|
تلفزيون المستقبل: برنامج الاستحقاق أم الاستظهار؟
نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..
(Nedal Naisseh)
الحوار المتمدن-العدد: 1661 - 2006 / 9 / 2 - 09:34
المحور:
الصحافة والاعلام
دخلت بعض وسائل الإعلام العربية في نوع متخشب من النمطية الخطابية، والدعائية الحزبية، والعقائدية، والتشابه الاستنساخي المذهل في برامجها، وأطروحاتها، بحيث لا يكاد يطل عليك أي من مذيعيها، أو فرسانها، أو ضيوفها، من خفيفي الظل الظرفاء، حتى يكون بمقدور أي متابع بسيط، ودون عناء يذكر، من أن "يكر "، أو يسرد، وراء أي من هؤلاء، كل ما سيقلونه في هذا البرنامج، أو ذاك. ولو كنت، مثلاً، مدرساً لمادة اللغة العربية، وتحديداً لحصة المحفوظات، أو درس الاستظهار، لوضعت، ودون تردد، الدرجة الكاملة لمقدم برنامج الاستحقاق، في تلفزيون المستقبل ولضيوفه الكرام، الذين يستظهرون، وكطلاب مجدين حافظين، دروسهم و"يصبونها صبة واحدة"، ليخرجوا فرحين بما أتاهم من فضله، من مواهب الاستظهار، في الحلقة التلفزيونية.
ومن هنا، تستشعر وأنت تتابع برنامج الاستحقاق، الذي يبثه تلفزيون المستقبل، بأنك في داخل فصل دراسي، بأكثر مما أنت في برنامج سياسي، وفي امتحان شفوي، وليس من على منبر فضائي. وأن هذا الفصل الدراسي ملتزم بمنهج دراسي معين لا يحيد عنه، ومُدرِّس ملتزم بتعليمات الموجهين، و مقررات وزارة التربية والتعليم، وبالتالي فهو يلقي نفس الأسئلة، ويتوقع تالياً، ذات الأجوبة، في كل حصة دراسية، عفواً حلقة تلفزيونية، ضمن نطاق الالتزام بالمقرر الدراسي، والمنهج التربوي، من قبل التلاميذ، والمدرسين، على حد سواء، لا أكثر ولا أقل. ومن هنا، لا يسعني إلا أن أتوجه بجزيل الشكر، وعميق الامتنان، لجميع القائمين على مثل هذه البرامج، والتلفزيونات، لأنني حفظت أسئلتهم وأجوبتهم عن ظهر قلب، وصرت مستعداً للمشاركة في برنامج من سيشفط المليون، ودون الاستعانة بصديق، ويوفـّرون عليّ، وفي ذات الوقت، وعلى جميع المشاهدين "الأعزاء"، عناء التسمر أمام أية حلقات جديدة. وأجد نفسي، وفي جميع هذه الأماسي اليعربية البليدة، وبرغم مساحات الأسى والانزياح، سعيداً، وحراً، وطليقاً، بآن، من متابعة هذا التلفاز.
برنامج "الاستحقاق" الذي يقدمه الصحفي علي حمادة سابقاً، ومدرس الاستظهار لاحقاً، تحول إلى درس نموذجي للمحفوظات، يتلو فيه الضيوف، ما تيسر لهم، من علوم الغيب السياسي، وما حفظوه سلفاً عن ظهر قلب، أمام مدرس صارم، متجهم، سرعان ما تعتريه علامات الرضا، والقبول، والاستحسان على الإجابات المحفوظة، والمريحة، والتي تتوافق، كلياً، مع توقعات بعض المنجمين، والمتنبئين السياسيين الذين يملؤون الفضائيات هذه الأيام. فبعد أن يرن "جرس"البرنامج مؤذنا، كالمعتاد، ببدء الحصة الإعلامية، يدخل التلاميذ إلى الفصل الدراسي، أو الاستديو، والأمر هنا سيان، ويجلسون بأدب جم، وهدوء أمام المدرس، ويستمعون بإصغاء للمدرس الذي يبدأ بشن حملة من الأسئلة المعروفة، في ما يشبه عملية امتحانية، يتوقع فيها المدرس نمطاً معيناً من الإجابات النموذجية، والتي توحي بها نبرة السؤال. ولحسن الحظ، وحسن الختام، لا يخيّب فيها المجيب أمل، ورجاء السائل على الإطلاق، وتأتي الإجابة كما يريد، وعلى هواه.
ولكن، وبنفس الوقت، ولو كنتُ مشرفاً على لجنة امتحانية، تقوم باختبار التلاميذ، لقمت بترسيب كلاً من السيدين عبد الحليم خدام، وعلي صدر الدين البيانوني، ومن معهم من مشرفين، وإداريين، ومذيعين، في حصة الاستظهار هذه، بتهمة الغش أو "التغشيش" في الامتحان( بلغة الخلايجة)، و"النقل"، وتشابه الإجابات، وتطابق الأوراق. ولكنت قد وجهت رسائل فورية لأولياء الأمور لإطلاعهم على حقيقة الأوضاع، وسير نتائج الامتحانات، ومحاولة استصدار قرارات استرحام لهم بإعادة هذه الامتحانات.
ولست متأكداً، أيضاً،ً إذا كان المشرف على هذا البرنامج، وهو حتماً السيد حمادة، ملماً بالنذر اليسير، من علوم الكومبيوتر، أم لا، والتي كانت ستوفر عليه، وعلى برنامجه الكثير من المصاريف، ومهمات السفر، والأعباء، والأتعاب ولوفـّر، بالتالي على محطته الكثير من الجهد، والوقت، والمال وذلك بسبب عدم استخدامه تقنية الـ "كوبي copy و البيست paste " في عملية إنتاج هذا البرنامج، والذي تصح تسميته، بالمطلق، برنامج الاستظهار، وليس الاستحقاق، كما يريد القائمون عليه. فلو كان ملماً، مثلاً، بتلك التقنيات البسيطة، لكان قد قام بإجراء عملية copy لجميع مقابلاته، وحواراته، ومن ثم لصقها أي past، على أي من المقابلات الأخرى، لا بل جميع البرامج، والندوات، التي تعج بها هذه المحطة هذه الأيام، ولكان قد أراح، واستراح، فعلاً. إلا أن أفضل عملية حاسوبية يمكن أن يقوم بها هؤلاء القائمون على مثل هذه البرامج هو عملية الـ delete أي الحذف للذي لا يعرف العربية أو الأبجدية، حتى الآن، ولا يعلم أن لا طائل البتة، من البرامج المفروضة، والموّجهة، والمعلبة، على الإطلاق، وهي مكشوفة وممجوجة في نهاية المطاف.
محطة المستقبل، والتي أصبح اسمها في الواقع محطة "المُسْتـَدْبَر"، لم يعد، في الحقيقة، أية حاجة أو جدوى لإطلاق هذا الاسم الاستشرافي الواعد عليها، لأنها توقفت فعلياً، عند لحظة ما، في الماضي، وهي لا تفتأ تبكي على أطلال، وتردد أفكاراً، وتنسج أوهاماً، وتستضيف شخصيات، وتجتر كلاماً، أكل الزمان عليه، وشرب، ونام.
#نضال_نعيسة (هاشتاغ)
Nedal_Naisseh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الغادري عارياً
-
لِم لا تجعل الفضائيات العربية بثها كله بلغة الصم والبكم؟
-
وسوى الروم خلف ظهرك روم: الغادري أنموذجاً
-
أثرياء العرب، وآيات طهران
-
أنقذوا إسرائيل
-
إسرائيل تصنع الرأي العام العربي
-
حاخامات بغترة وعقال
-
العَرَبُ الحَاقَِدة: آخِرُ سُلالاتِ العُرْبان
-
حرب لبنان: سقوط الذرائع الواهية
-
لَحْنُ الغَرام
-
طبخة الشيف رايس
-
من يضمن أمن إسرائيل؟
-
إنّ حِزبَ الله هُم الغَالِبون
-
حُبّاً بِعليّ، ونِكايَة بمُعاوية
-
اللّهُمّ اخْذلْ مَنْ خَذَلَهْ
-
اغزوهم قبل أن يغزوكم
-
متى سَتُرَفْرِفْ هذه الأَعْلام؟
-
الدّمُ الحَرَام
-
مُنتخب فرنسا:عندما يَصْنعُ المُهاجِرون الأمْجادَ
-
عبيرالعراق:اغتصاب الأموات
المزيد.....
-
رقمٌ قياسيّ لعملة فضية نادرة سُكَّت قبل الثورة الأمريكية بمز
...
-
أهمية صاروخ -MIRV- الروسي ورسالة بوتين من استخدامه.. عقيد أم
...
-
البرازيل.. اتهام الرئيس السابق جايير بولسونارو بالضلوع في مح
...
-
اكتشاف عمل موسيقي مفقود لشوبان في مكتبة بنيويورك
-
وزيرة خارجية النمسا السابقة: اليوم ردت روسيا على استفزازات -
...
-
الجيش الإسرائيلي يوجه إنذارا إلى سكان الحدث وحارة حريك في ال
...
-
أين اختفى دماغ الرئيس وكيف ذابت الرصاصة القاتلة في جسده كقطع
...
-
شركة -رايان- للطيران الإيرلندية تمدد تعليق الرحلات الجوية إل
...
-
-التايمز-: الغرب يقدم لأوكرانيا حقنة مهدئة قبل السقوط في اله
...
-
من قوته إلى قدرة التصدي له.. تفاصيل -صاروخ MIRV- الروسي بعد
...
المزيد.....
-
السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي
/ كرم نعمة
-
سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية
/ كرم نعمة
-
مجلة سماء الأمير
/ أسماء محمد مصطفى
-
إنتخابات الكنيست 25
/ محمد السهلي
-
المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع.
/ غادة محمود عبد الحميد
-
داخل الكليبتوقراطية العراقية
/ يونس الخشاب
-
تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية
/ حسني رفعت حسني
-
فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل
...
/ عصام بن الشيخ
-
/ زياد بوزيان
-
الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير
/ مريم الحسن
المزيد.....
|