أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - راتب شعبو - في تبعثر الواقع السوري














المزيد.....

في تبعثر الواقع السوري


راتب شعبو

الحوار المتمدن-العدد: 7137 - 2022 / 1 / 16 - 11:35
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في الطبيعة، يمكن الكلام عن واقع موضوعي مستقل عن الوعي، ويمكن الوثوق في أن للواقع الطبيعي "الموضوعي" الكلمة النهائية دائماً، فالسراب الذي يتخيله مسافر لا يمكن أن يتغلب، بأي حال، على حقيقة الصحراء القاحلة. كما لم تغير القناعة الراسخة للناس بأن الأرض هي مركز الكون، من حقيقة أنها جرم صغير يدور حول الشمس.
أما في الواقع الاجتماعي، على خلاف الواقع الطبيعي، فإن الوعي يتغلب على الواقع، بمعنى إن تصورنا عن الواقع الاجتماعي، أو شكل وعينا به، أهم من الواقع كما هو، أي أهم من الواقع الذي اعتدنا أن نسميه "الواقع الموضوعي"، المستقل عن المشاعر والوعي. وإن الواقع الاجتماعي يتغير مع تغير تصورنا عنه.
إلى أي حد يمكن القول بوجود واقع اجتماعي مستقل عن الوعي؟ أم أن الواقع الاجتماعي لا يعدو كونه الصورة التي نعي وفقها هذا الواقع؟ لنفترض أن للواقع الاجتماعي الموضوعي وجوداً ما، وأن غالبية الناس تعي هذا الواقع بطريقة مخالفة تماماً أو مخالفة بدرجة معينة، لهذا الوجود أو لما هو عليه "موضوعياً"، فما هو الواقع الغالب أو المؤثر في هذه الحال، هل هو الحقيقة التي في الواقع أم "الحقيقة" التي في الوعي؟ هل هو الواقع "كما هو" أم الواقع "كما نتصوره"؟
إذا تقدمنا خطوة أخرى على هذه الطريق، يجوز لنا أن نتساءل: طالما أن هناك واقع واحد، فحين يكون التصور عن الواقع (كلامنا دائماً عن الواقع الاجتماعي) مخالفاً لحقيقته، أيهما يكون الواقع، ما هو قائم وغير مُدرك، أم ما هو مُدرك وغير قائم؟ أو بطريقة أخرى، هل الواقع، في هذه الحالة، هو الحقيقة أم الزيف؟ ولكن، في النهاية، أليس التصور الزائف عن الواقع، هو بدوره حقيقة، أي واقع قائم بذاته؟
يمكن أن تتلبس الجريمة شخصاً أراد أن ينقذ شخصاً مطعوناً، ويمكن أن يؤخذ هذا الرجل الشهم على أنه المجرم، ويحكم عليه بالإعدام، لأنه اعتُبر في الوعي مجرماً. كما هو واضح هنا، فإن الحقيقة الموضوعية لا تتغلب على الحقيقة الذاتية (القناعة العامة) التي تشكلت عن الرجل. وفي الوقت نفسه سوف يعيش المجرم الحقيقي على أنه بريء، بحسب تصور الناس عنه، أو كما تقول "الحقيقة الذاتية".
كما ينطبق هذا الحال على الأفراد، كذلك ينطبق على المجموعات وعلى الأنشطة العامة، وهو ما يعطي دوراً حاسماً لتصوير الواقع وصياغة القناعات ونشرها بين الناس. الواقع الاجتماعي الغالب هو تصورنا عن هذا الواقع، لأن البشر لا ينشطون في واقعهم، إلا وفق وعي أو تصور محدد عن هذا الواقع.
الكلام هنا، وهذا هو القصد، لا يتحدث عن قناعات سياسية أو فكرية، بل عن قناعات تخص حقيقة ما يجري في الواقع، ولنسمها "الواقع الخام" وهو المادة الأولية في مصنع القناعات السياسية والفكرية.
بعد التطور الواسع في وسائل الاتصال وزيادة القدرة على استقطاب مجموعات كبيرة من الناس على صفحات أو قنوات ... الخ، صار يمكن التدخل بفعالية في صناعة الواقع الخام التي صارت محط الرهان الأول الذي تعتمده السلطات النافذة للحفاظ على ذاتها. على سبيل المثال، يكفي في الغرب أن تضيف صرخة "الله أكبر" إلى أي هجوم أو اعتداء حتى تصنع معطيات خام تضعه في "حقيقة" جاهزة. وكان يمكن لأميركا أن تصنع قناعة خام بأن لدى العراق أسلحة دمار شامل حتى تبني على هذه القناعة حرباً واسعة. وكان يكفي لنظام الأسد أن يرمي المظاهرات في بداية الثورة السورية بعبارات مثل عصابات مسلحة وإمارات إسلامية حتى تخلق مادة أولية لقناعات معادية للمظاهرات. يحتاج الأمر، بطبيعة الحال، إلى مستندات معينة، مهما تكن هزيلة أو مفتعلة. يقود هذا إلى بروز إمكانية تجاور وتزامن أكثر من "واقع خام" في حالة صراع على الغلبة.
لم يعد التنازع يدور، والحال هذه، على مستوى القناعات السياسية والانحيازات الفكرية فقط، أي لم يعد صراعاً في الأيديولوجيا السياسية وحسب. فقد بات الصراع الأهم يدور على صناعة الواقع الخام، أو على صناعة الواقع الأولي. بات الصراع التحرري بالتالي هو صراع ضد تزوير الواقع، إنه صراع على الواقع الخام قبل أن يكون صراعاً ضد توجهات سياسية أو اقتصادية معينة، ذلك أن أصحاب التوجهات التسلطية باتوا يعملون على احتكار صناعة الواقع الخام بغرض قطع الموارد عن التوجهات الأخرى المضادة.
هذه الحال باتت ظاهرة مقلقة حتى في البلدان الديموقراطية، ولنا أن نتصور فاعليتها (نقصد فاعلية تشويه الواقع الخام) في بلد محكوم لطغمة تسيطر على كل مقدرات الدولة، وتمارس حرب حظر وإلغاء لكل اتجاه سياسي مخالف أو حتى مستقل، بصرف النظر عن لونه. في مثل هذه البلدان يصبح الكلام عن صراع سياسي كلاماً في الفراغ، وتصبح معرفة الواقع مهمة شبه مستحيلة، وإذا أتيحت هذه المعرفة فإن النسخ المزيفة من الواقع والمدعومة بوسائل إعلام قوية، تعيق نشرها وتعميمها، أو على الأقل، تجعل قطاع مهم من الناس في حيرة وشك، أمام واقعات متجاورة ومتزامنة.
يمكننا القول إن الواقع السوري كان دائماً، وبشكل خاص بعد 2011، مزيجاً أو خليطاً من "واقعات" متزامنة ومتنافرة، تصنعها جهات متفاوتة القدرة على صناعة ونشر "الواقع الخام" المناسب لها. قد يصح هذا الوصف على الواقع في أي بلد آخر، ولكن "التميز" السوري الأول، ولاسيما بعد أن تحطم إطار الدولة السورية كما تحطم إطار المعارضة (هذا إذا كان قد التأم لها إطار أصلاً)، يكمن في غياب مركز ثقل سوري، تبقى الواقعات مشدودة إليه مهما تنافرت فيما بينها، فيمنعها، على تعددها، من التبعثر.
و"التميز" السوري الثاني الذي يمكن رصده، هو أن صناعة "الواقع الخام" ليس فقط صنعة جهات ذات مصالح تصنع الواقع كما يناسب مصالحها، بل أيضاً صنعة أفراد وفرت لهم تقنيات التواصل الحديثة إمكانية استثمار مواهبهم التواصلية. وبدلاً من الأمانة والصدق المفترضين بمن يتناول الشأن العام، يساهم كثير من هؤلاء، في تشويه أو اختلاق الواقع، بشكل عبثي، ذلك أن مصلحتهم في تغذية حضورهم التواصلي كيفما كان، تغدو مع الفشل العام المتراكم، أهم من حرصهم على حقيقة ما يقولون.



#راتب_شعبو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ماذا نفهم من قصف مرفأ اللاذقية؟
- ماذا لو كانت مجرد مزحة؟
- في سورية، الصراع الأمني أولاً
- الوطن المنفي
- الشيخ إمام في عالمي المغاير
- تيار يميني يثير ذعر الفرنسيين
- إشكالية -الجيش السياسي- في السودان وغيره
- بمناسبة الحديث عن مجلس عسكري سوري
- العالقون على حدود بولونيا، أي درس؟
- أسرار الحديقة
- الدولة العميقة والمسارات المستورة للسلطة
- الانقلاب في السودان، عن المعجبين بحكم القوة
- السودان: يا سلطة مدنية، يا ثورة أبدية
- السلطة وركائزها النفسية
- بين إريك زيمور وقيس سعيد
- نقد المعارضة الجذرية
- على ضوء الحاضر السوري الكئيب
- بين سجنين، أبطال في أمة مفككة
- ضرورة التمييز ومعرفة الفروق
- درعا، قليل مما يمكن قوله


المزيد.....




- فوضى في كوريا الجنوبية بعد فرض الأحكام العرفية.. ومراسل CNN ...
- فرض الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.. من هو يون سوك يول صا ...
- لقطات مثيرة لاطلاق صاروخ -أونيكس- من ساحل البحر الأبيض المتو ...
- المينا الهندي: الطائر الرومنسي الشرير، يهدد الجزائر ولبنان و ...
- الشرطة تشتبك مع المحتجين عقب الإعلان عن فرض الأحكام العرفية ...
- أمريكا تدعم بحثا يكشف عن ترحيل روسيا للأطفال الأوكرانيين قسر ...
- -هي الدنيا سايبة-؟.. مسلسل تلفزيوني يتناول قصة نيرة أشرف الت ...
- رئيس كوريا الجنوبية يفرض الأحكام العرفية: -سأقضي على القوى ا ...
- يوتيوبر عربي ينهي حياته -شنقا- في الأردن 
- نائب أمين عام الجامعة العربية يلتقي بمسؤولين رفيعي المستوى ف ...


المزيد.....

- المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024 / غازي الصوراني
- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - راتب شعبو - في تبعثر الواقع السوري