|
جمال عبد الناصر رئيس الجمهورية الثانية: (الجزء التاسع)
فاروق عطية
الحوار المتمدن-العدد: 7138 - 2022 / 1 / 17 - 22:01
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ـ يقول أنصاره أن مصر لم تشهد في عهده أية فتنة طائفية، وتم في عهده بناء كتدرائية العباسية:13 كانت الفترة بين عامى 1919م و1952م من أغنى فترات الوحدة الوطنية إذ تواجد الأقباط المسيحيين بقوة على الساحة السياسية والاجتماعية، ولم يكن مستغربًا أن يشارك الأقباط المسيحيين فى كافة فعاليات الحياة السياسية والعامة بنشاط وكثافة واضحين خاصة إبان ثورة 1919م، إذ ارتبطت هذه الثورة بتيار وطنى جعل من “المصرية” مذهبا خالصا دون لبس أو خلط، تمثل فى شعارها المعبر عن مضمونها “الدين لله والوطن للجميع”، مما جذب جميع فئات المصريين، بانتماءاتهم الدينية المختلفة للانضواء تحت لواء هذه الثورة بزعامة سعد زغلول باشا، الذى وصف وحدة الأقباط مسلمين ومسيحيين فى هذه الثورة بـ “الاتحاد المقدس”، وتواجد الأقباط المسيحيين بشكل طبيعى وملحوظ على الساحة السياسية كلها، بل وفى كافه المراكز القيادية؛ ولم يكن بمستغرب أن ينتخب ويصا واصف رئيسًا لمجلس النواب (البرلمان). كان المرشح المسيحي يرشح فى دوائر كلها مسلمين وينتخب بناء علي نشاطه الوطني بصرف النظر عن ديانته، سواء كان ذلك فى البرلمان بمجلسيه “النواب والشيوخ”، أو في مجالات الإعلام والفكر والثقافة وكافة وظائف الدولة القيادية وغير القيادية، فكانت فترة تاريخية خصبة من حيث اختفاء التمييز الدينى وتقلص دور الدين على الساحة السياسية، تعززت بصدور دستور 1923م، الذى أكد على المساواة بين كل المصريين، بصرف النظر عن الاختلاف فى المعتقد الدينى، وأقر حرية أداء الشعائر الدينية، وإن أشار إلى أن الإسلام هو دين الدولة، وهو أمر لم يكن محل اعتراض من الأقباط المسيحيين الذين شاركوا فى لجنة وضع الدستور. ظل هذا التلاحم إلى أن قامت جماعة الإخوان المسلمين بزعامة حسن البنا بالمطالبة بالحكم الدينى فى مصر. شهدت تلك الفترة بعضًا من ملامح التوتر الطائفى، لاسيما بعد خروج حزب الوفـد من السلطة، ومن هذه المشكلات صدور قرار من وزير العدل عام 1931م، بأن تكون الشهادة الطبية المقبولة فى القضايا الشرعية من طبيب مسلم فقط، والتراجع عن قرار تدريس الدين المسيحى فى المدارس (وهو قرار قد صدر فى عام 1907م)، وإصدار شروط عشرة تحكم بناء وترميم الكنائس، وهى شروط مقيدة فى مجملها، فيما يطلق عليه شروط “العزبى باشا” التى صدرت عام 1934م، بالإضافة إلى تعرض بعض جمعيات ومؤسسات الأقباط للهجوم، مثل الهجوم على كنيسة الزقازيق وحرقها فى مارس 1947م، وعلى الكنيسة القبطية بالحضرة فى الإسكندرية فى الشهر التالى، كما كانت هناك محاولة لحرق كنيسة مارجرجس بـميت دمسيس بالدقهلية فى أبريل 1950م، إذ ادعى البعض اكتشاف قبر زعموا أنه لأبى بكر الصديق، ولكن مصلحة الآثار كذبت هذا الخبر آنذاك؛ مما دفع بعض الشباب القبطى فى 1951م إلى تكوين ما سُمى بـ “جماعة الأمة القبطية” بهدف الدعوة إلى إحياء القومية القبطية فى مواجهة الفكر الدينى للتيار الإسلامى ممثلا فى جماعة الإخوان المسلمين، إلا أنه يمكننا القول أن هذه الأحداث كانت في مجملها أحداثًا ليست ذات تأثير كبير على مجمل العلاقات بين الجانبين وانتصر المجتمع المدنى الديمقراطى حتى قيام انقلاب 23 يوليو 1952م. كان لمرحلة حكم جمال عبد الناصر سمة أساسية طابعها التكامل الوطنى للجميع، إذ يمكن القول أن عهده شهد تقلصاً فى تأثير بعض المشكلات الطائفية “مثل بناء وترميم الكنائس وغيرها”على العلاقة بين المسلمين والمسيحيين، إلا أنه فى ذات الوقت شهد تصاعداً لمشكلة أخرى ظل تأثيرها يتصاعد مع الزمن وهى مشكلة التمثيل السياسى فى البرلمان؛ فقد ترتب على حل الأحزاب السياسية، ثم الركون إلى صيغة التنظيم السياسى الواحد باختلاف مسمياته، تراجع مستوى تمثيل المسيحيين فى البرلمان، ولجأ النظام الناصرى فى البداية إلى إغلاق دوائر انتخابية بعينها على المسيحيين عام 1957م، ثم ما لبث أن استعاض عن ذلك بتعيين عدد من الأقباط بدلاً من انتخابهم بدءاً من دستور 1964م، وهو ما أضعف من تواجدهم فى المجتمع، وشكل صعوبات لانتخابهم لاحقاً، حيث اكتفى رئيس الجمهورية بتعيين عشرة أعضاء فى مجلس الشعب لتمثيل الأقليات التى رُؤى من الضرورة تواجدهم فى المجلس بشكل رمزى، وهم الأقباط المسيحيين واليسار والمرأة، وجرى العرف أن يكون غالبية المعينين من المسيحيين.إضافة إلى ذلك تم تجميد المجلس الملى فى مطلع الستينات، ووُضعت لائحة لانتخابات البطريرك، أُلغى معها الانتخاب الحر المباشر لصالح ما يعرف بالقرعة الهيكلية، كما عمل النظام السياسى آنذاك على خلق شخصيات مدنية قبطية من طراز مكرم عبيد وويصا واصف، استعان بها فى التعامل مع الشأن القبطى. بعد سيامة البابا كيرلس طلب مقابلة جمال عبد الناصر أكثر من 10 مرات وهو يرفض، وكان يريد البابا أن يعرض عليه بعض مشكلات الأقباط والمضايقات التي تتعرض لها الكنيسة، ولم يجد البابا أي استجابة لرغبته في مقابلته. لكن بوساطة عضو بمجلس الشعب كان صديقا للبابا وله علاقة متينة بعبد الناصر وافق جمال عبد الناصر علي مقابلة البابا، وكانت المقابلة شديدة الفتور، ابتدره قائلاً بحدة: "إيه فيه إيه!! هم الأقباط عايزين حاجة ؟ مالهم الأقباط هما كويسين قوي كده أحسن من كده إيه ؟.. مطالب مطالب مطالب". قال البابا كيرلس مبتسماً: "موش تسألني وتقول لي فيه إيه!!"، فرد محتداً قائلاً: "هوه فيه وقت أقولك وتقول لي ما هو مافيش حاجة". وجد البابا نفسه في موقف دقيق فغضب وقال لعبد الناصر: "ده بدل ما تستقبلني وتحييني بفنجان قهوة، وتسمعني، وفي الآخر يا تعمل يا ما تعملش كده من الأول تحاول تعرفني إن مافيش وقت لعرض موضوعاتي !!". وقال قداسته لعبد الناصر: "ربنا يسامحك" وخرج وهوغاضب عائدا للبطريركية. وفي الساعة الثانية بعد منتصف الليل حضر عضو مجلس الشعب وطرق باب المقر البابوي وفتح له بواب المقر، وقابل تلميذ البابا سليمان وقال له: عبد الناصر عاوز يقابل البابا دلوقت حالاً، حاول سليمان الإعتذار بأن البابا تعبان وده وقت متأخر وقداسته نائمًا. ومع إصرارعضو مجلس الشعب وقبل أن يطرق سليمان علي باب غرفة نوم البابا، فوجئا بأن البابا مرتدياً ملابسه ويفتح الباب ويقول له: "يالا يا خويا". كان لجمال عبد الناصر ابنة مريضة أحضر لها كبار الأطباء الذين قرروا أن مرضها ليس عضوياً فدخل البابا مباشرة علي حجرة ابنة جمال عبد الناصر المريضة وقال لها مبتسماً: إنت ولا عيانة ولا حاجة" واقترب منها وصلي لها ما يقرب من 15 دقيقة فشفيتت. ومن هنا تحولت العلاقة التي كانت فاترة في يوم من الأيام إلي صداقة بينهما ووصلت هذه العلاقة إلي أن قال جمال عبد الناصر له: " أنت من النهاردة ابويا أنا هاقولك يا والدي علي طول، وزي ما بتصلي لأولادك المسيحيين صلي لأولادي ومن دلوقت ما تجينيش القصر الجمهوري، البيت ده بيتك وتيجي في أي وقت أنت عاوزه". بعدها ارتبط جمال عبدالناصر بالبابا كيرلس السادس بعلاقة استثنائية لم تربط احد زعماء مصر فى تاريخها ببطريرك للاقباط من قبل، فقد كان بينهما إعجاب متبادل وكان البطريرك يستطيع مقابلة عبدالناصر فى أى وقت يشاء، وفى لقاء ودى خاص بينهما تم فى عام 1959م قال البابا كيرلس لعبدالناصر: إنى بعون الله سأعمل على تعليم أبنائى معرفة الله وحب الوطن ومعنى الأخوة الحقة ليشب الوطن وحدة قوية لديها الإيمان بالله والحب للوطن. وذات يوم زار البابا الرئيس فى منزله؛ فجاء إليه أولاده، وكل منهم معه حصالته؛ ثم وقفوا أمامه؛ وقال عبد الناصر: «أنا علمت أولادى وأفهمتهم إن التبرع لبناء كنيسة مثل التبرع لبناء جامع، والأولاد لما عرفوا إنك بتبنى كاتدرائية صمموا على المساهمة فيها، وقالوا حنحوش قرشين؛ ولما ييجى البابا كيرلس حنقدمهم له، وأرجو ألا تكسفهم وخذ منهم تبرعاتهم، فأخرج البابا كيرلس منديله ووضعه على حجره ووضع أولاد عبدالناصر تبرعاتهم؛ ثم لفها وشكرهم وباركهم. كما قرر أن تساهم الدولة بنصف مليون جنيه فى بناء الكاتدرائية الجديدة؛ نصفها يدفع نقدا ونصفها الآخر يدفع عينا بواسطة شركات المقاولات التابعة للقطاع العام والتى يمكن أن يعهد إليها بعملية البناء. وبالفعل تم وضع الحجر الأساسى ببناء الكاتدرائية فى 24 يوليو 1965م بحضور الرئيس عبدالناصر والبابا كيرلس السادس. كان وضع عبد الناصر لحجر الأساس للكاتدرائية البطرسية بالعباسية بمثابة تأكيد للتقاليد الوطنية العريقة التى عرفتها مصر الحديثة. وهنا يرى البعض أن عبد الناصر اتخذ هذه الخطوة فى إطار مشروعه؛ لتأكيد زعامة مصر للمنطقة فى الجانب الدينى. ولكن في الحقيقة كان عبد الناصر لا يهتم من قريب أو بعيد بمشاعر الأقباط المسيحيين (ويتضج ذلك من رفضه المتكرر للقاء البابا والفتور الشديد بل العداء الشديد في المقابلة الأولى بينهما) لعدة أسباب أهمها: 1ـ نشأته في أسرة من أصول عربية قحطانية تؤمن بفكرة "المجد والسيادة للأصل العربي المسلم"، ويتضح ذلك في اسم شقيقه وهو عز العرب، وهذا اسم نادر في مصر. 2ـ انضمامه للأخوان المسلمين وأدائه الفسم بين يدي المرشد. واستمر انضمامه لجماعة الإخوان لمدة عشر سنوات من 1942م حتي انقلاب 1952م. فقط حدث التخول في العلاقة بعد صلاة البابا كيرلس لإبنة عبد الناصر وشفائها. ....... نكمل مناقشة وتفنيد باقي انجازات عبد الناصر من وجهة نضر أتباعه والمنتفعين من عصره في المقال القادم إذا كان في العمر بقية.
#فاروق_عطية (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
جمال عبد الناصر رئيس الجمهورية الثانية: (الجزء الثامن)
-
جمال عبد الناصر رئيس الجمهورية الثانية: (الجزء السابع)
-
جمال عبد الناصر رئيس الجمهورية الثانية: (الجزء السادس)
-
مباراة القمة بين فريقي دربي القاهرة لكرة القدم:
-
جمال عبد الناصر رئيس الجمهورية الثانية (الجزء الخامس)
-
جمال عبد الناصر رئيس الجمهورية الثانية: (الجزء الرابع)
-
السحر والجمال والإرهاب في ميندناو:
-
جمال عبد الناصر رئيس الجمهورية الثانية (الجزء الثالث)
-
جمال عبد الناصر رئيس الجمهورية الثانية (الجزء الثاني)
-
جمال عبد الناصر رئيس الجمهورية الثانية: (الجزء الأول)
-
محمد نجيب رئيس الجمهورية الأولي
-
نظرة افتراضية لحالنا لو فشل انقلاب 23 يوليو
-
إنقلاب 23 يوليو 1952م وتزييف التاريخ
-
رحلتي لبلاد العجائب الفلبين:
-
إرهاصات إنقلاب 23 يوليو 1952م
-
الملك فاروق الأول (الجزء الرابع)
-
الملك فاروق الأول (الجزء الثالث)
-
الملك فاروق الأول (الجزء الثاني)
-
الملك فاروق الأول (الجزء الأول)
-
جمهورية زفتي
المزيد.....
-
ماذا نعرف عن صاروخ -أوريشنيك- الذي استخدمته روسيا لأول مرة ف
...
-
زنازين في الطريق إلى القصر الرئاسي بالسنغال
-
-خطوة مهمة-.. بايدن يشيد باتفاق كوب29
-
الأمن الأردني يعلن مقتل مطلق النار في منطقة الرابية بعمان
-
ارتفاع ضحايا الغارات الإسرائيلية على لبنان وإطلاق مسيّرة بات
...
-
إغلاق الطرق المؤدية للسفارة الإسرائيلية بعمّان بعد إطلاق نار
...
-
قمة المناخ -كوب29-.. اتفاق بـ 300 مليار دولار وسط انتقادات
-
دوي طلقات قرب سفارة إسرائيل في عمان.. والأمن الأردني يطوق مح
...
-
كوب 29.. التوصل إلى اتفاق بقيمة 300 مليار دولار لمواجهة تداع
...
-
-كوب 29-.. تخصيص 300 مليار دولار سنويا للدول الفقيرة لمواجهة
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|