|
اتفاق نووي يلوح في الأفق
سنية الحسيني
الحوار المتمدن-العدد: 7141 - 2022 / 1 / 20 - 15:56
المحور:
السياسة والعلاقات الدولية
في خضم لقاءات الجولة الحالية الثامنة من المفاوضات النووية في فيينا، تعكس التحركات الدبلوماسية التي تسير جنباً إلى جنب مع تلك اللقاءات، والتي تشكل روسيا محورها، تطوراً إيجابياً محتملاً من حيث نتائجها. هناك أيضاً عدد من المؤشرات التي تشير إلى حدوث مثل ذلك التطور الإيجابي في إطار الملف التفاوضي النووي بين الولايات المتحدة وإيران، والتي ترجح كفة الاتفاق على كفة الحرب. أثناء اللقاءات المكثفة الثنائية والمتعددة في فيينا والتي تدور الآن، على مستوى رؤساء الوفود والخبراء، يقوم انريكي مورا الوسيط الأوروبي في تلك المفاوضات بزيارة إلى روسيا قبل يوم واحد فقط من زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى موسكو، في ظل تأكيد ميخائيل أوليانوف المندوب الروسي في ذات الوقت مداولاته مع روبرت مالي كبير المفاوضين الأميركيين حول القضايا العالقة، الأمر الذي يعكس دور روسيا الذي بات يظهر كوسيط ومسهل في تلك المفاوضات. وأصبح الحديث متداولاً اليوم عن مسودات جاهزة للاتفاق وملحقاته، وعن حلول ممكنة ومقبولة لمعظم القضايا العالقة بين الولايات المتحدة وإيران، والتي تتعلق بأي من الطرفين سيبدأ أولاً بتنفيذ التزاماته، والمتعلقة برفع العقوبات عن إيران، مقابل تحديد مصير أجهزة الطرد المركزي واحتياطات إيران من الوقود النووي، التي جرى تطويرها بشكل كبير في الأشهر القليلة الماضية، هذا بالإضافة إلى مطالبات إيران بضمانات من واشنطن حول تقييد إمكانية الانسحاب من الاتفاق، كما حدث سابقاً في عهد إدارة دونالد ترامب عام 2018. اليوم، وفي إطار المفاوضات القائمة في فيينا، هناك حديث عن وجود مسودة جاهزة للاتفاق النووي، وثلاثة ملاحق يتعلق الأول برفع العقوبات عن إيران، ويتمحور الثاني حول التعهدات النووية الإيرانية، ويركز الثالث على الإجراءات التمهيدية لبدء تنفيذ التعهدات. وبات الحديث عن إمكانية تنفيذ الاتفاق بشكل مرحلي متسلسل، ورفع واشنطن لجميع العقوبات التي نص عليها الاتفاق النووي لعام 2015، وتفهم إيراني بخصوص مصير أجهزة الطرد المركزي المتطورة واحتياطيات اليورانيوم عالي التخصيب، وتقديم واشنطن ضمانات سياسية لإيران، من خلال وزارة الخزانة الأميركية والأمم المتحدة، لتقييد انسحابها من أي اتفاق مستقبلي. وبغض النظر عن تفاصيل تلك التفاهمات، يبدو أن هناك نية حقيقية لجسر الخلافات في إطار المفاوضات النووية، عكسها عدد من المؤشرات خلال الأيام القليلة الماضية، بالإضافة إلى وجود أسباب جوهرية تفسر إمكانية حدوث مثل ذلك الاختراق، وتتنبأ بإمكانية الوصول إلى اتفاق نووي إيراني أميركي قريب. وقد يكون من أهم المؤشرات على إمكانية الوصول لاتفاق نووي تغير نبرة الخطاب الإسرائيلي تجاه إمكانية الوصول اليه، فبعد أن كان يهدد بعدم قبوله، أكد نفتالي بينيت رئيس وزراء إسرائيل مؤخراً على عدم نية بلاده معارضة الاتفاق، وأنها سترحب به إن كان اتفاقاً جيداً. كما تأتي هذه الجولة من المفاوضات النووية في فيينا في إطار تطور في ملف المصالحة الخليجية الإيرانية، خصوصاً بين إيران وكل من المملكة العربية السعودية ودولة الامارات، واللتين تعتبران الأكثر تشدداً ومعاداة لإيران، من بين دول الخليج العربي الأخرى. ازدادت وتيرة الزيارات المتبادلة بين الإمارات وإيران في الآونة الأخيرة، وبدأ الحديث أكثر عن العلاقات الثنائية الودية بين البلدين، وتحذيرات أبو ظبي من الثمن الذي ستدفعه المنطقة في حال حدوث أي مواجهة عسكرية فيها. يأتي ذلك إلى جانب اللقاءات السعودية الإيرانية، والتي جاءت بوساطة عراقية خلال العام الماضي، وتصريح ولي العهد السعودي مؤخراً بأن بلاده تطمح لعلاقات جيدة مع إيران. يأتي ذلك بالإضافة إلى علاقات تجارية واقتصادية تربط الامارات بايران، والتي تعد الأكثر كثافة مقارنة بدول الخليج الأخرى، بالإضافة إلى العلاقات الطبيعية التي تربط إيران مع قطر وعمان الكويت. ولا تعارض دول الخليج اليوم الوصول إلى اتفاق بين الولايات المتحدة وإيران، كما كان الأمر في عهد إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما عندما تم توقيع الاتفاق النووي عام 2015، لكنها ترغب أن تكون جزءاً منه. قد يكون من أهم الأسباب المفسرة لإمكانية التوصل لاتفاق نووي بين الولايات المتحدة وإيران اليوم هو سياسة أميركا المعلنة بالانسحاب من المنطقة، تلك السياسة التي أعلنت عنها إدارة الرئيس باراك أوباما، ووقعت الاتفاق النووي مع إيران في إطارها، رغم اعتراض دول الخليج الحليفة للولايات المتحدة في حينه. وجاءت سياسة إدارة ترامب ضمن ذات التوجه، رغم انسحابها من الاتفاق النووي مع إيران، إلا أن تلك الإدارة لم تدافع عن الإمارات والسعودية، عندما تم استهداف منشآت حيوية لهما عام 2019. وفي عهد إدارة بايدن الحالية، انسحبت اميركا فعلياً من أفغانستان، وقلصت وجودها في العراق، وأبدت اهتماماً واضحاً بتوقيع اتفاق نووي مع إيران، وشجعت مصالحة خليجية إيرانية. إن كل هذه التطورات بلورت رؤية لدى دول الخليج بعدم نية الولايات المتحدة خوض حرب مع إيران، وإن أي حرب ستشن في المنطقة، ستجد تلك الدول نفسها وحيدة فيها، في ظل احتمال دفع الثمن الأكبر في إطارها، بحكم الجوار. كما أدى انسحاب الولايات المتحدة من خطة العمل الشاملة مع إيران عام 2018، إلى تطور غير مسبوق في ملف إيران النووي، في ظل رؤية إيران فيما يتعلق ببرنامجها النووي بعدم نيتها التنازل أو التراجع عنه، على أساس انه لا يشكل فقط قوة ردع لها في المنطقة، وإنما يعكس قوتها ومكانتها فيها. وتبلورت القناعة لدى الولايات المتحدة تدريجياً بترجيح الطرق السياسية والدبلوماسية على الحرب كأفضل طريق لتعطيل أو تأخير تطور ذلك الملف وتلك القدرات، خصوصاً في ظل التطورات التي لحقت بذلك الملف خلال الأشهر القليلة الماضية، والتي لن تنجح الحرب في وأدها بشكل كلي.
وتصاعد الحديث مؤخراً حول عدم ضمان نتائج الحرب التي يمكن أن تشن ضد إيران لتقويض قدرتها النووية، وذلك بسبب كثرة عدد المنشآت النووية التي تحتوي على أجهزة الطرد المركزي المتطورة واحتياطيات اليورانيوم عالي التخصيب، وعدم معرفة مواقع جميع تلك المنشآت، ناهيك عن آليات تحصينها المبالغ فيها، بما يؤكد عدم إمكانية شن حرب حاسمة بشأن إنهاء هذا الملف. يأتي ذلك بالإضافة إلى توقع ردة فعل إيران على أي عمل عسكري متوقع ضدها سواء من قبل إسرائيل أو الولايات المتحدة، اذ لم تخف إيران نيتها الرد على أي هجوم إسرائيلي تم الإعلان عنه مسبقاً بشكل مباشر من قبلها، ناهيك عن قدراتها باستخدام حلفائها أيضاً في خضم ذلك الرد، كما أن إيران تمتلك قدرات عسكرية واستخبارية مجربة تمكنها من تشكيل تهديد للسلامة الإقليمية لدول المنطقة والمواقع الأميركية فيها، في أوقات لم تصل لحالة حرب معلنة، فما بالكم في حالة حرب تشن ضدها. ولا يمكن إغفال الدعم الصيني والروسي لإيران في إطار تلك المفاوضات النووية، الأمر الذي يعطي قوة ودعماً لمركز إيران فيها.
جاء تشدد الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة وإسرائيل مع إيران في إطار ملفها النووي على الرغم من أن إيران تؤكد على سلمية برنامجها النووي، وحدود التطور الذي راكمته حتى الآن لا يؤكد عسكرة هذا البرنامج كما تدعي إسرائيل، كما أن إيران وقعت على معاهدة حظر الانتشار النووي عام 1969، والتي لا تحظر تخصيب اليورانيوم للأغراض السلمية، والتي لم تنسحب إيران منها، رغم الضغوط التي تمارس عليها في إطار ملفها النووي. على الجانب الآخر نلاحظ أن إيران محاطة بقوى مجاورة نووية، هي الهند وباكستان، وبعدو نووي معلن هي إسرائيل. كما أن الولايات المتحدة وإسرائيل التي تستهدف ملف إيران النووي وتتشدد في إطاره، هي قوى نووية غير موقعة على اتفاقية حظر الانتشار النووي مثل إيران، اذ قدمت الولايات المتحدة مساعدات للهند وباكستان في إطار ملفيهما النوويين، وليس هناك أي مساءلة لبرنامج إسرائيل النووي، رغم أنها القوة الدخيلة الوحيدة في المنطقة، والمهددة لسلم وأمن المنطقة، باعتبارها قوة محتلة للأراضي الفلسطينية، ولأراضٍ سورية ولبنانية أيضاً.
#سنية_الحسيني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وثائق إسرائيلية جديدة تبلور مقاربة مختلفة حول النكبة
-
أميركا والفلسطينيون وعام جديد
-
الفلسطينيون والمعركة القادمة
-
الولايات المتحدة في مأزق صنعته بيدها
-
الاحتواء الأميركي للصين هل لايزال ممكناً
-
اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني: رسالة إلى إسرائيل
-
عن المفاوضات النووية ومستقبل المنطقة
-
عن التطبيع …
-
إسرائيل وتجسسها على الفلسطينيين، إلى متى؟
-
الفلسطينيون من وعد بلفور إلى حل الدولة الواحدة
-
استخفاف إسرائيلي جديد بالعالم الحر
-
ملاحظات على الانتخابات العراقية
-
صفقة تبادل الأسرى، هل هي ممكنة الآن؟
-
الانتخابات الألمانية: مفاجآت لن تغير المعادلات
-
إسرائيل… الاستثناء الوحيد في السياسة الأميركية الشرق أوسطية
...
-
هل تنتظر الولايات المتحدة هزيمة جديدة في آسيا؟
-
الأسرى… نحو تبني آليات جديدة للمواجهة
-
حرب الأدمغة … الفلسطينيون ينتصرون من جديد
-
سياسة أميركا المتحوّلة تجاه منطقة الشرق الأوسط
-
المنطقة تترنح فوق صفيح ساخن
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار
...
/ حاتم الجوهرى
-
الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن
/ مرزوق الحلالي
-
أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال
...
/ ياسر سعد السلوم
-
التّعاون وضبط النفس من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة
...
/ حامد فضل الله
-
إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية
/ حامد فضل الله
-
دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل
...
/ بشار سلوت
-
أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث
/ الاء ناصر باكير
-
اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم
/ علاء هادي الحطاب
-
اطروحة التقاطع والالتقاء بين الواقعية البنيوية والهجومية الد
...
/ علاء هادي الحطاب
المزيد.....
|