلاميذِ والمُعلمينَ وهي عطلةٌ تمتد مِن أولِ كانونَ الثّاني وحتى تاريخ 7 منه. بعد العطلةِ يبدأُ الدّوامُ المَدرسي حتى تاريخ 20 شباط حيثُ يقدمُ المُعلمونَ القِسم الثاني من المنهاج الدّراسي مع التَّركيزِ على الجانبِ النّظري منهُ فقط، لتتمَ عمليةُ امتحانِ الطّلابِ في 20 شباط حتى أول آذار، ومن أول آذار حتى 7 آذار تبدأُ العطلةُ الثّالثة للمعلمينَ والطّلاب. بعد العطلةِ يجري إكمالُ عمليةُ التعليمِ بالبدءِ بتعليمِ القِسم الثّاني مع التّركيزِ على الجانب التطبيقيِّ ويستمرُ التّعلمُ والتّدريسُ حتى 20 نيسان لتتمَ إجراءُ عمليةُ امتحانِ الطّلاب في 20 نيسان وحتى أول أيار ثم تبدأُ العُطلةُ الرّابعة من أول أيار حتى 7 أيار. ( يشار إلى أن عمليةُ التَّعليمِ والتّدريسِ ستبدأُ طيلةَ أيامِ الأسبوعِ ولا يمكنُ أخذ عطلةٍ أيامَ الجمعة والسبت والاكتفاء بالعطلِ الأسبوعية بين فصلٍ دراسيٍّ وآخرَ كما ويكونُ الدوامُ المَدرسيُّ بدءاً من السّاعة الثامنةَ صباحاً وحتى 11 والنّصف من كلِّ يومٍ، وبذلكَ يكونُ اليومُ الدّراسيُّ قَصيراً مقارنةً معَ الأعوامِ الدَّراسية السَّابقةِ، فبالاستنادِ إلى تَجربة فنلندا التي تعدّ الدّولةَ الوحيدة ضمن مُنظمةِ التّعاونِ والتّنميةِ العَالمية التي قَصّرت سَاعاتِ الدَّوامِ المَدرسيّ في مَدارسها. ووفقَ الأبحاثِ التي أُجريت على عَددِ سَاعات التّعليم اليّومية فإنَ هذا من شأنهِ أن يُخففَ الضُّغوطاتِ التَّعليميةِ لكلٍّ من المُعلمِ والتّلميذِ وعلى الأهلِ أيضاً. بعد الانتهاءِ من العُطلةِ الرّابعة أي في 7 أيار، يقومُ المعلمونَ بإجراءِ مراجعةٍ عامةٍ وتعزيزٍ للمهاراتِ المُكتسبةِ خِلالَ تدريسِ المِنهاج حتى 20 حزيران وفي 21 حزيران يُجرى تقييمٌ نهائيٌّ للطلبةِ يَعتمد على الامتحاناتِ السّابقة ثم يُقدمُ تَقريرٌ نهائيٌّ يتضمنُ المُحصلةَ النِّهائية لكلِّ تلميذٍ ويُستخدمُ هذا التَّقريرُ النِّهائي في تقييمِ الطّالبِ في مرحلةِ التَّعليم الثانوي حين يَتقدمُ للدّراسةِ في إحدى الجَامعاتِ وبذلكَ يُمكنُ إجراءُ عمليةِ ربطٍ حقيقيةٍ بينَ المَراحلِ جَميعَها وعلى تقديمِ فُرصٍ حقيقيةٍ للطالبٍ يُمكنُ من خلالِها تَعديلُ نتيجتهِ وتخفيفُ حِدةِ الضّغوطاتِ التي تتركزُ في مرحلةٍ واحدةٍ وهي البكالوريا. بعد الانتهاءِ من إجراءِ الاختبارِ الأخيرِ في الأولِ من تموز، يأخذُ الطّلابُ والمعلمونَ عطلتهم الخامسة حتى 7 تموز ويمكنُ بعدَ هذا التّاريخ أن تُجرى دورةٌ تثقيفيةٌ وترفيهيةٌ للطّلاب والمعلمينَ على حدّ سواء حولَ تداعياتِ الحربِ وطرق تلافيها حيث يُعلم فيها المُعلمون طلابَهم المنهاجَ الذي خُصصَ تحديداً لهذهِ الدّورةِ وهوَ مُنهاجٌ تطوريٌّ أي من الصّفِ الأول الابتدائيّ وصعوداُ حتى الصّف الثالث الإعدادي، يعدّهُ خُبراءٌ في التّنميةِ المُستدامة وتربويّون وباحثونَ تشهدُ لَهم أَعمالُهم السَّابقة بالمِصداقيةِ، يكونُ المِنهاجُ حولَ أثرِ الحربِ المكانيِّ والنفسيِّ والطُّرقِ المناسبةِ لتَلافي اسقاطاتَها السّيئةِ على الذَّاتِ البَشريةِ وكيفيةِ التَّعاملِ معَ الإعلامِ المُغرضِ والأخبارِ المُزيفةِ وتلافي ما أمكنَ من ردودِ الفِعل الانفعاليةِ ومن ثمَ تقبّل رأيّ الآخر والعَمل على تصحيحِ المَساراتِ من خلالِ عمليةِ تعاونٍ جَماعيةٍ والاهتمامِ بالآراءِ الفرديِّة التي قد تتعارضُ معَ التّوجهاتِ العامةِ للجَماعةِ واحترَامها وعدمِ الاقتصاصِ منها وتدميرِ رَغبتها بالتَّفرد. بالنسبةِ للتَّعليمِ الثَّانوي فيمكنُ تَضمينُ هذه المَرحلة ضمن البرنامجِ الدَراسي المُمتد على طولِ العام، والاستفادةِ من التقاريرِ الدّراسيةِ التي حصلَ عليها كلُّ طالبٍ في كلِّ مَرحلةٍ من مَراحِلها على أن يتمَّ جمعُها مع تقاريرِ المرحلةِ الإعداديةِ والابتدائيةِ للتوصلِ مِن خلالِها إلى نتيجةٍ نِهائيةٍ يُقيّم الطالبُ بواسطِتها وتساعدهُ على اختيارِ الجامعةِ التي تُناسِب قُدراتهِ وميولهِ التي أظهَرَها عبرَ سِجله الدّراسيِّ الطَّويل. إن لبرنامجِ الدّوامِ المَدرسيِّ المُمتد عبرَ العامِ بطولهِ بالإضافةِ إلى قلّةِ عددِ سَاعاتهِ خِلال اليومِ يؤدي إلى الكثيرِ من الفوائدِ على جميعِ الأصعدة، الشّخصيةِ والاجتماعيةِ والاقتصاديةِ؛ ألخصُ تلكَ الفوائدَ والنّتائجَ المُرضيةَ وفقَ النّقاطِ التّالية : 1 ـ إن تحديدَ سَاعاتِ العَملِ أو تَقليلها للمُعلمين سيساهِمُ في زيادةِ إنتاجيةِ المُعلمِ مِن حيثُ النَّتائجِ المُرضيةِ التي سيحصلُ عليها مِنَ الطُّلابِ سَواءٌ في تطويرِ مَهاراتِهم أو مُعالجة المشكلاتِ التي تعترضُهم على المُستوى القريبِ والبَعيد. 2 ـ وفقَ دراسةٍ بريطانيةٍ أُجريت على نحوِ ألفِ موظفٍ بريطانيٍّ كانوا يَعملونَ لمدةِ ثَماني ساعاتٍ في اليومِ، وجدتِ الدّراسةُ تلكَ أن العاملَ البريطانيّ لا يعملُ بشكلٍ جيدٍ وحقيقيٍّ إلا لمدةِ ثلاثِ ساعاتٍ من تلكَ السّاعات الثّمانية، ولذلكَ تُعتبرُ السَّاعاتُ الزَّائدةُ مُجردَ مَضيعةٍ للوقتِ يُمكنُ استثمارُها في أمكنةٍ أُخرى أو محاولةُ تَقليلها للحفاظِ على صِحةِ المُوظفِ ورَفعِ مُستوى يَقظتهِ وإدراكهِ أثناءَ مُمارستهِ لعملهِ مَهما كانَ العَملُ المُوكلُ إليه. 3 ـ شركةُ فورد للسّياراتِ تُعدّ نموذجاً فعالاً حَولَ تقليلِ سَاعات العملِ، حيثُ أن رجلَ الصِّناعة هنري فورد قد غيّرَ نظامَ العَملِ كخطوةٍ ثوريةٍ في مجالِ الصِّناعة مع الإبقاءِ على ذاتِ الرَّواتبِ التي كانَ المُوظفونَ يَحصلونَ عَليها معَ سَاعاتِ عملٍ أطولَ والنّتيجةُ أن الشَّركةَ شَهدت تطوراً كبيراً في مَجالِ صِناعةِ السَّياراتِ وحقَقت أرباحاً طائلةً وسَاهمت في النُّموِ الاقتصاديِّ وتوفيرِ فرصِ العَمل. 4 ـ إن المُبالغةَ في زيادةِ سَاعاتِ العَملِ لدى المُدرسينَ من شَأنهِ تعطيلَ حاسةِ ( الشَّغفِ ) التي يحتاجونَها من أجلِ الحفاظِ على عَلاقةٍ وثيقةٍ بينَهم وبينَ المادةِ التَّعليميةِ التي يُقدمونَها للتَّلاميذِ، من خلالِ تَجربتي الشَّخصيّة في التَّعليمِ والتي امتدت لنحوِ خمسةَ عشرة عاماً وما تزالُ؛ فإنَ العددَ الزَّائدَ من الحِصصِ الدِّراسيّة سيخلقُ نافذةً مشتتةً للطالبِ حينَ تبدأُ المُعلماتُ بإدارةِ دفةِ الثرثرةِ بينهنَ على حِسابِ وقتِ الطَّالبِ مما يجعلُ الطَّالبَ عُرضةً للتجاهلِ التَّربوي ويُحولهُ من نسخةٍ يُراد أن تكونَ فعالةً في المُجتمعِ إلى نسخةٍ مُكررةٍ عن المُعلمات اللواتي أضعنَ وقتهنَ ووقتَ طلابهنَ في أحاديثَ جانبيةٍ لا طائلَ منها. 5 ـ إنَ تقليلَ الحِصص الدّراسيَّة اليّوميَّة أو تخصيصَ اليومِ المَدرسيِّ من السَّاعة الثامنةِ صَباحاً وحتى السَّاعة الحاديةَ عشرة والنّصف من اليومِ نفسهِ، هي محاولةٌ حقيقيةٌ لتخفيفِ الضَّغطِ الذي أنجبتهُ الحربُ وتَركتهُ يزيدُ من حَالاتِ التَّوترِ بينَ المُدرساتِ اللواتي بدا من الصَّعبِ لهنَ إحداثَ ترابطٍ حقيقيٍّ بينَ مهنتهنَ كمُدرِسات وبينَ وظائِفهنَ الاجتماعيّة كأمهاتٍ أو رباتِ بيوتٍ، وبالتّالي فإنَ محاولةَ جذبِ انتباههنَ للوقتِ القليلِ في عمليةِ التّدريسِ يومياً سيجعلهنَ أكثر تركيزاً ويُحاولنَ بجدّية إنجاز مَهامهن التربوية والتَّعليمية على أكملِ وجهٍ. 6 ـ البرنامجُ التَّعليميُّ المُقترحُ سيُؤدي إلى حقيقةٍ حتميةٍ مَطلوبةٍ في المَجالِ التَّعليميّ السّوري وهي التَّخلصُ من ظاهرةِ السَّاعاتِ الخاصةِ التي تؤثر سلباً على الطَّالبِ وتعززُ لديهِ قيمَ الاتكاليةِ وعدمِ الانتباهِ للمُعلمةِ أثناءَ الحِصةِ الدّراسيةِ وسوفَ يلفتُ نظرَ المُعلماتِ إلى أهميةِ دورهنَ في نقلِ المَعلومةِ نظرياً أو تطبيقياً وفقَ مَعاييرَ عَالميةٍ كردّ فعلٍ مَنطقي على تَجاوبِ النِّظامِ التَّعليميّ مع أوضاعهنَ المَعيشيةِ أو الاقتصاديِّة السَّيئة. ( المشكلةُ الثالثةُ، وصفها وتحليلُها وتقديمُ الحلولِ لها ) (عدمُ وجودُ منهاجٍ مُوحدٍ بينَ مَراحلِ التَّعليمِ الأساسي ومرحلة التَّعليمِ الإعدادي والثَّانوي، وهو منهاجٌ يتطورُ تِباعاً، وفقَ نموِّ الطَّالب ونضجهِ وانتقالهِ من صفٍ إلى آخرَ، منهاجٌ يزودهُ بأسَاسياتِ التَّعاملِ الأخلاقيّ والأساسي ويبلورُ نَتائجَ الحربِ في حوادثَ حَقيقيةٍ مَرّت على سُكانِ المَنطقةِ العَربيةِ أثناءَ فترةِ الحَربِ، يُزودهُ المنهاجُ أيضاً بطرقٍ عمليّةٍ تستندُ على أسسٍ نفسيةٍ تساعدهُ على تنفيسِ مشاعرهِ السَّلبية وتجاوزِ مشكلاتٍ آنيةٍ أو مُشكلاتٍ مُعقدةً مثل مواجهةِ نوباتِ الهَلعِ النَّاتجةِ عن الخوفِ من المُستقبلِ أو النَّاتجةِ عن الخَوفِ من الحربِ وإمكانيةَ عَودتها، والخوفُ مِن الامتحانِ بحدّ ذاتهِ، أو نوباتِ الهلعِ النَّاتجةِ عن الرسوبِ أو اكتئابٍ يُعزى إلى عواملَ عديدةٍ تؤدي في نِهايةِ الأمرِ إلى نشوءِ مُشكلةٍ مُزمنةٍ لدى الطَّالب .) ـ إن حَرباً مُمتدةً على مدارِ عشرِ سنواتٍ ليسَت بالأمرِ السَّهلِ وإنه لمنَ الواردِ أن تظلَ تداعياتُها مُستمرةً لسنواتٍ كثيرةٍ أخرى إذا ما حَاولنا استدراكَ الأمرِ وتوظيفَ إمكانياتِنا المَكانيّة ومهاراتِنا العَمليّة والتَّطبيقيةِ في مواجهةِ ما أمكنَ من تلكَ التَّداعيات. ما هو رأيُّ علمِ النَّفسِ في الحَرب؟ لا بد أن نُسلطَ الضَّوءَ على ماهيةِ الحربِ وما تتركهُ فعلياً من آثارٍ عَميقةٍ تتجلى في النَّفسِ الإنسانيةِ المُشوهةِ وهنا لا بدَ منَ الاستعانةِ بِعلمِ النَّفس لتحديدِ أذى الحربِ على المَدى القَريب والبَعيدِ أيضاً . قد يتمخضُ عن الحَرب العَسكريّة مَجموعةٌ من الحُروبِ النَّفسيةِ وفقَ المُصطلحاتِ التَّالية: ـ الحربُ الباردة. ـ حربُ الأفكار. ـ الحربُ السّياسية. ـالعدوانُ غيرِ المُباشر. ـ الإعلامُ الدّولي. في كتابِ ( بروباغندا ) يتناولُ جاك إلول الحربَ النَّفسيةِ بوصفِها، ممارسةٌ من مُمارساتِ السّلام الشائعة، كما أنها صُورةٌ من صورِ العُدوانِ غيرِ المُباشر. ما حدثَ في المنطقةِ العربيةِ كانَ نَوعانِ من الحُروبِ، عَسكريةٌ حيثُ أثارَت الخَرابَ المكانيّ المُستعصي على إعادةِ البناءِ على المُستوى القَريب، وحربٌ نفسيةٌ كالتي وصَفها جاك إلول وهي تعدّ صَنفاً من صُنوف التَّعذيبِ الذّاتي حيثُ يقعُ الأشخاصُ تحتَ بَراثنِ القَلقِ والخَوف. يعدّ التضليلُ الإعلاميُّ والثقافيُّ والنَّفسيَ مِن أكثرِ الأمورِ التي تَسعى الحَربُ لِزرعِها في المنطقةِ المَنكوبةِ، ولمحاربةِ التَّضليل لا بدَ من خُطوةٍ حَقيقيةٍ باتجاهِ تَخطي الحَربِ المَكانية أولاً أي حالةَ الدَّمار الشَّامل وهذا يَشملُ إعادةَ الإعمارِ والتَّركيزَ على البُنى الحَالية والانطلاقَ من عندِها، ومن ثم تَخطي التَّضليلَ النَّفسيّ وهنا يأتي دورُ الخُبراءِ والعُلماء أو التَّربويون في إجراءِ بُحوثٍ شَاملةٍ تؤدي في نِهايةِ الأمرِ لصِياغةِ مِنهاجٍ أكثرَ حَداثةٍ يُواجهُ من خِلالهِ المُجتمعَ كميةَ الإشاعاتِ المُغرضة بحقِ الهويةِ العَربيةِ أو الهوية التي يَنتمي إليها أيُّ بلدٍ فهذا المنهاجُ يمكنُ تعميمُ تَجربتهِ على جميعِ البلاد التي تقعُ تحتَ حربٍ ما أو تحتَ تأثيرِ حربٍ ما، ومن المُمكن تجربتهُ لتلافي حُدوث أيةِ اضطراباتٍ دَاخليةٍ مُستقبلاً. إذاً يرادُ من هذا المنهاجِ توفيرَ عدةَ فُصولٍ في كلِّ مَرحلةٍ دِراسيّة. يتمُّ تعليمُ فصلٍ واحدٍ منهُ بحيثُ تكونُ الفُصولُ مُرتبةً وتتقدمُ خُطوة للأمامِ في كلِّ مَرحلةٍ دراسيةٍ أَعلى، أي يكونُ المنهاجُ تطورياً من حيث كَميةِ المَعلوماتِ وطريقةِ تَحليلها ومُعالجتها وفي هذا البحثِ سأتحدثُ عن هذا المنهاج بِشكلٍ تَفصيليّ بدءاً من الحَلقة الأولى في المَرحلة الابتدائية، للحلقةِ الثَّانية في المَرحلة الابتدائية وانتهاءً بالفصلِ الأخير للمَرحلة الثَّانوية الأخيرة. ( منهاج تدريسيّ سوري) ( الخلاص من تبعيات الحرّب وتداعياتها، وذكرياتها ) ( الفصل الأول ) ( الصف الأول والثاني والثالث الابتدائي ) ـ الجزءُ النَّظري : حيثُ يتمُ تَحديد عِدة مَعايير ومَهارات يُراد اكتسابها بعدَ الاطلاعِ على الجزءِ النَّظريِّ وتلقينهِ لطلابِ هذهِ المَرحلة والجزءُ النَّظريُّ يتحدثُ عن مَاهيةِ الحربِ بلغةٍ بسيطةٍ غيرِ مُتكلفةٍ ويُمكنُ للطفلِ في سنِ السّادسة أن يَستوعبها ويفهمَها ويتعاملَ مَعها بشكلٍ مريحٍ ويمكنُ لهُ التَّفاعلَ مع عمليةِ فهمِ الحَربِ بإبداء رأيهِ الشَّخصي وتقديمهِ للحلولِ التي يَراها جيدة من وجهةِ نظرهِ وهذا يعززُ تلقائياً ، مهارتي التَّواصل وحلِ المُشكلات. يعملُ الجزءُ النَّظريُّ من الفِصل الأول أيضاً، على تقديمِ صورٍ تعبيريةٍ غيرِ مُؤذيةٍ أو مثيرةٍ للقلقِ وهي صورٌ تَشملُ الخَرابَ الحَاصلَ في البُنى التَّحتية للبلدِ المنكوبِ، ويمكنُ إجراءَ مُقارنةٍ معَ صورِ تلكَ الأمكنةِ قبلَ حُدوثِ الحربِ والتَّحدثَ مُطولاً عن مشاعرِ الطُّلابِ حولَ عَمليةِ المُقارنة وما هي الآراءُ المُتداولةُ في الصَّفِ كما ويتمُ تسجيلُ ردودِ الأفعالِ وتَحويلها إلى تقاريرَ مُختصرةٍ تُفيدُ مُستقبلاً في إنتاجِ كُتبٍ مُعينةٍ يَستفيدُ منها الطَّالب في مراحلَ مُتقدمة. الجزء التطبيقي: يمكنُ تحويلُ حادثةِ الحَربِ بمفهومِها النّظري إلى لعبةٍ، بمعنى تقسيمِ الصّفِ إلى مجموعَتين، كلُّ مجموعةٍ تقومُ بإدارةِ مَكانِها الخَاص أي تَصميمهُ بالشكلِ الذي تريدُ وتجدرُ الإشارةُ هنا إلى ضَرورةِ تَصميم المَكان بشكلٍ بسيطٍ ورمزيٍّ من حيثُ استخدامِ الكرتون المقوى وعلبٍ فارغةٍ وإلى ما هنالكَ من أدواتٍ مُتوفرةٍ ولا تُكلفُ شيئاً، ثم يُطلب منَ التّلاميذِ الدُّخولَ في حربٍ وهميةٍ، يتمُ تحديدُ شروطٍ من المُهمِ التقيدُ فيها وهي تجنبُ إيذاءِ الآخرينَ واستهدافِ أغراضهِم الشّخصية في مَكانهم المُخصصِ لَهم فحسب، مثلَ مَنازلَ صغيرةٍ من الورقِ المقوى أو لوحاتٍ صغيرةٍ مرسومٌ عَليها، أو علبٌ فارغةٌ تُمثلُ مبانٍ سكنيةٍ، بعدَ ذلكَ يتمُ تَسجيلُ حالاتِ انفعالِ الطلابِ في عمليةِ المُواجهةِ تلك وما ينتجُ عنها من ردودِ أفعالٍ، وتصويرَ تلك الحربِ الوهمية قبلَ وبعدَ حُدوثها، من أجلِ إجراءِ عَملية مُقارنة تتمُ أمامَ أنظارِ التَلاميذِ أنفسهِم حيثُ يلمسونَ خراباً حقيقياً، تُحدثهُ تلكَ المُواجهات التي لا طائلَ من ورائِها، بعدَ الانتهاءِ مِن تطبيقِ تلك الفكرةِ معَ مراعاةِ عدمِ حُدوثِ أذىً بدنيٍ بينِ التّلاميذِ، يُقيمُ المعلمُ المُشرف حلقة نقاشٍ، وهي تتمثلُ بطرحِ أسئلةٍ بسيطةٍ على الشَّكلِ التَّالي: 1 ـ هل شَعرتَ بالفرحِ عند تخريبكَ أشياءَ الآخرين؟ 2 ـ هل تجدُ لعبةَ الحربِ مُسلية . لماذا برأيك ؟ 3 ـ إن كنتَ تجد لعبة الحربِ مُسلية، فهل تتمنى أن تحدثَ في الحقيقةِ ويكونُ مُنزلكَ ضمن المنازلِ المُتضررة؟ 4 ـ ماذا يجب أن نفعلَ كي لا تحدثَ الحَرب ؟ 5 ـ هل تحبُ أن ترى عَائلتكَ وهي تُحارب عائلةً أخرى ؟ 6 ـ لماذا لا نحبُ الحربَ ؟ 7 ـ من يعرفُ ما هي الحَرب ؟ 8 ـ كيف نُوقفُ الحَرب؟ *ملاحظة : إن السُّؤالَ الأخيرَ يَنطوي على إحداثِ حركةٍ انفعاليةٍ داخليةٍ لدى الطّفلِ المُتلقي وقد يفشلُ في إيجادِ أجوبةٍ مَنطقيةٍ للسؤالِ وهذا شيءٌ طبيعيٌ، لأنَ الطفلَ يكتسبً في تلكَ المَرحلةِ مَجموعةَ مَهاراتٍ وقيمٍ أكثرَ مما يُقدم للآخرين وبالتالي فإنَ للمعلمِ دورٌ كبيرٌ في إيجادِ الأجوبةِ المناسبةِ للسؤالِ الأخيرِ والتي تُؤدي في النِّهايةِ إلى أن للمَحبة دورٌ في تلافي الحَرب أو أنه يمكنُ إيقافها من خلالِ عَدمِ السّماحِ للآخرينَ بإحداثِ مَشاكلَ بيننا أو أن نثقَ في بَعضِنا البعض بالإضافةِ إلى قيمٍ كثيرةٍ جرى ذكرُها في القرآنِ الكريم مثل التّعاون والإيثار وغيرها من قيمٍ ومهاراتٍ تستوجبُ منا إيصَالها للطفلِ المُتلقي في صورةٍ سَهلة وبسيطة. تعزيزاً للقيم الإسلاميةٍ ورفعاً لمُستوى الإدراكِ العقليِّ والنفسيِّ.
( الفصل الثاني ) ( الصف الرابع والخامس والسادس الابتدائي ) تعدّ هذهِ المَرحلةُ مِن أكثرِ المَراحلِ قدرةً على استيعابِ ما يُقدمُ لَها، ففي مقالٍ وردَ في مجلةِ المُعلمِ العربيِّ الصّادرةِ عن نقابةِ المُعلمينَ في سوريةَ فإنَ قُدرةَ الأطفالِ في هذهِ السِّن على تقبّلِ جميعِ المَعلوماتِ وتحليلَها بشكلٍ أَفضل والتَّحفظ عَليها إلى حينِ مُواجهتِها بأفكارٍ أكثرَ نضجاً ـ هي قدرةٌ حقيقيةٌ وتفوقُ قُدرتَهم في المُراهقة حيثُ تعدّ المُراهقة أكثرَ وضوحاً في ميلِ اليَافعين نحوَ الانفعالاتِ الشَّخصيةِ وحلِّ المُشكلاتِ بطرقٍ خَاطئةٍ بعضَ الشّيء، لكنَ تهيئةَ الطِّفلِ مِن سنِ السَّادسة وحتى الثّانية عَشرة وتَعريفه بالقُدراتِ الهَائلةِ والكارثيةِ التي تَنطوي عليها الحَرب، هي تهيئةٌ مَطلوبةٌ ومدروسةٌ على المَدى البَعيدِ، إن الأطفالَ كائناتٌ ذكيةٌ بالفطرةِ وقُدرتُنا على إنجاحِ مفهومِ التَّخلي عن الحَربِ ومُكتسباتها لديهم هي قدرةٌ حَتميّة ومن الواجبِ العَمل على تَقويتِها. إن الحلقةَ الثّانيةَ من التَّعليمِ الابتدائيّ في سورية ( الصّف الرّابع والخَامس والسّادس الابتدائي )، من أكثرِ المَراحل تشبثاً بما يقدمهُ المُعلمُ وما يَعرضه أمامهُ من مَعلوماتٍ، فعقلُ الطّالبِ في تلكَ المَرحلةِ يعدُّ مرناً وأكثرَ قابليةٍ لفهمِ الأُمورِ واستنباطِ الحَقائقَ والعملَ على توجيهِ التّركيزِ التَّام نحوَ مُشكلةٍ ما أو عملٍ ما، ولذلكَ فإن المَادةَ التي سَوفَ تُقدم إليهم يجبُ أن تَحتوي على تذكيرٍ بماهيةِ الحَرب ونَتائجِها السّيئة على المَدى البَعيد والقريبِ ومن ثم استعراض الحُلول والتِّقنيات التي منَ المُمكن اتباعها في سَبيلِ إرساءِ مفهومِ السَّلام والعَدالةِ الاجتماعيّة لدى الطَّالبِ، نحنُ هنا نَبني الطّفلَ الإنسانيَّ قبل الطفلِ الأكاديمي ونُحولُه من كائنٍ ينزعُ إلى الشرّ بفطرتهِ البَشريِّة إلى كائنٍ ينزعُ للخيرِ بفطرتهِ الإنسانيِّة، وهذا حتماً سيقللُ حُدوثَ المُشكلاتِ الكُبرى في المُستقبلِ؛ المتمثلة بالحروبِ والنِّزاعات وإدارةُ الوظائفِ العامةِ والخاصةِ بشكلٍ خاطئٍ، وسوفَ يمكّنهُ من اتخاذِ القَرارِ الصّحيحِ والمُشاركةُ في صناعةِ القَراراتِ الكبيرةِ المؤثرةِ حُكماً في توجهاتِ البلادِ والتي من شَأنها أن تعملَ على ازدهارهِ وفقَ آلياتٍ تربويّةٍ مدروسةٍ وتمّ العملُ على إيجازِها وانجازِها بالشّكلِ الصَّحيح. إذاً إن المنهاجَ المُقدمَ لهذهِ المَرحلة يتألفُ من جزأينِ أيضاً. ـ الجزءُ النَّظري : الحربُ ـ مَفهومها وآليةُ عملِها وكيفيةُ تلافِيها ، مواجهتُها والتَّخفيفَ من أثارِها ـ يمكنُ في هذا الجزءِ إلقاءُ الضَّوء على تجاربِ المُصورينَ العَالميين الذين عَاينوا الحربَ مِن خلال عدساتِهم وقلوبِهم معاً، ما الذي تعنيهِ الحربُ لهم، أو ما الذي تركتهُ داخلَهم من آثارَ سَيئة، دونَ أن يكونَ لَهم يدٌ فيما حَدث أو أن يكونُوا جزءاً منَ المُعاناةِ التي خلّفتها الحَرب؟ تعريفُ كريستوف بانغرت* للحرَب ( على سبيلِ المِثال ): الحربُ لا تمثلُ أيّ شيءٍ مُقدسٍ أو أيّ شيءٍ غيرَ عاديّ لأنَ البشرَ يتقاتلونَ ويخوضُون حروباً مِنذُ وجودِهم، يجبُ علينا توثيقَ ذلكَ بدقةٍ تامةٍ مثل أيِّ شيءٍ آخر. لقد جمعَ بانغرت في كتابهِ الصّادرِ تحتَ عنوان ( بورنوغرافيا الحَرب )، صُوراً ألتقطَها خِلالَ العَشرةِ أعوامٍ الأخيرة في كلٍّ من أفغانستان والعراق ولبنان وغَيرها من البِلاد التي شَهدت حُروباً دموية، وفقَ ما قاله بانغر فإنَ الصُّور كفيلةٌ بإخراجِ مأساةِ الحَربِ إلى العَلن، وكفيلةٌ بإيقاظِ حاسةِ الضّميرِ لدى المُتلقين، ومن السَّهلِ نسبياً مُشاهدتها وقد لا تَحمل رُعبَ الحَرب الحقيقيّ، ولذلكَ من واجبنا إيجادُ سياق طريقةٍ يُمكن من خِلالها عَرضُ هذهِ الصُّور. كريستوف بانغر * مصور الحروب الألماني. كَما ويُمكنُ شَرحُ آليةِ الحَربِ وفقَ نظرةِ الخُبراءِ في هذا المَجال، يجبُ تقديمُ هذه المادةِ التّثقيفية بأكثرِ الأساليبِ بَساطةً معَ تقديمِ مَراجع عديدةٍ وآراءَ أشخاصٍ خَاضوا الحَرب وما هي نظرتُهم العَامة لها. إن تمتينَ عَلاقة التَّلاميذِ بردِ فِعلٍ حقيقيٍّ رافضٍ للحَربِ، ويسعى بِشتى الوَسائلِ إلى تَلافيها مهما كانِت المُغريات أو مَهما زادتِ الفِتنةُ، هي عمليةٌ ناجحةٌ في توجيهِ أنظارهِم نحوَ النَّجاحِ المهنيِّ والحياتيّ بحدِّ ذاتِه. عمليةُ تكوينِ الأخلاقِ أو تَعزيزها لدى التِّلميذِ في السِّن بين ( 10 سنوات و 12 سنة ) وحتى في مراحلَ سابقةٍ من عُمرهِ أو لاحقة، تبدو عَمليةً شاقةً للمُعلم ولكنها تَخلق حيزاً من التَّعاونِ المُثمرِ والخَلاقِ بينَ جميعِ الأطرافِ، الأهل والتّلاميذ والمُعلمين وحتى أفرادٌ خارجَ المُثلث التَّعليميّ التربويِّ المُتمثل بما ذَكرته. يجبُ التَّركيزُ على أن مَفهومَ ( الحَرب ليست بالضرورة احتلالاً أو قتلاً أو إبادةً جماعيةً ) كما وردَ في أحد تَعريفاتِها على الأنترنت، هو مفهومٌ مَغلوط فالحربُ مُدمرةٌ في جميعِ حَالاتها والتركيزُ على أنها حالةٌ مُصممة وفقَ استراتيجياتٍ وخططٍ تريدُ أقصى الإساءاتِ المُتعمدةِ من شأنهِ أن يخلقَ ردَّ الفعلِ المُراد تَحقيقهُ لدى الطَّالبِ ألا وهو رفضُ الحَرب تماماً. ـ الجزءُ التَّطبيقي : في هذا الجزء يمكنُ الاستمرارُ بتحقيقِ فكرةِ الحَربِ وما تخلّفهُ من تشعُباتٍ تدميريةٍ هائلةٍ من خلالِ تمثيلِ مَسرحياتٍ مَدرسيةٍ، حيثُ يقومُ الطُّلابُ بالتعاونِ مع مُدرسيهم في كتابةِ نصوصٍ مَسرحيةٍ تربويّةٍ هادفةٍ تُسقطُ الضَّوءَ على مُعاناةِ النَّاسِ في الحربِ وبّعدها، وتُعطي مجالاً للمُقارنةِ بينَ حالةِ المُجتمعاتِ قبلَ الحَربِ وبعدَ الحَرب، بالإضافةِ لمُحاولةِ وضعِ حلولٍ مُمكنةٍ للحدِّ أو لتلافي الحَرب. كما ويمكنُ إجراءُ مُسابقاتٍ مَدرسيةٍ للتلاميذِ تجذبُ انتباهَهم نحوَ تأليفِ القِصص التي تحملُ قيماً عاليةً وتُشجعُ على المَحبةِ وتجاوزِ المِحن بالتَّعاونِ، إضافة لتأليفِ الأغاني والأناشيدِ التي تطّورُ مهارةَ التفكيرِ والاستنتاجِ لديهِ. يمكنُ استثمارُ مُسابقاتِ الرّواد التي تُقيمها وزارةُ التَّربيةِ لجميعِ صُفوفِ الحَلقةِ الأولى بإيجادِ مكانٍ بينَ الموادِ الدّراسيةِ التي يتسابقُ فيها الطّلاب لنيلِ الرّيادة بأن تصبحَ عَمليةُ إعدادِ بحوثٍ حولَ الحربِ وتداعياتِها ضمنَ المُوادِ الدِّراسية التي من المُمكنِ إجراءُ مُسابقةٍ حَولها وحُصول الطَّالب على جائزةِ الرّيادة فيها، كما ويُمكنُ مُناقشة العملِ الفائزِ في ندواتٍ طلائعيةٍ يُشرف عليها اتحادُ شبيبةِ الثورة أو مُنظماتٍ أخرى تُعنى بالطفل.
( الفصل الثالث ) ( للمرحلة الإعدادية ـ الأول والثاني والثالث الإعدادي )
ـ الجزءُ النّظري : مراجعةُ المَعلومات المُقدمة سابقاً وتعزيزِها بالحواراتِ الغَنيةِ والهَادفة، ويمكنُ عَقدُ حلقاتٍ خاصةٍ، مَرةً أسبوعياً لقراءةِ مقالاتٍ حولَ الحَربِ وتداعياتها، بالإضافةِ لمشاركةِ التلاميذِ أنفُسهم في كتابةِ مقالاتٍ حَولها والمُساهمة في إضافةِ مَعلوماتٍ أخرى مُفيدةٍ للجميعِ ومِن شَأنها رفعُ مُستوى الحوارِ وتَحقيقِ ما أمكنَ منَ الفَائدةِ على جميعِ المُستوياتِ، الاجتماعيةِ والشخصيةِ والحيّاتية. ـ الجزءُ التطبيقي : يقومُ التَّلاميذُ بتغذيةِ المَسرحِ المَدرسيِّ من خلالِ عَرضِ مَسرحياتِهم وتشجيعهِم على الخُروجِ من حالةِ التّفكيرِ بالحربِ إلى كتابةِ مَسرحياتٍ حَول حالة التّخلصِ من الحرب وحالاتِ الرّخاء الاقتصادي وحالاتِ الفَرح، والمُناسبات الأقرب إلى القلب، من أجلِ إخراج التلميذِ من دائرةٍ جامدةٍ منَ التفكيرِ الدائمِ بالحربِ نَفسها وتسليط الضَّوء على فَترات حيّاتية تعدُّ بالأفضلِ. *يكونُ المنهاجُ في هذهِ المرحلة مُجردَ تذكيرٍ بما زرعهُ المُعلمونَ في عقولِ الطُّلاب من رفضٍ للحربِ والدّفاع عن القيمِ الإنسانيةِ بتبادلِ المحبةِ وتقبّل الرأي الآخر واستخدامِ النّقاش في الحوارِ عوضاً عن الصُّراخ ورفعِ الأصوات في وجوهِ البعض، كما ويركزُ على محاولةِ عدم انغماسِ الطالبِ في الخوفِ من الحربِ واستبدال فِكرته حول المستقبل والقلق منهُ و التي من شأنها تقييدَ اتخاذهِ للقراراتِ الصّحيحةِ، بفكرة التفاؤل بالغد وبالإمكانيات غير المحدودة التي يمتلّكها ويطورها باستمرار بمساعدة معلميه ومساعدتهِ العفوية لنفسهِ، هذه المساعدة المنبثقة من ثقتهِ القوية بأفكارهِ ومهاراتهِ . ( الفصلُ الرّابع ) ( المرحلةُ الثَّانوية )
ـ الجزءُ النَّظري : تعدُّ المَرحلةُ الثَّانوية مِن أكثرِ المَراحلِ ثباتاً في حَياةِ الشَّابِ أو الشَّابةِ، يُعزى ذلكَ إلى أنَ عَمليةَ تَبلورِ المُستقبلِ تبدو في أوجِها، ولذلكَ يجدرُ بالجزءِ النَّظريِّ المُتعلقِ بِمنهاجِ مُناهضةِ الحربِ أن يكونَ مَرناً بالشكلِ الكافي والذي لا يُشكلُ ضَغطاً إضَافياً على طُلابِ المرحلةِ الثَّانويةِ الذين يميلونَ لتَحديدِ رغباتِهم بشكلٍ أفضلَ أو توجيهِ قُدراتِهم نحوَ تحقيقِ أحلامِهم. لكن فِي هذا الجِزءِ يُمكنُ إيجادُ حَلقة ربطٍ مَتينةٍ وحقيقيةٍ بينَ إمكانيةِ تَحقيقِ أهدافِهم بِسهولةٍ ويسرٍّ وبينَ قدرةُ المُجتمعاتِ الخاليةِ منَ الحُروبِ على مُساعدتِهم في تَحقيقها وهنا يتمُ تعزيزُ فكرةِ البِلادِ الآمنةِ التي تريدُ لأولئكَ الشُّبانِ والشَّاباتِ أن يكونوا جِزءاً مُهماً من عمليةِ الحِفاظِ على هذا الآمنِ ومِن أجلِ هدفٍ أكبرَ وأسمى ألا وهو حُصولِهم على ما يبتغونَ دونَ مُعاناةٍ ودونَ حواجزَ فَرضتها الحَربُ السَّابقةُ على شَريحةٍ واسعةٍ من المُجتمعِ السّوري وهي شَريحةٌ تضمُّ في الغَالبِ أطفالاً وشباباً في عُمرِ الزُّهور. في هذهِ الحالةِ يمكنُ تخصيصُ الجِزءِ النّظريّ للتّجاربِ الحيّاتية التي قامَ بعضُ مَنكوبي الحَربِ بمشاركتِها للعامةِ، كيفَ أثرت الحَربُ على حَياته؟ ما مدى خُطورة الحَرب ؟ انطباعاتهُ الشَّخصية وذاكرتهً الزَّمانية والمكانيِّة حولَ تفاصيلِ الحربِ؟ كما ويمكنُ إجراءُ حواراتٍ تخيّليةٍ حولَ قدرةِ الحَرب على تغييرِ جُغرافيةِ المنطقة وأوضَاعِها الاقتصاديةِ والاجتماعيةِ من خِلالِ قصصٍ حقيقيةٍ يتمُ الحُصولُ عليها من مَصادر مختلفة. ـ الجزء التطبيقي: باعتبار أن هذا الجزءَ سيكونُ الفصلَ الأخيرَ في منهاجٍ كبيرٍ ومُترابطٍ يعملُ على خلقِ دائرةٍ مُتصلة بينَ أطفالِ المرحلةِ الابتدائيةِ وشبابِ المَرحلة الإعداديةِ والثّانويةِ فإنهِ من الواجبِ تعزيزَ هذا القسمِ بطريقةٍ فَعالةٍ، وأن يخلقَ مَهاراتٍ واسعةٍ من شَأنها شَرح عمليةِ مواجهةِ الحربِ النَّفسية أو العَسكرية بتقنياتٍ نفسيةٍ يُمكنُ لها أن تُساعدَ الطَالبَ أيضاً على مواجهةِ مَشاكلهِ على الصَّعيد الشخصيّ أو الاجتماعيّ وهي مَشاكلٌ قد تنحصرُ في نوباتِ الهَلع والاكتئابِ وتتدرج من خفيفةٍ إلى مثيرةٍ للقلقٍ. في البدايةِ ـ ما هي نوبةُ الهَلع ـ من وجهةِ نظرِ علمِ النَّفس ومن وجهةِ نظري الشَّخصية كناجيةٍ من حالاتٍ اكتئاب وكامرأةٍ مرت بِنوباتِ هلعٍ عديدةٍ. نوبة الهلع من وجهةِ نظرِ علمِ النَّفس : تُعتبر نوبةُ الهلعِ أو ما يُعرف باضِطراب الهلع، أنها أحد اضِطراباتِ القلقِ الشَّائعةِ، والتي يَجهلُها كثيرٌ من النَّاسِ وحتى الأطباءَ في التَّخصصاتِ الأًخرى. تُظهرُ نوبةُ الهلعِ على شكلِ نوباتٍ من الأعراضِ الجِسميةِ المُفاجئةِ المَصحوبةِ بالخوفِ الشّديد من الموتِ أو فقدانِ الوعيّ أو العقلِ، إن الذينَ يُعانون هذا الاضطرابَ تأتيهُم الأعراضُ على شكلِ سلسلةٍ من حلقاتَ مُكثفةٍ من القلقِ الشّديدِ أثناءَ نوباتِ الهَلع، هذه الهجماتُ عادةً ما تستمرُ حوالي عشرَ دقائقَ ويمكنُ أن تكونَ قصيرةَ الأجلِ أي لمدةٍ تتراوحُ بينَ دقيقةٍ واحدةٍ أو خمسُ دقائقَ، لكن تجدرُ الإشارةُ إلى أن مُدةَ نوبةِ الهلعِ قَد تَتجاوز العِشرينَ دقِيقة حتى سَاعةٍ كاملةٍ، وقد يتمُّ إجراءُ تدخلٍ فوريٍّ في الحَالاتِ المُعقدة. أعراضُ نوبةِ الهَلع: ـ ضرباتُ القلبِ السَّريعة. ـ ضيقُ التَّنفس ـ الخوفُ من فقدانِ السَّيطرةِ ويشتملُ على حدوثِ الارتجافِ ـ فرطُ التَّهوية أو الشُّعور بالاختناقِ ـ الشللُ المؤقتُ وألمُ الصَّدرِ ـ البكاءُ أو بعضُ الشُّعورِ المُتغيرِ بالواقعِ. إن مِثلَ هذهِ التَّجاربَ السَّلبية التي قد يَتعرضُ لها بعضُ الأشخاصِ قد تكون سَبباً مُباشراً في تبنيهِم مواقفَ اجتماعيةَ طارئةٍ مثلَ العُزلةِ الاجتماعيةِ، أو الانتحارِ إذا ما استمرَت حدةُ الهجماتِ ولم تتمْ مواجهةُ الأعراضِ بالشكلِ الصّحيحِ وهي تقنياتٌ نفسيةٌ تشتملُ على برنامجٍ نفسيٍّ كاملٍ ينسجمُ مع نمطٍ غذائيٍّ صحيٍّ وتدريباتٍ بدينةٍ مُخففة للتَّوتر. نوبةُ الهلعِ من وجهةِ نظرٍ شَخصيةٍ ومن خلالِ سلسلةٍ من التَّجاربِ الحياتيّةِ المليئةِ بنوباتِ الهَلع: مهما اختلفَت توصيفاتُ أو تَعريفاتُ نوبةِ الهَلعِ، فإنها تَجتمعُ في النِّهايةِ على اعتبارِها حالةً مُعقدةً تثيرُ زوبعةً من الآلامِ النَّفسيةِ والجِسمية على حدّ سواء ولعلَ الآلام النَّفسية تَغلبُ على الحالةِ أكثر مما قد تغلبُ عليها الآلامُ الجِسمانية، يمكنُ أن تتفاوتَ حدةُ الأثارِ الجانبيةِ لنوبةِ الهلعِ حَسبَ طبيعةِ الإنسانِ المُواجهِ لها، وحسبَ تجاربهِ السَّابقة وحتى ثقافتهُ وقدرتهِ على التَّعاملِ مع حالاتٍ طارئةٍ مثلَ نوبةِ الهلعِ إذ كما نَعرفً فإنَ هذهِ الحَالة قد تأتي في أيّ زمانٍ ومكانٍ وهي لا ترتبطُ بأعراضٍ حقيقيةٍ مُسبقةٍ يمكن أن نفهمَ معها أننا بعدَ ساعةٍ على سبيلِ المثال سنتعرضُ لنوبةِ هلع. (ترتبطُ النوبةُ بالمؤثراتِ المحيطة المتغيرة ) إن مثلَ هذهِ النَّوباتِ مرتبطةٌ ارتباطاً وثيقاً بالتراكماتِ النَّفسيةِ التي لم نُعالجها في الوقتِ المُناسب، ولذلكَ تُصبحُ بعضُ المُؤثراتِ الخَارجيةِ المُزعجةِ سبباً في دفعِها للسطحِ. ما الذي تعنيهُ نوبةُ الهلعِ؟ يمكنُ لهذهِ النَّوبة أن تدفعَ بالمريضِ إلى حافةِ الجُنونِ المؤقتِ فهوَ لا يعرفُ لماذا تحدثُ لهُ مثلُ هذه الهجمات ويُصاب تلقائياً بالخوفِ فهوَ عاجزٌ عن الدفاعِ عن نفسهِ ضد نفسهِ، ولا يمكنُ له أن يُفسرَ للآخرينَ ما يحدث له وقد يؤدي هذا إلى مُحاولته التكتمّ على النّوبة مما يزيدُ الحالةَ سوءاً. نوبةُ الهلعِ تعني شَرخاً مؤلماً في الذّاتِ الإنسانيةِ، وهي لشدةِ قُوتها في بعضِ الأحيانِ فإنها تؤثرُ على وظائفِ الجِسمِ ولذلك لا ريبَ من شعورِ الإنسانِ المُصابِ بالاختناقِ أو بضيقِ التَّنفس مع ألمٍ في الصَّدر، وأحياناً شعورهُ بكراهيةِ نفسهِ فهوَ كائنٌ مختلفٌ وتحدثُ لهُ أشياءٌ لا يمكنُ أن يَفهمها أو أن يَشرحَها كما ينبغي، بالإضافةِ إلى أن مثلَ هذهِ النَّوباتِ ستؤدي حتماً لفقدانِ ثقةِ الإنسانِ بنفسهِ وشعوره بالخزي مِما يواجهُ في مجتمعٍ لا يعترفُ بالطبِّ النَّفسي أو بحالاتِ الاكتئابِ الواجبُ عِلاجها. ( ما هي التقنياتُ الواجبُ اتباعها للتَّخفيف أو لتقليلِ نَوباتِ الهَلع والتّخلص مِنها نهائياً ) 1 ـ اتباعُ أُسلُوب حَياةٍ صحيٍّ: الابتعادُ عن المُنبهاتِ، الوجباتِ السَّريعةِ، الحُصولَ على قسطٍ كافٍ من النَّومِ يومياً، ممارسةُ التَّمارينِ الرّياضيةِ والمُثابرة عليها وعدمُ التَّوقف بعدَ الشعورِ بالتَّعافي. 2 ـ تقنيةُ احراقِ الوَرقة: ذكرت إحدى الدّراساتُ النَّفسيةُ أهميةَ كتابةِ ما يؤرقُنا على ورقةٍ، ما مرّ مَعنا أثناءَ اليَوم، الأشياءَ المُزعجة، خِلافاتِنا، أوجاعَنا، وبعدَ ذلكَ نقوم بِحرقها والتَّخلص منها. 3ـ تقنيةُ الورقةِ فقط: وهي تقنيةٌ تُشبهُ تقنيةَ احراقِ الورقةِ ولكن عِوضاً عَن حَرقِها، يقومُ المَريضُ بكتابةِ ما يُشبهُ اليومياتَ الشّخصية، بالتّواريخِ والأزمنةِ وأسماءِ الأمكنةِ أيضاً، يعبّرُ في تلكَ اليومياتِ عَن جميعِ المَشاعرِ الدَّفينةِ التي يمرّ فِيها أثناءَ اليومِ مهما بَدت غيرَ مُهمةٍ أو سَطحية إذ تُعتبر جميعُ المشاعرِ الإنسانيةِ على حدّ سَواء ذاتَ قيمة . 4 ـ تقنيةُ التَّأملِ: إن الحصولَ على نصفِ ساعةٍ يومياً والاصغاءَ للأصواتِ المُحيطة وفقَ نظامِ التَّأملِ الذي يقومُ فيه المريضِ بالاسترخاءِ مُوفراً لنفسهِ جواً من التَّركيزِ العالي، حيثُ يَنسجمُ كُلياً مع مَا يُحيطُ حولهُ، إن هذا كفيلٌ بتخفيفِ الأعباءِ النَّفسيةِ عنهُ وإسقاطَ مشاعرهِ السَّلبية على المَدى البَعيد، بالتأكيدِ لا يمكنُ للمريضِ الحصولَ على التَّأملِ بمثلِ تلكَ البَساطة فعمليةُ التَّأمل تأتي مع التدريبِ المُثابرِ والمُستمرِ ووفق تقنيةِ تنفسٍ مُنتظمة. 5 ـ تقنيةُ التَّحدث: إن وجودَ بعضِ الأصدقاءِ الحقيقيينَ في حَياتنا له تأثيرٌ مهمٌ وعميقٌ، لذلكَ فإنِ الإفصاحَ أمامَهم عن مَشاعرِنا وما يؤلمُنا ويؤرقنا سيكونُ أمراً عَظيماً ومُساعداً على التخفيفِ من أعبائِنا الشخصيةِ والحصولِ على جرعةِ تفاؤلٍ يوميةٍ كَفيلةِ بإحداثِ تغييرٍ حقيقيٍّ في مسارِ تَفكيرنا وصحتِنا النَّفسية. ( المشكلةُ الرّابعة، وصفُها، تحليلُها وتقديمُ الحلول لها ) ( عدم التركيزِ على بلوغِ المُعلمةِ أقصى درجاتِ الرّقي في التَّعاملِ الإنساني مع طفلِ المَرحلةِ الأولى، وهي مرحلةُ رياضِ الأطفالِ حيثُ لا يتمُ إعدادُها لتكونَ ذاتَ طبيعةٍ مُرادفةٍ لطبيعةِ الأم وهنا تُقدمُ نوعاً معززاً من العاطفةِ مع قليلٍ من عمليةِ التّعليمِ بحيث لا يَطغى التَّعليمُ على إشباعِ الطِّفلِ عَاطفياً، كما وأنهُ لا يتمُ إعدادَها لتكونَ جيدةً جداً في تَعامُلها مع تلاميذِ المَراحل الأُخرى، وهنا تجدرُ الإشارةُ إلى ضرورةِ امتلاكها شَخصيةً جدّية إلى مرحةٍ بعضَ الشيء، فعمليةُ المزجِ بينَ القسوةِ المطلوبةِ في بعضِ الظُّروفِ؛ والضّحك هي عمليةٌ ناجحة وتعطي نتائجَ تربويَّة لازمة أثناءَ تنشئةِ الطفل تربوياً وتعليمياً بالإضافةِ إلى أنها تَزرعُ فيهِ الثّقة بالنفسِ والقدرةَ على مواجهةِ المُشكلات. ) إننا أمامَ سؤالٍ جوهريٍّ عندما نتحدثُ عن عمليةِ تعليمٍ عظيمةٍ تؤدي مُمارستها بالشكلِ الصّحيحِ إلى إنتاجِ جيلٍ مكتنز بالوعيّ ومُدرك لمُتطلبات المَرحلةِ الرّاهنة، هذا السَؤال ينطوي على : لماذا يتمُ اختيارُ كليةِ التّربية وغيرها للتعلّم فيها؟ بمعنى آخر: لماذا تختارُ الشَّابات وبعض الشبانِ السّوريينَ مهنةَ التَّعليم؟ عندما نبدأُ بحلّ اشكاليةٍ مهمةٍ وهي اشكاليةُ الحُصولِ على وظيفةٍ حُكوميةٍ مهما كانَ الرّاتبُ وفي سبيلِ دعمِ عمليةِ الاستقرارِ الذَّاتي التي تُنشدها الفَتياتُ السُّورياتُ قبلَ الشُّبانِ السوريين، فإننا حتماً سوفَ نحلُ وبجديّةٍ مَسارَ العَمليةِ الترّبويةِ مِن نقطةِ الصِّفر وحتى أعلى دَرجاتها، إن للتعليمِ قُدسيةً مُميزةً وما يُميزُ التَّعليمَ عَن غيرهِ من المِهنِ الأُخرى أنهُ يعدُّ ركيزةً أساسيةً لجميعِ المهنِ الأخرى ولِمُجتمعٍ سعيدٍ أيضاً، إذ بإمكانِ التَّعليمِ الجيدِ أن يُحولَ الطفلَ من عاجزٍ على حلِّ مشكلاتهِ إلى مُدركٍ حقيقيٍّ للمُشكلة وقادرٌ على حَلها في فترةٍ زمنيةٍ قَصيرةٍ وبأساليبَ جديدةٍ ومبنيةٍ على أسسٍ مَنطقيةٍ وهذا بالضبطِ مَا نُريدهُ أثناءَ مُباشرةِ عمليةِ التَّعلمِ والتَّعليمِ منذُ المرحلةِ الأولى للطِّفلِ وهي مرحلةُ رياضِ الأطفال. سؤالٌ أخر يغدو مهماً ونحنُ نتحدثُ عن المَعاني السَّامية لعمليةِ التَّعليم: لماذا تَعتبرُ المُجتمعاتُ المُتقدمةُ مرحلةَ رياضِ الأطفالِ من أهمِ المَراحل التي قد يمرّ فيها الطِّفل؟ ولماذا يجب أن تكونَ بدايةً تعليميةً مُوفقةً يقضي فِيها الطفلُ وقتاً مُقدساً ويخرجُ إلى المَراحل الأخرى بكاملِ رغبتهِ ودونُ ضَغط الوالدين؟ كما ذكرتُ في الصَّفحاتِ السَّابقة فإن التَّعليمَ المُبكر مهمٌ لتنشئةِ جيلٍ يُنمي مَهاراته بشكلٍ صحيح، إذ أن الطفلَ في سَنواتهِ الأولى يكونُ كالإسفنجةِ فيما تبدو جَميع المَعلوماتِ المُقدمةِ لهُ كالماءِ، ولذلكَ لا يمكنُ إنكار سُهولةِ سَحبِ الإسفنجةِ لكلِّ الماءِ المُحيطِ حَولها. إدارةُ التعليمِ المُبكرِ تحتاجُ إلى كمّ هائلٍ من الصَّبرِ المهنيِّ والعاطفيِّ، فالأطفالُ في هذه المَرحلة غالباً ما يكونونَ في دائرةِ الهّشاشةِ الاجتماعيةِ، ومرحلةُ رياضِ الأطفالِ من شَأنها أن تُمزقَ جِدارَ الهَشاشةِ وتعدّ الطّفل ليكونَ أكثرَ مرونةً وتقبّلاً للآخر. من يُديرُ عَمليةَ التَّعليمِ المُبكر في مرحلةِ رياضِ الأطفال؟ قلتُ سابقاً أن التَّعليم في رياضِ الأطفالِ في سورية ما يزالُ حديثَ العهدِ، وأن أكثرَ الرَّوضاتِ التي تقدمُ تَعليماً جيداً هي روضاتٌ خاصة تدفعُ رواتبَ شهريةٍ جيدةٍ للمعلماتِ فيها رغمَ عددِ السَّاعاتِ الطويل الذي تَطلبه مقابلاً للراتبِ الشّهري، أما في رياضِ الأطفالِ التَّابعة للنَّقاباتِ الأخرى أو لدوائرِ الدولةِ فهي بالكادِ تُقدمُ شيئاً من التعليمِ لأطفالِ هَذه المرحَلة. وباعتبار أنَ الوضعَ الاقتصاديَّ في سورية مُتردٍ بالشكلِ الكافي فإن إلحاقَ الأطفال بروضاتٍ خاصةٍ يعدّ شيئاً مستحيلاً. أمامَ مشكلةٍ كبيرةٍ مثل هذهِ المُشكلة ما هو الحلُّ المُمكن؟ هناك العديدُ من الحلولِ التي توصَلتُ إليها بعد متابعةٍ كثيفةٍ للتّعليمِ في سورية استناداً إلى خبرة تعليميةٍ تمتدُ على خمسة عشرة عاماً تنقلّتُ فيها بينَ مدارسٍ كثيرةٍ بالإضافة إلى خبرة ثلاث سنواتٍ في التَّعليم في روضةٍ للأطفالِ تابعة لنقابةِ مُعلمي طرطوس وقد ألخصُ ما توصلتُ إليه في النِّقاط التالية: 1ـ إن لم يكن مُمكناً رفعُ المُستوى المَعيشيّ للمُعلمة، فيجبُ على دوائرِ الدّولة والقطاعاتِ العامةِ تخفيضَ ساعاتِ العملِ إلى حوالي ثلاثِ ساعات يومياً لا أكثر ( بالاستنادِ إلى دراساتٍ حديثةٍ أُقيمت حولَ عددِ السَّاعات التي يَعملُ فيها الموظفُ ووجدتُ أنهُ في الدّوامِ الذي تَبلغُ فيه ساعات العملِ ثماني ساعاتٍ؛ لا يعملُ فيها الموظفُ في الحقيقةِ سوى ثلاث ساعاتٍ وأن باقي الوقتِ يقضيهِ في الثرثرةِ التي لا طائلَ منها وفي الشّكوى أيضاً مما يُسببُ انخفاضَ إنتاجيةِ العاملِ وإحداثَ فُوضى على المُستوى الشخصيّ والعام) 2 ـ إن توفيرَ حصةٍ واحدة يومياً في نهايةِ اليومِ المَدرسي تقومُ فيهِ المعلمةُ بأداءِ تَمرينات استرخاء، ويُشرف عليها مُختصٌ في مجالِ التربيةِ البَدنيةِ من شأنهِ تعزيزَ شعورَ الإيجابيةِ لديها ويُمكّنها بطريقةٍ فعالةٍ من إحداثِ تغييرٍ في تَفكيرها على المُستوى الحيّاتيّ، فالتَّمارين البدنيةُ ومن بَينها الاسترخاءُ أو تَمرينات التَّأمل من شأنها تخفيفُ الضَّغط والحُصول على أفكارٍ أفضل حولَ الحياةِ بشكلٍ عَام. 3 ـ إن رفعَ المُستوى المَعيشيَّ للمعلمةِ سيؤثرُ حتماً في الشّكلِ الصّحيح بما يخصُّ أداءها الوظيفيّ ولكن في ظلِ تراجعِ الأوضاعِ الاقتصاديةِ يُمكن مُساعدةُ المُعلمةِ في إيجادِ أعمالٍ أخرى تتقنها من شأنِها توفيرَ دخلٍ إضافيٍّ لها، هذا من شأنهِ أن يزيدَ مِن ثقتِها بنفسِها وبالمُحيطِ وستُقبُلُ على عَملية التعليمِ بكل مرونةٍ ولُطف. 4 ـ تعزيزَ مفهومِ أهميةِ التَّعليمِ باعتبارهِ مُستقبلاً غامضاً لأبناءِ المُعلمات في حدّ ذاته، إن محاولتنا الجدّية في لفتِ أنظارِ المُعلمات إلى أنهن صَانعات حقيقيات للمُستقبل البعيدِ ولمُستقبل أبنائِهن، ستكونُ فعالّة في إيقاظِ ضميرِ المُعلمةِ وتنميةِ صَحوتها الرّوحيةِ المُتمثلةِ بتبني أخلاقَ عالية وتَعزيزِ الأداءِ المهنيِّ من أجل تعزيزِ العَملية التَّعليمية وخلقِ جيلٍ قادرٍ على تَخطي المَصاعبِ التي سبقَ ومَرّت فيها جميعُ المُعلماتِ، بدءاً من قلةِ فرصِ العَملِ ومروراً بالواقعِ الاقتصاديِّ والمالي السَّيء والذي جعلَ من عمليةِ التَّرفيهِ الذّاتية أمراً مُستحيلاً. 5 ـ تعزيزُ مفهومِ الوعيّ الذّاتي والاجتماعيِّ والحياتيِّ الذي يَقضي بفهمٍ حقيقيٍ للمَحبةِ وللعاداتِ الإسلاميةِ الصَّحيحةِ التي تقولُ أن أعَمالنا الصَّالحة ستأتي ثِمارها عَاجلاً أم آجلاً. 6 ـ دفعُ المُعلمةِ للمُشاركةِ في وضعِ المَناهجِ التَّعليميةِ التي من شأنِها رفعُ الحالةِ التَّربوية ودعمِها من خلالِ أبحاثٍ وملاحظاتٍ ودروسٍ؛ تَرى فيهمُ المعلمةُ أهميةً كبيرةً باتجاهِ تطويرِ وجهة التعليم، وتّقلّص من خِلالهم عملية تفتيت التَعليم أو إحداثَ فَوضى ضمنهُ بكثرة المعلوماتِ أو من بقلّة المعارفِ والمهاراتِ المَطلوبة.
ثالثاً ( ملاحظاتٌ عامةٌ حولَ تَجربةٍ شخصيةٍ في التّعليم ) بدأتُ التَّعليم في عام 2006م في واحدةٍ من مدارسِ مدينةِ طرطوس، حيثُ كانَ التَّعليمُ آنذاك يحظى بشعبيةٍ كبيرةٍ في الحياةِ الاجتماعيةِ السّوريةِ وكانت الدولةُ السّوريةُ تُقدمُ ما أمكنَ مِن الدّعمِ التّقاني والمَادي والحيّوي وحتى النّفسي لجميعِ مدارسِ المُدن السّورية، عندما انتقلتُ بعد ذلك للتعليمِ في جزيرةِ أرواد وهي تقعُ قبالةَ مدينة طرطوس، وجدتُ مسافةً كبيرةً بينِ الإقبالِ على التعلّم في المدينةِ وبينَ الإقبالِ عليهِ في مدرسة تلكَ الجزيرة وبعد التفتيشِ عن الأسبابِ كان يُعزى فقدانُ الاهتمامِ بالتَّعليم للتوجهاتِ الدّينيةِ المُتشددة في تلك المدرسة حيث واجهتُ كثيراً من المواقف غير المألوفةِ مِثل عَقد خَطوبة طفلة في التّاسعة من عُمرها على شابٍ يكبُرها سناً والكثيرَ من المواقفِ الأخرى، ولكني بصددِ الإشارةِ إلى أنهُ من الواجبِ علينا كمعلماتٍ أن نُشجعَ مثلَ هؤلاء الأولياءِ على بذلِ مجهودٍ إضافيٍّ في مجالِ تَعليمِ البناتِ وتأجيلِ الزَّواجِ للسنِ التي تكونُ فيها الفتاةُ على درايةٍ كافيةٍ؛ تُمكّنها من اتخاذِ القَراراتِ وتأسيسِ عائلةٍ، إذ لا يبدو مَنطقياً قدرةَ فتاةٍ لم تتلقَ التّعليمَ الكافي على تَوجيهِ أطفالِها في المُستقبلِ القَريب أو البعيدِ عدا عنِ المَشاكلِ الزَّوجيةِ والعائليةِ التي تَطرحُها فكرةُ الزواجِ المُبكر. بعدَ ذلكَ بدأتُ التَّعليمَ في مدارسِ القُرى السّورية، في نحوِ أكثرَ من خمسةِ مَدارس في قرى نائيةٍ، لكن رغمَ ذلكَ كانَ التعليم السّوري ما يزال يَحظى بالاهتمامِ في تلكَ القَرى، على الرُّغم من الأوضاعِ الصّعبة المُتمثلةِ بِصعُوبة التنقلِ ووصولِ المُعلماتِ إلى مَدارسِهن في الوقتِ المُناسب، بالإضافةِ لعملِ التّلاميذِ في الزّراعةِ جنباً إلى جنب مَع عَائلاتهم. حققت سُورية مكانةً مُهمةً ورياديّة في قطاعِ التعليمِ وإن كانَ الاهتمامُ ككلّ يتجهُ نحوَ مدارسَ المُدن ولكن القُرى السّورية قد تمكنَت من توفيرِ ما أمكنَ من وسائلَ تَعليميةٍ ولقد بَدت نتائجُ الطّلابِ مُذهلة، كما وساهمَ المُعلمون والمُعلمات في رفدِ العَمليةِ التَّعليميةِ بخبراتِهم ومَهاراتِهم كما وكانَ لَهم شأنٌ كبيرٌ لدى أولياءِ الأمورِ والتّلاميذِ أنفسِهم. لكن بعدَ الحرب تماماً أو حتى في أثناءِ الحَرب، أي ما بعد 2011م وحتى الآن، صارت العمليةُ التعليميةُ السّوريةُ إلى تَراجعٍ، سلسلةٌ كبيرةٌ من المُسببات كان لها دورٌ كبيرٌ في خروجِ تلك العمليةِ عن السّيطرة بل وتراجُعها. مثلَ تدنيّ مُستوى المَعيشة، أو الهروبَ من المناطقِ السّاخنةِ في الدَّاخل السُّوري إلى الأماكنِ والمدنِ التي لا تصلُها يدُ الإرهابِ، مما جعلَ الصَّفَ الواحدَ يحتوي على أكثرِ من أربعينَ طالباً وهذا من شأنهِ إلقاءُ أعباءٍ كبيرةٍ على كاهلِ المُدرسِ أو المُدرسة أو على كاهلِ الطَّالب نفسِه، كما وقلّت الكتبُ المدرسيةُ وصارَ من الصّعبِ الحصولُ على ما يكفي منها مما شكّل عبئاً إضافياً على المُجتمع التّربوي والتّعليمي. مجموعةٌ مترابطةٌ من المَشاكل اجتمَعت معَ بعضها لتشّكلَ سِجناً كبيراً صارَ من المُتعذر التحررُ منهُ دونَ خطةٍ مَدروسةٍ ومعززةٍ بالوسائِل والتّقنيات الحَديثة، هذهِ المَشاكل هي على الشَّكلِ التَّالي: 1 ـ عدمُ الإيمانً بًجدوى العَمليِّة التَّعليميّة السّورية لدى بعضِ المُدرسين والمُدّرسات 2ـ الضُّغوطُ النفسيةُ التي يُمارسها الوضعُ المَعيشي السّيء على النَّاسِ والضّغوطُ النَّفسية الناتجة عما سَبق والتي يُمارسها أولياءُ الأمورِ على الأطفالِ، والضُّغوطُ النَّفسية التي يُمارسُها الطفلُ على نفسهِ وعلى الآخرين. 3 ـ التَّخلي عن مَفهومِ الوطنِ والوَطنيةِ، إنهُ لمنَ المُتوقعِ أن يتخلى النّاس وهُم في أمسِ الحَاجة للحياةِ الجيدةِ عن فكرةِ الوطنِ والمَحبةِ القَائمةِ بينَ أفرادهِ، فالعقلُ الإنسانيُّ غالباً مَا يَضعُ النَّجاة مما حولهُ في مقدمةِ المَشاكلِ التي يَسعى لِحلِها، وبالتَّالي فإنهُ يُسقط عقائداً وأفكاراً واهتماماتٍ أخرى مثلَ التّفاني في الوطنيّة وحبِّ الوطن؛ من قائمةِ الاهتماماتِ السّابقة. 4 ـ الرّجوعُ إلى عاداتٍ بدائيةٍ في التَّربية، شيءٌ طبيعيٌّ جداً أن يَفقدَ الأهلُ السَّيطرةَ بعدَ الكمّ الهائلِ من المَشاكلِ الاجتماعيةِ والاقتصاديةِ التي تَعصفُ بالبلادِ، وأن يتَناسوا أو يَنسوا الأساليبَ الحَديثة في التَّربيةِ والتي تَدفعهُم لاحتضانِ أبنائِهم وتقديمِ النُّموِ النَّفسي والعاطفيِّ المناسبِ لكلِّ مَرحلةٍ بل ويتعدى ذلكَ إلى الضَّربِ في بعضِ الحَالاتِ والشَّتائم التي من شَأنها خفضُ الرّوحِ القتاليةِ والمعنويةِ لدى الطّفل الذي يُواجه مُجتمعَ ما بعدَ الحَرب. 5 ـ تأثرُ المُعلماتِ والمُعلمينَ بالحالةِ العَامةِ للبِلاد وفُقدانهم السّيطرة على حَالةٍ جيدةٍ منَ التّعليمِ بسببِ مُتطلباتِ الحَياةِ الضَّاغطةِ وغير المُمكنة في أحيانٍ كثيرةٍ مما يَدفعُ بِهم للتَّخلي عن أساسياتِ تلكَ العَملية وقبولِ الحدِّ الأدنى من مُمارسةِ العَملِ التّربويّ والتَّعليمي وبالتالي عدمُ حُصول الطَّالبِ على كفايتهِ منَ المَعلوماتِ والمَعارفِ والمَهاراتِ المُهمةِ على المَدى الطَّويل. 6 ـ ينزعُ الطِّفل الذي يعيشُ في بيئةٍ غيرِ مُتوازنةٍ إلى تخريبِ عَلاقاتٍ اجتماعيةٍ بينهُ وبينَ الآخرين، إن وجودَ أكثر من أربعينَ طالباً في صفٍ واحدٍ من شأنهِ خَلقُ عددٍ لا يُحصى من تلك المشاكلِ مثل الغيرة، عدمُ الاهتمامِ، التّراخي، الكآبة، الخَوف وعلاماتٍ نَفسيةٍ أخرى من شأنِها إيصالُ الطفلِ وتعليمهُ إلى الحَضيض. إذاً لا بُد مِن حركةٍ حقيقيةٍ على المُستوى الاقتصاديّ، وتخطيطٍ جيدٍ على مُستوى التّربية والتَّعليم، إننا كسوريين مِن واجبنا مُساعدةُ بَعضنا البعض كي نَتخطى ما ألقتهُ الحَربُ عَلينا مِن أعباءٍ، وما دُمنا غيرَ قادرينَ على اتخاذِ الخُطوة الأولى فإننا على بُعدِ مَسافةٍ هائلةٍ من توفيرِ تعليمٍ حقيقيٍّ لأبنائِنا. ( رابعاً ) ( تلخيص شامل وعام لكلّ ما ورد في هذا البحث، مع اقتراحات أخرى تنصب في مصلحة التعليم السوري). إن عمليةَ تربية وتعليمِ الطفل، شاقةٌ وتتطلبُ بذلَ الكثيرِ من الجهدِ في سبيلِ تطويرِ تلكَ العملية والعمل على إضافةِ المزيد لها بحيث تواكب الحركة العالمية النّهضوية الشّاملة كما وتصيرُ جزءاً من منظومة العولمة الفكرية بشقيّها العولمة الفكرية الفعالة والعولمة الفكرية المتجددة والباحثة عن متغيراتٍ دائمة تنصبُ في مصلحة الطّفل وتوقظ عنده الشغف، حيثُ يعدّ الشغف مفتاحاً حيوياً للعالم الإنساني والاقتصادي والمجتمعي ويعدُّ إضافةً حقيقيةً لفكرةِ التعليّم الشاملِ والمتكامل إن تخصيصَ ثلاث ساعات يومياً للتدريس، أكثرُ من كافٍ وسيحقق النتائج المطلوبة فهذا الوقت المحدد سوفَ يدفعُ المعلم نحو إعطاء أقصى طاقتهِ في التّدريس وسوف يخففُ حتماً الضغوطات عنه وعن الطّالبِ الذي قد يجدُ في الوقت التّدريسي الطويل ثغرةُ كبيرة يتسربُ منها الملل، والملل في العملية التعليمية يعدُّ خطراً على وجهة المعلومات والمهارات التي يراد إيصالها للطالب. يجب أن نأخذَ المستوى المعيشيّ بعين الاعتبار، وطريقة تنظيم الدّوام المدرسي وكيفية تصميم المناهج التربوية التي تتضمن تقنيات تعليمية حديثة وتستخدمُ أفكاراً خارجةً من الواقعِ الحيّاتي ومن تجاربِ الآخرين، كما ويجب تشجيعُ الموهوبين من التلاميذ على الانخراط في تحديد كيفية وكمية المعلومات الواجب تقديمها، وعدم تجاهل ملاحظاتهم حول المناهج التعليمية، إن أية عملية ربط بين قدراتِ المعلم وقدرات الطالب هي عمليةٌ ناجحة في رفع سقف الحالة التعليمية في المجتمعِ حتى أقصاها، وهي ستؤدي إلى الانخراط مستقبلاً في عملية صنع القرارات الصحيحة وفق مسارات مدروسة مسبقاً وتم معالجتها على المدى البعيد، كما وإن إشراك الموهبين من المعلمين والتلاميذ في خلق منظومةٍ تعليمية تربويةٍ خلّاقةٍ ومؤثرة ستكون ذاتَ نتيجةٍ عظيمةٍ في رفد المجتمع بفكرةِ التّعاون وبثِ روح الجماعة التي تضمّ الأفراد إليها وليس فكرةَ الفردِ الواحد الذي يقود الجماعة وفق رؤيتهِ الشخصية. ثمة بعضُ النقاطِـ يجب تداركها أثناء عملية تطوير المناهجِ التعليمية أو أثناء عملية اختيارِ المعلمين والمعلمات، وهي على الشكلِ التّالي: 1 ـ إجراءُ اختباراتٍ نفسيةٍ على جميعٍ المتقدمين لعملٍ التّدريسِ، يكونُ الاختبارُ وفقَ قواعدَ نفسيةٍ يضعُها مُختصون في علمِ نفسِ الطفلِ، وعلمِ النَّفس العام ومُختصينَ في الصِّحة النَّفسية وخبراء في مُتابعة أحدثِ التَّطورات التّربوية والتَّعليمية. 2 ـ إجراءُ اختباراتٍ للطُّلابِ لتحديدِ إمكانياتِ الطّلابِ والمُساعدةِ على اكتشافِ الموهوبينَ الذين يمكنُهم دَعمُ العَمليةِ التَّعليميةِ بأفكارِهم وتُشجعُ الآخرينَ على الاستفادةِ من طاقتِهم الإيجابيةِ المُندفعةِ نحوَ التعلمَ حتى أقصاه، ومُساعدتهم على تنميةِ مُواهبِهم والأخذِ بيدِهم حتى بلوغِ أعلى درجاتِ النَّجاح. 3 ـ تصميمُ مناهجَ تعليميةٍ تعتمدُ على الاستنباطِ والاستنتاجِ والاستقراءِ وحلِّ المُشكلاتِ والابتعادِ عن المَعلوماتِ الزَّائدةِ وتقليلِ الحشوِّ المعرفيِّ الذي لا يَخدمُ المَادة التّعليمية. 4 ـ إطلاق فكرة التعلم في الطبيعة، من خلال تطبيق بعض الدروس خارج أسوار المدرسة وبذلك يتم خلق بيئة تعليمية صحية نفسياً وجسدياً واجتماعياً. 5 ـ استبعادُ المُعلماتُ والمُعلمينَ الذين لا يضيفونَ شيئاً على عَملية التعليمِ ويكتفونَ بالتَّلقين وإجراءِ الامتحاناتِ وقبضِ رواتبِهم، إن هؤلاءِ يُشكلونَ خَطراً على عمليةِ إعدادِ جيلٍ حقيقيٍ، مرنٍ وناجحٍ. 6 ـ إعطاءُ الحوافزِ المَالية الرّمزية وشَهاداتِ التَّقديرِ للمُعلمينَ والمُعلماتِ الذين شَكلّوا فرقاً وتفرداً في عَمليةِ إشراكِ الطَّالبِ ضمنَ عمليةِ التَّعلم، والذين قفزوا بالتَّعليمِ من حالتِهِ الجامدةِ إلى حالةٍ أفضل. 7 ـ إجراءُ امتحاناتٍ وفقَ نظامٍ لا يقبلُ جودةَ الإجابةِ بِمقدارِ الكميةِ التي يَكتبها الطالب وإنما بمقدارِ( الكيفية) من خلالِ تلخيصهِ للفكرةِ التي استقاها من الدّرس أثناءَ شَرحهِ. 8 ـ إجراء تقييمات شهرية لعمل المدرسين والمدرسات وفقَ مبدأ النتائج التي قدمها طلابهم. 9 ـ رفد المدارس الحكومية في المدن والقرى بخبراء نفسيين للاطلاعِ والمُساعدةِ في تقييمِ وعلاجِ بعضِ الحَالاتِ المُستعصيةِ على المُعلمِ، مثل حالاتِ اكتئابٍ شديدة. 10 ـ التأكيدُ المستمرُ على ضرورةِ القراءة المُستمرة والاطلاع الدّائم على التطوراتِ الثقافية والتّعليمية والتّربوية في البلادِ المجاورة والبلادِ التي سجلّت أعلى نسب تعليم ونجاح بين أفرادها، وتعميمِ التجارب التي تمّ التعرف على مدى أصالتها وقدرتها على رفع مستوى التّعليم، واقتراح خططٍ من شأنِها توظيفُ ما أمكنَ من وسائلِ المُساعدة وأدوات تقنية في التّعليم.
( خامساً ) ( الملحقَات والمراجِع ) ( نتائج استبيان حولَ موضوع : ما الذي تفتقرُ إليهِ العمليةُ التّعليمية في سوريا؟ ) قمتُ من خلال صفحتي على شبكة التواصل الاجتماعي بطرح استبيان حول السؤال : ما الذي تفتقرُ إليه العملية التعليمية في سوريا؟ وتم توجيه السؤال لنحوِ أكثرَ من 50 معلم ومعلمة موجودين على الصّفحة. ( بعضهم لم يُقدم أية إجابة ) 50% من المعلمينَ والمعلماتِ الذين أجابوا عن السُّؤالِ المَطروح قرروا أنه لا توجدُ في الأصلِ عمليةٌ تعليميةٌ حقيقية. 25% من المعلمينَ والمعلماتَ الذين شاركوا في الإجابة أيضاً اتفقوا على أن المِصداقية التّربوية والتّعليمية هي أكثرُ ما تفتقرُ إليه العمليةُ التعليميةُ السورية. فيما تراوحت باقي الإجابات بين : 1 ـ تفتقرُ العمليةُ التَّعليميةُ في سورية إلى المنهاجِ المُناسبِ لكلِّ مرحلة، وإلى المعلمِ المتمكّن من المنهجِ الجديدِ وإلى المُعلمِ القادرِ على التّعليم والتّواصل، وإلى نظامٍ تعليميٍّ يعتمدُ على الاستيعابِ والفهمِ وليس نظاماً تعليمياً قائماً على الاستظهارِ والترديد الببغائيّ. 2ـ تفتقرُ العمليةُ التعليميةُ في سورية إلى أدواتِ توصيلٍ ومُساعدة وإلى صفوفَ أوسع، وعددُ طلابٍ أقل، وإلى إداراتٍ وموجهينَ قادرينَ على استيعابِ الفكرِ التَّربوي وقادرينَ على ضَبط العمليةِ التربويةِ، بالإضافة لمراقبة سّويّة المعلمين والمعلمات وفق نظام تقييم خاص. 3 ـ تفتقرُ العمليةُ التعليميةُ إلى إعادةِ النِّظام والانضباطِ إلى المدارسِ. 4 ـ تفتقرُ العملية التعليمية في سورية إلى مناهجَ أقل تكثيفاً، ولا تعتمدُ على الحشوِ وعلى كميةِ المَعلوماتِ بقدر الكيفيةِ التي تقدم فيها المعلومات. 5 ـ تفتقرً العمليةُ التعليمية في سورية إلى امتحاناتٍ تقيسُ المهارة وليسَ الذّاكرة، وإلى كادرٍ تعليميّ مؤهل نفسياً.
( قائمة المراجع ) ـ عبدَالله ونيس التّرهوني، أكتوبر 2018م، بوابة افريقيا الإخبارية، العلاقة بين النمو الاقتصادي وجودة التعليم. ـ فيصل الجهني، 2021م، ملتقى المعلمين والمعلمات، المعلم الياباني؛ بحثٌ شامل من كافة الجوانب. ـ كريستوف بانغر ( مصور الحروب )، حاورتهُ مونيكا غريبلر، ترجمة رائد الباش، تحرير على المخلافي، حقوق النشر دويتشه فيله/ قنطره 2014م ـ مجلة وولدز ورك، حوار مع هنري فورد، 1926م/ الجزيرة. ـ معجم مصطلحات الطب النفسي، مركز تعريب العلوم الصحية، موقع باي واي ماشين، نسخة محفوظة أكتوبر 2017م. ـ موقع ويب طب، الصحة النفسية، كيفية التخلص من نوبات الهلع. ـ ويكيبيديا، الموسوعة الشاملة، اضطراب الهلع. ـ ويكيبيديا، الموسوعة الشاملة، التعليم في فنلندا. ـ ويكيبيديا، الموسوعة الشاملة، اللغة العربية.
#شذى_كامل_خليل (هاشتاغ)
Shaza_Kamel_Khalil#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
القبضُ على المُتهمِ الخامس، مُتلبساً
-
ما الذي تعرفهُ المرأةُ العربية عن الأورجازم؟
-
هل تعيّ المرأةُ قيمتها ؟
-
عدا الثرثرة، هل تستخدمُ النساءُ قدراتهن الصوتية جيداً؟
-
هل يجدرُ بجائزةِ نوبل للآداب أن تترشحَ للفوزِ بقلبِ هاروكي م
...
-
متى تخرجُ المرأةُ السوريةُ من مخاضها العسير؟
المزيد.....
-
ماذا يحدث في دمشق بعد عملية طرطوس الأمنية؟
-
أذربيدجان تقيم يوم حداد وطني غداة مقتل 38 شخصا في حادث تحطم
...
-
لقطات جوية لشاطئ دينامو في أنابا بعد كارثة بيئية
-
سلطات البوسنة والهرسك تعتقل وزير الأمن
-
إغلاق مضيق البوسفور أمام حركة السفن
-
-كلاشينكوف- تختبر مسيّرة عسكرية ضاربة
-
في اليوم الـ447 للحرب: الرضّع يتجمدون من البرد في غزة واليون
...
-
القضاء الإداري يقبل طعن المبادرة ضد إلغاء انتداب موظفة بالمج
...
-
-يجب علينا ألا ننتظر ترامب لإتمام الصفقة مع حماس- - هآرتس
-
وفد استخباراتي عراقي يزور دمشق للقاء الشرع (صور)
المزيد.....
-
اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با
...
/ علي أسعد وطفة
-
خطوات البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا
...
/ سوسن شاكر مجيد
-
بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل
/ مالك ابوعليا
-
التوثيق فى البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو
...
/ مالك ابوعليا
-
وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب
/ مالك ابوعليا
-
مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس
/ مالك ابوعليا
-
خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد
/ مالك ابوعليا
-
مدخل إلى الديدكتيك
/ محمد الفهري
المزيد.....
|