أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد الحسين شعبان - المسيحيون والمواطنة الفائضة














المزيد.....

المسيحيون والمواطنة الفائضة


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 7134 - 2022 / 1 / 12 - 16:13
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


مرّت أعياد الميلاد في منطقتنا على نحو حزين هذا العام، فالعديد من بلدان المنطقة يعاني من مشكلات متعدّدة إقتصادية واجتماعية وثقافية، خصوصاً في ظلّ انسداد الآفاق السياسية بصعود موجة التعصّب ووليده التطرّف ونتاجهما العنف والإرهاب، وتلك معادلة طرْدية ضربت مجتمعاتنا بالصميم، يضاف إليها تفشّي فايروس كورونا.
وإذا كانت البشرية جميعها تحتفل بعيد ميلاد السيد المسيح وعيد رأس السنة الميلادية، فإن المسيحيين هم المعنيّون الأكثر بهذه المناسبة لاعتبارات دينية إيمانية وتاريخية، لكن ما حصل لهم في العقدين الماضيين بشكل خاص جعلهم يتوجّسون خيفة ويزدادون قلقاً لما عانوه من تفجير الكنائس والأديرة واستهداف مباشر لمؤسساتهم وأماكن سكنهم، إضافة إلى تهجير منظّم أو غير منظّم، خصوصاً في البلدان التي شهدت ظروف عدم استقرار وتوتّر واحترابات مسلّحة، مثل العراق وسوريا ولبنان والسودان ومصر إلى حدّ ما، دون أن ننسى فلسطين التي عانى مسيحيوها من ضغوط مستمرّة لاقتلاعهم من أرضهم ودفعهم إلى الهجرة.
وكانت عمليات الهجرة والتهجير شديدة الوطأة على المسيحيين والمجموعات الثقافية التي أصبحت مهدّدة في وجودها وكيانها وثقافتها وديانتها، والهدف هو محوها من موزائيك الشرق ومجتمعاته متعدّدة الثقافات ومتنوّعة الحضارات، والتي ظلّت طوال قرون من تاريخها تحتضن المسيحيين بحنو بالغ، إضافة إلى المجموعات الثقافية الأخرى، ولا أقول بمصطلح "الأقليات" لأنه يستبطن معنى الإستتباع والخضوع من جهة، ومعنى التسيّد والهيمنة من جهة أخرى، لأن كلّ دين أو قومية أو لغة تُعبّر عن مجموعة ثقافية وخصوصية وتاريخ يخصّ بشراً بغضّ النظر عن عددهم وحجمهم، وبالمعنى العصري لمفهوم الدولة، إنهم مواطنون متساوون في الحقوق والواجبات طبقاً لحكم القانون ومبادئ المساواة، وحسب مونتيسكيو القانون مثل الموت لا ينبغي أن يستثني أحداً.
ووفقاً لهذه الرؤية، فإن المسيحيين أو غيرهم من المجاميع الثقافية الأخرى، يمثّلون ديناً معيّناً بغضّ النظر عن عددهم، مثلما يمثّل غير العرب الذين يعيشون في البلدان العربية كالكرد مثلاً قوميةً معيّنة بغضّ النظر عن العدد أو الحجم، وهم مواطنون متساوون في إطار دولة المواطنة الحيوية والمتعايشة.
لا نستطيع حصر ما قدّمه المسيحيون لمجتمعاتنا، فهو أمر يصعب حصره، ولكن أسئلة كثيرة تزدحم في الرأس بمناسبة أعياد الميلاد الحزينة يتقدمها سؤال مركزي يظلّ يتردّد كلّ يوم: لمصلحة من يجري بانتظام إستهداف المسيحيين والمجموعات الثقافية الأخرى في مجتمعاتنا التي يراد تفريغها من التنوّع والتعدّدية وإغلاقها على نفسها في عمليات إزاحة حضارية بهدف جعلها أحادية متناحرة حتى مع نفسها؟
لقد عرفت مجتمعاتنا تاريخ التعايش ما بين المجموعات الثقافية قبل الإسلام وبعده، وثمة شذرات مضيئة على هذا الصعيد وإن كان بعضها معتماً. وكانت (العهدة العمرية التي منحها الفاروق عمر للبطرك صفرنيوس) في العام 15 هجرية بعد فتح القدس أساساً استمدّ منه المسلمون حفظ ديانة المسيحيين وكنائسهم وصلبانهم وشعائرهم وطقوسهم الدينية، وبالطبع حماية حياتهم وأموالهم وممتلكاتهم، بالاستناد إلى ما ورد في القرآن الكريم والسنّة النبوية المطهّرة.
ولهذا فإن محطات التعايش التاريخي – الحضاري كانت هي الأساس، وهو ما حاولت المجموعات الإرهابية تعريضه للتشكيك والإلغاء، والهدف نسف قيم التسامح والعيش المشترك والمصير الإنساني الواحد، خصوصاً الوطنية الجامعة، مثلما هدفها إقصاء قيم المواطنة بتقسيم المجتمعات المتعدّدة الثقافات إلى أُصلاء باعتبارهم "أغلبية" ومواطنين فائضين باعتبارهم "أقليّة" .
لقد أطْلقت على المسيحيين مصطلح ملح العرب، والملح كما نعلم يُضفي على الطعام مذاقاً مستطاباً، ولهذا لا تكون مجتمعاتنا ذات طعم ومذاق لذيذين دون الوجود المسيحي، وقد ورد في القرآن الكريم أن السيد المسيح هو "روح القدس" و "قول الحق"، فكيف يتمّ جزّ رقاب أتباعه باسم "الإسلام"، وكيف يُعدّ المسيحيون "كفّاراً" كما تذهب إلى ذلك بعض الفتاوى الإرهابية "الإسلاموية".
وبعد ذلك فالمسيحيون ليسوا أغراباً، فهم موجودون قبل المسلمين وعاشوا في أرضهم بعد مجيء الإسلام، وشاركوا واشتركوا في بناء الحضارة العربية الإسلامية دون انقطاع وهم جزء فاعل من نسيج المجتمع العربي و الشرق عموماً على الرغم مما تعرضوا له تاريخياً من أذى وما لحق بهم من غُبن، لكن ما يقع عليهم اليوم يفوق كلّ اضطهاد في السابق، حيث وجدوا أنفسهم بعد قرون من العيش المشترك والتفاعل الحضاري والتواصل الثقافي وكأنهم على قارعة الطريق: طارئون أو ضيوف غير مرحّب بهم أو حتى غير مرغوب فيهم.
إذا كانت فلسطين موطن المسيح ومسقط رأسه، فهل يمكن تصوّر فقدانها بشكل خاص ودول المشرق للحضور المسيحي الذي أخذ يتراجع وينحسر في ظلّ الحملات الإجلائية ذات الوتيرة السريعة ؟ وهل سيغيب الكهّان في أديرة معزولة والقسيسين في كنائس فارغة ، مثلما خسرنا في خمسينيات القرن الماضي الوجود اليهودي كإحدى المجموعات الثقافية المؤثّرة في مجتمعاتنا؟
وهل يوجد لدينا مواطنون فائضون لكي نتبرّع بهم إلى دول أخرى أم ثمة حاجة إلى إعادة النظر بفكر مجتمعاتنا وممارساته بما يقرّبها انسانياً من المواطنة المتساوية والعيش المشترك واحترام التنوّع والحق في الاختلاف؟



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حوار مع الأكاديمي والمفكر العربي د. عبد الحسين شعبان
- ديزموند وقوس القزح
- مولر وفلسفة اللّاعنف
- حوار جريدة الحقيقة مع المفكّر والأكاديمي عبد الحسين شعبان
- سمفونية الرماد
- السياسة والفكر: أية علاقة؟
- فضيحة الشهادات المزورة في العراق
- العشائر والجذور الاجتماعية للسياسات العراقية المعاصرة
- خمسون سنة حوار ولا ساعة حرب
- السينما والذاكرة المشتركة
- هشام جعيط -الفتنة- المستمرة
- السيد محمد حسن الأمين: عمامة وعلمانية
- الإمارات : رؤية ما بعد الخمسين
- العروبة المؤنسنة
- الصين: الحضور الاستراتيجي
- عشر دقائق مع الحلاج
- صورة الأردن في العالم في 100 عام / الملك حسين الاستثناء في ا ...
- صورة الأردن
- ثقافة اللاّعنف
- الوهم الديمقراطي


المزيد.....




- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
- إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
- “ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في ...


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد الحسين شعبان - المسيحيون والمواطنة الفائضة