|
تاريخ المنسي - قرار التقسيم وإنشاء دولة إسرائيل. صفقات الأسلحة التشيكية-6
هاني عبيد
الحوار المتمدن-العدد: 7140 - 2022 / 1 / 19 - 21:13
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
التاريخ المنسي - قرار التقسيم وإنشاء دولة إسرائيل
أعد دراسة بعنوان "التاريخ المنسي..قرار التقسيم وإنشاء دولة لإسرائيل"، حيث سأستعرض مواقف الدول التي خرجت منتصرة بعد الحرب العالمية الثانية وهي: الاتحاد السوفياتي وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية. وسأنشر تباعاً فصول من هذه الدراسة، ويسعدني أن يشاركني القراء بملاحظاتهم وتعليقاتهم حول هذا الموضوع الهام. صفقات الأسلحة التشيكية -6 لقد لعبت تشيكوسلوفاكيا دوراً مزدوجاً في إنشاء دولة إسرائيل، وتمثل ذلك بتسهيل الهجرة اليهودية من أوروبا إلى فلسطين وبصفقات الأسلحة التي ابتاعتها الهاجانا من تشيكوسلوفاكيا. بداية لا بد أن نوضح أن الدول الأوروبية عانت الأمرين من الإحتلال النازي ودفعت ثمناُ باهضاً تمثل في الضحايا البشرية وتدمير المدن والقرى وخراب الإقتصاد إضافة إلى العمل بالسخرة لصالح القوات الألمانية، ومن ضمن الذين دفعوا الثمن كانت الجاليات اليهودية في أوروبا، ومن هنا حاز اليهود على تعاطف خاص بعد الحرب. ولا بد أن نُشير إلى أن هذا التعاطف نتج (إضافة إلى الثمن الذي دفعته الجاليات اليهودية) عن رغبة الدول الأوروبية وشعوبها بالتخلص من اليهود في بلادهم وبالتالي فهم مستعدون لمساعدتهم في مكان آخر بعيداً عن أوروبا. حكمت الجبهة الشعبية التي كانت تتكون من ستة أحزاب تشيكوسلوفاكيا بعد تحريرها وكان هناك تناغماً في البداية بين مكونات الجبهة تمثلت في رئيس الجمهورية إدوارد بينس Edward Benes ونائب رئيس الوزراء وزعيم الحزب الشيوعي كليمنت غوتولد Klement Gottwald. وبعد الإنتخابات التي جرت بعد التحرير في عام 1946م تشكلت حكومة إئتلافية حيث حاز الشيوعيون على تسعة حقائب وزارية بينما حازت بقية أحزاب الجبهة على سبع عشرة حقيبة وزارية. وبسبب إختلاف التوجهات بدأت هذه الحكومة الإئتلافية تعاني من مصاعب تمثلت في إصرار الشيوعيين على إكمال مسيرة الثورة بتبني التوجه الإشتراكي بينما أصر الفريق الآخر على تبني الديموقراطية الغربية. تفجر الصراع في شهر شباط 1947م بتقديم الوزراء غير الشيوعيين استقالاتهم من الحكومة حيث قبلها الرئيس تحت ضغط الشيوعيين وخوفاً من تدخل سوفياتي، وهكذا سيطر الشيوعيون على الحكم. لعب وزير خارجية تشيكوسلوفاكيا يان ماساريك Yan Masaryk (1886-1948)م دوراً كبيراُ في تنظيم وتسهيل هجرة اليهود من أوروبا إلى فلسطين من خلال تشيكوسلوفاكيا وكان يعد هذه المساعدة استثماراً للمستقبل حيث يمكن للجالية اليهودية في أمريكا أن تساعد تشيكوسلوفاكيا لدى الإدارة الأمريكية للأفلات من السيطرة السوفياتية بعد الحرب. كان يان ابناً للبرفيسور توماس جاريج ماساريك Tomas Garrigue Masaryk والذي اشتهر بدفاعه عن فتاة يهودية فقيرة اتهمت بقتل شابة تشيكية، وكان الأبن يفتخر بما قام به والده ويعتبر ذلك مفخرة له. ويعتبر الأب توماس مؤسس الديمقراطية في تشيكوسلوفاكيا على أنقاض بقايا الأمبراطورية النمساوية الهنغارية، وكان يعتبر من أشد المناوئين لمعاداة السامية. خدم الأبن يان والذي كان يوصف ببلاي بوي سفيراً في بريطانيا وعند تحرير تشيكوسلوفاكيا أصبح وزيراً للخارجية وقام بالتعاون مع غاينور جاكبسون Gaynor Jacobson ممثل لجنة التوزيع اليهودية الأمريكية The American Jewesh joint distribution committee AJJDC في براغ في تسهيل هجرة اليهود من أوروبا إلى فلسطين بالرغم من الحصار الذي فرضته بريطانيا في ذلك الوقت على الهجرة. وتمثلت المساعدات التي قدمها للهاجانا بتجهيز تسعة قطارات أرسلها من تشيكوسلوفاكيا إلى مخيمات اللاجئين في المناطق التي سيطر عليها الجيش الأمريكي في المانيا والنمسا حيث حملت اللاجئين اليهود من تلك المناطق ونقلتهم إلى تشيكوسلوفاكيا دون المرور ببراغ التي كانت مراقبة من المخابرات البريطانية ومن ثم تم نقلهم بالسفن إلى فلسطين. وبعد المذابح التي جرت لليهود في بولندا عام 1946م قام بإقناع السلطات التشيكية بالسماح لليهود بدخول تشيكوسلوفاكيا بدون وثائق ومن هناك يتم نقلهم إلى فلسطين. في نوفمبر 1947م قدّم وفد المنظمة اليهودية طلبات للحصول على الأسلحة من الاتحاد السوفياتي ولكن الأخير لم يعطِ جواباً، الاّ أن الأسلحة بدأت تتدفق من تشيكوسلوفاكيا واستخدمت لذلك موانئ رومانيا ويوغسلافيا. والسؤال لماذا بدأت الأسلحة تأتي من تشيكوسلوفاكيا؟ بعد أن فشلت الحركة الصهيونية في الحصول على الأسلحة من الاتحاد السوفياتي بدأت تبحث عن كيفية شراء السلاح وشحنه إلى فلسطين من دول أخرى، حيث واجهت صعوبات تتعلق بالحصار الذي فرضته بريطانيا على وصول السلاح إلى فلسطين إضافة إلى أن مبيعات الأسلحة يجب أن تكون للدول وليس إلى منظمات مثل المنظمات الصهيونية المسلحة في فلسطين وإهمها الهاجانا. كانت تشيكوسلوفاكيا ترغب في الاستفادة من مشروع مارشال لإعمار أوروبا بعد الحرب للاستفادة من الدعم المالي من هذا المشروع حيث كانت تعاني من ندرة العملة الصعبة (خاصة الدولار الأمريكي) الاّ أن ستالين عارض هذا التوجه وأخبر التشيك أن بإمكانهم الحصول على العملة الصعبة ببيع السلاح الألماني المكدس لديهم في مخازن السلاح التابعة للجيش الألماني المهزوم، وكذلك ببيع السلاح الذي كانت تنتجه المصانع التشيكية للألمان حيث تسليح الجيش التشيكي أصبح سوفياتياً. كان هذا الضوء الأخضر من موسكو حافزاُ لرجال الصناعة والوزراء المسؤولين عن التجارة الخارجية للبدء ببيع السلاح لأية جهة تدفع بالعملة الصعبة. كان هناك ثلاث جهات ترغب في شراء السلاح وكلها ترتبط بالاوضاع في فلسطين، فكان هناك المصريون والسوريون والمنظمات الصهيونية. كانت نقطة ضعف السوريين والمصريين أن الدفع كان بالجنية الأسترليني وهو عملة ضعيفة في ذلك الوقت مقارنة بالدولار الأمريكي والتي امتلكت المنظمات الصهيونية كمية وافرة منه بسبب حملات التبرعات المقدمة من اليهود في أمريكا. استطاع السوريون الحصول على صفقة سلاح من تشيكوسلوفاكيا ولكن الهاجانا عرفت بالأمر واستطاعت إغراق السفينة قبل وصولها للسواحل السورية، وبذلك خلت ساحة السلاح التشيكي لها. وفي هذا الصدد لعب رجل الأعمال اليهودي المولود في تشيكوسلوفاكيا د. أوتو فيلكس Otto Filex (غيّر اسمه لاحقاً إلى أوريل دورون Uriel Doron) دوراً في تمرير معلومات بأن تشيكوسلوفاكيا مستعدة لبيع السلاح إلى المنظات الصهيونية بشرط أن تتم الصفقات تحت اسم دولة انسجاماً مع القانون الدولي، كان أوتو يملك مصنعاً في القدس ويتطلب عمله السفر كثيراً إلى تشيكوسلوفاكيا. وما أن وصل الخبر إلى بن غوريون حتى أوفد يهود افريل Ehud Avreil (كان مسؤول الهجرة في استانبول) ومونايا ماردور Munya Mardor إلى باريس وإيطاليا لتنظيم عملية الشراء. وفي باريس تم التوصل إلى رئيس نيكاراغو انستاسيو سوموزو Anastasio Somozo الذي وافق على تنظيم شراء الأسلحة باسم الحكومة النيكاراغوية مقابل عمولة تساوي 25% من قيمة شحنات الأسلحة، وكان هذا أول عرض لتنظيم شراء الأسلحة من السوق العالمي. وفيما كانت تتم الإجراءات لتوقيع العقد ظهر فجأة عرض لشراء السلاح من شخص آخر يدعى روبرت آدم ابراموفيتش (يهودي من روماني) والذي كان قبل الحرب يمثل مصانع الأسلحة التشيكية في بخارست (مصانع زبرويوفكا برنو Zbrojovka Brno وشكودا). سافر ابراموفيتش وأفريل في الصباح التالي إلى تشيكوسلوفاكيا واجتمعوا فوراً مع مدراء المصانع التشيكية. كانت عملية تنظيم الشراء باسم دولة سهلة لأن أفريل استطاع أن يسرق من السفارة الأثيوبية أوراقاً فارغة مروسة باسم القنصلية الأثيوبية ضمن مجموعة الأوراق التي اتفق على تعبئتها للاجئين اليهود للسفر إلى فلسطين بواسطة القنصلية الأثيوبية. وهكذا تم في الساعة الثالثة والنصف بعد ظهر يوم 1 ديسمبر التوقيع على أول صفقة أسلحة تشيكية إلى منظمة الهاجانا بقيمة 750000 دولار بموافقة بن غوريون وموسى شاريت، وقد وقعها من الجانب التشيكي رئيس الوزراء كليمنت غوتولد ولودفيغ سفوبودا Ludovic Swoboda وزير الدفاع. كانت هذه الصفق تشمل على الأسلحة التالية: 10 الآف مسدس من نوع Mauser P 18 بندقية آلية 4500 سلاح ثقيل من نوع ZB 37 3 ملايين طلقة وكانت هذه أسلحة ألمانية لم يعُد يستخدمها الجيش التشيكي بسبب تحوله إلى السلاح السوفياتي. ولاحقاً عرض التشيك بيع طائرات بريطانية من نوع Split fires وألمانية من نوع Messerschmitt.
وتبعتها في نيسان/أيار صفقة أخرى تشمل على 25 طائرة مسر شميت Messerschmitt الألمانية مع تدريب الطياريين اليهود على هذه الطائرات حيث كانت خبراتهم محصورة في طائرات الحلفاء لانهم كانوا ضمن سلاح طيران الحلفاء. لقد بلعت المنظمات العسكرية الصهيونية الإهانة المتمثلة في استخدام سلاح ألماني، كما تمثلت هذه الإهانة في استخدام ملابس الجيش الألماني. لقد عتّم الإعلام الصهيوني على هذا التعاون وتوقفت المساعدات التشيكية بعد إنتخابات الكنيست الأولى في عام 1949م. لقد كان التعاون مع تشيكوسلوفاكيا قوياً بعد صدور قرار التقسيم، وفي هذا الصدد فقد كتب ايهود افريل Ehud Avriel أول سفير لإسرائيل في براغ (قدّم أوراق إعتماده في 28 تموز 1948م) ما يلي: تفهمت حكومة تشيكوسلوفاكيا التي مارست سلطتها على أراضي الوطن المحررة مشاكل وكفاح حركة تحرير اليهود في فلسطين وأبدت رغبتها في مساعدة اليهود الذين لم يتآلفوا مع الحكم الشيوعي في تسهيل هجرتهم إلى الوطن اليهودي.
#هاني_عبيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التاريخ المنسي - قرار التقسيم وإنشاء دولة إسرائيل، ستالين وف
...
-
التاريخ المنسي. قرار التقسيم وإنشاء دولة إسرائيل. موقف الاتح
...
-
التاريخ المنسي قرار التقسيم وإنشاء دولة لإسرائيل- موقف الاتح
...
-
التاريخ المنسي- قرار التقسيم وإنشاء دولة إسرائيل، موقف الاتح
...
-
التاريخ المنسي-قرار التقسيم وإنشاء إسرائيل. موقف الاتحاد الس
...
-
نظرات في علم الهندسة عند الأغريق
-
ذكريات - 3 مذكرات أندريه غروميكو
-
ذكريات -2 مذكرات أندريه غروميكو
-
عرض كتاب -ذكريات- مذكرات أندريه غروميكو
-
ما اختزنته الذاكرة عن فلسطينيي الداخل -2
-
ما خزنته الذاكرة عن فلسطيني الداخل-1
-
قراءة جديدة لوعد بلفور
-
البحث العلمي
-
التفكير العقلاني في حل المشاكل
المزيد.....
-
الجمهوريون يحذرون.. جلسات استماع مات غيتز قد تكون أسوأ من -ج
...
-
روسيا تطلق أول صاروخ باليستي عابر للقارات على أوكرانيا منذ ب
...
-
للمرة السابعة في عام.. ثوران بركان في شبه جزيرة ريكيانيس بآي
...
-
ميقاتي: مصرّون رغم الظروف على إحياء ذكرى الاستقلال
-
الدفاع الروسية تعلن القضاء على 150 عسكريا أوكرانيا في كورسك
...
-
السيسي يوجه رسالة من مقر القيادة الاستراتجية للجيش
-
موسكو تعلن انتهاء موسم الملاحة النهرية لهذا العام
-
هنغاريا تنشر نظام دفاع جوي على الحدود مع أوكرانيا بعد قرار ب
...
-
سوريا .. علماء الآثار يكتشفون أقدم أبجدية في مقبرة قديمة (صو
...
-
إسرائيل.. إصدار لائحة اتهام ضد المتحدث باسم مكتب نتنياهو بتس
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|