أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد صبحى منصور - ( ضعف البشر في رؤية قرآنية ) : الكتاب كاملا















المزيد.....



( ضعف البشر في رؤية قرآنية ) : الكتاب كاملا


أحمد صبحى منصور

الحوار المتمدن-العدد: 7129 - 2022 / 1 / 7 - 17:28
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


هذا الكتاب
هذا الكتاب خلاصة لتجربة حياة ، استخلصت منها كيف يهزم الضعيف عوامل الاستضعاف والإحباط واليأس ، وأن يواجه ظروفه الاجتماعية التي جعلته ضعيفا بعزيمة قوية ، ثم لا يكتفى بذلك بل يواجه ضعف المجتمع والناس ويواجه أكابر المجرمين من المستبدين وشيوخ الأزهر ورجال الدين .
الفهرس
مقدمة
الفصل التمهيدى : عن ضعف البشر
ضعف البشر الجسدى في لمحة عامة
لُطف الله جل وعلا بضعف البشر
الباب الأول :
عن الضعف
المحور الأول :
عن الطفولة : ( الضعف الأول )
الفصل الأول :
تحديد فترة الطفولة
الفصل الثانى
حق الطفل في الحياة قبل أن يولد
أولا : عن قتل الأطفال
ثانيا : الإجهاض : متى يكون الإجهاض حراما وقتلا للنفس ؟
ثالثا : تحديد أو ( تنظيم )
الفصل الثالث :
العفة الجنسية حماية للأطفال
خطورة الزنا على الأطفال
رؤية قرآنية في الحدّ من انتشار الانحلال الخلقى حماية للأطفال
المجتمع الاسلامى المثالى يخلو من الانحلال الخلقى حماية للطفل .
الفصل الرابع :
رعاية المولود في فترة الرضاعة
الفصل الخامس :
تعليم الطفل : ( صناعة الانسان )
تعليم الطفل إسلاميا في رؤية قرآنية
أولا : القابلية للتعلم في الطفل
ثانيا : الفطرة في داخلنا
ثالثا : النفس بين الفجور والتقوى
رابعا : التسخير للإنسان
خامسا : الاستعداد للتعلم
سادسا : بداية التعلم : الأسئلة ووسائل الإجابات
سابعا : تعليم الطفل الأخلاق الحميدة : عدم الشُّح ( الأنانية )
ثامنا : ( لا إله إلا الله ) جل وعلا : هنا دور التعقل والتفكر .
الفصل السادس
تشريعات خاصة بالطفل اليتيم
من هو اليتيم ؟
حقوق اليتيم المالية
رعاية اليتيم إجتماعيا ونفسيا
الفصل السابع
جريمة قتل الأطفال الضعفاء بين الإسلام و ( المسلمين ) في لمحة سريعة
أولا : تجريمها إسلاميا :
ثانيا : في القصص القرآنى
ثالثا : عن قتل الأطفال فى تاريخ الصحابة
خامسا : قتل الأطفال فى دين الخوارج
سادسا ـ تيمورلنك المتدين بالدين السنى يذبح أهالى الشام ومنهم الأطفال عام 803
سابعا : الوهابية وقتل الأطفال
شهامة العسكر المصرى العفيف في تعذيب الطفل المصرى الضعيف
المحور الآخر
عن بقية الضعفاء
الفصل الأول
عن ضعف الوالدين في شيخوختهما
الفصل الثانى
التيسير في التشريع مراعاة للضعف والضعفاء
الفصل الثالث
حقوق النساء
الفصل الرابع
حقوق بقية الضعفاء

الباب الثانى :
عن الاستضعاف والقوة
الفصل الأول
الضعف النفسي : قصص من الحياة ومن التاريخ
الفصل الثانى
بين القوى والضعيف والمستضعف
الفصل الثالث
المصريون والحتميات والاستضعاف
الفصل الرابع
فقه الاستضعاف
الفصل الخامس
الملأ ذو القوة وأتباعهم المستضعفون في القصص القرآنى : ( قوم عاد )
الفصل السادس
بين قوم عاد وقوم فرعون في الاستكبار والاستضعاف
الفصل السابع
بنو اسرائيل بين الضعف والاستضعاف والقوة
الفصل الثامن
الضعف والاستضعاف والقوة في عهد النبى محمد عليه السلام
خاتمة





مقدمة كتاب ( ضعف البشر في رؤية قرآنية )
1 ـ هذا الكتاب خلاصة لتجربة حياة ، استخلصت منها كيف يهزم الضعيف عوامل الاستضعاف والإحباط واليأس ، وأن يواجه ظروفه الاجتماعية التي جعلته ضعيفا بعزيمة قوية ، ثم لا يكتفى بذلك بل يواجه ضعف المجتمع والناس ويواجه أكابر المجرمين من المستبدين وشيوخ الأزهر ورجال الدين . هو فرد واحد ، وهم يملكون أدوات البطش والتنكيل ولا يدخرون وسعا في استعمالها ضده ، وقد استخدموها فعلا ضده ، وضد من انضم اليه ثم ضد عائلته وأسرتها . ولكن النتيجة إن هذا الفرد الوحيد ـ الذى يحسبه الجميع ضعيفا ـ تأكّد انه أقوى منهم جميعا مع ما يملكون من قوات مسلحة وقوات أمنية وقوات إعلامية وسيطرة على المجتمع والناس .
2 ـ أي فرد يولد في بيئة تحدى قد يرضى بظروفه ويستسلم لها فيكون مستضعفا ذليلا ، لأنه هكذا وجد نفسه . لم يحدث هذا لكاتب هذه السطور . وجد نفسه يتيما ، فقد مات أبوه الفقير الورع معلّم القرآن ، والذى كان ضعيفا ، إذ رضى أن يسلبه شقيقه الأكبر حقه في الميراث ، فلم يعترض ، وعاش حياة يعانى فيها المرض حتى مات في الخامسة والأربعين من عمره ، تاركا خمسة من الأطفال أيتاما ، كنت أكبرهم . ولكنه في حياته القصيرة معى علمنى القرآن الكريم ، فحفظته طفلا ، وكان يحكى من التاريخ ، فأصبحت مُحبا للقرآن والتاريخ . ربما كان يعتذر عن ضعفه بأن يجعلنى أقوى منه ، فتعلمت منه الحرص على الصلاة في موعدها . ثم حين قبلت تحدى الظروف كانت عُدّتى هي الصلاة ، أستمد بها قوة تسند ضعفى وتشدُّ أزرى ، فالله جل وعلا هو القوى العزيز ، وله جل وعلا العزّة ورسوله والمؤمنين ، أي لا بد أن أكون مؤمنا متقيا محسنا معتصما بالقرآن الكريم لأكون عزيزا .
2 ـ في فترة المراهقة جعلت لنفسى حكمة مأثورة هي : ( أن لا أحد أحسن منى ، ولكنى لست أحسن من أحد )، كانت تمثل تحديا لظروف الفقر والعوز التي عايشتها وقتها . ثم أهملت هذه الحكمة حين عايشت التفوق العلمى في داخلى ، وتفتّحت عندى مواهب الكتابة التاريخية والأدبية والتدبر القرآنى مبكرا ، فأصبحت الحكمة ( إننى أحسن من خصومى طالما كنت قادرا على إثبات هذا ). ولم أجد حرجا أن أعمل الى جانب دراستى في الثانوى الأزهرى ، وفى الجامعة ، ولأثبت أنى فعلا أحسن من الأخرين تفوقت ، مع انى لم أكن متفرغا للدراسة .
4 ـ كنت أذهب للكلية مرات قليلة في الدراسة أشترى بها الكتب ، وأقبض فيها مكافأة التفوق . ولم يكن يعرفنى أحد سوى ( الصرّاف ) الذى أقبض منه المكافأة وبعض الزملاء ، الذين يحجزون لى الكتب حتى آتى وأشتريها . في صيف عام 1973 تخرّجت في قسم التاريخ الإسلامى بكلية اللغة العربية ، وقد نجحت بتقدير جيد جدا مع مرتبة الشرف ، وبعدى عدة من الزملاء كانوا أقل كثيرا في الدرجات وبتقدير جيد جدا فقط . أي كان التعيين لوظيفة معيد محسومة لى . جئت لصرّاف الكلية لقبض آخر دفعة من مكافأة التفوق فأخبرنى أن الأستاذ فلان له إبن زميل لنا في نفس الدفعة وحصل على تقدير جيد جدا ، وهو يضغط لتعيينه معيدا ، مع إن درجاته هي الأقل في الحاصلين على ( جيد جدا ). الدافع الأكبر لهذا الأستاذ ليس وظيفة ( معيد ) ولكن لكى لا يدخل ابنه الجيش مجندا ، ووقتها كانت حرب أكتوبر. غلا الدم في عروقى وصممت على أن أبطش بعميد الكلية لو تبين أنه وافق على هذا الظلم . دخلت عليه مكتبه وسألته عن الموضوع وقد تجهزت للبطش به ، فقال إنه رفض هذا الظلم ، وأن قائمة تعيين المعيد في الكلية ستصدر وفيها إسمى . ولا زلت أحتفظ بنسخة منها حتى اليوم تخليدا لهذا الموقف الذى انتصرت فيه على عوامل الضعف في نفسى ، وقررت مواجهة ما اشعر أنه ظلم .
5 ـ في عملى معيدا ثم مدرسا مساعدا كنت أتعجب من جهل الأساتذة وإصرارهم أن يكون تلامذتهم في الدراسات العليا أشد جهلا منهم . في اختيار بحث التخصص ( الماجيستير ) أردت أن أكتب في ( وحدة الدين المصرى في كل العصور من الفراعنة الى ما بعد الفتح ) ، وفزع الشيوخ . أجّلت هذا الموضوع ، ولكن جعلته فيما بعد كتابا قررته على الطلبة عام 1984 بعنوان ( شخصية مصر بعد الفتح الاسلامى ) ، وهو منشور هنا مقالات . لأن مدى علم الأستاذة في قسم التاريخ لا يتجاوز العصر الأموى والقليل من العصر العباسى فقد عملت بنصيحة بعضهم وإخترت موضوعا في العصر الأموى هو عن (تأثير العصبية القبلية في الدولة الأموية ) والذى يعنى تفسيرا لهذه الدولة من خلال تنافس وصراع القبائل العربية التي تعمل جنودا وقادة للأمويين ، وكان منهم أيضا الثائرون على الأمويين من الخوارج وغيرهم . استلزم الأمر معرفة أنساب القبائل وأنساب قادتها . إستغرب الشيوخ الموضوع ، ثم رضوا به أخيرا . وحصلت على الماجيستير بدرجة جيد جدا عام 1975 .
في إختيار بحث الدكتوراة صممت على موضوع ( اثر التصوف في العصر المملوكى ) وانتزعت منهم الموافقة عليه . بعد عام ونصف ( أكتوبر 1977 ) قدمت الرسالة للمشرف عليها للمناقشة ، قرأ الصفحات الأولى فهاج وماج معترضا على ما قرأ . طلبت منه أن يصحح وأن يتوثق من الاستشهادات والمصادر فعجز . ولكى يستر جهله أذاع بعض ما جاء في البحث فنجح في تأليب الشوخ ضدى ، وفى مقدمتهم وقتها شيخ الأزهر ( عبد الحليم محمود ) اشهر صوفى وأكثر شيوخ الأزهر سطوة وجاها في القرن العشرين . ودخلت أول معركة داخل جامعة الأزهر ، استمرت ثلاث سنوات ، ووصلنا الى حل وسط هو حذف ثلثى الرسالة ، ومناقشة ثلثها فقط . وحصلت على درجة ( العالمية / الدكتوراة ) في أكتوبر 1980 .
6 ـ بعدها تجدّد الصراع داخل الجامعة والأزهر كله ، وكنت الذى يبدا بالتحرّش بالشيوخ وأستفزّ جهلهم ، الى أن تركت الجامعة مستقيلا عام 1987 ، وأدخلونى السجن في نفس العام بعد حملة صحفية تدخل فيما يعرف بالاغتيال المعنوى الذى يدعو الآخرين الى قتلى . ذكرت هذا كثيرا من قبل . ولكن موضعه هنا في هذا الكتاب عن ( ضعف البشر ) . كيف يستطيع فرد واحد نشأ يتيما فقيرا أن يواجه ضعفه الداخلى أولا ثم يواجه أكابر المجرمين وحده .
7 ـ ليس في الأمر بطولة شخصية تستعصى على أي فرد . هي مجرد إرادة وعزم وتصميم ، يؤكدها الايمان بالله جل وعلا وحده إلاها ، هو الذى قدّر الحتميات من الميلاد والموت والرزق والمصائب . الموت بالذات كان هو العامل الأكبر . علّمت نفسى مبكرا أن أتمنى الموت وأن أستعد له وألا أخاف منه ، لماذا ؟ لأننى أواظب على الصلاة وأحاول ما استطعت أن أعمل الخير وأن لا أظلم أحدا ، سعيا لرضى الله جل وعلا . وفى النهاية سأموت في موعدى ، وطالما أرجو لقاء الله جل وعلا وطالما أنه جل وعلا وعد المجاهدين فى سبيله بالمغفرة والجنة فإن الموت بالنسبة لى خلاص من هذا الزمن الردىء ، ورفع للغبن والظلم الذى عانيته وعايشته ، فيوم القيامة هو يوم ( التغابن ) ، الذى يكون فيه الانتصاف للمظلوم وعقاب الظالم .
8 ـ ليست بينى وبين خصومى علاقات شخصية ولا مشاكل عائلية أو صراعات مالية ، بل أكاد لا أعرف الأغلبية الساحقة منهم . هو صراع ( موضوعي ) بين خصمين في الدين . نحن وهم خصوم ( في ربنا ) . نؤمن نحن بأنه ( لا إله إلا الله ) شهادة واحدة ، وهم يؤمنون بألهة شتى . نؤمن نحن بحديث واحد هو حديثه جل وعلا في القرآن الكريم وهم يؤمنون بأحاديث شيطانية ما أنزل الله جل وعلا بها من سُلطان . نؤمن نحن بالله جل وعلا وحده وليا مقصودا بالعبادة والتقدس ، وهم يؤمنون بتقديس البشر والحجر . نؤمن نحن بأن الإسلام دين الله جل وعلا مؤسّس على القيم العليا : السلام والرحمة والعدل والحرية المطلقة في الدين والإحسان ، وهم لهم أديانهم الدموية الظالمة التي تظلم رب الناس قبل أن تظلم الناس . نحن في ( الدين ) خصمان ، وسيحكم بيننا ( يوم الدين ) ( مالك يوم الدين ). لهذا أحبُ الموت .
7 ـ ولهذا كتبت ــ عن ضعف البشر ــ هذا الكتاب .. لعلّ وعسى ..!!











الفصل التمهيدى : عن ضعف البشر
ضعف البشر الجسدى في لمحة عامة
كتاب ( ضعف البشر )
أولا: قال جل وعلا : :( وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً (28) النساء):
1 ـ خالق البشر هو الأعلم بهم ، قال جل وعلا : ( أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14) الملك )، وقد أخبرنا إنه خلق الانسان ضعيفا، فالضعف هو الأصل في الانسان.
2 ـ قال جل وعلا : ( اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ (54) الروم ). ونلاحظ الآتى :
2 / 1 : بداية الانسان هي الضعف ، ( اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ) من الولادة والطفولة الى أن يتحول الضعف الى قوة ( ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ) . كلمة ( قوة ) جاءت بلا ألف التعريف ، أي جاءت ( نكرة ) أي قوة نسبية ، ثم تضمحل القوة ويعود الانسان في شيخوخته الى الضعف ( ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً ) .
2 / 2 : هذه القوة النسبية الواقعة بين فترتى ضعف تحمل داخلها ضعفا ، ففيها يتعرض الانسان الى المرض ، وتهزمه مخلوقات غاية في الضآلة والضعف : ميكروب أو بكتيريا أو حشرة أو فطر . وبدون المرض فقوته محدودة يجب ألا يغتر بها ، وتعبير ( الفرح والمرح ) في القرآن يعنى الغرور ، قال جل وعلا :( وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً (37) الاسراء )
2 / 3 : نتعرف هنا عن الفرق بين ( خلق ) و ( جعل ). فالخلق هو البداية ثم يعقبه ( الجعل ) كقوله جل وعلا : ( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (1) الانعام ) وهنا فالله جل وعلا وعلا خلقنا من ضعف ، وهو الأصل ، ثم تأتى مرحلة قوة نسبية ( جعلها ) الله جل وعلا ( قوة ) نسبية ثم تأتى مرحلة ( جعلها ) الله جل وعلا عودة للضعف .
2 / 3 : الاستعمال هنا في حروف العطف ليس بالواو وليس بالفاء . الواو في العطف تفيد التبيين والمصاحبة ، كقولك ( جاء محمد وأبوه وأخوه ) . و ( الفاء ) في العطف تفيد الترتيب السريع ، كقولك ( جاء محمد فأخوه فأبوه ) . أما ( ثم ) فتفيد الترتيب مع التراخى ومرور زمن ، كقولك ( جاء محمد ثم أبوه ، ثم أخوه ) . هنا جاء استعمال ( ثم ) : ( خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً ).
2 / 4 : إرتباط ضعف الشيخوخة بالمشيب ، مفترقا عن ضعف الطفولة : ( ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً )
2 / 5 : هي إرادته جل وعلا ومشيئته في خلقنا ، وهى مشيئة مرتبطة بعلمه جل وعلا وقدرته : ( وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ ) .
3 ـ وهناك المشترك بين ضعف الطفولة وضعف الشيخوخة:
3 / 1 : فالطفل يولد لا يعلم شيئا والانسان الطاعن قد يفقد ذاكرته ويصيبه الزهايمر .
3 / 1 / 1: عن الطفولة قال جل وعلا : ( وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمْ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (78) النحل )
3 /1 / 2 : وعن الشيخوخة وأرذل العمر قال جل وعلا :
3 / 1 / 2 / 1 : ( وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (70) النحل )
3 / 1 / 2 / 2 : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنْ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً ) (5) الحج ) . كان لديه علم وذاكرة ، أصبح لا يعلم من بعد علم شيئا .
3 / 2 : ليست للطفل قدرة جنسية . ومن يصل الى أرذل العمر يفقد قدرته الجنسية ، ولا يستطيع الإنجاب . جاء هذا في قصص :
3 / 2 / 1 : إبراهيم عليه السلام وزوجه : ( قَالُوا لا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ (53) قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِي الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ (54) الحجر ) ( قَالَتْ يَا وَيْلَتَا أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (72) هود )
3 / 2 / 2 : زكريا عليه السلام : ( قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِي الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (40) آل عمران) ( قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكَانَتْ امْرَأَتِي عَاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنْ الْكِبَرِ عِتِيّاً (8) مريم )
4 : وهناك المختلف بين الطفولة وأرذل العمر مع اشتراكهما في الضعف :
4 / 1 : فالطفل في ضعفه غاية في الجمال ، جسده بضُّ ليّن . ينطبق هذا على عظامه فليست متيبسة كمن يبلغ أرذل العمر .
4 / 2 : أما في الشيخوخة ، ففيها :
4 / 2 / 1 : الشيب مع الضعف ، قال جل وعلا : ( ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً (54) الروم ).
4 / 2 / 2 : والشيب يشتعل من أسفل زاحفا الى أعلى ، قال زكريا يشكو ألم المفاصل ووهن العظام وهشاشتها : ( قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً (4) مريم )
4 / 3 : يفقد الانسان نضارته وجماله في وجهه وجسده . يمتلىء وجهه بالتجاعيد ، ويمتلىء جسده بالترهلات والأخاديد ، وتصبح في الجسد الواهن سوء توزيع . قال جل وعلا : ( وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلا يَعْقِلُونَ (68) يس ). قارن بين صور حسناوات الفن في شبابهن وفى شيخوختهن .
ثانيا : الضعف الجسدى في ضرب الأمثال وعظا
1 ـ رجل جعل هدفه زخرف الدنيا ، كافح حتى صار له مال . إشترى أرضا بورا ، أصلحها ، وبعد عناء صارت مزرعة بنهر يشقها ، وزرع فيها أصنافا من نخيل وأعناب . ثم تذكر أنه لم يتزوج وقد أشرف على الستين . تزوج وأنجب مجموعة من الأطفال . ثم احترقت مزرعته وأصبحت أكواما من التراب والدخان . نظر حوله فوجد خرابا ، نظر الى نفسه فوجد ضعف الشيخوخة ، نظر لأطفاله فوجد ضعف الطفولة . مع هذا الضعف هل يستطيع أن يعيد الخُضرة الى مزرعته . هذا مستحيل فقد وصل الى مرحلة الصفر. هذا هو مثل للإنسان الذى يفنى حياته يريد الدنيا وزينتها غير عابىء بالعمل للآخرة وجنتها . مهما جمع وأوعى فسيموت ويواجه الصفر ، فالموت صفر ، ولو ترك بلايين الأموال فهى مضروبة في صفر ، ونتيجتها صفر . ما أروع هذا المثل الذى ضربه لنا رب العزة جل وعلا ، قال يخاطبنا مباشرة متسائلا : ( أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (266) البقرة ). فهل نتفكّر ؟ أم على قلوب أقفالها ؟
2 ـ هناك أغلبية ساحقة من البشر تعبد وتقدس آلاف القبور وآلاف الموتى . هذه الآلهة المزعومة ( مثل المسيح ومحمد والحسين ..الخ ) يعجزون وهم موتى وحتى في حياتهم عن خلق ذبابة ، بل هم أضعف من ذبابة ، لأن الذبابة تصيبهم بالأمراض ، ويحاول البشر في أوج تقدمهم العلمى هزيمة الذباب ، دون جدوى . بل لو سلبهم هذا الذباب الضعيف قطعة من السكر فلن يستطيعوا استرجاعها ، لأن الذباب يبادر بهضم قطعة السكر قبل أن تدخل أحشاءه ، أي بمجرد أن يستحوذ عليها لا تكون سكرا ، بل تتحلل وتتحول الى عناصر السكر ، وبسرعة لا يستطيع معها الانسان استنقاذها منه ، فكيف بالآلهة المزعومة التي هي اشد ضعفا من الذباب . ما أروع قوله جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوْ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمْ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (73) الحج )
أخيرا
في موضوع الخلق هناك أسئلة وجهها رب العزة جل وعلا للحيوانات البشرية المخلوقة التي تعبد وتقدس بشرا مخلوقا مثل المسيح ومحمد والحسين وبوذا ..الخ ..وأمرنا ربنا جل وعلا أن نوجهها للحيوانات البشرية المخلوقة التي تعبد وتقدس بشرا مخلوقا مثل المسيح ومحمد والحسين وبوذا ..الخ. قال جل وعلا :
1 : ( قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ قُلْ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لا يَمْلِكُونَ لأَنفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرّاً قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلْ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (16) الرعد ). الله جل وعلا وحده هو رب السماوات والأرض وهو خالق السماوات والأرض ، فهل خلق ( المسيح أومحمد أوالحسين أو بوذا ..الخ ..) بعض البشر فأصبحنا لا نميز بين من خلقهم الله جل وعلا ومن خلقهم ( المسيح أومحمد أوالحسين أو بوذا ..الخ ..). لقد وصف رب العزة المجرات والثقوب السوداء والبيضاء بأنها ما بين السماوات والأرض. وتقديرات عدد هذه المجرات ــ حتى الآن ــ ببلايين البلايين . فهل خلق بعضها ( المسيح أومحمد أوالحسين أو بوذا ..الخ ..). وهل أصبح العلماء في حيرة لا يستطيعون تمييز ما خلقه الله جل وعلا وما خلقه ( المسيح أومحمد أوالحسين أو بوذا ..الخ ..). ؟
2 : ( هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (3) فاطر ). هل زعم ( المسيح أومحمد أوالحسين أو بوذا ..الخ ..) ؟
3 : ( أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمْ الْخَالِقُونَ (35) أَمْ خَلَقُوا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بَل لا يُوقِنُونَ (36) الطور ) هل هذه المخلوقات : ( المسيح أومحمد أوالحسين أو بوذا ..الخ ..) مخلوقة من خالق غير الله جل وعلا ؟ أم هذه المخلوقات : ( المسيح أومحمد أوالحسين أو بوذا ..الخ ..) خلقت نفسها وغيرها ؟
4 : هذه السماوات وبجاذبيتها وما فيها من عجائب ، وهذه الأرض وما فيها من جبال جعلها الله جل وعلا رواسى لها ، وهذه المياه التي بها ينبت النبات ..,هل خلقتها هذه المخلوقات : ( المسيح أومحمد أوالحسين أو بوذا ..الخ ..)؟
5 ـ ( نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلا تُصَدِّقُونَ (57) أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ (58) أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ (59) الواقعة ) . هل هذه المخلوقات : ( المسيح أومحمد أوالحسين أو بوذا ..الخ ..) خلقت المنىّ الذى كان يخرج منها ؟
6 ـ هل هذه المخلوقات : ( المسيح أومحمد أوالحسين أو بوذا ..الخ ..) كانت موجودة حين خلق الله جل وعلا السماوات والأرض ؟ بل هل كانت موجودة حين خلقها الله جل وعلا من لا شىء : ( مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً (51) الكهف )
7 : هل هذه المخلوقات : ( المسيح أومحمد أوالحسين أو بوذا ..الخ ..) تزعم ملكية مثقال ذرة في السماوات والأرض ؟ إسألوهم لو كانوا ينطقون : ( قُلْ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ (22) سبأ )
8 ـ ثم هذا السؤال : أرونى :
8 / 1 : أرونى ماذا خلقت هذه المخلوقات : ( المسيح أومحمد أوالحسين أو بوذا ..الخ ..) : قال جل وعلا :
8 / 1 / 1 : ( خَلَقَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (10) هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلْ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (11) لقمان ).
8 / 1 / 2 : ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمْ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنْ الأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَوَاتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَاباً فَهُمْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً إِلاَّ غُرُوراً (40) فاطر )
8 / 1 / 3 : ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنْ الأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَوَاتِ اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (4) الاحقاف )
8 / 2 : بل هذه الآلهة المزعومة التي تقدسونها أطراف الليل وآناء النهار وتحجون الى قبورها وأوثانها .. أرونى هذه الآلهة لآراها رأى العين . ( قُلْ أَرُونِي الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَاءَ كَلاَّ بَلْ هُوَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (27) سبأ )
8 / 3 : في أحلام اليقظة فقط ، وحرصا على حياتك ، تخيل نفسك أمام قبر مقدس لهذه المخلوقات وانت تقول لمن يطوف بها متوسلا : أرونى هذا الذى تعبدون ؟
قال جل وعلا : ( أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً (44) الفرقان ).
ودائما : صدق الله العظيم .!!


لُطف الله جل وعلا بضعف البشر
مقدمة
1 ـ خلق الله جل وعلا الانسان ضعيفا ، قال جل وعلا : ( وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً (28) النساء )، ولأنه جل وعلا هو الأعلم بما خلق فقد كان بالإنسان لطيفا خبيرا . قال جل وعلا : ( أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14) الملك ).هنا يرتبط لُطفه جل وعلا بعلمه وخبرته بخلقه . نتدبر هنا قرآنيا لطف الله جل وعلا بالبشر وقت ضعفهم .
أولا : الانسان الضعيف مذبذب فليس من المؤمنين الذين يعملون الصالحات .
1 ـ قال جل وعلا : ( إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (21) إِلاَّ الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ (23) وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25) وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (26) وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (27) إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ (28) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (29) إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (30) فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ (31) وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (32) وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ (33) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (34) أُوْلَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ (35) المعارج )
1 / 1 ـ هم فقط المؤمنون الذين يداومون على الصلاة ويقدمون زكاة أموالهم مؤمنين بيوم الدين الذى يملكه ويتحكم فيه رب العالمين وحده ، ويخشون عذاب النار ، ويحافظون على عفّتهم ويحفظون أماناتهم وعهودهم ويقومون بالشهادة صادقين . بذلك يجمعون بين أداء الصلوات الخمس يوميا والحفاظ عليها . ومصيرهم الجنة .
1 / 2 ـ هم مؤمنون بقضاء الله جل وعلا وقدره المحتوم ، فإذا أصابتهم مصيبة من الخير أو من الشّر صبروا وشكروا ، وهم يعلمون أن حتميات القضاء مقدرة سلفا ، لذا لا يحزنون ولا يفرحون بل هم لربهم جل وعلا يشكرون . قال جل وعلا :( مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22) لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (23) الحديد )
1 / 3 ـ غيرهم الذين لا يخشون الله جل وعلا موصوفون بالهلع عند أي كارثة والجزع عند أي مصيبة والبخل والمنع إذا أختبرهم الله جل وعلا بالنعمة .
2 ـ هؤلاء يتذبذب إيمانهم بربهم جل وعلا حسبما يحدث لهم :
2 / 1 : إن إختبرهم الله جل وعلا بالنعمة فرحوا وإن إختبرهم بالنقمة كفروا . قال جل وعلا عن هذا الصنف من الناس : ( وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (11) ) الحج )
2 / 2 : إن إختبرهم الله جل وعلا بالنعمة إعتبروها كرامة من الله جل وعلا لهم ، وإن إختبرهم بالنقمة إعتبروها إهانة من الله جل وعلا لهم . قال جل وعلا : ( فَأَمَّا الإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلا هُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16) الفجر ).
2 / 3 : إن إختبرهم الله جل وعلا بالنعمة أعرضوا إستكبارا ، وإن إختبرهم بالنقمة اصابهم اليأس . قال جل وعلا :
2 / 3 / 1 : ( وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوساً (83) الاسراء )
2 / 3 / 2 : ( وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ (51) فصلت ).
2 / 3 / 3 : يظل يدعو ربه يطلب الخير لنفسه ، فإذا إختبره الله جل وعلا بنقمة وقع في اليأس والقنوط ، فإذا إختبره الله جل وعلا بعدها بنعمة ورحمة كفر باليوم الآخر لأن قلبه معلّق بالدنيا فقط . وكفره باليوم الآخر بانكار كامل لليوم الآخر ، أو بصناعة يوم آخر يدخل فيه الجنة مهما أجرم . قال جل وعلا : ( لا يَسْأَمُ الإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ (49) وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى ) (50) فصلت ).
3 : بعض الناس يعلن إيمانه ، فإذا تعرض للاضطهاد بسبب إيمانه إستكثر هذا الاضطهاد كما لو كان عذابا من الله جل وعلا فارتد على عقبه . وإن جاء نصر من الله جل وعلا إعتبر نفسه سببا فاعلا في النصر . إنه الصنف المنافق الانتهازى . قال جل وعلا : ( وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ (10) العنكبوت )
ثانيا : على الانسان في ضعفه أن يستغيث بربه جل وعلا داعيا متضرعا
بمجرد أن تدعو ربك متضرعا فهو يستجيب لك بغض النظر عن مدى ايمانك ، يكفى أن تكون في حالة ضعف تجعلك تتضرع في الدعاء . قال جل وعلا :
1 : ( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186) البقرة ) . هنا نلاحظ :
1 / 1 : هو جل وعلا يحيب الداعى إذا دعاه ، مهما كان إيمان هذا الداعى . فلم يقل جل وعلا ( الداعى المؤمن المتقى ).
1 / 2 : لم يقل ( وإذا سالك عبادى عنى فقل لهم إنى قريب ) . ليس هنا ( قل ) ، لأنه لا واسطة بين الناس ورب الناس حتى الرسول ، فقوله جل وعلا : ( فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ) هو خطاب مباشر من رب العزة جل وعلا اللطيف بعباده عند ضعفهم .
2 : ( وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (60) غافر ). . وهنا نلاحظ :
2 / 1 : إن الدعاء فريضة مستقلة . والأمر بها جاء قولا مباشرا من الله جل وعلا للبشر جميعا أن ( ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) وأن الذى يستكبر عن أداء هذه العبادة فمصيره جهنم : ( إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ).
2 / 2 : ولأن الدعاء عبادة فلا بد أن يكون بخشوع . والخشوع هنا يعنى أن تتضرّع لربك جل وعلا وأنت تدعوه ، إن لم تتضرع في دعائك فأنت تقع في أكبر جريمة ، وهى الاعتداء على جلال الله جل وعلا . قال جل وعلا : ( ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55) وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنْ الْمُحْسِنِينَ (56) الأعراف ).
2 / 3 : نكرر ونؤكد : أنه لا بد في خطاب رب العزة جل وعلا في الصلاة والدعاء من الخشوع والخضوع والتضرع . أولئك الذين يحوّلون الدعاء الى أغان ورقص إنّما يستهزئون برب العزة ذي الجلال والاكرام . والشائع في الأديان الأرضية أنهم يتخذون الدين لهوا ولعبا . والغناء الدينى في الدعاء وفى قراءة القرآن دليل التدين عندهم ، سواء في المساجد أو عند القبور المقدسة . وهم يحسبون أنهم يُحسنون صُنعا : ( الأنعام 70 ) ( الكهف 102 : 106 ) ( الأعراف: 30 ، 51 )( الزخرف 36 : 37 )
ثالثا : لُطف الله جل وعلا بعباده عند الضعف
1ـ مهما بلغ غرور الانسان وطغيانه فهو عند ضعفه يدعو الله جل وعلا يستغيث به تضرعا . قال جل وعلا : ( قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنْ الشَّاكِرِينَ (63) قُلْ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ (64) ) الانعام ). أي يدعو عند الضعف والشّدّة تضرعا وتأوّها وخُفية ، ثم إذا استجاب له رب العزة جل وعلا عاد الى كفره وشكره وعناده . هو كافر قبل الشدة وحين كان مغرورا بقوته ، ثم حلّ به الضعف فدعا ربه تضرعا . فلما أنجاه ربه جل وعلا اللطيف الخبير عاد الى كان عليه من كفر وعناد . ينطبق هذا على كل من يتفاخر بإلحاده منكرا ربه جل وعلا . تخيل لو لم يستطع التبول ، أو لم يستطع البلع ووقفت شوكة في حلقه ؟ هل ستفاخر وقتها بإلحاده ؟
2 ـ اصعب أوقات ضعف الانسان :
2 / 1 : عندما يقع الانسان في الاضطرار ، فيدعو ربه مضطرا . ويستجيب له الرحمن جل وعلا فيكشف عنه السوء ، وهو اللطيف الخبير القائل يعظ الناس : ( أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ ) (62) النمل ) . ليس غيره جل وعلا يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ، مهما كان قبلها جحود الانسان وكفره ، ومع علمه جل وعلا أنه سيعود بعدها الى كفره وعناده وجحوده .! .
2 / 2 : وتتنوع أوقات الاضطرار ، منها
2 / 2 / 1 : عند المرض . قال جل وعلا :
2 / 2 / 1 / 1 : ( وَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَائِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (12) يونس )
2 / 2 / 1 / 2 : ( وَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَاداً لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ (8) الزمر )
2 / 2 / 1 / 3 : ( فَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (49) قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (50) فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ (51) الزمر )
2 / 2 / 2 : عند خطر الغرق . قال جل وعلا :
2 / 2 / 2 / 1 : ( هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمْ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوْا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنْ الشَّاكِرِينَ (22) فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (23) يونس )
2 / 2 / 2 / 2 : ( وَإِذَا مَسَّكُمْ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإِنْسَانُ كَفُوراً (67) أَفَأَمِنتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلاً (68) أَمْ أَمِنتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفاً مِنْ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعاً (69) الاسراء ).
2 / 3 : مهما بلغ كفر الانسان ــ فحسب علمنا ــ لا يصل الى كفر فرعون الذى زعم إنه ربهم الأعلى وتساءل بأنه لا يعلم لقومه إلاها غيره ، وفى أواخر حياته حشد جيشه ليطارد إثنين من الأنبياء يقودون قوما ضعافا أرادوا الفرار من ظلمه . عندما أشرف على الغرق قال : ( لا اله إلا الله ) . قال جل وعلا : ( وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ (90) أَالآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنْ الْمُفْسِدِينَ (91) يونس ).
أخيرا : من لُطف الله جل وعلا بضعف عباده أنه يعفو عن كثير من ذنوبهم في الدنيا فلا يعاقبهم بها
1 ـ الموت حتمى ، وكذلك الابتلاء بالخير والشّر . قال جل وعلا : ( كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (35) الأنبياء ).
2 ـ وتأتى العقوبات بسبب ما يقع فيه البشر من أخطاء وخطايا ، أو بالتعبير القرآنى : ( بما قدمت أيديهم ) . قال جل وعلا عن :
2 / 1 : العرب في عهد النبى محمد عليه السلام : ( وَلَوْلا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ (47) القصص 2 / 2 : المنافقين في المدينة : ( فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً (62) النساء )
2 / 3 : عن البشر جميعا : ( وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ (36) الروم )
3 ـ الاستثناء الوحيد هو لُطف الله جل وعلا إذ يعفو عن كثير . قال جل وعلا : ( وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ (30) الشورى ) .






الباب الأول : عن الضعف والضعفاء
المحور الأول :
عن الطفولة : ( الضعف الأول )
الفصل الأول :
تحديد فترة الطفولة
مقدمة
1 ـ حين نقول ( الطفل ) نقصد الذكر والأنثى .
2 ـ على النقيض من كوكب ( المحمديين ) أدرك الغرب أهمية تعليم الطفل باعتباره ( صناعة الانسان ).
3 ـ كل انسان يولد وقد هيأه الله جل وعلا لأن يتعلم ويدرك . هذه القابلية للتعلم قد تجد مجتمعا يرعاها ويقوم بتنشئة الطفل على أحسن ما يكون محققا بذلك ( صناعة للإنسان ). وبهذه الصناعة يضمن المجتمع تقدما وازدهارا مضطردا . القابلية للتعلم لدى الطفل في المجتمعات المتخلفة تتجلى في ناحيتين : ألا يتعلم الطفل ، يعيش في جهل ويموت به . الأسوأ أن يتعلم الجهل . وهذا حين تسيطر الأديان الأرضية وكهنوتها على المجتمع ، فتنشر الخرافات على أنها دين ، وتمنع التعقل وتعتبر استعمال العقل والتساؤل خروجا عن الدين وكفرا .
4 ـ الطفل ضعيف ، ولكن تعليمه تعليما واعيا صحيحا يحوّل ضعفه الى قوة نفسية . سنتعرض فيما بعد في الباب الثانى للاستضعاف ، أو الضعف النفسى الذى يصيب شعبا فيجعله ( مُستضعفا ) مملوكا لأكابر المجرمين من مستبدين ورجال الدين . تعليم الطفل وتوعيته هو أساس النجاة من هذا المصير . في نفس الوقت فليس التعليم فقط بل تسبقه وتعايشه رعاية ، تعطيه حقوقه ، وتضمن له مناخا نظيفا يتنفس فيه ويتعلم .
5 ـ بهذا ترقى الأمم ، وتعيش حاضرها وتعمل لمستقبلها
6 ـ وبهذا أيضا تتحكم الأمم المتقدمة المتحضرة القوية في الأمم المتخلفة التي لا تزال تعيش في الماضى ، تقدس السلف ( الصالح )، ويتحكم فيها المستبدون ورجال الدين ، وتجترّ أكاذيب دياناتها الأرضية ، وتمنع أي رؤية نقدية لهذا الماضى تاريخا ودينا .
7 ـ نعطى لمحة عن رعاية الطفل في رؤية قرآنية
أولا : تحديد فترة الطفولة
1 ـ يقول سبحانه وتعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا) (الحج5):
ونستعرض الآية الكريمة بالتدبر والتحليل:
1 / 1 : ( فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ) إشارة إلى الخلق الأول ؛ خلق آدم ، وأيضا فإن الطعام الذى نأكله هو من تراب الأرض ، ويتحول الى حيوانات منوية وبويضات . وبعد موت الانسان يتحول جسده الى التراب الذى جاء منه .!
1 / 2 : ( ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ ): إشارة إلى خلق الجنين من نطفة ، أي البذرة الأولى أو (الزيجوت) الذي يتكون من اتحاد الحيوان المنوي بالبويضة ، ثم تكبر وتتحول الى ( علقة) بعد تكاثر خلايا الجنين لتصبح قطعة صغيرة معلقة بجدار الرحم ، ثم يزداد حجمها الى ( مضغة) أي تكبر حتى تصبح مقدار قطعة اللحم التي يمضغها الإنسان ، وهنا تتحول الأنسجة إلى جزء مخلق وهو الجنين ، وجزء آخر غير مخلق، وهو المشيمة وفى ذلك تقول الآية الكريمة : ( ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ ).
1 / 3 : (وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ) وقد يستقر الجنين فى بطن أمه إلى موعده ( أَجَلٍ مُسَمًّى )، وقد يسقط ..
2 : كل هذه التطورات بعلم الله جل وعلا وقدرته وتقديره . قال جل وعلا :
2 / 1 ( اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ (8) الرعد )
2 / 2 ( أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (20) فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (21) إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ (22) فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ (23) المرسلات )
2 / 3 : ( وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجاً وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلا تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (11) فاطر )
3 ـ ( ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا) . أي بمشيئته تعالى وتقديره تبدأ المرحلة التالية ، مرحلة الطفولة ، حين يخرج الجنين من بطن أمه مولودا ، وتستمر مرحلة الطفولة إلى أن يبلغ الطفل أشده ، أي أقصى قوته ، وقد يموت ، وقد يطول به العمر إلى أن يصل إلى المرحلة الأخيرة وهى الشيخوخة .
4 ــ إذن فالطفولة طبقا للآية الكريمة تبدأ بالميلاد إلى استكمال قوة الصبي ، أو ( بلوغه ) ودخوله مرحلة الرجولة والفتوة .
5 : ويقول جل وعلا أيضا : (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى) (غافر67) . ( ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ) هي نهاية الطفولة ، وتحمّل مسئولية التكليف ، فالصبي الذي بلغ أشده هو الذي ودع مرحلة الطفولة ودخل مرحلة الرجولة .. ولذلك فإن القرآن يكرر هذا التعبير، يقول جل وعلا :
5 / 1 : عن اليتيم :( وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ) (152) الانعام )( وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ) (34) الاسراء ) وعن ولدين يتيمين لرجل صالح : ( وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ ) (82) الكهف )
5 / 2 : عن يوسف عليه السلام ( وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (22) يوسف ) وعن موسى : ( وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (14) القصص ). هنا وصف مرحلة الشباب التي تخالف الطفولة وضعفها.
6 ـ وسبقت الإشارة الى أن ميزان الضعف والقوة يستخدمه القرآن الكريم فى وصف مراحل الحياة العمرية للإنسان من طفولته إلى شيخوخته ، يقول سبحانه وتعالى (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وشيبة ) (الروم 54"). ( خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ) : أي مرحلة الطفولة . ( ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ): أي مرحلة الشباب والفتوة .( ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وشيبة ): أي مرحلة الشيخوخة والوهن فالضعف هو أبرز ملامح الطفولة .
7 ـ والقرآن الكريم يعبر أيضا عن دخول مرحلة الشباب باكتمال القوة الجنسية للصبي وقدرته على الإنجاب ، فيقول سبحانه وتعالى عن بلوغ الطفل اليتيم مرحلة الشباب: (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ) (النساء 6.). ( حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ ): أي بلغوا الرجولة والقدرة على الانجاب .
8 ـ ولقد أوجب الله جل وعلا على الأطفال الذين لم يبلغوا الحلم أن يستأذنوا قبل الدخول على الكبار من الذكور والإناث فى أوقات الخلوة المعتادة : قبل صلاة الفجر ، وحين النوم فى القيلولة وبعد صلاة العشاء. واعتبرها رب العزة جل وعلا ثلاث عورات ، فاذا ( بلغوا ) الحلم أو النكاح أصبحوا ( بالغين ) وجب عليهم أن يتصرفوا كالكبار ، أي يستأذنوا . قال جل وعلا :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمْ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنْ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ الآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (58) وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنْكُمْ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (59) النور). فالطفل قبل البلوغ يتمتع بالبراءة والنقاء والطهر، ,ومن أسس تربيته وتعليمه أن يستأذن على الكبار فى أوقات الخلوة والراحة ، حتى لا يرى ما يخدش حياءه وبراءته . فإذا بلغ الطفل مرحلة الحُلم وأصبح رجلا أو امرأة فقد دخل مرحلة جديدة تستوجب الاستئذان.
هذا يدخل في تعليم الأطفال .

الفصل الثانى
حق الطفل في الحياة قبل أن يولد
أولا : عن قتل الأطفال
1 ـ تعود العرب فى الجاهلية وأد البنات المولودات خشية العار ، وقتل الأولاد خشية الفقر. وقد استنكر القرآن الكريم قتل الطفلة البريئة ودفنها فى التراب حيّة فقال سبحانه وتعالى ( وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (9) (التكوير )، وجاء ذلك فى سياق الحديث عن قيام الساعة وحساب الآخرة . ويصور القرآن الكريم حال أولئك المجرمين حين يعرف احدهم أنه رزق بمولود أنثى فيقول: ( وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَى مِنْ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (59) النحل ) . وقال جل وعلا : ( وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ (17) الزخرف ). كانوا يفضلون الذكور على الإناث، والذى يرزق بأنثى كان شعوره بالعار يحيل لونه إلى سواد ويجعله يتوارى من القوم، ويحتار بين أن يبقى على حياة وليدته محتفظاً بها وبالعار أم يدفنها في التراب.
2 ـ وحرصاً على حق الأنثى في الحياة فإن القرآن يقرر أن الله سبحانه وتعالى هو وحده الذى يهب لمن يشاء إناثاً أطفالاً أو ذكوراً أطفالاً، أو يهب له إناثاَ وذكوراً معاً، أو يجعل من يشاء عقيماً . قال جل وعلا : ( لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (50) الشورى ) وإذن فلا ذنب على الزوجة إذا أنجبت أنثى كما كان الاعتقاد في الماضي ، كما أن للطفلة الأنثى نفس الحق في الحياة الذي لأخيها الذكر.
3 ـ إن الفقر كان يدفع بعضهم إلى قتل الأولاد بسبب الفقر أو تحسباً للفقر.. فقال سبحانه وتعالى يحذر من ذلك ضمن الوصايا العشر : ( وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ) (الأنعام151).فالوصية الثالثة من الوصايا العشر تنهى عن قتل الأولاد "من إملاق" أى بسبب حلول الفقر، لأن الله تعالى هو الذي يرزق الوالدين والأبناء معاً. ويتكرر نفس التشريع في قوله سبحانه وتعالى: (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئاً كَبِيراً (31) الإسراء ). فالنهى هنا عن قتل الأولاد خشية فقر سيأتي ،لأن الله تعالى هو الذى يرزق الأولاد كما يرزق الآباء. وتقرر الآية أن قتل الأولاد خطأ كبير. وقلنا إن الله سبحانه وتعالى يساوى بين الآباء والأطفال في الحاجة للرزق، فيقول في سورة (الأنعام 151). ( نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ) ويقول في سورة (الإسراء31)( نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ ) ، فالأب سبب لرزق الابن الطفل، والطفل سبب لرزق الأب، والأب والابن سواء فى الاحتياج لله تعالى الرازق. وذلك يلغى الفكرة السائدة التى تجعل رزق الأولاد مرتبطا بسعى الأب ، لأنه طالما أن الله تعالى هو الرازّق فإن سعى الأب في الرزق مهما سعى مرهون بالنجاح والفلاح والمكسب، وذلك في علم الله وتقديره ، وهو جل وعلا الذى يبسط الرزق لمن يشاء أو يقدره . والله تعالى يخبرنا بأنه يراعى في ذلك وجود الأبناء ، بل ويجعل وجود الأبناء سبباً إضافياً لزيادة الحصة في الرزق المقدر للإنسان.
4 ـ الله سبحانه وتعالى ينعى على أولئك الذين يقتلون أبنائهم بسبب الفقر أو خشية احتمال الفقر، فقال : ( قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمْ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (140)الانعام ) ، فالله سبحانه وتعالى يصف الذين يقتلون أبنائهم بأنهم خسروا، وبأنهم سفهاء مفترون على الله وضالون وغير مهتدين ، وأنهم حين قتلوا أولادهم قد حرموا ما رزقهم الله جل وعلا ، أى أن الذرية رزق من الله أو سبب من أسباب الرزق.
5 ـ وقد يقال أن قتل الأولاد خشية الفقر وقتل البنات خوف العار عادات سيئة انقرضت وأصبح التشريع القرآنى بشأنها يدخل ضمن التاريخ الماضى الذى لا شأن له بعصرنا الراهن. إلا أن معطيات عصرنا تؤكد أن ما سبق عادات إنسانية سيئة لا تزال موجودة ، بدليل الكراهية لإنجاب البنات وشيوع الإجهاض وخوف العار أو خوف الفقر، وخصوصاً إذا علم أن الجنين أنثى كما في الصين.
ثانيا : الإجهاض : متى يكون الإجهاض حراما وقتلا للنفس ؟
خلق الأنفس ، ثم دخول كل نفس جسدها ( الجنين )
قال جل وعلا :
1 ـ ( وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنْ السَّاجِدِينَ (11) الأعراف ). هنا خلق الأنفس كلها مرة واحدة قبل خلق آدم ، ثم أمر الملائكة بالسجود له . وفى هذا الخلق للأنفس كان تصوير كل نفس بملامحها .
2 ـ ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً) (1) النساء ). كانت نفسا واحدة ثم انبثقت منها كل الأنفس ، كل نفس لها ملامحها الخاصة.
3 ـ ( وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ ) (98) الانعام ). كل نفس بشرية فيها مستقر لما سبقها من أنفس ، وهى مستودع لما سيأتى بعدها من أنفس . وكل نفس بشرية تدخل الجنين المقدر لها سلفا في الموعد المحدد ، وفى موعد محدد تولد إنسانا بنفس تسيطر على جسدها ، وفى موعد محدد تفارق هذا الجسد نهائيا بالموت أو بالقتل .
4 ـ ( هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (6) آل عمران ). الجنين في الرحم يأخذ صورة النفس بمشيئة الخالق جل وعلا .
5 ـ ( يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (37) عبس ) . لأن كل نفس تحمل ملامح جسدها فإن الأنفس في الآخرة تتعارف ، فيعرف الشخص أخاه ووالديه وبنيه وزوجته.
هذه النفس البشرية يحرم قتلها ظلما وعدوانا
تكرر تحريم قتل (النفس ) البشرية البريئة في قوله جل وعلا :
1 : في الوصايا العشر : ( وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151) الانعام )
2 : في وصايا للمؤمنين : ( وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ) (33) الاسراء )
3 : في صفات عبد الرحمن ( وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ) (68) الفرقان )
في موضوع الجنين فهل فيه ( نفس ) أي دخلت فيه ( نفس ) أم لا يزال كتلة من الخلايا تتكاثر وتتشعب ولم تصل الى مرحلة دخول النفس فيها . يكون الإجهاض قتلا إذا كانت فيه نفس ، أي أصبح الجنين انسانا ، لكن لم يحن بعدُ خروجه الى النور .
متى تدخل النفس في الجنين ويصبح بها إنسانا ؟
يقول سبحانه وتعالى :
1 :( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ ) الحج 5 ).
2 : ( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14) المؤمنون ).
نلاحظ :
1 ـ ( العلقة ) تكون في الأسبوع الرابع من الحمل حين تلتصق النطفة بجدار الرحم وتتعلق به. ثم تستمر الخلايا بالانقسام لتصبح قطعة لحم صغيرة ، أو ( مُضغة ) ويتكون حولها كيس الحمل ( المشيمة )، أو كما قال جل وعلا : ( ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ ) الحج 5 ). الجنين داخل هذا الكيس ينمو ، وتبدا أعضاؤه في الظهور مع الأسبوع الخامس الذى يبدأ فيه تكون العظام .( فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ) . أي تتَحَوّل قِطعَةِ المُضغَة وَهِيَ عِبارَة عَن قِطعَةِ لَحِم إلى هيكَل عَظمِي فِي الأسبوع السابعِ تَحديداً ليكُونَ على شَكلِ صُورَةٍ آدَميّة. في هذا الأسبوع السابع ، يتضاعف حجم الجنين ثلاث مرات، ويتشكل الدماغ ، بما يمكن تسجيل موجاته ، وينمو الدماغ بشكل أكثر تعقيدًا، وتتكاثر الخلايا العصبية بمعدّل مذهلٍ قد يصل إلى 100,000 خلية في الدقيقة، وينبض القلب بانتظام بمعدل 150 نبضة تقريبًا في الدقيقة أي بما يعادل ضعف متوسط معدل ضربات قلب البالغين، وتتطوّر ملامح وجه مميزة للجنين. وَيبقَى هذا الطور إلى نِهايَةِ الشهر الثاني (الأسبوع الثامن)، وَيبدأ بعدَها تَكوّن الجنين ونشأتهِ، وينتَهِي طَورِ الأجنّة بِحَسَبِ ما يَصِفَهُ العُلماء.
2 ـ ( ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ ). فِي بِدايَةِ الأسبوع التاسع تُصبِحُ الأعضاء جاهِزَةً بأن تَقُومَ بِوظائِفِها، وفي هذِهِ المَرحَلَة تدخل النفس في الجنين بَعدَ مرورِ أربعةِ أشهر من الحمل فيصبح إنسانا مختلفا ( خلقا آخر ) عن وضع الجنين الذى كان مجرد قطعة لحم حيّة ـ كأى كائن حى مثل الدودة أو الأميبا . هنا أصبح ذلك الكائن الحى داخل الرحم إنسانا داخله ( نفس ) . يكون الإجهاض هنا قتلا للنفس . الجنين قبل ذلك لم يكن إنسانا ذا نفس ، لذا لا يكون الإجهاض في هذه المرحلة قتلا للنفس. الإجهاض يكون قتلا بعد مرور أربعة أشهر من الحمل.
ثالثا : تحديد أو ( تنظيم ) النسل
1 ـ زيادة النسل مرغوبة مطلوبة في مجتمع حُرّ ديمقراطى ونشاط اقتصادى تحكمه الشفافية والمُساءلة . الانسان هنا أساس التنمية والرقى ، فهو بالتعليم والتدريب والتأهيل يكون منتجا للثروة . هناك دول فقيرة في الموارد وفقيرة في عدد السكان مثل سويسرا وإسرائيل ودول اسكندنافيا ، ولكنها تحقق الدخل الأكبر بسبب ( جودة الانسان فيها ) ، وهناك دول كثيفة السكان وكبيرة في الموارد ولكن تعانى من الفقر والتخلف ، مثل دول المحمديين .!.
2ـ في دول الاستبداد التي تعانى من كثافة السكان وزيادة المواليد يعمل المستبد على تحديد النسل لأنه يراه عبئا عليه . إن المستبد يحتكر هو وقومه المترفون الثروة والسلطة ويتداولون الفساد فيما بينهم ، ولا ينفقون على التعليم والخدمات ، ويرون زيادة المواليد عبئا على الميزانية الدولة التي هي في جيوبهم . ينفقون البلايين بذخا وإسرافا ومشروعات وهمية ودعائية ، ولا ميزانية حقيقية للتعليم والرعاية الاجتماعية والصحية . المستبد هو أعدى أعداء الشعب ، وهو الأخطر على أطفال الشعب .
أخيرا
هذا فيديو عن تجميع أطفال الشوارع في مصر وقتلهم وبيع أعضائهم :.
https://www.youtube.com/watch?v=vtgXXBvRhBU
لو كان ما فيه صحيحا فإن عبد الفتاح السيسى قد تجاوز كل مستويات الاجرام .

الفصل الثالث :
العفة الجنسية حماية للأطفال
خطورة الزنا على الأطفال
1 ـ الزنا أكبر عدو للأطفال . إذا شاع الانحلال الخلقي في مجتمع شاعت معه الأسر المحطمة والبائسة والمشاكل داخل الأسرة . الزنا حين ينتشر لا يهدد فقط وجود الأسر السعيدة حين يغوى الزوج والزوجة ولكنه أيضاً يمنع تكوين العلاقة الزوجية في الأساس حين يصبح الزواج أمراً مكروهاً والحياة المنطلقة المتحررة البهيمية أمراً مطلوبا .
2 ـ وتتجلى خطورة الزنا قرآنيا في :
2 / 1 : أنه بعد النهى عن قتل الأولاد يأتي الأمر بعدم الاقتراب من الفواحش . يقول جل وعلا:
2 / 1 / 1 : ( وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئاً كَبِيراً (31) بعدها : (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً (32) الاسراء )
2 / 1 / 2: ( وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ) بعدها : ( وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ) (151) الانعام )
2 / 2 : وصف الزنا بأنه ( وَسَاءَ سَبِيلاً )، أي إن تأثيره سىء على المجتمع ، وهذا يتجلى في شيوع الأمراض الجنسية ووجود أطفال غير شرعيين و( أطفال الشوارع ) يكونون عبئا ونقمة على المجتمع ويشكلون خطورة عليه ، تنتشر فيهم الأوبئة وبهم تتكون جماعات من المجرمين ، بل قد ينتج عنه جرائم التخلص من الطفل غير الشرعى بالاجهاض أو بالقائه بعد ولادته في أي مكان ، وهذا شائع معروف . الأطفال هم أبرز الضحايا لجريمة الزنا ، سواء كانوا أطفالاً شرعيين انفصل أبواهم بسبب الزنا، أو كانوا أطفال غير شرعيين عاشوا يحملون حقداً على المجتمع الذى احتقرهم بسبب لا دخل لهم فيه.
رؤية قرآنية في الحدّ من انتشار الانحلال الخلقى حماية للأطفال
1 ـ ممارسة الجنس غريزة لدى الحيوانات والانسان ، وبها يستمر النوع . الحيوان يمارسها بلا محاذير شرعية شأن الأكل والشرب . أما في الانسان فعليه محاذير وتشريعات ومحرمات في الطعام وممارسة الجنس . كل من الانسان والحيوان لا يملك جسده ، ولكن الحيوان مُسخّر مخلوق للإنسان ، أما الانسان فهو مملوك بجسده ونفسه للخالق جل وعلا ، ولكن ابتلاه الخالق جل وعلا بالحرية في الطاعة أو المعصية . أباح له جل وعلا الأكل من كل الطعام وحرّم عليه أنواعا معينة ، وأباح له الزواج بأكثر من واحدة ،وحرّم العلاقات الجنسية خارج اطار الزواج . ويلاحظ سهولة تشريع الزواج ، وتشريعات القرآن الكريم في حل الخلافات الزوجية ، وهذا موضوع طويل سنتعرض له في كتاب قادم بعون الله جل وعلا عن تشريعات المرأة بين الإسلام والدين السُنّى .
2 ـ ولا يمكن مطلقا في أرض الواقع منع الزنا ، وقد فشلت في ذلك القوانين الوضعية ، والمذاهب الدينية المتزمتة . هناك مجتمعات متحررة جنسيا تؤمن بأن الانسان يملك جسده ، وله حرية التصرف فيه . وعلى النقيض هناك مجتمعات الحجاب والنقاب ، وتحت النقاب تسود العلاقات الجنسية العادية والشاذة .
3 ـ ونعطى هنا رؤية قرآنية سريعة للحدّ من تحول جريمة الزنا الى انحلال خلقى يدفع ثمنه الأطفال .
التوبة
العقوبة سبيل للردع والإصلاح بإسقاط العقوبة على من يتوب
1 ـ ليس الرجم ولكنه ( الجلد) عقوبة للزانى والزانية ، فإذا تابا سقطت العقوبة ، فالعقوبة ليست للانتقام ولكن للإصلاح . وهناك أيضا عقوبة القذف بالزنا للمحصنات ، وتسقط أيضا بالتوبة ، قال جل وعلا : ( سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (1) الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ (2) الزَّانِي لا يَنكِحُ إلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (3) وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ (4) إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5) النور ).
2 ـ وهناك عقوبة سلبية لمن تشتهر بالفاحشة دون ضبطها متلبسة ، بعد أن يشهد أربعة عليها يكون حبسها الى أن تتوب أو تموت ، وبالتالي تكون التوبة هي الحل الأمثل . قال جل وعلا : ( وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً (15) النساء )
3 ـ تقسيم الذنوب الى صغائر من السيئات وكبائر . ومن يجتنب الكبائر ( كالزنا ) يغفر له الله جل وعلا . قال جل وعلا : ( إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً (31) النساء )
3 : تحريم جريمة الزنا ومقدماته ، وغفران ( اللمم) أي مقدمات اللمم لمن يجتنب الزنا .
3 / 1 : فى تحريم لكل مقدمات الزنا يأتي معنى : ( لا تقربوا ) و ( اجتنب ). قال جل وعلا :
3 / 1 / 1 : ( وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى ) (32) الاسراء )
3 / 1 / 2: ( وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ) (151) الانعام )
3 / 3 / 3 : ( وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ )(37) الشورى )
2 / 3 / 4 :( قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ )(33)الأعراف )
3 / 2 : ويأتي بتحريم أي نشاط جنسى خارج الزواج . قال جل وعلا :
3 / 2 / 1 :( قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ (7) المؤمنون )
3 / 2 / 2 : ( وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (29) إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (30) فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ (31) المعارج ). أي إن كل نشاط جنسى ـ قلّ أو كثُر ــ هو حرام طالما كان خارج العلاقة الزوجية الحلال .
3 / 3 : ولكن يستحيل على الانسان الامتناع تماما عن اللمم أو مقدمات الزنا ، فذلك ( يلُمُّ ) بكل البشر ، يفكر فيه ، يمارسه مع نفسه ( الاستمناء ) يقترب من الزنا بالملامسة والتقبيل ..الخ دون الزنا الكامل المعروف . هذا ( اللمم ) حرام ولكنه من السيئات التي يغفرها الله جل وعلا إذا إجتنب الانسان كبائر الإثم والفواحش أي الزنا . قال جل وعلا في صفات الذين الحسنى والذين سيجزيهم جل وعلا بالحسنى : ( وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى (31) الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُمْ مِنْ الأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ اتَّقَى (32) النجم ). فالذين أحسنوا لا يخلو أحدهم من الوقوع في اللمم ، ولكن يغفره الله جل وعلا ، وهو الأعلم بنا ( أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14) الملك )
4 ـ باب التوبة مفتوح لمن يقع في الزنا ثم يتوب توبة نصوحا . خصوصا لمن يسارع بالتوبة مبكرا . قال جل وعلا :
4 / 1 : ( وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (136) آل عمران ). هنا أمر بالمسارعة الى التوبة وطلب المغفرة . الله جل وعلا يغفر لمن وقع في الفاحشة فعلا ، وأسرع بالتوبة واستغفر ولم يكن لديه إصرار على العودة اليها .
4 / 2 : ( إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (17) النساء ). واضح إن هذا عن فترة المراهقة ، وفيها الجهالة . إذا تاب فهى توبة قريبة .
4 / 3 : ( وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (54) الانعام ). هنا توبة قريبة يعقبها إصلاح وعمل للصالحات .
4 / 4 : ( ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (119) النحل )
5 ـ الوصول الى منتصف العُمر ( الأربعين ) مؤشّر يوجب على الانسان أن يفكر في إصلاح نفسه والتوبة . قال جل وعلا : ( وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنْ الْمُسْلِمِينَ (15) الاحقاف )
6 ـ ويظل باب التوبة مفتوحا . قال جل وعلا :
6 / 1 : ( وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً (69) إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (70) وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَاباً (71) الفرقان ). هذا من ضمن صفات عباد الرحمن ، إنهم ( لا يزنون ) ، وإذا وقعوا في الزنا تابوا توبة نصوحا مرتبطة بتصحيح الايمان والعمل الصالح . ويغفر الله جل وعلا بأن يبدّل عملهم السيء القديم بالعمل الصالح التالى ، بالتالى لا يكون زانيا بل تائبا من عباد الرحمن .
6 / 2 : ( قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) الزمر ). أي لا ييأس الفرد من رحمة ربه الغفور الرحيم ، كل ما عليه أن يتوب ويعمل صالحا . قال جل وعلا في الآيات التالية : ( وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ (54) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ (55) أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنْ السَّاخِرِينَ (56) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنْ الْمُتَّقِينَ (57) أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنْ الْمُحْسِنِينَ (58) بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنْ الْكَافِرِينَ (59) الزمر ).
7 ـ عند الاحتضار على فراش الموت لا يقبل الله جل وعلا توبة الفاسق والكافر. قال جل وعلا : ( وَلَيْسَتْ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً (18) النساء )
8 ـ ونلاحظ في الآيات السابقة أن التوبة هي تعامل مع الله جل وعلا ، أي إصلاح للنفس من الداخل .
المجتمع الاسلامى المثالى يخلو من الانحلال الخلقى حماية للطفل .
قال جل وعلا :
1 ـ في صفات هذا المجتمع : ( فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (36) وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (37) وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (38) وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمْ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39) الشورى ). من ضمن صفاته إجتناب كبائر الإثم والفواحش .
2 ـ ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (12) الممتحنة ). كان النبى محمد عليه السلام يأخذ العهد على النساء الداخلات في دولته الإسلامية ألا يقعن في الزنا ولا في قتل أولادهن ، ولا نسبة مولود الى غير أبيه .
3 ـ ( إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (19) النور ) توعّد الله جل وعلا بعذاب أليم في الدنيا والآخرة كل من ( يُحبُّ ) أن يشيع الانحلال الخلقى في المجتمع المُسلم . والله جل وعلا هو الذى تكفّل بذلك ، وهو الذى يعلم ونحن لا نعلم . والعذاب الأليم يشمل الدنيا والآخرة . ويلاحظ أن التهديد بالعذاب على مجرد النية القلبية جاء مرتين فقط ، هنا فيما يخص ( حُبُّ إشاعة الفاحشة )، والأخرى فيمن يُريد بقلبه الالحاد والظلم في المسجد الحرام. قال جل وعلا : ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِي وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (25) الحج ).
ودائما : صدق الله العظيم .!!




الفصل الرابع :
رعاية المولود في فترة الرضاعة
أولا :
1 ـ كما وضع القرآن الكريم مراحل العمر من الحمل إلى الطفولة إلى الشباب فالشيخوخة، فقد وضع مراحل أخرى جزئية في فترة الطفولة. بعد الحمل تكون الولادة والتلازم بين الأم والوليد وينتهي هذا التلازم بالانفصال بينهما، فيترك الطفل بعد الرضاع ذراعى أمه ليجرى ويلعب ويكتشف ما حوله ، ويريد الخروج من البيت ، وهنا يبدأ مرحلة التنشئة والتعلم..
2 ـ والقرآن الكريم يلحق فترة الرضاعة بفترة الحمل، وبعدهما (ينفصل) الطفل عن أمه ويجرى بعيداً ويفك الحبل السرى بينه وبينها. يقول سبحانه وتعالى: ( وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ ) (14) (لقمان ). ( حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ ): هذا وصف بليغ لمشقة الحمل عند المرأة. ( وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ ) ، أى أن فترة الرضاعة والتلازم بين الأم والرضيع وتمام الرضاعة للمولود عامان كاملان، أو كما يقول سبحانه وتعالى: ( وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ )(البقرة 223). ومن حق الطفل أن يتمتع بصدر أمه أربعة وعشرين شهراً يظل فيها ملازماً لأمه وتحت رعايتها، وبعد هذه الفترة ينطلق يجرى ويلعب ويبدأ دورة جديدة من مراحل طفولته.
3 ـ وتشريعات الإسلام وضعت كل التدابير ليتمتع الرضيع الضعيف بكل حقوقه. والأغلب أن الأسرة السعيدة لا يجد الرضيع فيها مشاكل في موضوع الرضاعة. والأغلب أيضاً أن تأتي المشاكل للرضيع الضعيف حين تكون أمه منفصلة عن أبيه ، وقد أخذت حقوقها في النفقة أو المتعة من زوجها السابق، ولكن تشريعات القرآن الكريم تلاحق الزوج السابق وتلزمه بنفقة الرضيع والإشراف على تمويل رضاعته، سواء كان يرضع من أمه أو من مرضعة مستأجرة، ولذلك فإن الله جل وعلا يفرض أن تكون مدة الرضاعة حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة ، وعلى الأب أن ينفق على المرضعة بالغذاء والكسوة مدة الرضاعة، سواء كانت المرضعة أم المولود أم لم تكن، وأن تتدخل الجهات المختصة في تحديد مقدار النفقة لتكون بالمعروف دون مشقة على الأب ودون إضرار بالأم، وإن كان الأب متوفياً فعلى من يرثه أن يحل محله في المسئولية، وحين يريد الأبوان فطام الرضيع فلابد أن يكون ذلك القرار عن تشاور وعن تراض بينهما ، فلا يصح لأحدهما أن ينفرد بالقرار، أو أن يجبر الآخر عليه، وإذا اتفقا على استئجار مرضعة فلابد من أن تأخذ حقوقها بالمعروف . يقول جل وعلا :
3 / 1 ـ ( وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (233) البقرة 223 )
3 / 2 : وفى حقوق الزوجة في النفقة وموضوع الرضاعة وكرامتها وعدم التضييق عليها قال جل وعلا : (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى (6) لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً (7) الطلاق 6، 7).
4 ـ ومن عجائب القرآن الكريم أن يلحق فترة الرضاعة بفترة الحمل، وبعدهما ينفصل الطفل عن أمه ويصبح حراً طليقاً يلهو ويلعب ، يقول سبحانه وتعالى يجمع بين فترتى الرضاعة والحمل : ( وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً )(15) الأحقاف )
إن أقل مدة للحمل ستة أشهر، وأقصى مدة للرضاعة عامان، ومجموع مدة الحمل والرضاعة معاً ثلاثون شهراً. وبعدها يكون الفصال والانفصال بين الأم ووليدها.. وقبل هذا الفصال بينهما كان المولود معتمداً على غذائه عن طريق الحبل السرى وهو جنين، ثم عن طريق ثدى أمه وهو رضيع، وكانت تحمله في أحشائها وهو جنين ثم أصبحت تحمله على كتفها وبين ذراعيها وهو رضيع.. ثم يبدأ الانفصال بينهما.
5 ـ والتعبير القرآنى : ( وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً ) غاية في الاعجاز . نفهم هذا من عكس كلمة ( الفصال ). وهو أن يكون الطفل جزءا من أمّه ، وهذا يكون على مرحلتين : في الحمل يكون جزءا داخليا في رحم الأم ، يتغذى من خلال الحيل السرّى ، ثم بعد ولادته إذ يظلُّ جزءا من الأمّ يتغذى من ثديها . الفارق هو في مشاعر الأم . في وقت الحمل والولادة آلام ووهن على وهن ، ثم هي لا تحسُّ بطفلها ولا تراه ولا تلمسه . يتغيّر هذا بمجرد الولادة، ليس هناك ما يعدل فرحة الأم وراحتها وهى تضم وليدها لأول مرة، وحين يلمس جسده جسدها ، وحين يبحث بفمه عن ثديها . وحين تلقمه ثديها تتفجر في داخلها ينابيع الحنان ، ويرتبط هذا الحنان بفيضان اللبن لرضاعته . فترة الرضاعة أروع فترة في حنان الأم وعلاقتها برضيعها . لا نجد أروع من قوله جل وعلا :
5 / 1 ـ ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (2) الحج ). وقت قيام الساعة فقط هو وقت ذهول المرّضعة عما أرضعت. قبل ذلك يكون تركيز المرضعة على رضيعها حنانا واهتماما .
5 / 2 ـ ( وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنْ الْمُرْسَلِينَ (7) فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ (8) وَقَالَتْ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (9) وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغاً إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ (10) القصص ). في هذه الآيات الكريمة وصف لحال أم موسى ، جاءها الوحى الالهى أنها إذا خافت عليه فلا تضمُّه الى صدرها ، بل تلقيه في نهر النيل . هذا مع التأكيد الالهى لها بحفظه وأنه لا داعى لأن تخاف عليه ولا أن تحزن . ومع ذلك أصبحت في حاجة لأن يربط الله جل وعلا على قلبها. هي لم تعلم إن الله جل وعلا أرسل الطفل الصغير الى قصر الفرعون رأسا ليتولى الفرعون رعايته .
6 ـ وتدبرا في قوله جل وعلا : ( يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ ) نلاحظ أنه جل وعلا لم يقل ( تذهل كل أمّ عما أرضعت ). التعبير بالمرضعة يشمل من تقوم برضاعة الطفل من غير الأم . ليس الرضاعة المؤقّتة السريعة بل رضاعة شرعية تستمر الى حولين كاملين أو أقل قليلا . نلاحظ هنا أنه لا مشكلة بالنسبة للأم الوالدة التى ترضع طفلها، فهى أمه بالولادة وأمه بالرضاعة ، ولكن المشكلة في الأم التى أنجبت وعجزت عن إرضاع طفلها الوليد فاحتاج إلى مرضعة أخرى تكمل معه المشوار إلى أن يتم الانفصال. هنا يكون للطفل أمان، أم والدة، وأم مرضعة. لأنه بالفعل سيكون ابناً للأم الأخرى التى لم تنجبه ولم تقم إلا برضاعته وتغذيته من لبنها وصدرها. فاللبن الذى يرضعه منها يدخل في استكمال جسده وفي تكوين مخه، وإذا كان وزنه عند الولادة خمسة كيلو جرامات أخذه من أمه الوالدة، فإن وزنه بعد اتمام مرحلة الرضاعة سيتضاعف ، وذلك الوزن الأساس المُضاف في جسده ومخه أتى إليه من جسد تلك المرضعة ومكونات لبنها ، أى أصبحت شريكة فيه مثل أمه التي أنجبته تماماً. بالإضافة إلى أن الرضاعة ليست مجرد تغذية بيولوجية ، بل هى جرعة حب وحنان وأحضان، وعلاقة حميمة بين الرضيع ومرضعته تخفق فيها القلوب والعقول. ومن الطبيعى أن ذلك كله لا يمكن أن يأتى في حالة رضعة واحدة أو بضع رضعات وإنما بفترة رضاعة كاملة ينشأ فيها الطفل وقد أعتبر تلك المرضعة أماً له. يتلهف لمرآها ويصرخ طالباً ثديها ويسعى حبوا لها ويفتح عينيه يطلب منها الغذاء والأمان والحب والحنان أى يعتبرها أمه ،ويعتبر بناتها مألوفين له مثل أخواته من أمّه الطبيعية التي ولدته .
7 ـ هذه الأم المرضعة هى التى جعلها رب العزة جل وعلا من المحرمات في الزواج ، وألحق بها ابنتها . حرّم اللله جل وعلا زواج رضيعها منها شأنها شأن الأم التى أنجبت، بل وحرم القرآن الزواج من ابنتها، لأنها أخت في الرضاعة.. يقول سبحانه وتعالى: ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمْ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنْ الرَّضَاعَةِ ..)(23) النساء ) أى يحرم زواج الأم المرضعة والأخت التى أنجبتها المرضعة أيضاً، ولم يقل رب العزة جل وعلا ــ وهو الأعلم بما خلق : "النساء اللاتى أرضعنكم" وإنما قال : ( وَأُمَّهَاتُكُمْ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ ) ليؤكد جل وعلا على أن المرضعة التى يحرم الزواج منها هى التى أصبحت مثل الأم، أي التى قامت بالإرضاع طيلة مدة الرضاعة حتى اعتبرها الرضيع أمه وناداها بذلك بعينيه وصراخه ولهفته وتعوده عليها ، فأصبحت أُمّه بهذا التلازم، وأصبحت بناتها أخوات لذلك الرضيع يحرم عليه الزواج منهن .
8 ـ ومن التعبيرات المأثورة أن يقول الأخ لأخيه (يابن أمى) وذلك ما قاله نبى الله هارون لأخيه موسى حين غضب موسى على أخيه هارون بعد أن رجع موسى من لقاء ربه فوجد بني إسرائيل قد عبدوا العجل الذهبي ووجد أخاه هارون عاجزاً معهم ، فأخذ برأس أخيه يجُرُّه إليه غاضباً، حينئذ قال هارون : ( قَالَ يَبْنَؤُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي )(94 ) طه ) ( قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِي الأَعْدَاءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (150)(الأعراف ). أى أن هارون في هذا الموقف العصيب أخذ يذكّر أخاه بالأم الطيبة (أم موسى وهارون ) التي رعتهما وأرضعتهما . لم يقل ( يا ابن أبى ). وللعلم فلا نجد ذكر أب موسى في قصة موسى ، فالبطولة المطلقة من مولده الى أن كلّمه الله جل وعلا عند جبل الطور كانت للنساء؛ وهنّ : أم موسى ، أخت موسى ، المراضع ، زوجة فرعون ، ثم الفتاتان، وإحداهما أصبحت زوجته .
أخيرا :
1 ـ فارق هائل بين روعة الإسلام في موضوع الرضاعة وهجص الدين السُّنّى فيها حيث أختلفوا في عدد الرضعات وقالوا برضاعة الكبير ، وكنتُ أول من أثار موضوع رضاعة الكبير في مصر، وقد زاد هذا بعض شيوخ الأزهر طغيانا وكفرا فانبروا في وسائل الاعلام يؤكدون صحة حديث البخارى في رضاعة الكبير ، فأثاروا سخرية الناس . هم من ( شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ ) ينطبق عليهم قول الله جل وعلا : ( إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ (22) وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23) الأنفال ).
2 ـ وهذا يطرح سؤالا : الى متى تحتفظ مصر بالأزهر ؟ لقد قضيت ثلاثين عاما أقوم فيها بتطهير عقلى بالقرآن الكريم من رجس الأزهر .. الى متى يظل رجس الأزهر عارا على جبين مصر ؟

الفصل الخامس :
تعليم الطفل : ( صناعة الانسان )
أولا :
1 ـ هناك قبائل بدائية تعيش منعزلة في مجاهل غابات الأمازون ، لم يتغير حالها من مئات القرون ، ترفض التواصل مع الغرباء ، وتتمسك بما عاشت عليه . نفترض أن بعثة مستكشفين أخذوا طفلا رضيعا من احدى هذه القبائل ، ونقلوه ليعيش في لندن ، ليتعلم فيها كبقية أطفالها ، سينشأ في لندن طفلا انجليزيا ، لا يختلف في سلوكياته ومعيشته عن بقية الأطفال . وحين يبلغ أشُدّه سيكون شابا انجليزيا ، وهكذا في مراحل حياته الى الموت . سيكون مختلفا عن بقية أهله في تلك القبيلة الأمازونية . هنا طفل وُلد في مكان متخلف، ثم انتقل الى مكان مُتحضّر ، فتمت صناعته وفق تعليم هذا المكان المتحضر .
2 ـ يتأسّس الطفل على ما تعلّمه وما تشرّبه من بيئته الأولى . في سنواته الأولى يكون مثل الاسفنجة يتشرب سريعا ما يسمع وما يرى وما يحس ، ويقوم بتخزين ذلك في ذاكرته ، ويتطور عقله وفق المعطيات السارية في بيئته ، فإن نشأ في قرية صعيدية عاش بنفس القيم ونفس اللهجة ، وشبّ صعيديا ، يرى الأخذ بالثأر فرضا لا بد من الوفاء به مثلما تشرّب من بيئته ، وإن نشأ في السويد كان سويديا حتى لو جىء به من موزمبيق !.
3 ـ يولد الطفل ضعيفا جسديا في أي زمان وفى أى مكان . يختلف وضعه حسب ما يتعلمه من مجتمعه . إن كان مجتمعه متحضرا قويا تعلم في طفولته كيف يكون واعيا قويا معتمدا على ذاته يعرف حقوقه مستعدا لأن يدافع عنها بحياته ، ومدركا أن قوته هي بقوة الآخرين من نفس القوم والوطن ، وهم معا شركاء متساوون في نفس الوطن ، وبالتالي يكون الوطن ديمقراطيا لا سبيل لوجود فرعون فيه . إن كان مجتمعه متخلفا تعلم منه ثقافة الاستبداد والاستعباد والاستبعاد ؛ أن يخضع لمن فوقه ، وأن يستأسد بمن هو دونه ، وأن يستبعد الآخر المختلف عنه في العرق والدين والمذهب ، وأن يعيش بالمذهب القائل : أنا وبعدى الطوفان .
4 ـ لنتخيل أن مصلحا ذهب الى هذه القبيلة الأمازونية المنعزلة وحاول إصلاحها وتعليمها . سيقف ضده زعيم القبيلة وساحر القبيلة . الزعيم هو الفرعون ، والساحر هو الكاهن . وهما معا أكابر المجرمين المتحكمين في القبيلة ، ويرون بقاءهم في استمرار ( الثوابت ) التي توارثوها من أسلافهم ، أي عبادة ما وجدوا عليه آباءهم و ( السلف الصالح )، وهم على آثار أسلافهم ( يهرعون ) كما قال رب العزة جل وعلا ( إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ (69) فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ (70) الصافات ) . بهذه الثوابت الدينية الاجتماعية ـ التي تعلموها أطفالا ونشأوا وعاشوا بها وعليها كبارا ــ أصبح لهم النفوذ والقوة فوق مجتمع ضعيف متهالك ، أصبحوا المترفين ينهشون شعبا من المستضعفين . لا فارق هنا بين قبائل الأمازون وقبائل المحمديين في مصر والعراق والسعودية ولبنان وليبيا .الخ ألخ . ولقد جعلها رب العزة جل وعلا قاعدة سارية فوق الزمان والمكان ، أن القلة المُترفة إنما تكتسب ثراءها وسطوتها بالحفاظ على الثوابت الدينية المتخلفة ، قال جل وعلا : ( بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ (22) وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ (23) الزخرف ). لذا لا بد في هذه المجتمعات المتخلفة أن يتعلم أطفالها ثوابتها الدينية ، وممنوع عليهم النقاش ، وإذا كان هناك تعليم فهو تعليم الجهل بتقديس الخرافة والبشر والحجر ، وعبادة الأبطال في السياسة ودينهم الأرضى . لا بد أن يكون العلم تحفيظا وتلقينا دون تعقل وتساؤل وابتكار . بهذا يكبر الطفل ويتطور جسديا من الشباب الى الشيخوخة وقد تجمّدت عقليته وتخشّبت في طفولة عقلية . إذ ارتبط التخلف العقلى بدين أرضى ، وقد تمر عشرات القرون وهم تحت سيطرة الفرعون والكهنوت كما حدث في العصور المظلمة في أوربا ، وكما يحدث حتى الآن في كوكب المحمديين . والمثل الأعلى في غابات الأمازون . هنا وهناك ترى عقلية الأطفال المتخلفة لا فارق بين طفل وشاب وكهل . جميعهم ( لا يعقلون ).!!
5 ـ هناك ما يعرف بالصدمة الحضارية التي يعانى منها المهاجرون المحمديون الى الغرب . في طفولتهم نشأوا على ثقافة التخلف ، ثم هاجروا للغرب فصعقتهم ثقافة جديدة تستلزم أن يتأقلموا معها . لو أنجب أحدهم طفلا في بيئته الجديد فسينشأ طفله وقد استوعب البيئة الجديدة في المدرسة وفى الشارع ومع أصحابه ، بينما يظل أبواه في منطقة الحيرة بين ثقافة متأصلة فيهم منذ الطفولة والبيئة الجديدة الى لا بد أن يتكيفوا معها . وقد تكون هذه مشكلة بين الوالدين والأبناء ، وربما تقيم حاجزا بينهم . ونعطى أمثلة :
5 / 1 ـ مهندس كومبيوتر من أعماق الصعيد استقر في أمريكا ، وتعرف على شخص من بلدياته وتصادقا ، ولأن هذا المهندس لا يريد أن يتزوج أمريكية لا يفهمها ولا تفهمه فقد تزوج شقيقة صديقه ، وجاء بها من القرية لتعيش معه في شقة اشتراها في منطقة راقية ، ومنعها حتى من الاتصال بشقيقها ، وجعلها تعيش ثقافة الصعيد في البيت ، لا تعرف عن أمريكا شيئا . وكان سعيدا بهذا ، يشعر أنه يملكها ، فهى تعتمد عليه في كل شيء ، وهذا ما تعلمته في طفولتها ، وهذا هو أيضا ما تعلمه في طفولته . عاشا بلا مشاكل الى أن أُصيب المهندس في حادث سير . ووجدت الزوجة المسكينة نفسها غارقة . استنجدت بشقيقها تطلب أن ترجع لقريتها ، فرفض ، وذكّرها بعادات الحداد القاسية هناك والحياة الخانقة التي تنتظرها لو رجعت للقرية ، وظل معها يراجع الفواتير والمستحقات ويعلمها الإنجليزية وكيف تشترى وكيف تتنقل ثم كيف تقود السيارة الى أن رسا بها على حافة التأقلم . هذه الزوجة صناعة صعيدية وأبقاها زوجها على ما نشأت عليه في طفولتها .
5 / 2 ـ اللاجئون المحمديون يتمتعون في الغرب بما يحسدهم عليه أهاليهم في بلادهم الأصلية . ولكن معظم هؤلاء اللاجئين الذين لم يتكيفوا مع ثقافة الغرب وهم يعالجون هذا النقص بكراهية دينية مقدسة للغرب الذى أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف ، تراهم يستغلون الحرية التي يتمتعون بها ــ والمحروم منها أهاليهم في بلادهم الأصلية ـ في المظاهرات الصبيانية التي تطالب بتطبيق شريعتهم السنية ، أو بالصلاة الجماعية في الشارع ليعطلوا المرور . تصرفات صبيانية تؤكد أنهم لا يعيشون المراهقة العقلية بل الطفولة المتخلفة التي نشأوا عليها باعتبارها ثوابت دينية . وهم في تمسكهم بها قد يندفعون الى أعمال إرهابية . هم قد تمت صناعتهم في طفولتهم على كراهية الغرب ، واصبح هذا دينا لديهم ، ولا تزال ثقافة طفولتهم حيّة فيهم .
6 ـ إن تنشئة الطفل بتعليم حقيقى يعنى مستقبل أمة قوية . وتنشئته بتعليمه الجهل وتقديس الثوابت وأن ( يعضّ عليها بالنواجذ ) لن يصنع إلا ما هو ماثل اليوم في كوكب المحمديين . وحتى لو هاجر بعضهم بهذه الثقافة المتخلفة فسيكون صعبا عليه التخلص من أوزارها . لأن الشعار الذى يتمسك به هو ثوابت ( الأمة ) أو : ( إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ (23) الزخرف ).
ثانيا : نعطى بعض أمثلة لما يفعله تعليم الطفل
1 ـ انجلترة برغم قلة عدد سكانها من قرنين فقد أصبحت امبراطورية لا تغيب عنها الشمس ، من أمريكا وكندا الى الهند وأستراليا مرورا بالشرق الأوسط . حدث هذا بعد تحول ديمقراطى ونهضة تعليمية . عدد سكان انجلترة عشرات الملايين ، ولكن مستعمراتها بمئات الملايين ، ولكنهم أصفار على الشمال .!
2 ـ اليهود هم بضع وعشرون مليون نسمة فقط ، ولكنهم يسيطرون على العالم علميا وإعلاميا واقتصاديا وسياسيا . السبب هو تعليم الأطفال . حافظ اليهود على تراثهم التوراتى في بيوتهم وفى حاراتهم ومؤسساتهم الدينية ، وساعدهم هذا في تماسكهم وشعورهم بالتميّز . ونشّأوا أطفالهم على هذا. يتعلم الطفل اليهودى عدة لغات بجانب لغة الوطن الذى يعيش فيه ، ويستوعب أضعاف غيره في العلم والتعليم . اليهود في سيطرتهم على الغرب أسّسوا دولة إسرائيل ، ولأن مصر هي الأكبر والأكثر سكانا فقد حرصوا على تحطيمها من الداخل . وستثبت الأيام أنهم هم الذين صنعوا فراعنة مصر من عبد الناصر الى السيسى ( وربما من سيأتى بعدهم ) . ولقد بات واضحا الآن أن عبد الناصر هو الذى أنهزم أمامهم طواعية عام 1956 ، وعام 1967 ، والشعب المصرى في طفولته العقلية كان ـ ولا يزال ــ يقدس هذا الفرعون الذى صنعته إسرائيل . قبل عبد الناصر وحكمه العسكرى كانت أنجلترة التي تحتل مصر مدينة لمصر ب 55 مليون جنيه استرلينى . ( كم يساوى هذا المبلغ في أيامنا هذه ) . الآن تمخّض جبل عبد الناصر فولد فأرا اسمه السيسى ، وقد بلغت ديون مصر في عهده مئات البلايين من الدولارات ، وأصبح يستدين ليس لسداد الديون بل لدفع فوائد الديون ، ومطلوب من الأجيال القادمة أن تسدد هذه الديون . حكومة إسرائيل تحرص على حياة الفرد الاسرائيلى ، بل تحرص على دفنه في إسرائيل لو مات أو قُتل خارج إسرائيل . والعسكر المصرى ـ المنهزم دائما ـ ينتصر ــ دائما ــ على الشعب المصرى الأعزل ، ولا يتورع هذا العسكر عن إقامة المذابح للمصريين ، لارهابهم والمزيد من خنوعهم . إسرائيل بعدد سكانها وقلة مسحتها هي جزيرة صغيرة وسط محيط شاسع في كوكب المحمديين . هذا من حيث الكمّ والعدد والمساحة . ولكن من حيث الكيف فهى الأكبر . عدد الإسرائيليين بضع ملايين ، ولكنهم لا يواجهون سوى حوالى عشرين من الأفراد فقط ، هم عدد الفراعنة في كوكب المحمديين . الشعب المصرى الآن يزيد قليلا عن مائة مليون ، ويعيش منهم مائة مليون ( فقط ) في ثقافة الاستبداد والاستعباد والاستبعاد ، يرقص ــ بلا وعى ــ على أنغام العسكر ..والأزهر ..
3 : بين سويسرا ونيجيريا
3 / 1 ـ سويسرا : عدد السكان 8 مليون ونصف المليون تقريبا . متوسط عُمر الفرد حوالى 82 عاما . الناتج المحلى لانتاجية الفرد حوالى 80 الف دولار أمريكى في العام . الدولة السويسرية مؤسسة على الديمقراطية المباشرة وسُلطة الشعب على دور البرلمان في سنّ القوانين . من الصعب أن يعرف العالم خارج سويسرا إسم رئيس الاتحاد السويسرى ، ولكن المشهور عن سويسرا أنها دولة فقيرة الموارد صعبة المناخ ، ومن أغنى دول العالم . السبب هو الشعب السويسرى والفرد السويسرى والتعليم السويسرى .
3 / 2 ـ نيجيريا : عدد السكان حوالى 219 مليون ، متوسط العمر للفرد حوال 53 عاما ، الناتج المحلى للفرد حوالى 5 آلاف دولار في العام . هذا مع تنوع انتاجها الزراعى ، ووجود البترول والمعادن والأنهار والغابات ، ولكن تعانى من انحطاط التعليم وانتشار الجرائم والفساد والفقر والاضطرابات العرقية والدينية بين ( المحمديين والمسيحيين ) واهدار حقوق المرأة وحقوق الانسان . السبب هو الديقراطية المزيفة التي أنتجها وأسّسها إنتشار الأمّية وتعليم الجهل .
4 : من تانى : إسرائيل ومصر
4 / 1 : إسرائيل دولة ناشئة وصغيرة وقليلة السكان وضئيلة المساحة ، ولكن بدأت بانتخابات ديمقراطية وجلب اليهود المتعلمين من شتى بلاد العالم ، وتعيش في حالة توجّس من جيرانها وخوف على مستقبلها وتوقع عمليات ( إنتحارية ) ، أي في حالة حرب وطوارىء مستمرة ، ولكن لم يحدث أن فرضت قوانين للطوارىء . تعداد السكان حوالى 10 مليون ، منهم حوالى الخُمس من العرب الاسرائيليين . برغم ظروفها الأمنية والحربية فمتوسط عمر الفرد حوالى 82 عاما . الناتج المحلى للفرد حوالى 39 آلاف دولار في العام ، بسبب نفقات التسليح والرعاية الاجتماعية والإنفاق على التعليم والبحث العلمى ، وهى أكبر أول دولة في العالم في الإنفاق على البحث العلمى على المستوى الفردى، وتحتل المرتبة الخامسة في العالم في البرمجيات والاتصالات وعلوم الحياة ، ويوجد فيها 140 عالما لكل عشرة آلاف مواطن ، وهو أعلى رقم في العالم ، بينما يوجد في الولايات المتحدة 85 فقط .! ، وحصل فيها ستة على جائزة نوبل في العلوم من عام 2004 . والحديث في هذا يطول ، ولكنه يدخل في صناعة الانسان ، منذ طفولته ،وليس صناعة الديكتاتور .
4 : مصر : أقدم دولة في العالم ، وهى دولة محورية ، وفيها أكثر من 100 مليون نسمة ، وتزيد مساحتها عن مليون كم مربع ، وفيها إمكانات هائلة زراعية وسياحية ومناخية وثروات بترولية ومعدنية وبحرية . ولكن الناتج المحلى للفرد حوالى 12 آلاف دولار فقط في العام ، وبها أكبر نسبة فقر ، وأقل مستوى في جودة التعليم وفى حرية التعبير وفى الشفافية . ومتوسط العمر فيها حوالى 24 عاما فقط .! النظام العسكرى قام بتضييع الثروة المصرية وقهر المواطن المصري مع تضييع لجزيرتين مصريتين وحقوق مصر في غاز البحر المتوسط والنيل . ثم ما شاع مؤخرا عن قيام العسكر بخطف آلاف من أطفال الشوارع ، وقتلهم وبيع أعضائهم . وهذا يتسق مع إهمال متعمد للتعليم والصحة وإهدار البلايين المُقترضة من الخارج في رفاهية المترفين وترك مدارس الأطفال بلا مقاعد للجلوس عليها .
أخيرا
هيا بنا نلطم .!

تعليم الطفل إسلاميا في رؤية قرآنية
أولا : القابلية للتعلم في الطفل
خلق الله جل وعلا آدم وعلّمه الأسماء كلها : ( البقرة 31 ) . الأسماء هنا تعنى معرفة الشىء ، ثم تعريفه باسم خاص به . وبهذا التعليم توارث أبناء آدم القابلية للتعرف على الأشياء و ( المعرفة ) وتدوينها بالقلم ، والله جل وعلا هو الذى علّم الأنسان ما لم يعلم ، وعلّمه بالقلم : ( العلق 4 : 5 ) وهو جل وعلا الذى علّم الانسان البيان ، وهو الذى علّم القرآن ( الرحمن 1 : 4 ) .
ثانيا : الفطرة في داخلنا
ولقد أخذ الله جل وعلا العهد على الأنفس البشرية واشهدهم على أنفسهم أنه جل وعلا لا إله إلا هو ، سيسألهم عن هذا العهد يوم القيامة ( الأعراف 172 : 173 )( 60 : 61 يس ). هذا العهد هو الفطرة التي فطرنا الله جل وعلا عليها ( الروم 30 ) والتي يغطيها المشركون بتقديس البشر والحجر ، و( الكفر ) يعنى التغطية ، وجاءت كلمة الكفار ) بمعنى الزُّراع في الآية 20 من سورة الحديد ، لأن من يزرع ( يكفر ) أي يغطى البذرة بالتراب . ولكن الانسان عندما يتعرّض للخطر تستيقظ فيه هذه الفطرة المُغطّاة فيستغيث بربه جل وعلا ، وبعد النجاة من الخطر يعود الى كفره وضلاله : ( الانعام 63 : 64 )( يونس 12 ، 22 : 23 ) (الروم 33 ) ( الاسراء 67 : 69 ) ( لقمان 32 ) ( الزمر 8 ، 49 ).
ثالثا : النفس بين الفجور والتقوى
1 ـ سوّى الله جل وعلا النفس البشرية على الفجور والتقوى ، وله أن يطهرها ويزكيها ويرتفع بها ، وله أيضا أن يهبط بها لما دون الحيوان ( الشمس 7 : 10 ) . ولكن الفطرة المنيرة في داخله ــ مهما تكاثفت فيها ـ فتظل ( الضمير ) أو ( الأنا الأعلى ) الذى يتبين به الانسان الصواب ، إذا احتكم اليه ، فإذا كان ظالما فهو يرفض أن يقع عليه نفس الظلم الذى يوقعه بالمظلوم . بهذا يكون الانسان على نفسه بصيرة ، ولو ألقى معاذيره ( القيامة 14 : 15 ) . ـ هنا حرية الانسان في الطاعة أو المعصية ، وهنا أيضا الاختبار والابتلاء . وبهذا يتميّز الانسان على الحيوان ، فليس للحيوان ( نفس ) تتعلم وتختار عن علم .
رابعا : التسخير للإنسان
كل ما في هذه الأرض من جماد ونبات وحيوان وبحار قد سخرها الله جل وعلا للإنسان ، بل كل ما فى هذا الكون جميعا منه ( الجاثية 12 : 13 ). وهذا التسخير يعنى مقدرة على التحكّم في الأشياء المُسخّرة . وهى مقدرة يولد بها الانسان ، ويتعلمها ، وهو يستعملها بدرجات متفاوتة ، من القبائل البدائية في غابات الأمازون في أمريكا الجنوبية الى علماء ( ناسا ) في أمريكا الشمالية . وبهذا يختلف الانسان عن الحيوانات . الحيوانات لا تزال كما هي ، بينما تعلّم الانسان أن يسخرها وغيرها لمصلحته .
خامسا : الاستعداد للتعلم
في البداية يعبّر الطفل عن حاجته بالبكاء . يساعده البكاء في التبول والتبرز ، وبه يعبّر عن جوعه وآلامه ورغبته في الالتصاق بأمه وأبيه . لكنه يولد مستعدا للتعلم . وبعد فترة الرضاع وانتهاء مرحلة الالتصاق بالأم يكون قد بدأ يمتصُّ مفردات الكلام وبنفس طريقة النطق ، ويعرف ( الأسماء ) لهذا وذاك ، مما توارثه من علم أبيه ( آدم ). ففي داخل كل نفس بشرية ( مستقر ) لما سبقها من ( أنفس ) أجدادها ، وفى داخلها أيضا ( مستودع ) لأنفس أحفادها ( الأنعام 98 ). هذا هو مخزون يبدأ به الطفل بالتعرف على ما حوله ومن حوله من بشر ومواد ، وخلال عدة سنوات يتعرف على حوالى ثلث المعلومات الأساس من البيئة المحيطة به . ويتشكّل بها .
سادسا : بداية التعلم : الأسئلة ووسائل الإجابات
1 ـ يبدأ الطفل في طرح أسئلة ( فلسفية ) عن الوجود ولماذا وكيف ومتى وأين .. هي أسئلة تظل محور حياة المفكرين والفلاسفة ، بينما ينشغل عنها بقية البشر . الإجابة عليها تكون معتمدة على ما في الطفل من فطرة ، يجب تنميتها ، في ناحية الأخلاق الحميدة و ( لا إله إلا الله ).
2 ـ الوالدان عليهما توصيل المعلومة للطفل مُحمّلة بالتربية الخُلُقية والتعقّل . وافضل طريقة هي والقصص وما يتخللها من نقاش محترما عقلية الطفل . بهذا يتغذى خيال الطفل ويتعلم .
سابعا : تعليم الطفل الأخلاق الحميدة : عدم الشُّح ( الأنانية )
1 ـ الطفل يعبّر في إدراكه المبكر عن انانية مفرطة ، يتصور كل شيء ملكاً له بدءاً من الاستحواذ على أمّه الى الاستحوذ على الألعاب التي يرفض أن يشاركه فيها احد ، يلعب الكرة ويغضب إذا شاركه فيها أحد ، ويريد أن يأخذ اللعبة من غيره . ثم يتعلم بالتدريج انه يحتاج لمن يلعب معه الكرة فيضطر للمشاركة او ان يشاركه طفل آخر في كرته . وبالتدريج يدرك أن من مصلحته وسعادته فى المشاركة .
2 ـ سبقت الإشارة الى النفس البشرية التي ألهمها الله جل وعلا الفجور والتقوى ، وقابليتها لهذا وذاك ، ثم يختار الانسان هذا أو ذاك . أساس الفجور في النفس هو الأنانية في تعبيرنا ، أو ( الشُّح ) بالتعبير القرآنى .
3 ـ وعن غريزة الأنانية أو الشُّح المتأصّلة فى النفس البشرية يقول جل وعلا : ( وَأُحْضِرَتْ الأَنفُسُ الشُّحَّ) النساء:128 . والله جل وعلا يجعل ( الشُّح ) مرضا ، من يتخلّص منه يكون مُفلحا . جاء مرتين قوله جل وعلا : ( وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ) الحشر9 ) التغابن 16 ).
4 ـ وجعل رب العزة جل وعلا الاحسان والتصدُّق والتقوى علاجا لهذا المرض . قال جل وعلا : ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْراً لأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ (16) إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ (17) التغابن ).
5 ـ مرض الشُّح ( الأنانية )
5 / 1 : يفسد العلاقات الزوجية وعلاجه الاحسان والتقوى : ( وَإِنْ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتْ الأَنفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً (128) النساء )
5 / 2 : يفسد العلاقة بين الأخوة والأقارب والأصدقاء وبين أفراد المجتمع في الجيرة والعمل وشئون المال والاقتصاد والسياسة ، وبين الدول وبعضها البعض.
5 / 3 : ومرض الشح يتجلى أكثر لدى المستبد ، وهو أكبر (أنانى ) في قومه وبلده . لذا فإن نقيض (الشُّح ) هو ( المُشاركة ). المشاركة هي أساس ثقافة الديمقراطية ، المشاركة السياسية تتنافى مع وجود مستبد .
6 ـ عليه فالشُّح الغريزى فى داخل النفس البشرية يمكن علاجه مبكرا عند الطفل بتعليمه :
6 / 1 :مبدأ المساواة بين البشر جميعا ، فهم أبناء آدم وحواء مهما إختلفت الأعراق والألسنة والمستويات الاقتصادية والاجتماعية، وان أكرمهم عند الله جل وعلا هم أتقاهم ، وهذا سيُعرف يوم القيامة. قال جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)الحجرات ).
6 / 2 : التعاون على الخير وليس على الشّر، قال جل وعلا : ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ) (2) المائدة )
6 / 3 : قوله جل وعلا : ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) النحل )
7 ـ هذا التعليم يكون بالقصص ، ومنه قصة عظماء الصحابة الذين كانوا يؤثرون على أنفسهم مع ما بهم من فقر وخصاصة . قال عنهم جل وعلا : ( وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ) الحشر :9 )
ثامنا : ( لا إله إلا الله ) جل وعلا : هنا دور التعقل والتفكر .
1 ـ يولد الفرد على الفطرة النقية البيضاء لا تعرف تقديس البشر أو الحجر ، وقد يتعلم من المجتمع بعض ذلك ، وقد يطرح هذا في أسئلته ذلك كله مرتبطا بالفكر الديني الشعبي المتوارث وبالقيم الاجتماعية السائدة . هنا تكون أهمية التعقل والتفكر التي توقظ الفطرة السليمة النقية في داخل الطفل . إن تقديس البشر والحجر يتعارض ليس فقط مع الفطرة ولكن أيضا مع التعقل والتفكر . لذا يكون سهلا تعليم الطفل وتوعيته بضرب الأمثلة والحكايات . حكاية الطفل إبراهيم الذى وصل بفطرته الى رفض عبادة قومه الكواكب والشمس ( الأنعام 75 : 78 ) ، والذى قال لقومه ( أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ (95) الصافات ). ويعطى للطفل مثلا ببناء قبور من نفس الأحجار ومواد البناء في أي مكان ، ثم يتبركون بها ، يزعمون أن تحتها إله ميت . وتنبيه الطفل أن يتعقّل ويدرك أن كل البشر سواء كونهم مخلوقات تولد وتعيش وتموت ، وتأكل الطعام وتتبرّز وتتبول وتمرض ، وحين تموت تصبح جيفة يجب دفنها إتقاء سوء شكلها وسوء ريحتها . فكيف نقدس بشرا موتى أو أحياء . وأن يعلم أن الخالق جل وعلا هو وحده المستحق للعبادة ، فهو وحده خالق البشر وخالق الكون وما فيه ومن فيه .
2 ـ وللقرآن الكريم وسائله في التعليم والتي يُستفاد بها في تربية الطفل وتعليمه . منها :.
2 / 1ــ التعليم الحسي :ــ أي بالتجربة العملية ، بشرح قوله جل وعلا :
2 / 1 / 1 : ( إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلْ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلا تُنظِرُونِ) الأعراف 194 : 195) أي فالذين يعبدون القبور المقدسة ويعتقدون فيها النفع والضرر يوجه إليهم هذا الخطاب بطلب العون من تلك العظام الميتة ... وهذا هو الأسلوب الحسي التجريبي .
2 / 1 / 2 : كلمة ( أرونى ) : أن يقال لهم : أرونى هذه الآلهة الموتى ، وما خلقوه قال جل وعلا : ( قُلْ أَرُونِي الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَاءَ كَلاَّ بَلْ هُوَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (27) سبأ ) ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمْ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنْ الأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَوَاتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَاباً فَهُمْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً إِلاَّ غُرُوراً (40) فاطر )( قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنْ الأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَوَاتِ اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (4) الاحقاف )
3 / 2 ــ ومنها الأسلوب العقلي البسيط :ــ بشرح مبسّط لقوله جل وعلا : ( لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا) الأنبياء:22 )، ( قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ قُلْ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لا يَمْلِكُونَ لأَنفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرّاً قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلْ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (16) الرعد )
أخيرا
1 ـ بتربية الطفل وتعليمه إسلاميا وقرآنيا يتحول ضعفه الى قوة نفسية ، وينشأ غير خاضع لخرافات الكهنوت .
2 ـ حيث يسيطر الكهنوت يكون الاستبداد والفساد والظلم الذى يمارسه القوى على من هو أقل منه قوة ، والضعيف على منه أضعف منه .
3 ـ لا يمكن أن ينجح التحول الديمقراطى في مجتمع يسيطر عليه قادة الكهنوت .
4 ـ لا سبيل للتخلص من الاعتقاد في الكهنوت إلا بالوعى الدينى . وبه يكون التخلص من الخضوع لمستبد ، فالعادة أن يتحالف أكابر المجرمين من الكهنوت والمستبدين ، ويتعاونون على استضعاف الأغلبية حين تركن الأغلبية الى ثقافة الاستبداد والاستعباد والاستبعاد.


الفصل السادس
تشريعات خاصة بالطفل اليتيم
من هو اليتيم ؟
1 ـ ليس يتيما كل من فقد والديه أو أحدهما، وإلا أصبح كل الرجال والنساء تقريباً أيتاما ، وإنما اليتيم هو الطفل الذى فقد أحد الوالدين أو كليهما. وذلك المفهوم وارد في السياق القرآني في أكثر من موضع، مثلاً يقول سبحانه وتعالى :
1 / 1 : في الوصايا العشر : ( وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ) (152) الانعام )
1 / 2 :وتكرر هذا في قوله جل وعلا : (وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ) (34) الاسراء ).
فهو يتيم طالما ظل طفلاً، فإذا بلغ أشده وأصبح رجلاً زالت عنه صفة اليُتم وصفة الطفولة أيضاً، وحينئذ يجرى له اختبار للأهلية، يقول تعالى: ( وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ )(6) النساء ). أى فإذا بلغ مبلغ الرجولة والقدرة على الزواج لم يعد يتيماً أو طفلاً. ويقول تعالى في قصة موسى : ( وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا" (الكهف82) فهما غلامان يتيمان، وحين يبلغان أشدهما ويصبحان رجلين يستطيعان استخراج كنزهما.
2 ـ والطفل عموماً ضعيف ، وهو أحوج الناس إلى الرعاية والاهتمام والعناية، ولكن عندما يفقد الطفل أبويه أو أحدهما يكون أكثر ضعفا ، وأكثر حاجة من الطفل العادي للاهتمام، وأكثر منه استحقاقاً للمعاملة الخاصة التى تعوضه عن فقدان الأب والأم، وتحفظ له حقوقه وتضمن له ( عند تطبيق التشريعات الإسلامية ) تنشئة سليمة تجعل منه عضواً نافعاً في المجتمع.
3 ـ وتشريعات الإسلام في رعاية اليتيم تتمحور حول حقوقه المالية وحقوقه الاجتماعية والنفسية .
حقوق اليتيم المالية
1 ـ اليتيم سواء كان غنياً أو فقيراً له حقوق مالية أوجبها له القرآن على المجتمع، فله حق في الزكاة المالية أو الصدقات التى يتطوع بها الأفراد بصفتهم الشخصية . قال جل وعلا :
1 / 1 : من صفات المتقين الأبرار : ( وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ ) البقرة 177 )
1 / 2 : عن مستحقى الصدقة الفردية : ( يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (215) البقرة )
2 ـ وله حق في الغنائم التى تحصل عليها الدولة : قال جل وعلا :( وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ) (41) الانفال ).
3 ـ ، وله حق في كل ما ( يفىء ) أي يدخل بيت المال العام من الضرائب والمساعدات الخارجية مثلاً . قال جل وعلا : ( مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7) الحشر ).
4 ـ وإذا حضر اليتيم مجلساً تقسم فيه تركة أو ميراث أصبح من الواجب على الورثة إعطاؤه نصيباً من الميراث مع تطييب خاطره بكلام جميل يشرح صدره ، قال جل وعلا : ( وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُوا الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً (8) النساء ) .
5 ـ ونعيد التأكيد على أن تلك الحقوق المالية لليتيم لا تتأثر بكونه غنياً ، لأن المقصود منها أن يشعر بأن المجتمع كله يقوم له بدور الأب والأم وينفق عليه بمثل ما كان أبوه أو أمه تنفق عليه.
6 ـ والعادة السيئة لأغلب البشر هى الطمع في مال اليتيم وأكله بالباطل حتى إذا بلغ مبلغ الرجال ضاعت حقوقه وميراثه. والله جل وعلا :
6 / 1 : يحذر من ذلك أشد تحذير فينذر الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً بأنهم يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيرا في جهنم ، قال جل وعلا : ( إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً (10) النساء ) .
6 / 2 : ويوجب إعطاء اليتامى أموالهم لأن أكل أموالهم بالباطل يعتبر ظلماً كبيرا، قال جل وعلا : ( وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوباً كَبِيراً (2) النساء ) .
6 / 3 : وسبق قوله سبحانه وتعالى مرتين : ( وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ) (152) الانعام ) ، (34) الاسراء ).
7 ـ واليتيم الوارث الغنى يحتاج إلى وصىّ يقوم على تنمية ماله . وذلك الوصىّ قد يكون غنياً وقد يكون فقيراً، وقد أوجب القرآن الكريم على الوصيّ الغنى أن يتعفف عن أخذ أجرة مقابل رعايته لمال اليتيم، وأباح للوصىّ الفقير أن يأخذ أجره بالمعروف في مقابل إشرافه على مال اليتيم، وذلك معنى التحذير من الاقتراب من مال اليتيم إلا بالتى هى أحسن في قوله جل وعلا : ( وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً (6) النساء ). أي حين يبلغ اليتيم مبلغ الرجال تكون قد أجريت له عدة اختبارات لمعرفة أهليته للتصرف في أمواله، فإذا اجتازها وثبتت أهليته لإدارة أمواله حصل عليها، وإن ثبت أنه سفيه قام المجتمع من خلال الوصى بإدارة أمواله وتنميتها مع الإنفاق على السفيه اليتيم وتغطية كل احتياجاته من ريع أمواله والإحسان في معاملته ، قال جل وعلا : ( وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً (5) النساء ).
8 ـ وكما يحذر رب العزة جل وعلا الوصىّ من التلاعب بأموال اليتيم واستهلاكها قبل أن يبلغ اليتيم أشده، فانه جل وعلا يمنع الوصىّ من الطمع من الزواج من اليتيمة الغنية لاستغلال أموالها إذا كانت تلك اليتيمة يحل له الزواج منها، وفرض أن يكون القسط والعدل هو أساس التعامل مع الأيتام، وهو جل وعلا الرقيب على كل شيء . قال جل وعلا : ( وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللاَّتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الْوِلْدَانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيماً (127) النساء )
رعاية اليتيم إجتماعيا ونفسيا :
عملت شرائع الإسلام على رعاية اليتيم اجتماعياً ونفسياً وإشباع حاجاته العاطفية ورغبته في الحنان والانتماء، وهذا عن طريق :
1 ـ الإحسان لليتيم ، والإحسان درجة فوق العدل ، والطفل اليتيم أحوج الى العطف ، مع حفظ حقوقه المالية . والله جل وعلا أمر بالإحسان للوالدين والأقارب واليتامى سواء كانوا من الأقارب أو من الأجانب ، قال جل وعلا : ( وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ )(36) النساء). قد يكون اليتيم من ذوى القربى ومسكينا وجارا ، فهو يتمتع بمزايا عدّة .
2 ـ والإحسان في مفهوم القرآن يشمل كل مبادرة بالعمل الحسن وكل سلوك مهذب في التعامل مع الوالدين والأقارب والجيران والأيتام، ومع أنه مفهوم عام في التعامل إلا أن تشريعات القرآن الكريم بالنسبة للإحسان لليتيم أوضحت الخطوات التفصيلية في كيفية التعامل الاجتماعى الحسن مع اليتيم. فاليتيم شديد الحساسية لأى كلمة أو أى إشارة، وهو يشعر بالقهر عندما يتعرض لإساءة عادية قد لا يشعر بها طفل آخر، وبسبب جوعه للحنان وشعوره الدائم بالاحتياج للصدر الحنون فإنه سريع الاستجابة للعطف بمثل سرعة حساسيته للإهانة وعدم الاكتراث، وقد تتضخم لديه ردود الأفعال وقد ينتج عنها تقوقعه داخل عالمه النفسي مما يؤدى به إلي الوقوع في الأمراض النفسية والأحقاد على المجتمع. ولذلك فإن الله جل وعلا ينهى عن قهر اليتيم ، وأي إساءة لليتيم قهراً له وتكذيبا بالدين وتضييعا لثمرة الصلاة ، قال جل وعلا :
2 / 1 :( فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ (9) الضحى )
2 / 2 : ( أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2) الماعون ).
3 ـ ومن الاحسان إكرام اليتيم :
3 / 1 : ويجعل الله جل وعلا عدم إكرامه من صفات أصحاب النار يوم القيامة، ، قال جل وعلا : ( كَلاَّ بَل لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (17) الفجر )
3 / 2 : ومن إكرام اليتيم أيضاً الحرص على إطعامه وإن كان غنياً ، حتى يشعر بجوّ الأسرة وحنان المجتمع، ويعظم الثواب حين يكون اليتيم فقيراً أو قريباً في النسب أو الجيرة من المؤمن الذي يكرمه بالإطعام والرعاية، قال جل وعلا من صفات أصحاب الجنة :
3 / 2 / 1 : ( وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً (8)الإنسان ). هنا إطعام بأفضل الطعام الذى يحبه المُتصدّق ،( على حُبّه ) وليس من فضلات الطعام .
3 / 2 / 2 : ( أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ (15) البلد ). أي إطعام اليتيم القريب في يوم غلاء ومجاعة
4 ـ ومن رعاية اليتيم تعويضه بإقامة أسرة بديلة له ترعاه وتشبع حاجاته للانتماء.
4 / 1 : ولذلك فإن تعدد الزوجات في الإسلام مرتبط بشيئين : العدل مع اليتيم، والعدل بين الزوجات. يقول تعالى بعد الحث على إعطاء اليتيم حقوقه المالية : ( وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُوا (3) النساء ) . ومعناه أن يكون التعدد في الزوجات على نحو يخدم قضية اليتيم ويوفر له القسط والعدل. بأن تتزوج أمه رجلاً يكون له أباً يرعاه، أو يتزوج أبوه زوجة أخرى إذا كانت الزوجة الأولى- بعد موت أم اليتيم- تسئ معاملة الطفل اليتيم. ولا بد من مراعاة عدم قهر اليتيم وظلمه من زوجة الأب أو من زوج الأم .
4 / 2 : ومما يلفت النظر دعوة القرآن الكريم إلى زواج الأيم التي فقدت زوجها بالموت أو بالطلاق ، حتى يكون لأولادها أب بديل يرعاها ويرعاهم. قال جل وعلا : ( وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (32) النور ). وكلمة ( أرملة ) لم تأت في القرآن الكريم .
5 ـ وقد يؤدى الاسراف في رعاية اليتيم الى تدليله وإفساده ، ولذا يأمر رب العزة جل وعلا بإصلاح اليتيم ، بتربيته وتأديبه ليكون عضوا نافعا في المجتمع ، وأن يختلط بهم الآخرون على أساس الأخوة والمساواة والإصلاح وعدم الإفساد، وإلا فإن الله تعالى يحذر من ظلم اليتيم وتضييعه. قال جل وعلا : ( وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنْ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (220) البقرة )
5 ـ ويقول جل وعلا : ( وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (9) النساء ) . كل من لديه أطفال عليه أن يتقى ربه جل وعلا وفى تعامله مع الأيتام . فالذى يكون بارّا بالأيتام سيعوضه الله جل وعلا لو مات وترك أطفاله أيتاما .
أخيرا
1 ـ هذا هو التشريع القرآنى الذي يجعل اليتيم عضواً نافعاً في المجتمع. وبدون هذا التشريع قد يتحول اليتيم إلى قنبلة بشرية موقوتة تنفجر في وجه المجتمع فساداً وتدميراً.
2 ـ ومن ضمن الطغاة في تاريخ العالم من كانوا في طفولتهم أيتاماً عرفوا الظلم والحرمان، فلما كبروا صبّوا جام غضبهم وحقدهم على الناس قتلاً وتدميراً ، يستوى فى ذلك جنكيزخان وصاحب الزنج ورئيس القرامطة في العصور الوسطى ، وهتلر وصدام حسين في التاريخ المعاصر.


الفصل السابع
جريمة قتل الأطفال الضعفاء بين الإسلام و ( المسلمين ) في لمحة سريعة
أولا : إسلاميا :
قتل الأبناء هو بوحى شيطانى .
قال جل وعلا :
1 ـ ( وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (137) الانعام ). هو وحى شيطانى مفترى ، به زيّن الشيطان لهم قتل أولادهم لتقديمهم قرابين لآلهتهم الشيطانية ، يعتقدون أنهم يحسنون صُنعا .
2 ـ ( قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمْ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (140) الانعام ). هؤلاء السفهاء خاسرون جاهلون مفترون ضالون.
تحريم قتل الأولاد في تشريع الإسلام .
قال جل وعلا :
1 ـ ( قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151) الانعام ) . جاء هذا في الوصايا العشر . وهى الوصية الثالثة ، ثم جاء في الوصية الخامسة تحريم قتل النفس البريئة .
2 ـ ( وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئاً كَبِيراً (31) الاسراء ).
نلاحظ :
1 ـ القتل هنا للأولاد سببه الاملاق ، أي الفقر . مع فارق دقيق . قوله جل وعلا : ( وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ ) أي بسبب الوقوع في الاملاق أي الفقر . بينما قوله جل وعلا : ( وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ ) يعنى تحسبا وخوفا وخشية من إملاق قادم .
2 ـ قوله جل وعلا : ( نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ) يساوى قوله جل وعلا : ( نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ )، مع اختلاف تركيب الجملة . والمقصد هو أن الوالدين سبب في رزق الأبناء ، والأبناء سبب في رزق الوالدين ، كل من الجانبين محتاج للآخر في الرزق . والرزق يأتي لهم من الرزّاق جل وعلا ، فلا يمتنّ الوالدان على الأبناء في موضوع الرزق ، فما من دابة في الأرض إلا على الله جل وعلا رزقها ، ويعلم مستقرها ومستودعها ، وكل شيء مسجّل في كتاب مبين .!.
3 ـ عن قتل العرب البنات خوف العار . قال جل وعلا :
3 / 1 : ( وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَى مِنْ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (59) النحل )
كانت عادة فظيعة في الجاهلية . دفن الطفلة الوليدة وهى حيّة تصرخ ، وذلك خوف العار ، حيث شاع سبى البنات في الغارات .
3 / 2 : ( وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (9) التكوير ). ستأتى الموءودة يوم القيامة ليسألها ربها جل وعلا عن سبب قتلها ، فهى لم ترتكب ذنبا ، ولم تقتل نفسا حتى تُقتل قصاصا .!!
ثانيا : في القصص القرآنى
1 ـ في تآمرهم على أخيهم يوسف اقترح بعضهم قتله : ( اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوْ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صَالِحِينَ (9) يوسف )
2 ـ فرعون موسى كان يذبح أبناء بنى إسرائيل الذكور ويستبقى الاناث :
2 / 1 : قال جل وعلا عنه : ( إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِ نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُفْسِدِينَ (4) القصص )
2 / 2 : وأنجى الله جل وعلا الطفل الوليد موسى من الذبح . قال جل وعلا : ( وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنْ الْمُرْسَلِينَ (7) فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ (8) وَقَالَتْ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (9) القصص ).
2/ 3 : وبعد مجىء موسى رسولا الى فرعون استمر فرعون في جريمته : ( وَقَالَ الْمَلأ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِ نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ (127) الأعراف )
2 / 4 : ثم كان الانتقام من فرعون وقومه :
2 / 4 / 1 : ( وَإِذْ أَنجَيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (141) الأعراف )
2 / 4 / 2 :( وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (49) البقرة )
2 / 4 / 3 : ( وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنجَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (6) إبراهيم )
ثالثا : عن قتل الأطفال فى تاريخ الصحابة
فى عام 61 هجرية وفى الصراع بين (على ) و( معاوية ) وحيث كانت ( المدينة ) تتبع سلطة (على بن أبى طالب ) بعث معاوية ( بسر بن أبي أرطاه ) بجيش تعداده ثلاثة آلاف ، فهرب والى المدينة وهو أبو أيوب الأنصارى ، ودخل ( بسر بن أرطاه ) المدينة ولم يقاتله أحد، وهدم بيوتا فيها ، وارغم بعض أهلها على البيعة لمعاوية . ثم سار الى مكة غير عابىء بحرمة البيت الحرام ، فهرب منه واليها أبو موسى الأشعرى ، وأكره ( بسر بن أرطاه ) الناس على البيعة . ثم سار إلى اليمن، وكان عليها ( عبيد الله بن عباس ) فهرب منه ولحق بابن عمه الخليفة )علي بن أبى طالب ) واستخلف ( على بن أبى طالب ) على اليمن واليا آخر هو ( عبد الله الحارثى ). فقتل ( بسر بن أبى أرطاه ) هذا الوالى (عبد الله الحارثى ) وقتل ابنه معه . وقبض على ابنين طفلين صغيرين لعبيد الله بن عباس ، وهما ( عبد الرحمن ( و ( قثم ) فقتلهما، وكان الطفلين عند رجل من كنانة بالبادية، فلما أراد قتلهما قال له الكناني: " لم تقتل هذين ولا ذنب لهما؟ فإن كنت قاتلهما فاقتلني معهما! " ، فقتله وقتلهما بعده.. كان هذا أول تقرير تاريخى عن قتل الأطفال في تاريخ ( المسلمين ).
رابعا : قتل الأطفال فى مذبحة كربلاء :
حيث كان الحسين بأهله ومنهم شباب صغير ونساء وأطفال ، رأوا القتال يدور حولهم ، والمهاجمين يقتربون منهم ، وقاتل مع الحسين شباب صغير من أبنائه وابناء أخيه فلقوا حتفهم سريعا . وقتل المهاجمون أطفالا آخرين لا شأن لهم بالقتال . تقول الروايات عن القتلى من الأطفال من آل الحسين :
1 ـ ( ودعا الحسين بابنه عبد الله وهو صغير فأجلسه في حجره، فرماه رجل من بني أسد فذبحه . (
2 ـ ( وجعل شمر( ابن ذي الجوشن ) يحرضهم على الحسين وهو يحمل عليهم فينكشفون عنه، ثم إنهم أحاطوا به. وأقبل إلى الحسين غلام من أهله ، فقام إلى جنبه ، وقد أهوى بحر بن كعب بن تيم الله بن ثعلبة إلى الحسين بالسيف، فقال الغلام : يا ابن الخبيثة أتقتل عمي!؟ فضربه بالسيف، فاتقاه الغلام بيده فأطّنها إلى الجلدة، فنادى الغلام : يا أبتاه ! فاعتنقه الحسين وقال له: يا ابن أخي اصبر على ما نزل بك ..( .
3 ـ وحاول شمر بن ذى الجوشن حرق فسطاط الحسين الذى يحتمى فيه أطفال الحسين ونساؤه ، تقول الرواية : ( وحمل شمر حتى بلغ فسطاط الحسين ونادى: " على بالنار حتى أحرق هذا البيت على أهله."! ، فصاح النساء وخرجن، وصاح به الحسين: " أنت تحرق بيتي على أهلي؟ حرقك الله بالنار!" فقال حميد بن مسلم لشمر: " إن هذا لا يصلح لك، تعذب بعذاب الله وتقتل الولدان والنساء، والله إن في قتل الرجال لما يرضى به أميرك! " . فلم يقبل منه، فجاءه شبث بن ربعي فنهاه فانتهى. )
خامسا : قتل الأطفال فى دين الخوارج
1ـ إستباح الخوارج فى العصر الأموى قتل المسلمين ، دون اهل الكتاب . وعندهم في دينهم تشريع ( الاستعراض ) أى القتل العشوائى للجميع بلا تمييز . وبعض الخوارج نصّ ــ علنيا ـ على قتل النساء والأطفال من المسلمين ، مثل نافع بن الأزرق .
2 ـ وظل أثر الخوارج حتى أوائل العصر العباسى . ويقول الملطى الفقيه الُسنّى فى القرن الرابع الهجرى عن الخوارج فى كتابه ( التنبيه والرد ) : ( وهم يقتلون الناس بلا تمييز بين طفل وامرأة وشيخ عجوز ) . ويقول عن الفرقة الأولى من الخوارج وهم ( المُحكّمة ) أي المشهورون بصيحة ( لا حكم إلا لله ) : انهم كانوا يخرجون بسيوفهم فى الأسواق ، حيث يجتمع الناس على غفلة ، فينادون :( لا حُكم إلا لله ( ، ويضعون سيوفهم فيمن يلحقون من الناس ، فلا يزالون يقتلون حتى يُقتلوا . وكان الواحد منهم إذا خرج للتحكيم لا يرجع حتى يُقتل، فكان الناس منهم على وجل وفتنة .). ويقول الملطى عن الاباضية فى بداية أمرهم : ( والفرقة الخامسة من الخوارج هم الاباضية ، اصحاب إباض بن عمرو ، خرجوا من سواد الكوفة (أى من ريف الكوفة )، فقتلوا الناس ، وسبوا الذرية ، وقتلوا الأطفال . )
سادسا ـ تيمورلنك المتدين بالدين السنى يذبح أهالى الشام ومنهم الأطفال عام 803
نكتفى بمشهد واحد على سبيل المثال ننقله من تاريخ السلوك للمقريزى : رحل تيمورلنك ( يوم السبت ثالث رجب راحلاً بالأموال والسبايا والأسري، بعدما أقام على دمشق ثمانين يوماً، وقد احترقت كلها.. وامتلأت أرضها بجثث القتلى، ولم يبق بها دابة تدب، إلا أطفال يتجاوز عددهم آلاف، فيهم من مات، وفيهم من يجود بنفسه. ). قاموا بتجميع هؤلاء الأطفال الذين لم يموتوا، واحتار تيمورلنك في أمرهم ، ثم أمر بالخيل فسارت فيهم حتى قتلتهم ..!
سابعا : الوهابية وقتل الأطفال
1 ـ أسس عبد العزيز آل سعود الدولة السعودية الراهنة بسواعد شباب الأعراب النجديين المحاربين ، وقد أعدهم جنودا في معسكرا خاصة سمّاها ( الهُجر )، وسمّاهم ( الاخوان ) وتشربوا الوهابية على أنها الإسلام وكرروا مسيرة الخوارج فى القتل بلا تمييز ، واشتهروا بالوحشية المفرطة وقتل الأطفال والنساء . وقد تعرضنا لهم بالتفصيل فى كتابنا ( المعارضة الوهابية فى الدولة السعودية فى القرن العشرين ) ، ومقالاته منشورة هنا.
2 ـ كانوا يهجمون علي الهدف بشكل خليط همجي من الرجال والخيول والابل والمشاة، يدمرون معسكر العدو ، ويقتلون كل من يجدونه من البشر دون رحمة بما فيهم الأطفال والنساء ، كما حدث في هجومهم علي الكويت في معركة الجهرة ، وفى غاراتهم المتكررة علي شرق الأردن و الطائف ، وكان معروفا أن الاخوان النجديين لا يحتفظون بالأسرى وانما يذبحون كل من يقع في ايديهم. وقد قتلوا الكثير من الرجال والنساء والأطفال في المنطقة ما بين المدينة وشرق الأردن. وقال حافظ وهبة مستشار عبد العزيز آل سعود تحت عنوان) الاخوان ) : ( إذا ذُكر الإخوان علي حدود العراق او شرق الأردن او الكويت استولي الرعب علي قلوب السكان ،وهب البدو يطوون الصحراء لائذين بالبلاد القريبة منهم يحتمون بجدرانها وابراجها، فهم رُسل الذعر والرعب في بلاد العرب.).
3 ـ وكانت الدعوات للانضمام الي الوهابية او الإسلام في نظرهم تحمل التهديد لمن لا يستجيب بقتل اسرته وأطفاله ، وأن من ينضم اليهم يأمن علي ممتلكاته واسرته ، أى يأمن على نسائه وأطفاله من الذبح .!
4 ـ وعندما تمردوا على سيدهم ( عبد العزيز آل سعود ) هاجموا اخوانهم الوهاببين من اتباع عبد العزيز، وقتلوا منهم الشيوخ والنساء والأطفال.
5 ـ قضى عليهم عبد العزيز آل سعود في موقعة السبلة 1929 : 1930 ، ولكنه قبل ذلك كان قد أسّس في مصر جماعة بديلة هي الاخوان المسلمون الذين نشروا الوهابية في مصر وخارجها على أنها الإسلام . وأسّس حسن البنا خلال عشرين عاما ( 1928 : 1948 ) خمسين ألف شعبة للاخوان مع التنظيم الدولى والجهاز السّرى للاغتيالات ، ومن عباءة الاخوان ظهرت تنظيمات كثيرة . وبالبترول ومن عهد الملك فيصل انتشرت الوهابية وسيطرت ، وظهر منها جماعات شتى من القاعدة الى داعش ، تحترف القتل العشوائى باعتباره جهادا مفروضا . والأطفال والنساء من أبرز ضحاياهم .
6 ـ والارهابى الوهابى يفجر نفسه والآخرين وهو يهتف ( الله أكبر ) معتقدا أن الحور العين تنتظره تفتح له ساقيها .
أخيرا
1 ـ العالم يتقدم الى الأمام ، والمحمديون فى ثقافة السلف المتخلفة يعيشون .
2 ـ هيا بنا نلطم .!!.




شهامة العسكر المصرى العفيف في تعذيب الطفل المصرى الضعيف
أولا :
1 ـ فيما يُعرف بحادثة دنشواى في 13 يونية عام 1906 كان الضحايا بضعة أفراد من الفلاحين المصريين وضابط انجليزى واحد . قام مصطفى كامل بفضح انجلترة في عُقر دارها وفى فرنسا والغرب ، بسببه تم عزل اللورد كرومر المندوب السامى البريطاني في مصر ، ورجع مصطفى كامل الى مصر معزّزا مُكرّما . لم يحبس الانجليز مصطفى كامل بالتهم المطّاطة التي اخترعها العسكر المصرى الذى يحتل مصر من عام 1952 . إشتعلت الصحف المصرية غضبا في فضيحة العسكرى الأسود ، وهو جندي شرطة إغتصب بعض السجناء ، وقد كتب الراحل د يوسف ادريس رواية عنه . نظام العسكر الذى يحتل مصر من عام 1952 جعل إغتصاب المحبوسين المصريين ضمن وسائل التعذيب والاذلال ، يتم تطبيقها روتينيا ـ بكل إخلاص ـ في مراكز الشرطة والسجون ، وضحاياها الأكثر من الأطفال المحبوسين .
2 ـ العسكر المصرى الذى يحتل مصر من عام 1952 أقام مذابح للمصريين لاخضاعهم لجبروته ، ومنعهم من التّفوّه بكلمة ، وافتتح مئات السجون إمتلأت بأبرياء بلا تهمة منهم آلاف الأطفال ، وبلا أي مبرر سوى الإرهاب والتخويف . وفيها اصبح التعذيب عملا بطوليا للعسكر الذى قام بتغيير عقيدة الجيش المصرى ، حين جعل الوطن المصرى ( جبهة داخلية ) والشعب المصرى عدوا محتملا .!، العسكر المصرى يتصاغر ويتضاءل أمام إسرائيل ويستأسد ويفترس المصريين ، رجالا ونساءا وشيوخا وأطفالا. بهذا يتجلى ( شرف العسكرية المصرية ) في أروع صورة .!!
3 ـ سجن مئات الألوف طيلة حكم العسكر ــ بلا جريرة ـ كان عقوبة لعائلات هؤلاء المساكين ، ولزوجاتهم وامهاتهم ولأطفالهم . وتكفى معاناتهم في السفر للسجون ومحاولة رؤية المحبوسين احتياطيا ، في حبس يتجدد . على أن الأطفال الأبرياء لم يكونوا بمنجاة من السجن ومن التعذيب . كان هذا معروفا في عهد عبد الناصر ، الذى جعل السجن الحربى ( والمفترض أنه للعسكريين المحاربين ) مفتوحة أبوابه للمدنيين . شهد عبد الناصر امتداد القهر بالسجن الى جميع الأطياف ، وشمل هذا رموز السياسة السابقين وزعماء الأحزاب وكل المعارضين وغير المعارضين، وامتلأت السجون بشباب وبنات وأطفال وشيوخ ونساء ، دون تفرقة بين أحد منهم، كلهم قاسى التعذيب . وبالتعذيب اشتهر ضباط جيش من جميع الرتب ـ لواء فما دونه ، وأيضا صف ضباط وجنود. ( صفوت الروبى ) رقّاه عبد الناصر من رتبة جندي صول الى ضابط ملازم ، بالمخالفة للقواعد العسكرية ، وهذا لأن صلاح نصر أشاد بمهارته في التعذيب. اللواء حمزة البسيونى مدير السجن الحربى في عهد عبد الناصر كان اشهر من قام بالتعذيب . قال : ( أنا أستلم المسجونين بغير إيصال ، ولست مسؤولا عن حياتهم . ) . حمزة البسيونى ملأ صحراء مدينة نصر بجثث الكثيرين من الكبار والصغار. وتكلم عن التعذيب في عهد عبد الناصر كثيرون ، منهم مصطفى أمين وعلى جريشة وزينب الغزالى وأحمد رائف وحسن الهضيبى وعلى عشماوى ومحمود السعدنى وأحمد فؤاد نجم . وقد شرحوا وسائل التعذيب الفظيعة التي تعرضوا لها .
4 ـ لم يكن عبد الناصر محتاجا لتعذيب أحد ، فقد كانت الأغلبية الساحقة من الشعب تؤيده ، وكان شهرته طاغية خارج مصر ، أي كانت له شرعية سياسية جماهيرية تجعله ينام مطمئنا على زعامته . ثم إن من جعلهم خصوما له كانوا ضعافا بلا حول ولا قوة ، لا يملكون سوى أفكار سياسية منعهم من التصريح بها ، ولم يكتف بالمنع فوضعهم في السجون ، ولم يكتف بالسجن فسلّط عليهم زبانيته من العسكر ينكلون بهم تعذيبا . وهذا مع تواطؤ الأزهر والكنيسة وسكوتهم ورضاهم عما يحدث .
5 ـ بعد عبد الناصر ظل التعذيب سياسة مستقرة ومعتادة ، وتسببت في الثورة على ( مبارك) . الشاب ( خالد سعيد ) قام بقتله في الشارع إثنان من المخبرين ، وهشما وجهه ورأسه يوم 6 يونية 2010 . انتشرت صورة وجهه المحطم المشّوه فثارت احتجاجات أشعلت الثورة على ( مبارك ) يوم 25 يناير 2011 . وبكل شهامة تصدى جيش العسكر وقواته الأمنية لقتل الثوار في ميدان التحرير ، وكان معظم القتلى من الشباب والأطفال . ضابط قنّاص مُفعم بالشهامة ــ يعبر عن العقيدة القتالية التي تشربها ـ تعقب أحد المتظاهرين وفقأ عينه اليمنى يوم جمعة الغضب 28 يناير 2011 في ميدان التحرير ، وعاد المُصاب بعينه الباقية ، فوجد نفس الضابط القناّص الشهم ينتظره ففقأ عينه الأخرى في أحداث مذبحة شارع محمد محمود في 19 نوفمبر 2011 . شاهدت فيديو لهذا الضابط الشهم والجنود حوله يهتفون ( تسلم إيدك يا باشا ). المُصاب الذى فقد عينيه هو الطبيب أحمد حرارة ، وله موقف ضد العسكر وضد الإخوان ، وقد شرفت بلقائه في زيارته واشنطن في حفل أقمناه لتكريم رموز ثورة 25 يناير . . وارتكب العسكر المصرى بشهامته المعهودة مذابح شتى في القاهرة وغيرها ، منها مذبحة ماسبيرو يوم 9 أكتوبر 2011 ، حيث حطمت مدرعاته رءوس المعتصمين ، وكان بينهم أطفال ونساء من المستضعفين المصريين ، ومنها مذبحة أستاذ بورسعيد في أول فبراير 2012 .
6 ـ جرت مياه كثيرة في نهر العسكر المسيطر على الدولة العميقة في مصر أفشلت أنبل ثورة شعبية مصرية ، وانتهى الأمر بوصول السيسى للحكم ، ليقوم باجرام غير مسبوق في تاريخ مصر الطويل ، من تعذيب وقتل وسلب ونهب وسجن وتجريف للثروة المصرية وافقار وقهر للمصريين وبيع أجزاء من الوطن وتفريط في حقوق مصر في النيل وفى بترول البحر المتوسط وفى تقزيم مصر لتكون تابعة للإمارات والسعودية وإسرائيل . وتكاثرت في عهده السجون وامتلأت بالأبرياء ، وهو الآن قد فرغ من أكبر مجمع للسجون ، بالإضافة الى تحويل مراكز الشرطة الى سجون خاصة . و استقبلت هذه السجون آلاف الأطفال ، بعضهم اتخذهم رهائن ، ولم يرحم الأطفال من التعذيب زبانية عبد الفتاح السيسى .
ثانيا :
وننقل من الانترنت بعض المنشور عن السنوات الأولى فقط من حكم السيسى : .
1 ـ (“وراء الشمس”.. أطفال مصر في سجون السيسي ): ( أطفال لم تتجاوز أعمارهم الخامسة عشرة عامًا يقبعون خلف الجدران وقضبان الزنازين رغم صغر أعمارهم، يتعرضون لأبشع أنواع التعذيب الممنهج عقابًا لهم فقط على إبداء آرائهم السياسية والتهم جميعها معروفة.. "التظاهر دون تصريح، ومحاولة قلب نظام الحكم ." . ومنذ الثالث من يوليو 2013م وحتى نهاية 2015م اعتقلت قوات الانقلاب 4000 طفل دون 18 عاما، قامت بتعذيب أكثر من 1000 منهم، وتعرض 80 منهم لاعتداءات جنسية، و60 للإخفاء القسري، وما زال 600 في سجون الانقلاب حتى اليوم. وأصدر القضاء الانقلابي في تلك الفترة أحكامًا بإعدام 3 أطفال بالمنيا، والمؤبد لثلاثة بالدقهلية والمنيا، والسجن المشدد لخمسة بالإسكندرية والبحيرة وسوهاج. واعتقلت سلطات الانقلاب آلاف الأطفال منهم على سبيل المثال لا الحصر، الطفل "محمد عادل"، ووضعته في قسم شرطة "السادات" بالمنوفية ، وسط المدمنين وتجار المخدرات والمسجلين خطر، ولم يكتفوا باعتقال والده وحرمانه منه، فقاموا باعتقاله ليقبع خلف القضبان فى أقذر قسم شرطة على مستوى المنوفية ، وسط المخدرات ودخان السجائر ومسجلى الخطر ، بدلا من أداء امتحاناته ، أو لعبه فى الشارع كسائر الأطفال.)
2 ـ ( "مازن حمزة" : طالب في الصف الثاني الثانوي اعتقل في 28 يناير من العام الماضي 2015، في ذكرى جمعة الغضب مع عشرات ممن كانوا في شوارع مدينة المنصورة في ذلك اليوم، وكان في طريقه لحضور أحد دروسه، تعرض بعد اعتقاله لما يتعرض له المعتقلون من حفلات تعذيب وضرب، على الرغم من أنه لم يتجاوز السابعة عشرة من عمره. أصدرت النيابة قرارا بحبسه 15 يوما، ثم نقلته من المنصورة إلى قسم دكرنس باعتباره حدثا، وفي منتصف مايو من العام الماضي 2015 أصيب بمرض معد، هو الغدة النكافية، حيث ينتقل الفيروس عبر استنشاق الرذاذ المتطاير في الهواء من فم أو أنف شخص مريض، وجاء ذلك نتيجة اكتظاظ أقسام الشرطة بالمعتقلين. وقد رفضت الشرطة نقله للمستشفى إلا بعدما تدهورت حالته ، ولم يعد يقوى على المشي. " مازن" الذي اعتقل منذ أكثر من عام وجهت له قائمة من التهم أكبر من التي وجهت لمعتقلي غوانتانامو، ويحاكم الآن أمام محكمة عسكرية مع اثني عشر آخرين، في واحدة من المهازل الكثيرة الموجودة في مصر. قصة مازن حمزة هي قصة الآلاف من الأطفال المصريين المعتقلين في سجون النظام ، والذين يتعرضون لألوان من التعذيب والقهر تفوق الوصف والخيال، حيث أصبحت صورهم وهم مقيدون بالأغلال على أسرة المرض أو أثناء نقلهم للمحاكمات دليلا على انتهاكات منظمة تسعى لتدمير آدمية الأجيال الجديدة من أبناء مصر. وقد أوضح الفريق المعني بالاعتقال التعسفي في الأمم المتحدة أن اعتقال الأطفال في مصر منهجي وواسع الانتشار، وأنهم يتعرضون للتعذيب والضرب الممنهج، وأن التهم التي توجه إليهم غير منطقية.)
3 ـ ( محاكم عسكرية ): ( الصعق بالكهرباء والضرب بالكرباج والتعليق على الحائط أبرز صور تعذيب الصغار في معتقلات الانقلاب، تضاف جريمة مقتل الطفل مازن الطالب بالصف السادس الابتدائي على يد مليشيات الانقلاب، نتيجة تعذيبه بالكهرباء بعد اعتقاله أثناء مشاركته في إحدى المسيرات المؤيدة للشرعية بمنطقة السادس من أكتوبر، إلى سجل جرائم الانقلاب الدموي ضد الأطفال، حيث سبقتها جرائم قتل متعددة لا تقل في بشاعتها عن هذه الجريمة. كما أن كثيرا من هؤلاء الأطفال يحاكمون أمام محاكم عسكرية، على الرغم من أنهم قصر وأعمار بعضهم لا تتجاوز 15 عاما، وتشير كثير من التقارير إلى أن عدد الأطفال المعتقلين في مصر يزيد على أربعة آلاف طفل معظمهم في المراحل الإعدادية والثانوية، وقد أشار كثير من الحقوقيين إلى أن ما يحدث في مصر هو سابقة في التاريخ القضائي، حيث تتعامل معهم النيابات والمحاكم على أنهم بالغون. كما أن التهم التي توجه لهم تفوق تصورهم الطفولي، وللأسف لا تتجاوز المؤسسات الحقوقية الدولية حدود التنديد وإصدار التقارير، ولا يحظى الأمر بالاهتمام الكافي من الحكومات الغربية التي تتشدق بحقوق الطفل فيما توجه الدعم الكامل للنظام الاستبدادي في مصر. وقد نشرت صحيفة «التلجراف» البريطانية تقريرا قالت فيه إن السجون المصرية مليئة بالفتيات والأطفال الصغار الذين يتعرضون للانتهاكات البشعة، ويحشرون في زنازين ضيقة، ويجبرون على تناول طعام مليء بالصراصير، ويتعرضون لانتهاكات وتحرشات يومية، هذا بعض ما يحدث للأطفال في سجون مصر. بعد تناقل هذه الجرائم، خرجت داخلية الانقلابية تنفى هذه الحقائق، حيث صرح هاني عبداللطيف -المتحدث باسم وزارة داخلية الانقلاب-: "نحن لا نحتجز القاصرين في السجون، وجميع الأشخاص المقبوض عليهم ممن هم دون سن الـ 18 عاما محتجزين في مراكز الأحداث وفقا للقانون"!
4 ـ (رسالة مسربة.. معتقلون سياسيون بسجن العقرب المصري أشعلوا النيران في زنازينهم ) جاء ضمن الرسالة :
( فور وصولنا إلى مبنى س6، تم استقبالنا بحفل من الضرب وخلع الملابس والانتهاكات، بعدها جرى أخذ بياناتنا وتسكيننا حسب التصنيف، ثم قام الحراس بإملاء التعليمات علينا، وكانت، كالآتي: عند فتح الباب يقف الجميع ووجوههم تجاه الحائط منكسي الرؤوس، وعدم الحديث مع الزملاء النزلاء، وعدم التحرك إلا بتعليمات... وأغلب الموجودين، حسب ما عرفت، كانوا من أهل سيناء بلهجتهم المعروفة، وكان هناك أطفال نعرفهم من صوتهم وصرخاتهم أثناء التعذيب . !).
أخيرا
1 ـ هنيئا للعسكر المصرى إنتصاره العظيم على الشعب المصرى وعلى الطفل المصرى .!
2 ـ هل هناك عسكر في العالم بمثل شهامة العسكر المصرى ؟
3 ـ هيا بنا نلطم .!!

المحور الآخر : عن بقية الضعفاء

الفصل الأول
عن ضعف الوالدين في شيخوختهما

أولا : ( فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا )
1 ـ كنت أشهد فيلما أمريكيا ، أفزعني مشهد فيه ولا زلت أتذكره . جلسة عشاء يجلس الابن الشاب مع زوجته وطفله وزوجته ، وفى طرف المائدة يجلس الأب ذاهلا ، يأكل وعيناه زائغتان ، ويتساقط الطعام من فمه على صدره وقميصه ، تنظر الزوجة له باشمئزاز ، فيصرخ الابن زوجها في أبيه ينهره ، و في قرف يمسح الطعام من على فم الأب ومن على قميصه ، وهو يسب ويلعن . والأب لا يزال في ذهوله .
2 ـ دار بعقلى وتخيلت هذا الابن الجاحد حين كان طفلا يتعلم الأكل ، وهذا الأب يحنو عليه وينظفه في طعامه وشرابه ، وفى تبوله وتبرزه ، وفى استحمامه ونظافته ، ومعه الأم . تمضى الأيام والسنوات ويكبر الابن ويصبح قويا بعد ضعف ، وفى نفس الوقت تتراجع صحة الوالدين وتتحول الى وهن وضعف . يحتاجان الى رعاية الابن كما كان الابن يحتاج الى رعايتهما حين كان طفلا ضعيفا . ولكن الابن لا يتذكر وقت طفولته ولا يعيها ، ربما يتذكر قسوة والده عليه في التعليم والتهذيب ، ولكن لا يتذكر الأهم ، وهو الرعاية الفائقة والحب الطاغى له في طفولته .
ثانيا : ( وَلَقَدْ عَلِمْتُمْ النَّشْأَةَ الأُولَى فَلَوْلا تَذكَّرُونَ (62) الواقعة )
1 ـ لقد قال جل وعلا في خطاب مباشر لنا : ( وَلَقَدْ عَلِمْتُمْ النَّشْأَةَ الأُولَى فَلَوْلا تَذكَّرُونَ (62) الواقعة ).
2 ـ كل منا يعرف فترة الطفولة من الولادة والرضاعة وما بعدها من ( فصال ) أو انفصال الطفل عن أمه وأبيه ، ولكن لا نتذكرها . وهذا غريب ؛ أن تعرف شيئا ولا تتذكره . أنت تعرفه في الآخرين ، ولكن لا تتذكر حدوثه بالنسبة لك . قد ترى طفولتك في فيديو أو صور ، وتتعجب كيف كنت بهذا الشكل ، ولكن لا يمكن أن تتذكر حين كنت بها الشكل .
ثالثا : بين ضعف الطفولة وضعف الشيخوخة
1 ـ إن الخالق جل وعلا خلق الطفل ضعيفا ، وجعل في ضعفه أكبر قوة . من منّا يتحمل صُراخ طفل يبكى أو تألم طفل يتأوه مرضا ؟ .! . لقد رأيت مشهدا لغزالة مع وليدها ، وقد أحست بهجوم مباغت من أُنثى الأسد ، فهربت تاركة وليدها . اللبؤة ــ مع شراستها ـ لم تفترس الغزال الصغير، أخذت تلاعبه وتتحسس جسده ثم تركته .
2 ـ بعض البشر يتفوقون على الوحوش . الوحوش تفترس بغريزتها ، وهى تفترس لتأكل وتعيش . ليس لها طريق آخر . وبعضها لا يفترس إلا عند الجوع . ولكن من البشر من قلوبهم اشد قسوة من الوحوش والصخور . ترى هذا في حروب البشر ، حيث يكون أغلب الضحايا من المدنيين الضعفاء ، وخصوصا الأطفال والشيوخ والنساء . وفى العصور الوسطى كان يتم سبى النساء والأطفال في حروب علمانية لا تتمسّح باسم رب العالمين جل وعلا . الأفظع في الفتوحات العربية التي حملت اسم الإسلام ظلما وزورا وبهتانا ، وفيها كان يتم تقسيم السبى من النساء والأطفال الى الربع وثلاثة أرباع ، يفرقون بين الأم وأطفالها وبين الأطفال بعضهم بعضا ، يوزعون ثلاثة ارباع السبى على المقاتلين ، ثم يتم شحن ربع السبى من أرض المعركة في الشام والعراق وفارس شرقا وشمال افريقيا غربا ، الى مقر الخليفة في المدينة ثم في دمشق . وبالطبع يموت في هذه الرحلة الشاقة عشرات الألوف من الأطفال الضعاف ، ثم يوضعون في معسكرات الى ان يتم توزيعهم .!. وكان السبب الذى جعل أبا لؤلؤة المجوسى يغتال عمر بن الخطاب أنه كان يذهب خلسة الى معسكر أطفال السبى في المدينة ويتسلل الى داخله يسمع بكاءهم ، ويهوّن عليهم . وبكاؤهم جعله يغتال عمر بن الخطاب .! أكابر المجرمين من الخلفاء الفاسقين لم يرحموا المستضعفين من الأطفال والنساء . عليهم لعنة الله جل وعلا .!
رابعا : أمر الله جل وعلا بالاحسان للوالدين ، ولم يأمر الوالدين بالاحسان لأطفالهم . لماذا ؟
1 ـ في الطفولة ضعف وفى الشيخوخة ضعف . ولكن ضعف الطفولة تحميه غريزة أودعها الخالق جل وعلا في الوالدين ، وهذا حتى تستمر الحياة ، فيكبر الطفل ويقوى وينجب فتستمر الحياة جيلا بعد جيل . ولكن في شيخوخة البشر إقتراب من الموت وعجز وعُقم وعدم قدرة على الانجاب . هنا يتدخل التشريع الاسلامى بفرض الاحسان للوالدين ورعايتهما في ضعفهما .
2ـ على الأبناء أن يتذكروا :
2 / 1 : ـ أن فى الاحسان للوالدين أجرا عظيما .!
2 / 2 : رعاية الوالدين لهم في طفولتهم ، وهم مدينون بهذا للأبوين .
2 / 3 : أنه سيأتى وقت يصلون فيه الى الشيخوخة ويحتاجون الرعاية . وما تقدمه في شبابك لوالديك من خير ستجده من أبنائك خيرا في شيخوختك .
3 ـ هنا تحضرنى قصة :
شاويش في قسم شرطة ، كان يلمع الفخر في وجهه وهو يقف أمام باب غرفة الضابط الشاب ، ويقوم بتحية الضابط الشاب في دخوله وخروجه ووجهه غاية في السعادة . هذا الضابط الشاب هو ابن لهذا الشاويش . كان الضابط الشاب طموحا ويشعر بالعار من أبيه الشاويش . في طموحه تقرّب من بنت واحد من لواءات الشرطة ، وتزوجها . أصبح الشاويش والد الضابط مشكلة ، لأن الزوجة ( بنت الأكابر ) تشعر بالعار لأنه ( حماها ) ، لا زالت بزوجها حتى أرغم أباه على الاستقالة ، بل وجعلته يقاطع أباه . مرض الأب ومات بسبب عقوق ابنه . لم يعش الابن العاق طويلا ، فقد حياته في حادث سير . ومات عاقّا لأبيه .
4 ـ هنا نتذكر قوله جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّاً لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14) التغابن )
4 / 1 :الله جل وعلا أمر الوالدين بالعفو والصفح عن أولادهم إذا كبروا واصبحوا أعداءا لمن ربّاهم وهم صغار . أمرهم الله جل وعلا بالحذر ، ووعدهم الله جل وعلا بالمغفرة والرحمة إذا عفوا وصفحوا.
4 / 2 : قوله جل وعلا ( من أزواجكم ) تعنى الزوج الذكر والزوج الأنثى . والمعنى أن تعفو الزوجة عن زوجها ، وأن يعفو الزوج عن زوجته ، وأن يكون عفو الوالدين عن الأولاد إذا تصرفوا بتصرف الأعداء .
4 / 3 : إن من المُفجع عقوق الوالدين .
خامسا : وبالوالدين إحسانا
1 ـ الاحسان درجة تعلو العدل . القصاص عدل ، ولكن العفو إحسان وأرقى من العدل . قال جل وعلا : ( وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40) فصلت ) . السيئة بمثلها عدل ، يعلوه العفو ، واجره عند الرحمن جل وعلا .
1 / 1 : هذا يعنى أن ترد أو أن تدفع السيئة بالتى هي أحسن ، وهذه درجة عليا في السمو الخُلُقى . قال جل وعلا : ( ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ (96) المؤمنون ) ( وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) فصلت ) .
1 / 2 : بهذا نفهم معنى الاحسان للوالدين الذى تكرر في القرآن الكريم ، ألّا ترد فضلهما بالمثل ( وهو عدل ) بل بأكثر من المثل ، وهو الاحسان .
2 ـ لقد تكرر الأمر بعبادة الله جل وعلا وحده والنهى عن الاشراك به ، ويأتي بعده الأمر بالاحسان للوالدين . هذا الاقتران ، دليل على أهمية الاحسان لهما . قال جل وعلا :
2 / 1 : ( وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً ) (83) البقرة ).
2 / 2 : ( وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً ) (36) النساء )
2 / 3 : ( قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً ) (151) الانعام )
2 / 4 : ( وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنْ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) لقمان )
3 ـ والإحسان للوالدين يجب :
3 / 1 : ألّا يتعارض مع ( لا إله إلّا الله ) . فلو ضغطا على المؤمن ليكفر ، فعليه عصيانهما لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، قال جل وعلا : ( وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (8) العنكبوت )، ولكن يظل عليه أن يصاحبهما في الدنيا معروفا ، مع إختلاف الدين . قال جل وعلا : ( وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (15) لقمان )
3 / 2 : ألّا يتعارض مع العدل . قال جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوْ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً (135) النساء )
4 ـ وفى الاحسان للوالدين جاءت تفصيلات في قوله جل وعلا : ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنْ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً (24) الاسراء ). الطفل مزعج ويحتاج الى رعاية كاملة في كل شيء . ويقوم بها الوالدان بكل سرور وسعادة . ثم يأتي وقت يصل فيه الوالدان أو أحدهما الى الشيخوخة ، هنا ضعف واحتياج وربما نسيان وإزعاج لأولادهما الذين بلغوا مرحلة القوة والشباب . التشريع يوجب على الأبن ( والبنت ) الاحسان اليهما ، وتحملها دون تبرم أو ضيق ، والتذلل لهما رحمة بهما ، بل والدعاء لهما أن يرحمهما كما ربياه صغيرا ، فهذا بعض حقهما .
5 ـ وكان الأنبياء يدعون لوالديهم . وذكر رب العزة جل وعلا منهم :
5 / 1 : نوح عليه السلام قال : ( رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِي مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلا تَزِدْ الظَّالِمِينَ إِلاَّ تَبَاراً (28) نوح )
5 / 2 : إبراهيم عليه السلام قال : ( رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ (41) إبراهيم )
5 / 3 : وقال عيسى عليه السلام : ( وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ ‎وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً (31) وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً (32) مريم )
5 / 4 : وقال جل وعلا عن يحيى عليه السلام : ( يَا يَحْيَى خُذْ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً (12) وَحَنَانَاً مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيّاً (13) وَبَرّاً بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيّاً (14) مريم )
6 ـ وهناك حديث وضيع يقول : ( من أحق الناس بحسن صحابتى ؟ قال : أمك ، قال : ثم من ؟ قال : أمك ، قال : ثم من ؟ قال : أمك . قال ثم من ؟ قال أبوك ). هذا ينافى الاحسان للوالدين في تشريع القرآن الكريم ، إذ لا تفرقة بين الأب والأم ، فهما متساويان في كلمة ( الوالدين ) و ( الأبوين ). فالأم ضمن ( الوالدين ) و ( الأبوين ). ومع أنه جل وعلا ذكر معاناة الأم في الحمل إلا إن الأمر بالاحسان جاء لهما معا بوصفهما بالوالدين ، لأن الأب مشارك للأم في معاناتها . قال جل وعلا :
6 / 1 : ( وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً )(15) الاحقاف )
6 / 2 : ( وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنْ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) لقمان ).
أخيرا : مع الاحسان لهما : حقوق الوالدين :
قال جل وعلا :
1 ـ ( يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (215) البقرة ).
هذا في النفقة والانفاق عليهما في الصدقة الفردية .
2 ـ قال جل وعلا : ( كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ (180) البقرة ). هذا في الوصية قبل الموت وتنفيذها يكون قبل توزيع الميراث .
3 ـ ( يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً (11) النساء ).
نلاحظ :
3 / 1 : هنا التأكيد على زيف الحديث الوضيع الذى يزعم أنه لا وصية لوارث . فللوالدين ميراث ، ويجب أيضا لهما الوصية .
3 / 2 : موضوع للذكر مثل حظ الأنثيين تنطبق على الأولاد ، ولا تنطبق على الوالدين . فهما متساويان في الميراث بالسدس أو الثلث حسب وجود أولاد من عدمه .

الفصل الثانى
التيسير في التشريع مراعاة للضعف والضعفاء
أولا : بين تيسير شريعة الإسلام وتغليظ شريعة السُّنّة
1 ـ تشريعات الأديان الأرضية مؤسّسة على العنت والمشقّة والتغليظ والتزمُّت والحظر والنكد ، أو ما كنا نطلق عليه ( فقه النكد ) . فاذا أحب الناس شيئا مُباحا بادروا الى تحريمه ، ويسرى هذا على فتاويهم الغليظة في تحريم نقل الأعضاء وفى أنواع الفنون . وعموما فكل ما لا يعرفونه يسارعون بتحريمه ، وكل جديد يأتي به العلم فهو حرام لأنه لا وجود له في تراثهم الفقهى القديم الذى ولّدته العصور الوسطى .
على النقيض من ذلك فإن مبنى الشرع الاسلامى هو التخفيف ، لأن الله جل وعلا خلق الانسان ضعيفا . قال جل وعلا :( يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً (28) النساء ) .
ثانيا : مظاهر التخفيف في التشريع الاسلامى :
لا وجود للحرج أي العنت والمشقة في تشريع الإسلام . قال جل وعلا :
1 : ( وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ )(78) الحج ).هذا في عموم التشريع .
2 : ( مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (6) المائدة ) هذا في تشريع الطهارة .
الله جل وعلا لا يكلف الله نفسا الا وسعها . تكرر هذا في قوله جل وعلا :
1 : عموما :
1 / 1 : ( لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا ) ثم في نفس الآية : ( رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا ) (286) البقرة )
1 / 2 : ( لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا ) 152 الانعام ). هذا في سياق الوصايا العشر.
2 : في تشريع الرضاعة :
2 / 1 :( لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا ) 233 البقرة )
2 / 2 : ( لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً )(7) الطلاق )
3 : عن أصحاب الجنة الذين تمتعوا في حياتهم بهذا التخفيف :
3 / 1 : ( لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا ) 42 الأعراف )
3 / 2 : ( وَلا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا ) (62) المؤمنون ).
4 : جاء أمرا للنبى محمد عليه السلام :
4 / 1 : ( قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُتَكَلِّفِينَ (86) ص ) ، أي لا يكلفهم أجرا ، ولا يأخذ منهم أجرا .
4 / 2 :( فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ )(84) النساء )، أي ليس مؤاخذا بما يفعله الآخرون من المؤمنين المتكاسلين عن القتال الدفاعى . ومنه قوله جل وعلا له عن الكافرين : ( إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ (119) البقرة ).
المؤاخذة على التعمد فقط ، ولا مؤاخذة على الخطأ غير المقصود ، ولا على النسيان . قال جل وعلا :
1 :( وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُم ْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (5) الأحزاب )
2 : ( رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا 286 البقرة )
3 : معاقبة من يتعمد قتل الصيد في الحرم ، مع العلم بأن ( التعمُّد ) هو في داخل النفس ( من يتعمّد ) ، أي إن تقدير التعمُّد يرجع للشخص نفسه ، إذا كان تقيا يبادر بتقديم الكفارة . قال جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَاماً لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ ) (95) المائدة )
عفوه جل وعلا ( عمّا سلف ) وغفران ما سبق عند التوبة وعقوبة من يعود لنفس المعصية
قال جل وعلا :
1 ـ الآية السابقة : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَاماً لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ (95) المائدة ) . هنا عفو عمّا سلف مع تغليظ العقوبة الإلهية على من عاد .
2 : في ربا الصدقة : يحرم تقديم قرض للفقير بربا ، مع استحقاق الفقير الى صدقة . ( الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (275) البقرة ). من اتعظ بهذا عفا الله جل وعلا على ما سلف منه . والعقوبة الإلهية تنتظر من عاد .
3 ـ ( قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ (38) الانفال ) . الكافرون المعتدون إذا كفُّوا عن عدوانهم وأخلصوا لرب العزة جل وعلا دينهم غفر الله جل وعلا ما سلف من أمرهم .
4 ـ في نكاح المحرمات :
4 / 1 : ( وَلا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنْ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً وَسَاءَ سَبِيلاً (22) النساء ) . هنا عدم سريان التحريم بأثر رجعى . أي لا تفريق بين زوجين قبل نزول هذا التشريع : ( نكاح من نكحها الأب )
4 / 2 : ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمْ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنْ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمْ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمْ اللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمْ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً (23) النساء ) .
هنا عدم سريان التحريم بأثر رجعى . أي لا تفريق بين زوجين قبل نزول هذا التشريع : ( نكاح من جمع بين أُختين ). قارن هذا بالخبل السُنّى بالتفريق بين زوجين على أساس ان الزوج في نظرهم مرتد . عار وقع فيه السنيون المصريون المعتدلون بالتفريق بين د نصر حامد أبى زيد وزوجته د ابتهال يونس.!. رحم الله جل وعلا د نصر .!
إباحة المحرمات عند الضرورة
قال جل وعلا :
في تشريع المحرمات في الطعام
1 ـ ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالأَزْلامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً فَمَنْ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (3) المائدة )
2 ـ ( إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنْ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (173) البقرة )
3 ـ ( وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيراً لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ (119) الانعام )
4 ـ ( قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنْ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (145) الانعام )
5 ـ ( إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنْ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (115) النحل )
عن التصريح بالكفر عند الإكراه :
( مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنْ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (106) النحل )
عن التقية عند الاضطرار :
( لا يَتَّخِذْ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنْ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمْ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (28) قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (29) آل عمران )
قبول الأعذار :
في القتال الدفاعى
( لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (91) وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنْ الدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُوا مَا يُنفِقُونَ (92) التوبة )
( لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (91) التوبة )
( لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَاباً أَلِيماً (17) الفتح )
في الصيام
( أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (184) شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185)البقرة )
إباحة الفطر مع القضاء للمسافر والمريض ، وإباحة الفطر بدون قضاء للعاجزين عن الصيام مع دفع فدية ، وتأكيد هذا بقوله جل وعلا :( يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ).
في الحج :
هو فرض على المستطيع فقط : ( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ) (97) آل عمران ).
إسقاط العقوبة عند التوبة
وهذا في حالات :
الزنا والقذف للمحصنات . قال جل وعلا : ( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ (2) الزَّانِي لا يَنكِحُ إلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (3) وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ (4) إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5) النور )
السرقة . قال جل وعلا : ( وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38) فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (39) المائدة )
قُطّاع الطريق ( قبل القدرة عليهم ) . قال جل وعلا : ( إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنْ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33) إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (34) المائدة )
في القصاص في القتلى : دفع الدية في بعض الحالات تخفيفا ورحمة. قال جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنْ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (178) البقرة )
إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة بمعنى الرجوع للإسلام السلوكى والكفّ عن القتال ونقض العهد ، وعندها يكونون أُخوة في دين الإسلام ، أو دين السلام . قال جل وعلا : ( فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (11) التوبة ) . التوبة عن الاعتداء هي إقامة للصلاة وإيتاء للزكاة بمفهوم الإسلام السلوكى السلمى .
أخيرا
يكفى أن نتدبّر قول رب العزة جل وعلا : ( مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً (147) النساء ) .
ودائما : صدق الله العظيم .!!

الفصل الثالث
حقوق النساء
مقدمة
قلنا إن في الضعف قوة ، والبكاء أقوى علامة على الضعف ، وبه تُظهر المرأة ضعفها فتكون قوية . وهكذا يفعل الطفل بالغريزة ، ولكن تفعله المرأة عن دراية بتحويل ضعفها قوة . في الأغلب يتحكم الرجال ، أو هذا ما يبدو . لأن الأقوى في المجتمع هو المستبد سواء كان امبراطورا / سلطانا / خليفة / رئيسا ، ولكن قد يكون تابعا أو خاضعا لامرأة ، قد تكون زوجة أو محظية أو الأم . يختلف الأمر في تشريعات الأديان الأرضية ، فالمشرعون فيها ــ لا نقول ( رجالا ) بل ( ذكورا ) . يفرضون ذكوريتهم في تشريعاتهم ، فيظلمون المرأة ، خصوصا في التشريعات الخاصة بها في الزواج والطلاق والميراث والعمل . سيأتى لنا كتاب قادم بعون الرحمن جل وعلا عن تشريعات المرأة بين الإسلام والدين السُنّى . ولكن نعطى هنا لمحة عن تشريعات التي تحمى حقوق المرأة من ظُلم الأديان الأرضية .
أولا
هناك المقاصد التشريعية التي تدور في إطارها القواعد التشريعية والتي تخضع لها الأوامر والنواهى التشريعية . الخلط بين هذا وذاك يوقع في سوء الفهم . في تشريعات المرأة نرى المقاصد التشريعية في العدل ومنع الظلم . قد يكون الزوج ظالما وقد تكون الزوجة ظالمة ، وهذا معروف في الحياة . ونزلت تشريعات القرآن الكريم لتعالج هذا .
يقول جل وعلا فيما يجب أن يكون :
1 ـ ( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21) الروم ). كلمة ( أزواج ) هنا تفيد الزوج الذكر والزوج الأنثى ، وهذا من مصطلحات القرآن الكريم ، إذ لم تأت فيه مطلقا كلمة ( زوجة ) . والمفهوم من الآية الكريمة أن الزوج الذكر مخلوق للزوج الأنثى ، وأن الزوج الأنثى مخلوقة للزوج الذكر ، وبالتساوى . وبالتساوى أيضا ( يسكن ) كل منهما للآخر ، وتكون بينهما مودة ورحمة . لكن تعبير ( لتسكنوا اليها ) غاية في الدلالة ، إذ أنه ليس ( سكن في ) كمن يسكن في بيت ، ولكن ( سكن الى ) بمعنى أن يكون كل منهما راحة للآخر ، يسكن اليه ويرتاح في قُربه ، ويأنس اليه .
2 ـ ( هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ ) 187 البقرة ). هنا المساواة أيضا بين الزوجين ، هي لباس له ، وهو لباس لها . أي هي وطن له ، وهو وطن لها .
3 ـ في وصف للزواج قال جل وعلا في بعض حقوق الزوجة :( وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً (21) النساء ). الزواج ميثاق غليظ ، وبه أفضى هذا الى هذه ، وأفضت هذه الى هذا .
4 ـ وعلى الزوج أن يعاشر زوجته بالمعروف، وحتى إن كرهها فليصبر عليها، وإن صبر عليها فإن الله تعالى يعده بأن يكون فيها خير كثير له في ماله وأولاده وحياته : ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً (19) النساء). الى هذا الحدّ يبلغ الحرص من رب العزة جل وعلا على معاملة الزوجة بالمعروف !!
5 ـ وحتى في تشريع القوامة وتأديب الزوجة الظالمة يأتي التحذير الالهى من البغى على الزوجة إن لم تكن ظالمة . قال جل وعلا : (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً (34) النساء ) . القوامة تعنى مسئولية الزوج على الزوجة لأنه الذى ينفق علي البيت وعليها وهو الذى يحمى أسرته ويدافع عنها، وعلى الزوجة الصالحة أن تحفظ بيتها وزوجها وأولادها. والله تعالى رقيب عليها. وله أن يؤدبها إذا كانت ناشزا ظالمة ، ولكنه جل وعلا يحذر من ظلمها . مع ملاحظة أنه في عقد الزواج يمكن أن تشترط أن تكون العصمة في يدها أو أن تكون لها القوامة على زوجها ، ولو رضى بذلك أصبح واجبا الوفاء بالعقود ، فالزواج ( ميثاق غليظ ) وعلاقة تعاهد يكون الله جل وعلا شهيدا عليها، ويتعين فيه الوفاء بالعقود والعهود . قال جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (1) المائدة ). ( وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152) الانعام ) ( وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (91) النحل ) ( وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولاً (34) الاسراء ). أمّا تفاصيل ( وَاضْرِبُوهُنَّ ) وغيرها فستأتي في الكتاب المُشار اليه عن تشريعات المرأة .
ثانيا :
قبل نزول القرآن الكريم لم تكن للمرأة حقوق في الميراث ولا في الزواج . فرض لها رب العزة جل وعلا صداقا في الزواج ، وجعله باتفاق بين الطرفين عن تراض بينهما بعد فرض المهر ، وهذا مع النفقة . وجعل رب العزة حقا لها في الميراث .
قال جل وعلا :
1 ـ ( لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً (7) النساء )
2 ـ ( وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُوا الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً (8) النساء )
3 ـ ( يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً (11) وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمْ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوْ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ (12) تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13) وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ (14) النساء )
3 : ( يَسْتَفْتُونَكَ قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنْ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالاً وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (176) النساء ).
4 ـ ( كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ (180) فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (181) فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (182) البقرة ).
ونلاحظ :
1 ـ البدء بتقرير حق الرجال والنساء في التركة ، مهما قلّ أو كثُر : ( النساء 7 )
2 ـ قبل توزيع التركة يكون الآتى :
2 / 1 : إعطاء جزء من التركة لمن يحضر من الأقارب غير الورثة واليتامى والمساكين ، مع قول معروف . والنساء ضمن هؤلاء .
2 / 2 : قضاء الديون وتنفيذ الوصية : ( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ ) 11 النساء ) ( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ )( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ) ( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ ) 12 النساء )
3 ـ في توزيع التركة يكون للذكر مثل حظ الأنثيين بالنسبة للأولاد والزوج والزوجة ، ثم الأخوة والاخوات ( عند الكلالة وعدم وجود أولاد ). وهنا أيضا نلاحظ استعمال ( أولاد ) للذكور والاثاث: ( يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ ) . الذكور هنا هم الذين يدفعون المهر في الزواج . فالولد عليه مسئولية الزواج من صداق ونفقة . أما البنت فهى التي تتلقى الصداق والنفقة . فالمساواة بينهما في الميراث ظلم .
4 ـ لا يكون هذا بالنسبة للوالدين . هما يتساويان في التركة . والتعبير عنهما بالمساوة في الاستحقاق وفى الوصف ، فهما ( أبوان ) الأم ( أب ) والوالد ( أب ) :( وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ )
5 ـ أنصبة الميراث محددة بالنصف والربع والثُمن والسُّدس . وتأتى الوصية للأقربين الورثة لتعالج ظروفا خاصة . قد تكون ظروف البنت تستدعى المساعدة أكثر ، فيمكن الوصية لها ، ولكن بدون ضرر . قال جل وعلا عن الوصية : ( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ (12) النساء ). ويلاحظ أن الوصية للأقربين ، أي الورثة ، ومنصوص فيها الوصية للوالدين . فلهما حق في الميراث ، وحق في الوصية تحديدا وتعيينا . أما عن الأقربين من الورثة فهو للمستحق منهم ، ولكن بالمعروف ، بدون ظلم .
6 ـ تشريعات المواريث من ( حدود ) الله جل وعلا. ومن يتعداها يتوعّده رب العزة بالخلود في النار . المُخاطب بهذا هم ( المؤمنون ) . يمكن أن يخلد بعضهم في النار بسبب ظلم في موضوع الميراث
أخيرا
لم يفهم هذا أصناف من الناس :
1 ـ أئمة الدين السُنّى الذى جعلوا في دينهم أنه: ( لا وصية لوارث ).
2 ـ بعض العلمانيين الذين يطالبون بالمساواة في الميراث بين الأبناء . لا يعرفون أن المساواة على إطلاقها قد تكون ظُلما .
3 ـ الأغلبية التي لا تعطى النساء حقوقهن في الميراث .

الفصل الرابع
حقوق بقية الضعفاء
مقدمة
بعد الأطفال والوالدين واليتامى المحتاجين للرعاية والإحسان يتبقى حقوق الضعفاء من المساكين والسائلين والمحرومين وابن السبيل والأقارب والأتباع والجيران ، والإحسان اليهم . ونعطى لمحة سريعة:
أولا : عن السائل والمحروم
هناك فقراء لا يسألون تعففا ، ولكن أحوالهم تعبّر عنهم ، هؤلاء يجب إعطاؤهم . قال جل وعلا عنهم : ( لِلفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمْ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنْ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافاً وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (273) البقرة ). وهناك من يتسول و ( يسأل ) ، وهناك المحروم . قال جل وعلا عمّن يريد أن يكون من المتقين المستحقين للجنة :
1 ـ ( وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19) الذاريات )
2 ـ ( وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25 ) المعارج )
ونلاحظ :
1 ـ إن للسائل حقا لمجرد أنه يسأل الصدقة والعون ، بغض النّظر عن مظهره ، وعمّا إذا كان صادقا أو كاذبا مُدعيا للفقر محترفا للتسول متهما باكتناز المال . لو كان كذلك إعطه القليل ، لكن لا تحرمه حقا منصوصا عليه في القرآن الكريم . يكفى أنه أظهر ضعفا يستجدى به العون فلا تحرمه من العون . وتذكر إن الله جل وعلا ينهى عن أن تنهر السائل . قال جل وعلا : ( وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ (10) الضحى )
2 ـ قد تعرف حال السائل أو لا تعرف . لكن من المفترض أن تكون عارفا بالمحروم المحتاج فعلا للعون .
3 ـ تعبير ( السائل والمحروم ) شامل ، لا يقتصر على المال بل كل شيء . هناك فقير يحتاج المال ، وهناك مريض يحتاج العلاج ، وهناك مديون يحتاج العون ، وهناك من يمرُّ بأزمة نفسية أو إجتماعية يحتاج لمن يقف الى جانبه . المهم أن السائل والمحروم من حالات الضعف الانسان التي تستوجب حقا ، وعلى من يتقى الله جل وعلا أن يؤدى هذا الحق إبتغاء مرضاته جل وعلا .
4 / 1 ـ تعبير ( حق ) يعنى إن له عندك حقا ، عليك أن تعطيه حقه عليك .
4 / 2 : و تعبير ( حق معلوم )، يعنى أنك تجعل نسبة مما يأتي اليك من رزق للوفاء بهذا الحق . وهذه النسبة تكون لكل مستحقى الصدقة والإحسان المالى .
4 / 3 : هو ( حق معلوم ) بالنسبة للمؤمن الذى يتقى الله سبحانه وتعالى . ومتروك تقديره له .
5 ـ ليس في الشرع الإسلامي تحديد لمقدار الزكاة المالية أو التبرع في سبيل الإسلام جهادا . لأن بذل المال هو تزكية وتطهير للنفس ، به ينجو المؤمن من الجحيم . قال جل وعلا : ( وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى (17) الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى (18) وَمَا لأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى (19) إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى (20) وَلَسَوْفَ يَرْضَى (21) الليل) .
6 ـ والله جل وعلا يقول تعبيرا غاية في الدلالة والتأثير في قلب المؤمن الذى يتقى ربه ، إنه تعبير : ( إقراض الله جل وعلا قرضا حسنا ) . الله جل وعلا الغنى عن العباد الصمد الذى لا يحتاج الى أحد ويحتاج اليه كل أحد يستعمل هذا التعبير ، بل وهو جل وعلا يعد بأن يضاعف لمن يقرضه في الدنيا والآخرة . وهو جل وعلا لا يخلف وعده . قال جل وعلا :
6 / 1 : عن التبرع للجهاد في سبيل الله جل وعلا :
6 / 1 / 1 :( مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (245) البقرة )
6 / 1 / 2 :( مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ (11) الحديد )
6 / 2 : عن التبرع عموما :
6 / 2 / 1 :( إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ (17) التغابن )
6 / 2 / 2 :( وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً ) (20) المزمل )
7 ـ وقال جل وعلا : عن المتقين الأبرار: ( وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ ) البقرة 177 ).
7 / 1 :هنا نوعيات من مستحقى العون المالى والإحسان ، ومنهم ( السائلون ).
7 / 2 ويلفت النظر قوله جل وعلا : ( وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ )، أي التبرع بأحبّ ما لديه من مال . وقد جاء هذا المعنى أيضا في قوله جل وعلا :
7 / 2 / 1 : ( لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (92) آل عمران )
7 / 2 / 2 : ( وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً (8) الانسان )
ثانيا : عن بقية المستحقين
قال جل وعلا في الصدقة الفردية :
1 ـ ( يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (215) البقرة )
2 ـ ( وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ ) البقرة 177 )
بالإضافة الى الحق المالى فهناك ( الإحسان ) أي الود والعطف . وهذا يشمل أصنافا أخرى ، جاءت في قوله جل وعلا : ( وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ )(36) النساء ). هنا الجيران مع الوالدين وذوى القربى وغيرهم .
ثالثا :ونتوقف مع المسكين .
وهو الأكثر ضعفا ، لأن المسكين من المسكنة أي الذل ، فهو أفقر الفقراء الذى يحتاج الى الطعام . ونلاحظ ارتباطه بموضوع الطعام ، في :
فرضية الحضّ على إطعامه . قال جل وعلا :
1 ـ ( وَلا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (18) الفجر )
2 ـ ( أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2) وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (3) الماعون)
4 ـ ( إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (33) وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (34) الحاقة )
وإطعام المسكين من صفات المتقين أصحاب الجنة . قال جل وعلا :
1 ـ ( وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً (8) الانسان )
2 ـ ( أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ (15) أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ (16) البلد ).
وعدم إطعام المساكين هو من صفات أصحاب النار . سيُسألون : ( مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) وستكون إجابتهم :( قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46) المدثر )
ويأتي حق المسكين مقرونا بذوى القربى ، لتكون الشفقة به والمسئولية عنه مثل الوالدين والأهل والأقارب . قال جل وعلا عن حقه قبل توزيع التركة في إعطائه جزءا منها مع القول المعروف : ( وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُوا الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً (8) النساء )
ويأتي معه ابن السبيل . قال جل وعلا :
1 ـ ( وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ) (26) الاسراء )
2 ـ ( فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ (38) الروم ). وابن السبيل يعنى الغريب المسافر الذى يمر ببلد ليس له فيه بيت أو مستقر . وهو الآن يشمل أطفال الشوارع ومن لا بيت له ..الخ .
رابعا : وعن حقوقهم المفروضة على الدولة الإسلامية
1 ـ في الصدقات التي تجمعها . قال جل وعلا : ( إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60) التوبة ). هنا ( العاملون عليها ) أي الموظفون القائمون بتحصيلها . ثم هناك طوائف على مستوى الدولة : الفقراء والمساكين ( حسب مستوى الدخل ). ويدخل في الفقر العلاج ، فالفقر يعنى الافتقار والحاجة اى شيء . وهناك مرضى محتاجون للعلاج ، ثم هناك ( المؤلفة قلوبهم ) ، وهذا شبيه بما تفعله الدول الكبرى في مساعداتها للدول الفقيرة وعند الكوارث والأزمات في دول أخرى . والغارمون الذين يضمنون من ضمن شخصا فعجز عن السداد فتعين عليه أن يقوم عنه بالسداد . وفى سبيل الله أي في الجهاد دعوة سلمية أو قتالا دفاعيا ، ثم رعاية أبناء السبيل . أبناء السبيل الآن هم : أطفال الشوارع ، والمُشرّدون و الشباب المحتاج الى سكن ليتزوج . والأرامل والعجائز ذكورا وإناثا ، والذين لا أقارب لهم يهتمون بهم .
على الدولة الإسلامية أن تقيم مؤسسات لأولئك جميعا ، وأن تجعل تأمينا صحيا للفقراء ، ومطاعم مجانية للمساكين ، ومساكن شعبية مخفّضة الثمن وعلى أقساط مريحة للمحتاجين من العائلات والأُسر والذين إنهارت مساكنهم ويحتاجون الى إيواء . هؤلاء جميعا ضعفاء لهم حق على الدولة الإسلامية . جدير بالذكر إن هذا ما نرى معظمه يتحقق في أمريكا .
ويمكن للأفراد رعاية الفقراء والمساكين والسائلين والمحرومين من النساء والأطفال وكبار السّن بتكوين جمعيات متخصصة .
2 ـ عما ( يفىء ) أي يؤول الى خزينتها ، قال جل وعلا :( مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7) الحشر ). ذوو القربى هنا هم أقارب الجنود المقاتلين دفاعا عن الدولة .
3 ـ عما تحصل عليه من غنائم ، قال جل وعلا : ( وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (41) الانفال )
أخيرا
1 ـ نلاحظ فيما سبق أن المستحقين لا يشترط فيهم أن يكونوا مسلمين ، هم يحصلون على حقوقهم ليس بصفتهم الدينية بل بصفتهم المحددة ، أقارب وجيرانا وأيتاما وفقراء ومساكين وأبناء سبيل . لا عليك أن كان المستحق ضالا أو مهتديا ، مؤمنا أم ملحدا . ليس عليك هداهم لأن الهداية مسئولية شخصية . الذى عليك أن تعطيهم حقوقهم تبتغى مرضاة الله جل وعلا . قال جل وعلا : ( لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلأَنفُسِكُمْ وَمَا تُنفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (272) البقرة )
2 ـ وحتى يرتبط إعطاء المال بالإحسان فانه جل وعلا لا يقبل صدقة فيها منُّ واذى . يقول جل وعلا : ( الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُوا مَنّاً وَلا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (262) قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (263) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (264) وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (265) البقرة )
3 ـ ولقطع الطريق على الذين يجمعون المال بالظلم ثم يتصدقون منه قال جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنْ الأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (267) البقرة )
4 ـ وطالما تبتغى رضا الله جل وعلا وحده فليس مهما أن تكون صدقتك علنية أو سرية . قال جل وعلا : (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (271) البقرة ). الصدقة المقبولة يكون بها تكفير السيئات .
















الباب الثانى :
عن الاستضعاف والقوة
الفصل الأول
الضعف النفسي : قصص من الحياة ومن التاريخ
أولا :
قصص من الحياة
1 ـ هذه قصة مشهورة . بطلها ــ رحمه الله جل وعلا ــ كنت أعرفه جيدا .
1 / 1 : كان إنسانا بسيطا وشهما وفقيرا . كان يعمل في زراعة أرض يملكها أحد الأثرياء أصحاب النفوذ . عمل هذا الفلاح بكل ما في وسعه في موسم زراعة القطن ، وطمع صاحب الأرض الثرى في أن يخرجه من الأرض بالقوة ، برغم الاتفاق المكتوب بينهما . أمره أن يترك الأرض بلا مشاكل ، فرفض . قال له : " ستخرج منها بالقوة ، وإياك أن تذهب الى هناك ". في اليوم التالى ذهب الى الأرض فوجد عشرة من الرجال الأشدّاء كل منهم معه بندقية يلوّح بها في الهواء تهديدا له . كان معه الفأس ، رفعه وجرى نحوهم عازما على أن يقاتلهم ، رأوه بحالته هذه ، فهربوا جميعا .
1 / 2 : هذا شخص وحيد ، وأمامه عشرة رجال مسلحون . المنظر الخارجي يؤكد أنهم الأقوى . ولكن هذا الشخص ( الضعيف الوحيد ) أيقظ في نفسه قوة كامنة. ببساطة قرّر أن يموت دفاعا عن حقه وكرامته . الآخرون ليست لهم قضية تستحق أن يقاتلوا في سبيلها . هم راهنوا على ضعف الرجل متأكّدين أن مظاهرتهم المسلحة سترعبه وتُخيفه . لم يخف ، بل هجم عليهم بقوة فهربوا .
2 ـ كتبت هذا المقال ونشرته جريدة الأحرار في يوم 28/ 9/ 1992 . وكان عنوانه ( فلسفة النجاح ) . أُعيد نشره هنا :
( 1 ـ هذه قصة حقيقية حدثت في الستينات. بطلها فلاح مصري عادي, كان يمتلك بضعة أفدنة يقوم على زراعتها بنفسه لأن أولاده تخرجوا في الجامعات وتشعبت بهم السبل وتركوه وحيدا يزرع الأرض . وفي تلك الأيام كانت الجمعية الزراعية تسيطر على كل ما يخص الأرض والفلاح ، وكان مركز البوليس يعيش في فترة طوارئ في موسم زراعة القطن , وكان الفلاحون يساقون إلى مركز البوليس بالعشرات إذا اتهمتهم الجمعية الزراعية بالتهاون في مقاومة دودة القطن أو مخالفة الدورة الزراعية ، أو بأي تهمة تجول بخاطر السيد المسئول عن الجمعية الزراعية . وهناك في المركز كان المأمور وزبانيته يقومون بعملهم الروتيني ؛ يعلقون الفلاحين المساكين كالذبائح وينهالون عليهم ضربا . وبعد العلقة الساخنة يعود كل فلاح يلعق جراحه ويشكو الظلم لربه ويكتفي بذلك ، حيث اعتاد الفلاح هذا العذاب منذ أيام السخرة في عهد محمد علي باشا حتى ارتبطت شجرة القطن في ضمير الفلاح المصري بوصف ( شجرة العذاب ) . وشاء حظ صاحبنا الفلاح بطل هذه القصة أن يساق مع غيره إلى المركز بتهمة أنه لم يساهم بأنفار – أو صبيان - في المقاومة. وكان عذره واضحا، لأن أولاده كبروا وتركوا البلد ، واعتاد أن يستأجر بعض الصبيان حتى لا يعطي الفرصة لخصومه في الجمعية الزراعية ، ولكن حدث أن تخلف أحد الصبيان يوما فاستيقظ صاحبنا من نومه في اليوم التالي على استدعاء له بالذهاب لمركز الشرطة. وهنا ذاق ما ذاقه الآخرون من التعليق والضرب بالسوط والعصي والفلقة، وعاد وجروحه النفسية والجسدية أقصى من طاقته على الاحتمال. وظل طوال الليل لا تغفل له عين . وفي الصباح أستأجر رجالا قاموا بتقطيع كل أشجار القطن في أرضه ، واستأجر عربة نقل ضخمة. وفوجئ مأمور المركز في اليوم التالي بأكوام هائلة من أشجار القطن ملقاة أمام مبنى المركز. ودخل عليه صاحبنا الفلاح ، وقال له بصرامة: ( هذا هو القطن الذي علقتني بسببه كالذبيحة وتورم جسدي في سبيله. خذه) ، وقبل أن يفيق المأمور من دهشته تشجع صاحبنا الفلاح وبصق في وجه المأمور ، وصرخ بأن لديه بندقية في بيته وإذا جاءه أحد من طرف المركز بعد الآن سيفرغها فيه ثم يقتل نفسه، وانه لن يزرع قطنا بعد الآن ولن يستطيع مخلوق أن يرغمه على زراعة هذا القطن الملعون. وبعد ذلك خرج الفلاح من المركز مرفوع الرأس ، والمأمور قد توقف عقله عن التفكير من الذهول والمفاجأة والخوف، وهو لا يعرف كيف يتصرف في أطنان الشجر الذي يسد الطريق أمام المركز، وهو يخشى أن يصل الأمر إلى رؤسائه وأن يكون متهما في تدمير تلك الثروة. وفي النهاية أمر قطيع الفلاحين الغلابة ــ الذين جئ بهم في ذلك اليوم لينالوا نصيبهم من العذاب – أمرهم بالتخلص من تلك المشكلة. وتعلم من يومها أن يحترم ذلك الفلاح الشجاع وألا يعترض طريقه. وحافظ صاحبنا على كلمته فلم يزرع القطن في أرضه إلى أن مات عزيزا كريما.
2 ـ عايشت هذه الحادثة حين كنت طالبا في الثانوي ، وعاش هذا الفلاح في عقلي نموذجا للمصري الأبيّ الذي يستيقظ فيه فجأة بركان الصبر على الظلم فيدمّر ما يقف في طريقه .!. وبركان الظلم في الضمير المصري يبلغ من العمر سبعين قرنا من الزمان ، احتمل فيها الفلاح المصري آلاف الظلمة من الأجانب ، ثم جاء على طريقهم الحكام المصريون بعد الثورة فألهبوا ظهور إخوانهم بالسياط في أقسام الشرطة والسجون والمعتقلات , ولا يزالون يفعلون .. ويحدث أحيانا أن يستيقظ البركان وتظهر فورة غضب مدمرة ولكن تستطيع الدولة القضاء عليها دون حل جذري للمشكلة ، مما يجهز المسرح المصري لفورات غضب أخري والله وحده هو الأعلم بعواقبها .
3 ـ إن المصريين مثل رمال الصحراء ؛ قد يتحملون أقدام الظالمين ، ولكنهم في لحظة ما تثور رمال غضبهم في عيون الظالم وتجرفه الرمال المتحركة إلى غياهب المجهول . ولابد من علاج لهذا الحال حتى لا يتراكم الإحساس بالظلم وينفجر في بركان .
4 ـ أيها المصري : لا تظلم أحدا ولا تدع أحدا يظلمك . لا تفرط في حقك ولا في كرامتك طالما أنت على الحق . وتذكر أن ربك وحده هو الذي بيده مفاتيح الرزق وبيده موعد الموت ، ولا تملك قوة في العالم أن تمنعك رزقا كتبه الله لك ، ولا أن تُميتك قبل الموعد الذي حدده الله تعالى لموتك . وطالما أن الرزق والعمر بيد الله تعالى وحده فلا تخش أحدا إلا الله ، وإذا اتقيت الله وحده فلن تخاف البشر . إنك إذا تمسكت بحقك ورفضت الظلم أرغمت الظالم أن يفكر ألف مرة قبل أن يقدم على ظلمك. أما إذا تمسكت بفلسفة النعاج وتحملت الظلم مرة ومرات فإنك تشجع كثيرا من الحيوانات الأليفة على افتراسك ، فحيث تتكاثر النعاج تتكاثر إلى جانبها الذئاب ، والشعب الواهن الذليل هو الذي يخلق الفرعون المستبد في كل مكان. والشعب الخانع يفرز حكومة ظالمة تستأسد على الشعب الذي أنجبها وتتضاءل في نفس الوقت أمام حكومات العالم ، ولا تستطيع أن تنتصر إلا على الشعب الذي تسترقه ..
5 ـ إننا ينبغي أن نكون شعبا من الأحرار الأقوياء لتنبثق عنا حكومة قوية حرة. إن ذلك الفلاح المصري الذي بصق في وجه المأمور الظالم ينتمي إلى أسلاف عظام كان منهم السحرة الذين رفضوا إرهاب فرعون. ).
انتهى المقال الذى كتبته عام 1992 ، قبل الثورة الشعبية المصرية عام 2011 .
وأقول الآن ( 6 نوفمبر 2021 ) :
1 ـ لو تجمع عدة مئات من كل قرية أو حىّ في كل مدينة ، وتوجهوا الى أقرب مقر للشرطة أو ( أمن الدولة ) وزحفوا نحوه بتصميم وعزم فان الجنود والحراس سيهربون ، وسيهرب الفرعون نفسه .
2 ـ الفرعون يستمد قوته وجبروته من ضعف الشعب واستكانته وخضوعه وخنوعه ورضاه بالذلة والهوان . ولكن في داخل الفرعون خوفا ورُعبا يفوق المظالم التي يرتكبها والفساد الغارق فيه . هو الأضعف في نفسه ، ولكنه يستند على :
2 / 1 : استكانة الناس ، وثقافة ( الأنا ماليه ) يعنى ( وأنا ما لى ) .
2 / 2 : جنوده من نفس الشعب المأمورين بتعذيب وقهر أفراد الشعب .
هؤلاء ليست لهم قضية تستحق أن يناضلوا في سبيلها ، وهم يعرفون أن ما يفعلونه ظلم وقهر ، ولا يرضى أحدهم أن يحدث لأهله ما يفعله بالأبرياء ، ولكنه مُرغم أن يكون ترسا في آلة القهر . لا يقتصر هذا على الجنود بل هو نفس الحال مع الضباط ، وهم الأكثر وعيا وثقافة . في النهاية حين يزأر آلاف من الناس وينهضون دفاعا عن حريتهم وكرامتهم وحقوقهم الإنسانية والسياسية والوطنية فلن تصمد أمامهم تروس آلة القهر .
ثانيا :
من التاريخ المصرى
نحكى بعض ما جاء في تاريخ ابن الصيرفى ( إنباء الهصر بأبناء العصر ) الذى يؤرّخ فيه لعصر السلطان المملوكى قايتباى .
1 ـ قال عن بعض الحرفيين من طوائف العوام الذين رفضوا الظلم : ( وأصبحت مصر وأهلها ( يقصد ما يعرف الآن تقريبا بالقاهرة الكبرى ) في ألم شديد من عدة وجوه : وهو أن أساكفة ( أي صُنّاع الأحذية ) رُمى عليهم من ديوان الدولة جلود ( أى ألزمتهم الدولة بشراء جلود ليصنعوا منها الأحذية ) وأخذوا منهم عدة زرابيل ، نحو كل زربول بستة أنصاف ( النّصف عُملة فضية ) تحت ستة آلاف زربول ، وأما الخياطون والجوخيون ( صنّاع الجوخ ) وأرباب الصنائع فهم مجتمعون في عمل احتياج عظيم الدنيا الدوادار الكبير لأجل سفره ( أى تم تسخيرهم فى إعداد الحملة الحربية المتوجهة لقتال شاه سوار بقيادة الداودار الكبير يشبك ) ومصروفه في كل يوم على ما بلغني يصل إلى ألف دينار، ولا يقطع لأحد منهم درهماً واحداً ( أى لا يعطيه ) ..، وأما التجار الذين بالحوانيت فإنهم من أول شهر رمضان (875) إلى نصف الشهر المذكور بطّالون ( أى عاطلون ) بسبب بيع تركة الكفيلى بردبك الفارسي.. وإلى الآن ما انتهى المبيع، واتفق أن الأمير شرف الدين موسي بن غريب المتكلم في الوزارة عوضاً عن قاسم ، رمى الجلود التى أخذها منه من المدابغ على الأساكفة الذين بين القصرين وعلى أهل الصليبه: الدرهم بمثله مرتين على ما بلغني ، ( أى باعه لهم قسرا بثمن مضاعف ) ، وغرموا لأعوانه وقربائه ما لا يطيقونه،( أى أرغموهم أيضا على دفع الرشوة )، فأما أساكفة بين الصورين فإنهم اخذوا الجلود ووعدوهم ببعض الثمن ، وأما أساكفة أهل الصليبة فقد أصبحوا فوقفوا للسلطان فردهم خدام الحوش السلطانى ، فرجعوا وصعدوا إلى أعلى الجبل المقابل لحوش السلطانى الذى يجلس فيه للخدمة والأحكام واستغاثوا، فسأل السلطان عن أمرهم فأخبروهم بحالهم، فغضب السلطان- نصره الله ــ على ابن غريب وانتهى الأمر بإنصاف الأساكفة.).
2 ــ وتكرر نفس الموقف من تجار الأخفاف أو الأحذية في 8 أو 9 جمادى الآخر 876 ، فقد وقفوا للسلطان يشتكون الوزير لأنه استجد عليهم ضرائب جديدة، فقد كان عليهم في كل شهر أربعمائة درهم فزادها عليهم إلى ثلاثة آلاف، فأمر السلطان الوزير ابن غريب أن يرفع عنهم الزيادة ، وذهبوا لابن غريب فجعل المبلغ ألفاً وخمسمائة درهم فعادوا يستغيثون بالسلطان للمرة الثالثة فيما يحكيه مؤرخنا، فما كان من السلطان إلا ألغى ضرائب الأخفاف مطلقاً .
نقول : هؤلاء أساكفة حىّ الصليبية ( لا يزال حتى الآن في القاهرة ) لم يرضوا بالظلم وصمموا على الاحتجاج فأنصفهم السلطان. ماذا لو فعل ذلك كل العمال الحرفيين والفلاحين والمثقفين ؟
ثالثا : من التاريخ الفرنسي
1 ـ قبل يوم 14 يولية عام 1789 ، كان لسجن الباستيل في باريس نفس الشهرة المتوارثة في القهر والتعذيب ، مع أن المساجين فيه تقلّص عددهم . ولكن تشجّع ( أقول : تشجّع ) بعض الباريسيين فهاجم موقعا للبوليس في ليزانفيلد وغنموا ما فيه من بنادق ، ولم تكن فيها ذخائر . كانت الذخائر مع معظم الأسلحة داخل سجن الباستيل المُرعب ، والذى يقوم على حراسته حوالى 600 شخص . إتّجه حوالى 1000 من المتظاهرين وأحاطوا بالباستيل غير خائفين ، وصرخوا في الحراس يطالبونهم بالاستسلام . ودارت مفاوضات ثم مناوشات وسقط قتلى ، بعدها سقط حصن أو سجن الباستيل . واصبح يوم 14 يولية 1789 عيد قوميا للحرية الفرنسية .
رابعا :
قالها :
1 ـ أحمد شوقى :
1 / 1 : وللحرية الحمراء باب بكل يد مضرجة يُدقٌّ
1 / 2 :وما نيل المطالب بالتمنّى ولكن تؤخذ الدنيا غلابا
2 ـ أبو القاسم الشّابى :
إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر
ولا بد لليل أن ينجلى ولا بد للقيد أن ينكسر

أخيرا
أحسن الحديث :
قال جل وعلا : ( إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ )(11) الرعد )

الفصل الثانى
بين القوى والضعيف والمستضعف
أولا : قوة الضعف وضعف القوة
المسلسل الدرامى الامريكى باسيفيك ( المحيط الهادى ) هو أكبر المسلسلات في العالم تكلفة . وقد دار حول الحروب التى خاضتها أمريكا في الحرب العالمية الثانية لاستخلاص الجزر النائية في المحيط ( الباسفيكى / الهادى) من السلطة اليابانية . كانت حربا ضارية ، برع المسلسل في تقديمها بما يقرب من التوثيق ، وقدّم المسلسل من بقى حيا من الشخصيات الحقيقية للأحداث ، يروون ذكرياتهم . برغم وحشية القتال جاء فيه مشهد عن قتال ضار حول كهف يتحصّن فيه جنود يابانيون . نجح جندي أمريكى في اقتحام الكهف، بجانب القتلى اليابانيين وجد الجندى الأمريكي سيدة يابانية جريحة تحمل طفلها ، اقترب منها الجندى الأمريكى متوجّسا ، وضعت مسدس الجندى الأمريكى على صدغها تريده أن يقتلها وباليد الأخرى تعطيه طفلها ، وكان صراخه يملأ المشهد ويفتّت الأكباد . قتلها الجندى ، وحمل الطفل بكل حنان وخرج به من الكهف . هذا الطفل الصارخ كان الأقوى . إستمد هذه القوة الشديدة من ضعفه الشديد . الجندى الأمريكي المتمرس بالقتال ـ والذى كان يعبث بجثث اليابانيين القتلى ــ شعر بضعف شديد أمام الطفل الضعيف .
قال جل وعلا :
1 ـ : ( قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنْ الْمُحْسِنِينَ (78) يوسف ) . هنا أخوة يوسف يخاطبون عزيز مصر ، ولا يعلمون إنه أخوهم يوسف . كانوا يستعطفونه بأن يأخذ واحدا منهم بدلا من أخيهم المتهم بالسرقة . أساس الاستعطاف هنا أن له أبا شيخا كبيرا ضعيفا .
2 ـ ( وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ (84) قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنْ الْهَالِكِينَ (85) قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنْ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ (86) يوسف ).
3 ـ ( وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنْ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمْ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23) فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24) القصص )
4 ـ ( اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ (54) الروم )
المستفاد من الآيات الكريمة أن :
1 ـ الانسان يصل بعد الشباب والقوة الى الشيخوخة والضعف. تذهب عنه القوة ، ولكن ضعفه يجعل الآخرين يشفقون عليه ، خصوصا إذا بكى . لا يستطيع انسان عاقل أن يتحمل شيخا عجوزا يبكى .
2 ـ يعقوب في شيخوخته وحزنه على ابنه يوسف ابيضّت عيناه من الحزن . أثار هذا شفقة أبنائه ولم يكونا هكذا من قبل ، فكلموه في عطف ودون كذب يرجونه ألا يهلك نفسه من الحزن .
3 ـ والمرأتان في قصة موسى قالتا إن أباهما شيخ كبير، أي عاجز على أن يأتي ليسقى أنعامه بنفسه فأرسل إبنتيه . أثار هذا شفقة موسى فسقى لهما ، ثم تولى الى ظل شجره يشكو لربه جل وعلا إنه فقير يرجو الخير .
4 ـ هنا أيضا أخوة يوسف في شبابهم وقوتهم ، وموسى في عنفوان قوته ، وقد شعروا بضعف تجاه الأب الشيخ الكبير . هنا تجد في الضعف قوة ، وتجد في القوة ضعفا .
ثانيا : قوة داخلها ضعف
1 ـ موسى في شبابه وعنفوانه سقى للمرأتين ثم أوى الى الظل يشكو فقره وجوعه . الفقر والاحتياج ضعف . هناك الشباب القوى الفقير ، ولكنه يعانى الفقر والاحتياج . هذا الفقر والاحتياج نوع من الضعف .
2 ـ قال جل وعلا في قصة معركة ذات العسرة : ( لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (91) وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنْ الدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُوا مَا يُنفِقُونَ (92) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (93) التوبة ). هنا ثلاثة أصناف :
2 / 1 : مؤمنون ضعفاء ومرضى في شبابهم لا يستطيعون سوى النصيحة ، وقد إعتبرهم رب العزة جل وعلا محسنين .
2 / 2 : مؤمنون محسنون أقوياء بالصحة والقدرة على القتال ولكنهم فقراء لا يجدون ما ينفقون ، وليست معهم راحلة يركبونها ، وقد طلبوا من النبى محمد عليه السلام أن يوفّر لهم ما يركبون . فلما قال لهم : لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حُزنا على فقرهم .
2 / 3 : ثم هناك المنافقون القادرون على القتال والقاعدون عنه .
3 ـ وقد قال عنهم رب العزة :
3 / 1 : ( فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لا تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ (81) فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (82) التوبة )
3 / 2 : ( وَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُوْلُوا الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ (86) رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ (87) التوبة )
3 / 3 : ( إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (93) التوبة )
4 ـ هؤلاء المنافقون كانوا ضخاما الأجسام أقوياء . قال جل وعلا عنهم : ( وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ ) (4) المنافقون ) برغم ضخامة أجسادهم فهم في خوف دائم ، إذا سمعوا صيحة يحسبونها هجوما عليهم .
5 ـ كانوا يحملون خوفا هائلا ، حملهم على الاعتذار. قال جل وعلا عنهم :
5 / 1 : ( يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (94) سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (95) يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضَى عَنْ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (96) التوبة )
5 / 2 : ( وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ (56) لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ (57) التوبة ) . في ( فرقهم / خوفهم ) يودون الهروب الى ملاجىء ومغارات .
5 / 3 : وفى موقعة الأحزاب أرادوا الفرار ووصل بهم الخوف الى ما يشبه الموت . قال عنهم جل وعلا :
5 / 3 / 1 : ( وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلاَّ فِرَاراً (13) الأحزاب )
5 / 3 / 2 : ( قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمْ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنْ الْمَوْتِ أَوْ الْقَتْلِ وَإِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (16) قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنْ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً (17) قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلاَّ قَلِيلاً (18) أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنْ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُوْلَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (19) الاحزاب ) .
المستفاد من هذا :
قد يكون الجسد قويا ، لكن الضعف يعتريه بالمرض ، أو بالحاجة والفقر ، أو بالجُبن المسيطر عليه . هنا قوة داخلها ضعف .
رابعا : المستضعفون
قال جل وعلا :
1 ـ ( إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً (97) إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً (98) فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً (99) النساء )
المستفاد هنا :
1 / 1 : هناك مستضعف قادر على الهجرة ، ولكن رضى بالبقاء خانعا للظلم . ثم يزعم عند الاحتضار أنه كان مستضعفا في الأرض . يقدم عذره للملائكة عند الموت . وهو عذر كاذب ، لأنه كان باستطاعته أن يهاجر من هذه الأرض التي عاش فيها مُستضعفا . هذا الصنف ظالم لنفسه إذ رضى بالذل والهوان متعايشا مع الظلم خانعا له . وجود هذا الصنف يخلق المستبد ، فطالما يسير منحنيا فلا بد أن يقفز على ظهره من يركبه . أي هو ليس ظالما لنفسه فقط بل هو ظالم لوطنه ، يجعل وطنه ضيعة يملكها المستبد دون مقاومة .
1 / 2 : هناك المستضعفون الكارهون للوضع ، ولكن ما بيدهم حيلة ، لا يجدون وسيلة للخروج والهجرة. أولئك (عسى) الله جل وعلا أن يعفو عنهم ، وأيضا : ( عسى ) ألّا يعفو عنهم .
2 ـ ( فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (74) وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً (75) النساء )
المستفاد هنا :
1 ـ هناك مستضعفون يسعون للهجرة فلا يستطيعون ، فيدعون الله جل وعلا أن يُخرجهم من تلك القرية الظالم أهلها . هذه القرية الظالم أهلها فيها نوعان من الظالمين : الظالمون بأفعالهم ، والظالمون بسكوتهم .
2 ـ الله جل وعلا يجعل من مشروعية القتال في سبيله إنقاذ هؤلاء المستضعفين .
3 ـ الذين عليهم نُصرة أولئك المستضعفين هم الذين يقاتلون في سبيل الله جل وعلا يبيعون الدنيا بالآخرة ، والله جل وعلا يعدهم بالأجر العظيم .
قال جل وعلا :
( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَنَصَرُوا أُوْلَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجَرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنْ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمْ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (72) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ (73) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَنَصَرُوا أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (74) وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُوْلَئِكَ مِنْكُمْ ) (75)الانفال )
المستفاد هنا :
1ـ في وجود دولة إسلامية يجب علي المستضعفين ــ خارجها ــ الهجرة اليها ، ويكونون جميعا مواطنين يوالى بعضهم بعضا في مواجهة الكافرين المعتدين الظالمين الذين يوالى بعضهم بعضا .
2ـ المستضعفون الرافضون للهجرة للدولة الإسلامية لا يجب على الدولة الإسلامية موالاتهم حتى يهاجروا .
3 ـ على الدولة الإسلامية أن تنتصر لأولئك المستضعفين الذين لا يستطيعون الهجرة اليها ، وتدافع عنهم ، إلّأ إذا كان هناك معاهدة .

الفصل الثالث
المصريون والحتميات والاستضعاف
1 ـ هناك حتميات أربع مقدرة سلفا ، وهى تخصُّ الميلاد والموت وما بينهما من رزق ومصائب لا دخل لمن تقع عليه في حدوثها . قال جل وعلا : ( مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22) لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (23) الحديد )
2 ـ الله جل وعلا لن يحاسب البشر على هذه الحتميات ولكن على حريتهم فيما يفعلون وفيما يؤمنون . البشر فيما بينهم يكونون سببا في هذه الحتميات ، مثل الزواج وما ينتج عنه من مواليد ، والحروب وما ينشأ عنها من سفك دماء ، وحتى المصائب السيئة قد تكون عقابا إلاهيا للظالمين ، يقول جل وعلا : ( وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ (30) الشورى ) . الذى يرتكب القتل ويسفك الدماء يكون مسئولا عن إجرامه ، مع إن المقتول قد جاء أجله في موعده ومكانه المقدر سلفا . الأساس هنا إن الانسان لا يعلم الغيب ، وهو يتمتع بحريته في الفعل والقول والاعتقاد ، وبهذا يتحمل المسئولية يوم الدين.
2 ـ في هذه الحتميات قد يولد الطفل معوّقا ، فيكون ضعيفا حتى في شبابه ، و يكون الفرد ضعيفا في طفولته وشيخوخته وفى مرضه وفى فقره واحتياجه ، في ضعفه هذا يكتسب قوة من الآخرين . أتذكر أن شابا مصريا خفيف الظّل في غضون الثورة المصرية ( 25 يناير ) كان يصطنع التخلف العقلى ، ويضع على اليوتوب ما يقوله من تندّر على العسكر ، بطريقة بلهاء ، كنت رسالته تصل للناس وتحوز الاعجاب . ذكر في حديث جاد له أنه كان في ميكروباس ، ووقف بهم في نقطة تفتيش عليها جنود غلاظ ، فتكلم مع الضابط على أنه متخلّف عقليا . فترفّق به الضابط الغليظ القلب وتعامل معه بالتى هي أحسن ، ولم يصبه ما أصاب بقية الركّاب من أذى .
3 ـ ويصل التعاطف حتى مع المجرمين في محنتهم ، مع إن ما يحدث لهم هو عقوبة ألاهية ، فالله جل وعلا يقول : ( لَهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَقُّ وَمَا لَهُمْ مِنْ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ (34) الرعد )، ويكون هذا العذاب الدنيوى جرس إنذار لهم لعلّهم يتوبون . قال جل وعلا : ( وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ الْعَذَابِ الأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (21) السجدة ) . ولكن للمستضعفين المصريين موقفا آخر ، هو نسيان ما فعله الظالم الفاجر إذا فقد سُلطانه وجاهه ، وفى الأمثال الشعبية المصرية قولهم : ( إرحموا عزيز قوم ذلّ ) . هذا مع إنه قد يكون من أكابر المجرمين ولم لم يكن يرحم أحدا في سطوته . ونتذكر أن حسنى مبارك ــ الذى قام بتعذيب المصريين 30 عاما وسرق ثرواتهم ــ عندما تهدّد سلطانه بالثورة المصرية في 25 يناير ظهر يخطب يتودّد للناس يسترحمهم ، أي إستخدم قوة الضعف ليستعيد ما فقد من قوة . والعادة المصرية لدى المستضعفين المصريين قولهم عند موت أحد الظالمين ( أُذكروا محاسن موتاكم ). يشُذُّ عن هذا غُلاة السنيين السلفيين ، فهم يشمتون بمن يموت من خصومهم ، ويعتبرون الموت عقوبة خاصة بأولئك الخصوم . هم في بلاهتهم يعمهون ، لا يدركون أن الموت من الحتميات التي لا هروب منها ، وأنهم سيموتون كما مات من قبل الأنبياء صفوة الخلق ، وكما سيموت الجميع في هذا الكوكب . قال جل وعلا : ( كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ (27) الرحمن ) ( إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ (40) مريم ).
4 ـ نقول ، إنّه في إطار حرية البشر المطلقة في القول والفعل ، وفى عدم وجود أعذار قهرية من المرض والعوز وقلّة الحيلة فللفرد أن يكون قويا بنفسه ، أو العكس : أي أن يكون ( مُستضعفا ) وليس ضعيفا . هذا يتوقف على الإرادة النفسية البشرية . للمصريين المُستضعفين قول مأثور ، لا يعملون به ، وهو ( العُمر واحد والرّب واحد ). يقولون هذا بألسنتهم ويكذّبونه بأفعالهم . إذا كان العُمر محددا ، وإذا كان على حدّ قولهم ( ما ياخدش الروح الا خالقها ) فلماذا يرضون بالذُّل والهوان ؟!، ولماذا يختارون بكل حريتهم الخضوع والخنوع والرضى بالذلة والهوان ؟!!. ليس مهمّا الشعارات ، ولكن المهم المواقف الحازمة من فرد يؤمن بأن ( الربّ واحد والعمر واحد ) وأنه ( ما ياخدش الروح إلا خالقها ) بالتالى فلا يستطيع بشر أن يُميته قبل موعد موته المحدّد سلفا ، ولا يستطيع بشر أن يدفع عنه الموت إذا جاء الأجل . بالتالى ـ أيضا ـ فلا يخاف ممّن يهدّده بالقتل أو بالتعذيب والسجن ( وهذه مصائب من الحتميات المقدّرة سلفا ولا نجاة منها ) بالتالى ـ أيضا ـ لا يرضى أن يظلم أحدا ، ولا يرضى أن يظلمه أحدُّ . هذا الفرد القوى بنفسه يستحيل أن يكون مستضعفا . لأن المستضعفين هم الذين شاءوا لأنفسهم الاستضعاف . هذا عن فرد واحد ، قرّر أن يعيش حُرّا أبيّا ، ويهون عند الموت كريما بدلا من العيش ذليلا . فماذا عن شعب إختار أن يعيش حُرّا أبيا ، يرفض أن يكون مملوكا لحكم فردى مستبدّ .
5 ـ مستحيل أن تنتشر الحُرية والكرامة من فرد واحد ليقتنع بها شعب من الملايين . تبدو المشكلة صعبة جدا مع الشعب المصرى الذى تجاوز مائة مليون نسمة ، من بينهم عشرات الألوف ـ فقط ـ من المترفين الرّعاع الذين يخدمون الفرعون . ليست المشكلة فقط في الأغلبية الساحقة للمستضعفين ، ولكن أيضا في تاريخهم العريق في الخضوع والخنوع والرضى بظلم الحكام ، وقد إكتسب هذا الظلم تشريعا دينيا في دينى التصوّف والسُّنّة ، وركّزه وجذّره أكابر المجرمين من رجال الين ، ثم في عمل الفرعون المستبد في ترهيبهم بالسجن والتعذيب والبطش والتنكيل والفصل من العمل والملاحقة الأمنية ليس للشخص فقط ولكن لأسرته وأعزّ الناس اليه .
6 ـ في هذا المناخ السوداوى المظلم لا تثمر الأمثال الشعبية المصرية التي تقول ( الرّب واحد والعمر واحد ) و ( ما ياخدش الروح إلا خالقها ) ، وتنتصر أمثال شعبية مصرية أخرى تعبّر عن الخنوع والنفاق والذُّل والصغار ، وهى كثيرة ومتوارثة ، منها :( علقة تفوت ولا حد يموت ) ،( الصبر حرق الدكان ) ، ( أُصبر على جار السوء لغاية ما يموت أو تاخده داهية ) ( ضرب الحاكم شرف ) ( إذا كان عندك الكلب حاجة قل له يا سيدى ) ( إذا دخلت بلد تعبد عجل حشّ واطعمه ) ( الناس أتباع لمن غلب ) ( الخضوع عند الحاجة رجولية ) ( علقة تفوت ولا حد يموت ) ( سلطان غشوم ولا فتنة تدوم ) ( طاطى لما تفوت ) ( ما حد يقول يا جندي غطى دقنك ) ، ( اللى ما تقدرش تواقعه نافقه ) ( در مع الأيام إذا دارت ) ( الإيد اللى ما تقدرش تقطعها بوسها ) ( اللى ما تقدر عليه فارقه أو بوس ايديه ) ( بوس الأيادى ضحك على الدقون ). ولا تزال الأم الريفية تدعو لابنها (الله يكفيك شر الحاكم الظالم). وترسب في الثقافة المصرية مفهوم ( الستر ) ووصف الرحمن جل وعلا بأنه ( الستّار ) وليس هذا من أسمائه جل وعلا الحسنى ، مع كثرة من يتسمى من المصريين باسم ( عبد الستار ) . (الستر ) تعبير مصري بليغ عن الخوف من المجهول ، والأغلب أن يأتي هذا الظلم المجهول من الفرعون ، فالمثل الشعبى يقول أيضا : ( سيف السلطنة طويل ) ، يعنى أن سيف الظلم سينال منه إن عاجلا أو آجلا ، لذا يقول المثل المصرى ( اللى سترها في الأول يسترها في التانى ) .
7 ـ ثقافة الاستعباد والعبيد والاستضعاف ممكن أن تبدّدها التوعية المكثّفة ليتحرّر الناس من سُلطة المستبد ورجال الدين ، وهما معا أكابر المجرمين . وهذا يحتاج وقتا وجهدا وتعاونا. وهنا أيضا يظهر السبب في إضطهاد العسكر لنا أهل القرآن . وفى هذا الاضطهاد يتعاون مع العسكر خصومهم من الاخوان والسلفيين السنيين . يتصارعون ولكن يتفقون على كراهيتنا ومطاردتنا . الشيوخ بفتاوى حد الردة والعسكر بالسجن والتعذيب والاضطهاد ومحاولات قطع الأرزاق والتجويع . جريمتنا أننا نوقظ الناس من غفلتهم بدعوة إسلامية من داخل القرآن الكريم الذى يزعمون الايمان به ، وهم أكفر البشر به . قلت في مقال سبق أننى في مصر كنت أحمل مصريتى عارا فوق جبهتى . حين هاجرت لأمريكا شعرت بمدى الظلم الذى تحملته في مصر ومدى حقوقى المسلوبة . في أمريكا تمتعت بالحد الأقصى من حرية التعبير . حضرت مؤتمرات مفتوحة وجلسات مغلقة ، وهاجمت فيها غزو العراق ـ وقتها ـ وفي مجلس خاص عقده لى أشهر عضو في الكونجرس وقتها ( فرانك وولف ) وحضره سياسيون من ( الدولة العميقة ) ، وسألونى عن رأيي في صُنّاع السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط فقلت : إنهم بلهاء .
8 ـ ولكن في مصر وشعبها الخانع المُستضعف بإرادته كنت لا أجد سوى الاضطهاد بسبب كتاباتى . في مرة من الاستدعاءات الأمنية الروتينية الى أمن الدولة ـ وكان القصد منها إرهابى حتى أسكت ـ قلت للضابط : " أنا كاتب مُسالم لا طموح لى في السياسة ولا أعمل بها ، عملى فقط في الإصلاح السّلمى ، وأنا مثلكم ضد الاخوان ، فلماذا هذه الاستدعاءات وهذا التهديد" ، فقال : ( أنت أخطر علينا من الاخوان لأنك بتصحّى الناس ). هذا الضابط قال الحقيقة . العسكر والاخوان معا ضد توعية الشعب المصرى ، لأن توعية الشعب تعنى إنتهاء الاستضعاف ، وإذا أنتهى الاستضعاف فليس لهم مكان في مواجهة شعب قرّر أن يكون حُرّا كريما .
9 ـ جهدنا خلال عدة عقود أثمر تحطيم الكثير من الأبقار المقدسة والعمائم الملوثة ، دخل في التوعية الدينية والسياسية كثيرون ، ولكن لا يزال الطريق صعبا وطويلا ، فقد قام العسكر خلال سبعين عاما بتخريب مصر ماديا ومعنويا . وهذا العسكر الخائن الخائب قد وصل الى أحطّ الدرجات في خصومتنا ، الى درجة إتّخاذ أهالينا الأبرياء في مصر رهائن لاسكاتنا ، وهو يعرف أننا لا نسكت ولا نتراجع ولا نتوقف ، ولكنه الانتقام الرخيص .
أخيرا
أحسن الحديث ( إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ) (11) الرعد ).
ودائما : صدق الله العظيم .!!

الفصل الرابع
فقه الاستضعاف
أولا : استضعف واستقوى
1 ـ ال ( س ) و ( التاء ) إذا أتتا في بداية الفعل يكون معناه الطلب . ( خرج ) عندما تكون ( استخرج ) اى يطلب إخراج شيء ، قال جل وعلا في قصة يوسف : ( فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ) ٌ (76) يوسف ). (سقى ) تصبح طلب السقيا حين تقول : ( استسقى ) ، قال جل وعلا في قصة موسى : ( وَإِذْ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ ) ( 60) البقرة ). ( نكح ) أي عقد الزواج ، يختلف المعنى حين يُقال ( إستنكح ) أي طلب التزوج . قال جل وعلا : ( وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنكِحَهَا )(50) الأحزاب )،( رضع ) غير ( استرضع ) ، قال جل وعلا : ( وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ ) ثم في نهاية الآية:( وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ )(233) البقرة) . وهو الفارق بين ( ضعف) و ( إستضعف ). قال جل وعلا في قصة موسى : ( إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ ) (4 ) القصص)، أي إستعمل وطلب من الوسائل التي تجعلهم ضعفاء . وفى مقابل ( استضعف ) يكون ( إستقوى ) أي طلب أن يكون قويا . هذا هو المعنى ( اللغوى ) للاستضعاف ، وأيضا ( الاستقواء ).
2 ـ هذا يخصّ من ليس طفلا ولا طاعنا في السّن ولا صاحب عاهة ، ولا صاحب مرض . نتكلم عن إنسان عادى ، هو الذى يشاء أن يكون ضعيفا أو أن يكون قويا . إذا شاء أن يكون ضعيفا فقد أعطى الفرصة لمن يطلب ( إستضعافه ) ، وإذا شاء أن يكون قويا فهو في نفسه يطلب أسباب القوة فيستقوى بها . وهذا وذاك هو داخل النفس ، وهى التي تقرر ، وهى التي تسيطر على الجسد ، وتوجهه الى أن يرفع رأسه عزّة وكرامة ، أو أن يحنى ظهره راضيا بالإهانة .
ثانيا : الحتميات
1 ـ الحتميات التي أشرنا لها سابقا هي أساس الاختيار ، من الميلاد والموت والرزق والمصائب . ليس هذا محتاجا الى تدبر قرآنى ، أنّه مُدرك بالفطرة ، يعبّر عنها قول المصريين ( العُمر واحد والرب واحد ) , ( ما ياخدش الروح إلا خالقها ) ، وأيضا قول المثل الشعبى المصرى : ( يا فرعون إيش فرعنك ، قال ما لقيتش حد يوقفنى ).
2 ـ أهم الحتميات في موضوعنا هو ( الموت ) الذى لا فرار ولا مهرب منه . الذى يختار العزّة والكرامة لا يخشى الموت ، والذى يختار أن يكون مُستضعفا يؤثر الحياة مهما كانت ذليلة ، ولديه إستعداد مسبق لتحمل الذُّل في سبيل أن يبقى على قيد الحياة .
3 ـ إذن لدينا هنا (طلب للقوة ) ( إستقواء ) داخل النفس، أو( طلب للضعف ) ( إستضعاف ) داخل النفس . طلب الاستضعاف هذا يمهد الطريق للظالم أن ( يطلب ) ضعف من قرر بنفسه أن يكون ضعيفا ، أي يأتي ( الاستضعاف ) من الظالمين بناء على استعداد مسبق من ( المُستضعفين ) . في المقابل فإن من يستقوى بنفسه ولا يرهب الموت لا يمكن أن يكون فريسة سهلة للظالمين ، بل هو الذى يكسب وينتصر ، لسبب بسيط هو ( الموت والحياة ) . الظالمون هم أيضا ( يطلبون الحياة ) و( القوى بنفسه ) في مواجهتهم ( يطلب الموت ). هم يحرصون على الحياة وهو يحرص على الموت ، فهو المُنتصر مقدما حتى لو قتلوه ، لسبب بسيط أيضا إنه الذى طلب الموت / القتل مسبقا . هو ( يستميت ) أي يطلب الموت دفاعا عن حريته ، وهو ( يستقتل ) دفاعا عن كرامته .
ثالثا : وسائل الاستضعاف : التعذيب والتشهير و( التجريس )
1 ـ فرعون موسى لم يستضعف طائفة فقط من المصريين ، بل باستضعافه هذه الطائفة أرعب بقية المصريين . لذا ترى المصريين يتم جمعهم وحشرهم كالأنعام في أي وقت، نفهم هذا من بعض آيات القرآن المجيد :
1 / 1 : ( قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى (59) طه )
1 / 2 : ( قَالُوا أَرْجِهِ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (111) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ (112) الاعراف ) ( قَالُوا أَرْجِهِ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (36) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ (37) الشعراء )
2 ـ مصر وقتها كانت مليئة ب ( المدائن ) ، بل لم يأت لفظ ( مدائن ) إلا في مصر. هذه المدائن كانت عامرة بالمصريين . قام فرعون بتعذيب بنى إسرائيل ليرهب بقية المصريين . لم يكن تجميع الأطفال وذبحهم سرّا ، بل كان علنا لارهاب جموع المصريين الباقين . وهنا يرتبط التعذيب بالتشهير أو ب ( التجريس ) . وهو أيضا ما فعله فرعون موسى حين أمر بصلب السحرة وتقطيع أرجلهم من خلاف : ( قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمْ الَّذِي عَلَّمَكُمْ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لأقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلأصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (49) الشعراء )
3 ـ فرعون وقومه صاروا أئمة للطغاة بعدهم . قال جل وعلا عنهم : ( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ )(41) القصص ) . وسار على ( سُنّته ) الطُغاة اللاحقون من الملوك والخلفاء والسلاطين . مارسوا التعذيب والإرهاب والتجريس ، واصبح صلب جثة الضحايا والطواف بالرؤوس المقطوعة عادة مرعية ، حافظ عليها الخلفاء ، بدءا من يزيد بن معاوية مع رأس الحسين . لم يعد هذا مستساغا في عصرنا ، فلجأ المستبدون الى وسيلة أخرى يرهبون بها الشعب ويستضعفونه ، وهى نشر أنباء التعذيب .
رابعا : نعطى أمثلة لاستضعاف الشعب وارهابه :
1 ـ التشهير والتجريس فقط :عندما ظهر فساد الخليفة عثمان بن عفان واعترضوا عليه قام عثمان بتسيير معارضيه أى كان يُطاف بهم فى الشام والعراق . وهو ما صار يُعرف بعده بالتشهير والتجريس .
2 ـ : الصّلب : في عام 231 هجرية قتل الخليفة الواثق العباسى ابن نصر الخزاعى بنفسه ، وأمر بصلب جسده فى مكان وتعليق راسه فى مكان آخر ، وهذا لارهاب جماعته الذين أرادوا السيطرة على الناس باسم الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وفقا لحديث صنعوه ، وهو ( من رأى منكم منكرا فليغيره ) . أراد إستضعافهم بهذا . ولكن تغير الحال فيما بعد بوصول المتوكل بعده للحكم ناقما على أخيه الواثق . ما فعله الواثق بجثة ابن نصر ورأسه كان التشهير ، والذى صار عادة بعدها ، يكون ضحاياها من الأحياء .
3 ـ التشهير والسلخ والتسمير والقتل
3 / 1 : اشتهر المماليك باختراع أنواع فظيعة من القتل ، منها التوسيط ( قطع الضحية نصفين ) والشىّ بالنار والسلخ للأحياء ، سلخ جلد الضحية وهو حىّ .!!. وقد يرتبط السلخ بالتشهير أى يطاف بالمسلوخين المساكين في شوارع القاهرة ليتفرج عليهم الناس وينادى عليهم :( هذا جزاء من يفعل كذا)، وفي النهاية يتم صلبهم حتى يموتوا أمام أعين الناس.
3 / 2 : يذكر المؤرخ ابن الصيرفى في تاريخه : ( إنباء الهصر بأبناء العصر ) عن عصر السلطان ( المتديّن) قايتباى في أحداث يوم السبت 29 ذى الحجةعام 876 ، أنهم طافوا في شوارع القاهرة بثلاثة مسلوخين من أكابر أعراب بنى حرام ، كان قد قبض عليهم الأمير قنصوه، فسلخهم وجهزهم- على حد قول مؤرخنا- وبعد أن طيف بهم في القاهرة أرسلوا إلى خارجها ليصلبوا أياماً ( ويرتدع المفسدون من قطاع الطرق من الأعراب.). العبارة الأخيرة هي المهمة . وتفنن المماليك في جريمة السلخ، فأحيانا كانوا يسلخون الضحية المسكين ثم يحشدون جلده تبناً أو قطناً يطوفون به في الشوارع جنبا الى جنب مع الضحية المسلوخ . وحدث هذا فى أواخر جمادى الأول 875 .
3 / 3 : ومنه التسمير والتوسيط بأن يعرّى المحكوم عليه بالإعدام من الثياب ثم يثبتون أطرافه بالمسامير فى خشبتين على شكل صليب ويطرح مصلوبا عليها ، ويوضع على ظهر جمل ، و يطاف به في الشوارع على هذا الحال وهذا هو التشهير . ثم يأتى السياف فيضرب المحكوم عليه بقوة تحت السرة فيقسم الجسم قسمين من وسطه فتنهار أمعاؤه إلى الأرض. وفي يوم السبت 13 ذى القعدة 875 أمر السلطان قايتباى بتسمير ستة أشخاص من قطاع الطرق وأن يتم توسيطهم بقليوب، فأشهروهم على الجمال ، يقول المؤرخ ابن الصيرفى : ( وعلقت جثثهم ليرتدع أمثالهم عن هذه الأفعال المنكرة . ) العبارة الأخيرة هي المهمة . لذا يختم مؤرخنا بقوله ( ..رب سلّم !!.). وفي اليوم التالى وهو 14 من ذى القعدة 876 أمر السلطان بتسمير أربعة من العربان والمفسدين على الجمال، اثنان بالجيزة واثنان من غيرها، وأشهروهم بالبلد، ووسّطوا منهم اثنين بباب النصر بالقاهرة لقربهم من أعراب بنى حرام ووسطوا اثنين بمصر لقربهم من الجيزة. وأمر السلطان ( المتديّن ) قايتباى بسلخ أربعة من الفلاحين عجزوا عن دفع الضرائب . قال ابن الصيرفى ( وأرسلوا إلى البلاد فاشهروا بها .. ليرتدع بها أمثالهم ). العبارة الأخيرة هي المهمة .
خامسا : الفرعون يلجأ الى استضعاف الشعب وارهابه في بداية حكمه بالذات ونعطى أمثلة
1 ـ تمّ إعداد الضابط جمال عبد الناصر ليتولى حكم مصر بانقلاب عسكرى ، وتصنيعه زعيما شعبيا . لم يكن بزعامته الشعبية محتاجا لتعذيب أحد ، خصوصا من كان يعمل معهم في خلاياهم السرية من قبل كالإخوان والشيوعيين . ولكن كان لا بد من إستضعاف القوى الحيّة في مصر . أسرف عبد الناصر في تعذيبهم ، من بقى على قيد الحياة منهم وخرج من السجن صار مُستضعفا يهتف للزعيم . !
2 ـ بعد الثورة الشعبية المصرية على العسكر ( 25 يناير 2011 ) انتهت الأمور الى رجوع العسكر للحكم ، بعد عدة مذابح لاستضعاف المصريين . ثم وصل عبد الفتاح السيسى للحكم بانقلاب عسكرى ، وجد تأييدا شعبيا كراهية في الاخوان المسلمين . كان يمكن للسيسى الاعتماد على هذه المشروعية الشعبية في مواجهة فلول الاخوان الذين إعتصموا في ميدان رابعة . وكان سهلا جدا فضّ هذا الاعتصام بخراطيم المياه . ولكن لاستضعاف المصريين ارتكب السيسى مذبحة رابعة في 14 أغسطس 2013 ، وبعدها إنفرد بالحكم باستبداد غير مسبوق .
3 ـ كان الأمير محمد بن نايف وزير الداخلية هو الأقوى من أحفاد المؤسس عبد العزيز ، فأصبح وليا للعهد في ولاية الملك سلمان بن عبد العزيز . وسجد له ابن عمه محمد بن سلمان ، وبعدها كان عزل محمد بن نايف من جميع وظائفه في 21 يونية عام 2017 ، وتعيين ابن سلمان وليا للعهد ، ثم سجن ابن نايف وتعذيبه وتعذيب الكثيرين من الأمراء . وبهذا إستضعف محمد بن سلمان كبار الأمراء ، ومهّد لنفسه الحكم مستبدا.
خامسا : المستضعف مُحبُّ للحياة وخائف من الموت
1 ـ حُبّا في الحياة وحرصا عليها إستسلم سريعا أقوى رجل في السعودية ( محمد بن نايف ) ، وأعطى يديه للقيود بلا مقاومة . هذا مع إن الخوف من الموت لا يمنع الموت ، بل يجعل الخائف أشبه بالموتى. تدبّر قول الله جل وعلا عن خوف الصحابة المنافقين ( فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنْ الْمَوْتِ )(19) الأحزاب ) ( ( فَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنْ الْمَوْتِ ) (20) محمد ). في حالة الخوف يكونون أقرب الى الموت حرصا منهم على الحياة ، ولكن لا مهرب من الموت . لو نزعوا خوف الموت من أنفسهم ما عاشوا في ذلّة ، ولماتوا أيضا في موعدهم المحدّد سلفا .
2 ـ ونعطى مثلين من التاريخ المملوكى :
2 / 1 : في شهر جمادى الأول 680هـ يروى المقريزى أنهم قبضوا على قاطع طريق مشهور اسمه الكريدى، فسمّروه على جمل ، وأقاموا عليه أياماً يطوفون به في أسواق مصر والقاهرة ، وتعاطف معه الحارس الموكل به فقطع عنه الطعام والشراب، فلما جاع وطلب الطعام : ( قال له الحارس : " إنما أردت أن أهون عليك لتموت سريعاً حتى تستريح مما أنت فيه،" فقال له: " لا تقل كذا فإن شر الحياة خير من الموت!!" فناوله الطعام والشراب، فأتفق أنه شفعوا فيه ، فأطلقوه وسجنوه ، فعاش أياماً في السجن ثم مات . ). حرصه على الحياة مع حالته تلك ــ يُطافُ به مسمّرا على جمل ــ لم يُنجه من الموت . مات في موعده .
2 / 2 : كان المعتاد إجبار السجناء في عصر قايتباى على التسول لصالح السجّان ، وكانت على السجين أن يجمع من تسوله قدرا محددا ، وإلا تعرض للتعذيب . أحد السجناء لم يستطع جمع المطلوب فحاول الهرب خوفا من العذاب ، لحقه السجان ، ودارت بينهما معركة انتصر فيها السجين وقتل السجان. أمر السلطان قايتباى بتوسيط المسجون في يوم الأحد 11 صفر 875 . إستراح المسجون ومات في موعده ، ولكنه إنتقم من السجان على أي حال .!
أخيرا
قبل أن تستسلم وتعطى يديك للقيود هاجم هذا الذى يأتي ليقبض عليك ، ففي النهاية فلا مفرّ من الموت على أي حال . وتذكر قوله جل وعلا : ( أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُّمْ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ )(78) النساء ) ( قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ )(8) الجمعة ).

الفصل الخامس
الملأ ذو القوة وأتباعهم المستضعفون في القصص القرآنى : ( قوم عاد )
أولا :
1 ـ نزل القصص القرآنى للعظة والاعتبار . قال جل وعلا : ( وَكُلاًّ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (120) هود )، وفى نهاية قصة يوسف قال جل وعلا : ( لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111) يوسف ).
2 ـ وفيما يخصُّ موضوع القوة والضعف والاستضعاف فالظروف متشابهة في جميع الأمم والأجيال قبل نزول القرآن الكريم ووقت نزوله ، وبعده الى أن يرث الله جل وعلا الأرض ومن عليها . والدليل أنه يوم القيامة سيكون أصحاب النار بين طائفتين ، الذين استكبروا ، ومن أتبعهم من المستضعفين . قال جل وعلا :
2 / 1 ـ ( وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ (21) ابرهيم )
2 / 2ـ ( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرَى إِذْ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ (31) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنْ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنتُمْ مُجْرِمِينَ (32) وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَاداً وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوْا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الأَغْلالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (33) سبأ )
2 / 3 ـ ( وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِنْ النَّارِ (47) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ (48) سبأ )
2 / 4 ـ ( يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَ (66) وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَ (67) رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنْ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً (68) الاحزاب ).
3 ـ ذلك أنه في كل زمان ومكان فإن المستكبرين المترفين أصحاب السُّلطة والثروة المغترين بقوتهم دائما يرفضون الحق الالهى لأن حلفاءهم من أكابر رجال الدين يزينون لهم أنهم بمنجاة من عذاب الله جل وعلا يوم القيامة . قال جل وعلا :3 / 1 : ( وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (34) وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وَأَوْلاداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (35) سبأ )
3 / 2 : ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (123) وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ (124) الانعام )
3 / 3 : ( بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ (22) وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ (23) الزخرف )
4 ـ وحتى الآن فالثقافة السائدة دينيا هي عبادة الأسلاف وما وجدوا عليه آباءهم واسطورة ثوابت الأمة ، وتحالف المستبدين مع رجال الدين. كل هذا والقرآن الكريم معهم ، مما يؤهلهم الى عذاب الجحيم الخالد ، حيث قال جل وعلا عنهم جميعا : ( إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ (69) فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ (70) الصافات ) ، وقبلها قال جل وعلا عن عذابهم : ( أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ (62) إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ (63) إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (64) طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ (65) فَإِنَّهُمْ لآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (66) ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ (67) ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لإٍلَى الْجَحِيمِ (68)الصافات ) ، وفى خضم هذا العذاب الخالد سيتجادل المستكبرون والمستضعفون بلا نهاية .
5 ـ والله جل وعلا أخبر ببعض قصص بعض الأنبياء . قال جل وعلا :
5 / 1 :( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ )(78)غافر )
5 / 2 : ( وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً (164) النساء ).
ثانيا :
الحق المطلق هو في القرآن الكريم فقط . ومن المعهود وجود الكثير من الشكوك والتشكيك فيما يسمّى بالعهد القديم ، ولقد تميز القرآن الكريم بقصص لم يرد في العهد القديم ، ومنه قصص قوم عاد ، وهم الجيل الذى جاء بعد قوم نوح . ونتوقف معه فيما يخصُّ القوة . وذلك لأن :
1 : هم الجيل التالى لقوم نوح ، وقد زادوا عليهم في القوة الجسمانية . قال لهم نبيهم هود عليه السلام :
1 / 1 : ( وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً ) (69) الأعراف )
1 / 2 : تمتعوا بالقوة الثراء. قال لهم هود عليه السلام : ( وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ (52) هود )
2 : وصل غرورهم بقوتهم أنهم نسوا الخالق جل وعلا ذا القوة المتين . قال جل وعلا عنهم : ( فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (15) فصلت )
3 : إن آثارهم التي خلّفوها لم يحدث لها مثيل ، قال جل وعلا : ( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ (8) الفجر )
4 : في عصرهم السحيق كانوا ينشئون مصانع تجعلهم ـ في نظرهم ـ خالدين ، وكانت لهم جنات وعيون وانعام وتكاثف سكانى وقوة حربية باطشة . قال لهم نبيهم هود عليه السلام واعظا : ( أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ (128) وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ (129) وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ (130) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (131) وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ (132) أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ (133) وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (134) الشعراء )
ثالثا :
المستفاد من القصص القرآنى عن قوم عاد :
1 : كما ندعو نحن المحمديين في عصرنا ، فقد دعا النبى هود قومه الى ( لا إله إلا الله )
1 / 1 : باعتبارهم القوم الذين أتوا بعد هلاك قوم نوح قال عنهم جل وعلا : ( ثُمَّ أَنشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ (31) فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ أَنْ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (32) المؤمنون )
1 / 2 : ( وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (65) الأعراف )
1 / 3 : ( وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ )
2 : لأنهم كانوا يعرفون الله جل وعلا فقد :
2 / 1 : وعظهم بالاستغفار : ( وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ )(52) هود )
2 / 2 : وعظهم بتقوى الله جل وعلا . قال لهم ( كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ (123) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلا تَتَّقُونَ (124) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (125) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (126) الشعراء )
2 / 3 : وفى المقابل زعموا أن هودا قد إفترى على الله جل وعلا كذبا ، قالوا : ( إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً ) (38) المؤمنون )
3 : مثل كل الأنبياء ومثل دُعاة الحق قال لهم إنه لا يسألهم أجرا :
3 / 1 : ( يَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِي إِلاَّ عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلا تَعْقِلُونَ (51) هود )
3 / 2 :( وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِي إِلاَّ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (127) الشعراء ).
4 ـ مثل المحمديين في عصرنا كانوا يعبدون جل وعلا ولكن يعبدون معهم آلهة أخرى تمسكا بعبادة ما وجدوا عليه آباءهم ، رافضين أن يعبدوا الله جل وعلا وحده ، قالوا له : ( قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنتَ مِنْ الصَّادِقِينَ (70) الاعراف )
5 ـ مثل المحمديين في عصرنا عبدوا أسماء أصبحت تلك الأسماء ذات سطوة . قال لهم هود عليه السلام : ( قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ ) 71 ) الأعراف )
6 ـ بل اتهموا نبيهم هودا عليه السلام بأن آلهتهم بما لديها من معجزات وكرامات قد مسّته بسوء : ( إِنْ نَقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ ) وردّ عليهم بقوة : ( قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (54) مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ (55) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (56) هود )
7 ـ كان لهم ناصحا أمينا ، ولكن الملأ ( أكابر المجرمين ) إتّهموه بالسفاهة ، ورد عليهم بأنه ليس به سفاهة ولكنه رسول ناصح أمين : ( قَالَ الْمَلأ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنْ الْكَاذِبِينَ (66) قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (67) أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ (68) الأعراف )
8 ـ كان أكابر المجرمين من ( الملأ ) هم في صدارة المعارضة للحق ، وتبعهم المستضعفون . ووصف الله جل وعلا الملأ بالترف وتكذيب اليوم البعث واليوم الآخر ، وقد تعجبوا أن تأتيهم الدعوة من بشر يعتبرونه أقل منهم مكانة :
8 / 1 : ( وَقَالَ الْمَلأ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَا هَذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ (33) وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَخَاسِرُونَ (34) المؤمنون )
8 / 2 : وقال لهم : ( أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنذِرَكُمْ ) (69) الأعراف )
9 ـ كانوا أكابر المجرمين العاديين ومعهم أكابر المجرمين من رجال الدين ، يفترون لهم الأحاديث . وبهذا جادلوه بالباطل دفاعا عن آلهتهم المصنوعة من أسماء توارثوا تسميتها والتخويف منها ، قال لهم :
9 / 1 : ( قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ فَانتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنْ الْمُنتَظِرِينَ (71) الأعراف )
9 / 2 : ( إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ مُفْتَرُونَ (50) هود ). وهذا يعنى أنهم وقعوا في الافتراء على الله جل وعلا كذبا ، فقال لهم : ( إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ مُفْتَرُونَ ). بهذا الافتراء تحالف في قوم عاد أكابر المجرمين من المستكبرين ورجال الدين .
10 ـ الملأ وأتباعهم المستضعفون تمسكوا بثوابت دينهم الأرضى ، ومنها ثقتهم بعدم تعذيبهم : ( قَالُوا سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنْ الْوَاعِظِينَ (136) إِنْ هَذَا إِلاَّ خُلُقُ الأَوَّلِينَ (137) وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (138) الشعراء )
11 ـ وجاء وصف الملأ بالجبروت ، وبه جعلوا المستضعفين يتبعونهم ، قال جل وعلا :
11 / 1 : (وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (59) هود ).
11 / 2 : وقال هود عليه السلام لهذا الملأ المترف المستكبر : ( وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ (130) الشعراء ). الملأ هم أصحاب الأمر وهم أصحاب البطش والجبروت ، والمستضعفون يخشون جبروتهم .
11 / 3 : وجاء وصفهم جميعا بالاجرام ،قال لهم هود عليه السلام : ( وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ (52) هود )
12 : في النهاية هددهم هود بالله جل وعلا القوى العزيز . قال لهم : ( فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئاً إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (57) هود )
13 ـ عن هلاكهم في إيجاز قال جل وعلا :
3 / 1 :( فَأَخَذَتْهُمْ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً فَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (41) المؤمنون ) ، أصبحوا غثاءّ وهباءّ .
13 / 2 : ( وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُوداً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ (58) هود ) . عذاب قوم عاد موصوف بأنه غليظ ، أعقبه موت بطىء .!
13 / 3 : ( فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ (72) الأعراف ). أبادهم الله جل وعلا دابرهم وأنجى المؤمنين .
13 / 4 : ( فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (139) الشعراء )
14 : وجاء في تفصيل إهلاكهم قوله جل وعلا :
14 / 1 : ( قَالَ رَبِّ انصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ (39) قَالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ (40) المؤمنون ). إى إن عذابهم سيستمر أياما وليالى ، وقتا طويلا يشعرون فيه بالندم . لم يموتوا فجأة ، بل على مهل .
14 / 2 : ( فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ (16) فصلت ). ردأ على غرورهم بقوتهم عذّبهم رب العزة جل وعلا بالهواء العاصف، بالريح .!! . وفى هذا العذاب خزى لهم ، حين تقتلعهم الرياح على مرأى من المؤمنين ، لكن عذاب الآخرة أخزى .!
14 / 3 : ( وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ الرِّيحَ الْعَقِيمَ (41) مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلاَّ جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ (42) الذاريات) . هي ريح عقيم تحول البشر الى رمم ، على مهل . يرون هذا يحدث فيهم .!
14 / 4 : ( وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ (6) سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ (7) الحاقة ) عانوا من عذاب استمر سبع ليال وثمانية أيام حسوما متتابعات .
14 / 5 : ( كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (18) إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ (19) تَنزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ (20) فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (21) القمر ) كانت الريح تقتلعهم من الأرض ثم تقذف بهم الى الأرض كأنهم أعجاز نخل منقعر ، ومع استمرار ذلك أياما فهو بالنسبة لهم كان يوما واحدا من نحس مستمر . قال جل وعلا بعدها ( وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (22) القمر) هل هناك من يتدبّر القرآن الكريم الذى يسّره الله جل وعلا للذكر والهداية .؟ !!
15 ـ عاشوا في صحراء رملية ، ولكن كان أساس قوتهم الريح التي تأتى لهم بالأمطار ومنها يزرعون ويتمتعون بأنعام وبنين وجنات وعيون وقصور . قال لهم هود عليه السلام يعظهم :
15 / 1 ( وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ (132) أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ (133) وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (134) الشعراء )
15 / 2 : ( وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ (52) هود )
15 / 3 : جاءهم العذاب من نفس الريح التي كان هبوبها يعنى المطر والرخاء ، وهم يعيشون في الأحقاف أي الرمال . ثارت الريح فظنوها تحمل الخير والأمطار ، فكانت عذابا هائلا مُخزيا ، دمرتهم بعذاب أليم قضى عليهم في عدة أيام ، وفى النهاية لم يبق منهم سوى مساكنهم العالية الخالية . قال جل وعلا : ( فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (24) تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (25) الأحقاف )
15 / 4 ـ في الآيات التالية يأتي الخطاب لنا وللعصور التي تزعم الايمان بالقرآن الكريم ، يقول جل وعلا عن قوم عاد وعنّا : ( وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصَاراً وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصَارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون (26) الأحقاف ) . وبعدها التنبيه والتذكير باهلاك السابقين : ( وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنْ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (27) فَلَوْلا نَصَرَهُمْ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْبَاناً آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (28) الأحقاف ) .
أخيرا
أنعم الله جل وعلا على المحمديين اليوم بنعمة القرآن وبنعمة البترول ، فبدلوا نعمة الله جل وعلا كفرا . ينطبق عليهم قوله جل وعلا :( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ (28) إبراهيم ). وهذا ما نراه الآن .!!
ودائما : صدق الله العظيم .!!

الفصل السادس
بين قوم عاد وقوم فرعون في الاستكبار والاستضعاف
نعقد مقارنة بينهما :
1 ـ كلاهما استكبر في ( الأرض )، وكان الأقوى في ( الأرض ).
1 / 1 : عن قوم عاد قال جل وعلا عنهم ( فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً ) (15) فصلت ). في عصرهم لم تكن في الكوكب الأرضى قوة تدانيهم .
1 / 2 : ونفس الحال مع فرعون وقومه برغم كثرة الأُمم في الأرض ، فقد تكرر في القرآن الكريم وصف مصر بالأرض في قصة يوسف وموسى ، ومنها قوله جل وعلا : ( إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِ نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُفْسِدِينَ (4) وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمْ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ (6) القصص ).
2 : كلاهما استمد قوته من المياه الوفيرة التي زرعوا بها الجنات والعيون .
2 / 1 : قوم عاد قال لهم نبيهم ( هود ) يعظهم : ( أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ (133) وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (134) الشعراء) .
2 / 2 : وهو نفس ما جاء في نفس السورة عن الجنات والعيون في قصة فرعون وموسى : ( فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (57) الشعراء ).
3 : الاختلاف في مصدر المياه .
3 / 1 : قوم عاد كانت تأتيهم من الرياح المحملة بالأمطار الغزيرة ، قال لهم هود عليه السلام :( وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ (52) هود ).
3 / 2 : أما قوم فرعون فقد كانت من النيل وفروعه .
4 ـ كلاهما إغترّ بالنعمة وجعلها أساسا في الكفر .
4 / 1 : قوم عاد قال عنهم جل وعلا : ( فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (15) فصلت ).
4 / 2 : قال الأمير الفرعونى يعظ قومه : ( يَا قَوْمِ لَكُمْ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الأَرْضِ فَمَنْ يَنصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا ) (29) غافر ) وقد إغتر فرعون بنعمة المياه في إعلان كفره ، فقال في مؤتمر لقومه ساخرا من موسى : ( وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ (51) أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ (52) فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ (53) الزخرف ).
4 / 3 : أي كفر كلاهما بالنعمة . وتحولت النعمة الى هلاك لكل منهما .
4 / 3 / 1 : هلك قوم عاد بالريح التي كانت من قبل تحمل الماء فجاءتهم تحمل الهلاك .
4 / 3 / 2 : وفرعون غرق في اليمّ ( البحر ).
5 ـ كلاهما كان فيه ( الملأ ) المستكبر ، مع فوارق بينهما :
5 / 1 : لم تكن (عاد ) دولة ، بل قبيلة ، ولكن كانت مصر دولة بنظام عسكرى يملك الأرض وما عليها ومن عليها .
5 / 2 : لذا ذكر رب العزة فرعون موسى حاكما مستبدا ، ولم يكن هناك قائد معروف بالاسم في قوم عاد .
5 / 3 : كان أول ذكر للجنود عن قوم ثمود الذين أتوا بعد قوم عاد ، وجاء ذكر فرعون معهم مقدما عليهم مع تأخره زمنيا . قال جل وعلا : ( هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ (17) فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ (18) البروج ). أي كان جيش قوم ثمود بدائيا بالنسبة لجيش الفرعون .
5 / 4 : كان فرعون جنديا عسكريا ذا رتبة عسكرية بين جنوده . قال جل وعلا عنهم : ( رَهْواً إِنَّهُمْ جُندٌ مُغْرَقُونَ (24) الدخان). أي كلهم جميعا جندُّ مغرقون .
5 / 5 : قال جل وعلا ينسب لفرعون جنوده :
5 / 5 / 1 :( فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ (40) الذاريات ) )
5 / 5 / 2 : ( فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً(90) يونس )
5 / 5 / 3 : ( فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنْ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ (78) طه )
5 / 5 : وجاءت نسبة الجنود لفرعون ( القائد الأعلى للقوات المسلحة ) ولهامان ( القائد العام ). قال جل وعلا :
5 / 5 / 1 : ( وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ (6) القصص )
5 / 5 / 2 : ( إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ (8) القصص )
6 ـ كانت لكل منهما منشئات معمارية :
6 / 1 : قوم عاد في عصرهم السحيق كانت لهم منشئات هائلة ومصانع . قال لهم نبيهم هود عليه السلام واعظا : ( أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ (128) وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ (129) وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ (130) الشعراء ) .
6 / 2 : فرعون موسى موصوف بذي الأوتاد أي العمائر الراسخة . قال جل وعلا :
6 / 2 / 1 : ( وَفِرْعَوْنَ ذِي الأَوْتَادِ (10) الفجر ).
6 / 2 / 2 : وقال جل وعلا يربط قوم عاد بقوم فرعون ذي الأوتاد ، برغم الزمن السحيق الفاصل بينهما: ( كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الأَوْتَادِ (12) ص )
6 / 3 ولكن :
6 / 3 / 1 ـ لم تأت كلمة ( مدائن ) في قصص قوم عاد أو غيرهم . جاءت فقط في قصص فرعون موسى .
6 / 3 / 2 ـ مساكن ومنشئات قوم عاد بقيت بعدهم . قال جل وعلا عن الريح التي أهلكت قوم عاد : ( تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (25) الأحقاف ) . دمرهم الله جل وعلا ولكن آثارهم لا تزال تحت رمال الربع الخالى في شبه الجزيرة العربية تنتظر من يكتشفها . أما ما أقامه فرعون فقد تدمر ، قال جل وعلا :. ( وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ (137) الأعراف ) . ولهذا لا توجد أثار لفرعون موسى .
7 ـ اضطهاد قوم عاد للمستضعفين لم تأت فيه سوى إشارة الى بطشهم : ( وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ (130) الشعراء ). وهذا مختلف تماما عن تطرف فرعون وقومه في اضطهاد بنى إسرائيل. وقد كان أضطهاد دولة لطائفة من سكانها .
8 ـ كان قوم عاد يعرفون الله جل وعلا ولكن يتمسكون بآلهتهم ، قالوا مستنكرين لهود عليه السلام : ( قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا )(70) الأعراف ) ، بينما تطرف فرعون في كفره الى درجة:
8 / 1 : زعمه علنا الربوبية العليا : ( فَحَشَرَ فَنَادَى (23) فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمْ الأَعْلَى (24) النازعات ) .
8 / 2 ، وأنه لا اله غيره :
8 / 2 / 1 :( وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلأ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى ) (38) القصص )
8 / 2 / 2 : ( وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ (36) أَسْبَابَ السَّمَوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأَظُنُّهُ كَاذِباً )(37) غافر )
9 ـ لم يأت هود لقومه بآيات حسية ، ولكن أتى بها موسى .
10 ـ طلب قوم عاد العذاب تحديا ، فأهلكهم الله جل وعلا بلا مقدمات ، قالوا لهود عليه السلام : ( فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنتَ مِنْ الصَّادِقِينَ (70) الأعراف ) فقال لهم ( فَانتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنْ الْمُنتَظِرِينَ (71) فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ (72) الأعراف ). نزل بهم العذاب بريح حسبوها ممطرة فأمطرت عليه عذابا مصحوبا بصواعق وانفجارات ( فصلت 13) قطعت دابرهم .
أما قوم فرعون فنزلت أنواع من العذاب لعلهم يرسلون بنى إسرائيل مع موسى . ورفضوا فأغرقهم الله جل وعلا : ( وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (132) فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ (133) وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمْ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (134) فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمْ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ (135) الأعراف )
11 ـ تجدد الاهلاك العام لأقوام كثيرين بعد قوم عاد ، ثم كان الاهلاك العام الأخير في العالم هو لفرعون وقومه . لذا نلاحظ :
11 / 1 : تأنى قصة فرعون بعد الحديث عن إهلاك الأمم السابقة ، حتى بدون تحديد أسماء بعضها ، مثل قوله جل وعلا :
11 / 1 / 1 : ( تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَائِهَا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ (101) وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ (102) ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُوا بِهَا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (103) الأعراف )
11 / 1 / 2 : ( ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلاً إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ (74) ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ (75) يونس )
11 / 1 / 3 : ( ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضاً وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْداً لِقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ (44) ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (45) إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْماً عَالِينَ (46) المؤمنون ).
11 / 1 / 4 : ( وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ ) (43) القصص )
11 / 2 : صار فرعون وقومه المثل السىء لكل الكفرة الآتين بعده . قال جل وعلا :
11 / 2 / 1 :( كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمْ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (11) آل عمران )
11 / 2 / 2 : ( كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمْ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ (52) الانفال )
11 / 2 / 3 : ( كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كَانُوا ظَالِمِينَ (54) الانفال )
11 / 3 : صار فرعون وقومه أئمة للكفار بعدهم والسلف السىء لكل اكابر المجرمين من المستبدين ورجال الدين . قال جل وعلا :
11 / 3 / 1 : ( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ) (41) القصص )
11 / 3 / 2 : ( فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِلآخِرِينَ (56) الزخرف )


الفصل السابع
بنو اسرائيل بين الضعف والاستضعاف والقوة
كتاب ( ضعف البشر في رؤية قرآنية )
الباب الثانى : الضعف النفسى والاستضعاف والمستضعفون
بنو اسرائيل والضعف والاستضعاف والقوة ( 1 من 2 )
يحتل قصص بنى إسرائيل جانبا ملحوظا في القرآن الكريم ، ويمكن أن نتعرف منه على تاريخهم بين الاستضعاف والضعف والقوة والتجبر . ونعطى بعض التفصيل :
أولا : مرحلة الاستضعاف
1 ـ في مصر إستضعفهم الفرعون الى حدّ الاستعباد .
1 / 1 : قال موسى عليه السلام لفرعون : ( وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (22) الشعراء ) ( عبّدت بنى إسرائيل ) أي جعلتهم عبيدا ، بينما هم أحرار ..
1 / 2 : وقال جل وعلا : ( ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (45) إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْماً عَالِينَ (46) فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ (47) فَكَذَّبُوهُمَا فَكَانُوا مِنْ الْمُهْلَكِينَ (48)المؤمنون )، أي استكبروا الايمان برسالة موسى وهارون لأن قومهما عابدون لفرعون وقومه.
2 ـ ولكى يُرهب فرعون بقية المصريين فقد تسلّط على بنى إسرائيل يقتّل أولادهم الذكور ويستبقى بناتهم للخدمة . كان جنوده يذهبون الى بيت من تلد من بنى إسرائيل فاذا كان ذكرا قتلوه ذبحا ، أمام أهله والناس . وكان هذا أفظع عذاب لبنى إسرائيل الإضافة الى تعذيبه لهم ويأتي في القرآن الكريم لفظ الذبح والقتل للأطفال ، وأن فرعون كان يذيقهم سوء العذاب ، والتعبير القرآنى : ( يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ ) يعنى يعتبرهم أنعاما مملوكة له . يقول جل وعلا :
2 / 1 : ( وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (49) البقرة )
2 / 2 : ( وَإِذْ أَنجَيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (141) الأعراف )

2 / 3 : ( وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنجَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (6) إبراهيم ).
3 ـ وخافت أم موسى حين ولدته أن يذبحه فرعون فأوحى الله جل وعلا أن تلقيه في النيل ، وحمله النيل الى قصر فرعون ، وتربى هناك بحماية فرعون نفسه .
4 ـ وحين رجع موسى رسولا الى فرعون ليخرج ببنى إسرائيل من هذا الاستعباد والاستضعاف فإن فرعون أراد أن يذبح أطفال الذين آمنوا مع موسى ، وبل وأراد أن يقتل موسى . قال جل وعلا : ( فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ (25) وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ (26)غافر ). وقد اشتكى بنو اسرائيل لموسى من العذاب الذى وقع بهم بعد عودته : ( قَالُوا أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِيَنَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا ۚ قَالَ عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ﴿١٢٩﴾ الاعراف)
ثانيا : الله جل وعلا هو الذى أنهى هذه المرحلة من الاستضعاف
1 ـ قال جل وعلا : ( إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِ نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُفْسِدِينَ (4) القصص ) . قال جل وعلا : (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمْ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ (6) القصص ). ردّا على استضعافه لهم كان القرار الالهى بأن مملكة فرعون .
2 ـ البداية أنهم رأوا بأعينهم فرعون وجنده يغرقون أمامهم . قال جل وعلا : ( وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمْ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ (50) البقرة )
3 ـ كان منتظرا أن يعودوا لمصر بعد انهيار نظام حكمها وهلاك جندها وتدمير حصون فرعون وقومه وسائر عمائرهم ، قال جل وعلا :
3 / 1 : ( وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ (137) الأعراف ) . وهذا هو الوعد الأول لهم ، النجاة من فرعون ووراثة مُلكه بعد هلاكه .
3 / 2 : ( فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنْ الأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعاً (103) وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفاً (104) الاسراء) . تحقق الوعد الأول بنجاتهم فسكن بنوا إسرائيل أرض مصر مشارقها ومغاربها الى أن يرجعوا الى الأرض الموعودة لهم ، ويتحقق الوعد الآخر .
3 / 3 : ورث بنو إسرائيل ما في مصر من جنات وعيون وكنوز ومدائن ، قال جل وعلا :
3 / 3 / 1 : ( فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (57) وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (58) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (59) الشعراء )
3 / 3 / 2 : ( كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (25) وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (26) وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ (27) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ (28) الدخان )
4 ـ بهذه النعمة كان تفضيلهم على العالمين . قال جل وعلا لهم : ( يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِي الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (47)( 122 ) البقرة ) ( وَلَقَدْ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (32) الدخان )
5 ـ كانوا في مصر ملوكا بعد فرعون وآله . قال لهم موسى : ( وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنْ الْعَالَمِينَ (20) المائدة ).
6 ـ آتاهم رب العزة جل وعلا ما لم يعط أحدا من العالمين في عصرهم ، وبهذا كان تفضيلهم على العالمين في عصرهم . ومفهوم ( العالمين ) هنا لا يعنى جميع البشر في كل زمان ، بل هو هنا محدد بعصره ومكانه . فقد جاء في قصة لوط عليه السلام مفهوم ( العالمين ) بمن هم حوله من الناس . قال لوط لقومه :( أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ الْعَالَمِينَ (80) الأعراف )، وقال له قومه : ( أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنْ الْعَالَمِينَ (70) الحجر ).
7 ـ لم تكن هناك وقت فرعون موسى قوة تماثل قوته في العالمين حوله ، كما إنه تطرّف في تعذيب المستضعفين من بنى إسرائيل ، وبهذا كان إنقاذهم من جبروته تفضيلا لهم على العالمين .
ثالثا : بداية التجبر والكفر في بنى إسرائيل بعد غرق النظام الفرعونى
كان معظمهم يحمل في داخله تأثرا هائلا بالديانة المصرية فقد عايشوها قرونا ، كما حملوا أيضا في نفوسهم ثقافة العبيد التي تعنى مع التجبر على من يستضعفونه والخوف ممن يفوقهم قوة . ونعطى أمثلة :
1 ـ بمجرد نجاتهم من فرعون رأوا معبدا مصريا وثنيا فطلبوا أن تكون لهم آلهة مثلها ورفض موسى وأنّبهم .قال جل وعلا : ( وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَل لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (138) إِنَّ هَؤُلاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (139) قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهاً وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (140)الأعراف )
2 ـ بمجرد أن تركهم موسى ذاهبا الى ميقات ربه جل وعلا فقد عبدوا العجل الذهبى الذى صنعه لهم السامرى على مثال عجل أبيس الفرعونى ( طه 85 : 98 ) ( الأعراف 148). وفى غياب موسى ( إستضعفوا ) أخاه هارون وكادوا يقتلونه . قال جل وعلا : ( وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِي الأَعْدَاءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (150) الاعراف ).
3ـ تعودوا أن يؤتى لهم بكل شيء ، موسى يستسقى لهم فتتفجر عيون الماء ، لكل قبيلة عين ماء خاصة بهم ، وتهبط اليهم طيور يأكلونها وينبت لهم حلوى في الطريق ، والغمام يقيهم من حرارة الشمس ، ومع ذلك هم يعصون أوامر الله جل وعلا بل ويطلبون أن يروا الله جل وعلا جهرة . لذا تحول تفضيلهم الى إذلال لهم : ( البقرة 55 : 60 )( الأعراف 160 : 162 ) .
4 ـ فرض الله جل وعلا عليهم القتال الدفاعى ، ونزل هذا في التوراة والانجيل والقرآن ، قال جل وعلا : ( إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ ) (111) التوبة ). وكان أول تطبيق لهذا القتال الدفاعى في عهد موسى أن يدخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله جل وعلا لهم . فلم يطيعوا الأمر، لأن فيها قوما جبارين ، وهم لا يريدون قتالا . طلبوا من موسى أن يذهب هو وربه ليقاتلا ، وهم سيقعدون الى أن يخرج منها أولئك القوم الجبارون . حذّرهم موسى فرفضوا وصمموا على الرفض فكان عقابهم بأن يتيهوا أربعين سنة في الأرض ، حتى ينتهى هذا الجيل الخانع المثقل بثقافة الاستضعاف في مواجهة القوى ، والتجبّر على من يراه ضعيفا . ( المائدة 20 : 26 )
5 ـ في فترة التيه هذه :
5 / 1 : تجولوا في شبه الجزيرة العربية وتركوا فيها آثارا ، ووصلوا ومعهم موسى وهارون الى مكة ، ودعا موسى وهارون أهلها الى ( لا إله إلا الله ) فرفضوا واتهموهما بالسحر . قال جل وعلا ردّا على قريش : ( فَلَمَّا جَاءَهُمْ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا لَوْلا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ (48) القصص ).
5 / 2 : استضعفوا موسى عليه السلام فتعرض لأذاهم . قال جل وعلا :
5 / 2 / 1 : ( وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَد تَّعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّـهِ إِلَيْكُمْ ۖ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّـهُ قُلُوبَهُمْ ۚ وَاللَّـهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴿٥﴾ الصف )
5 / 2 / 2 : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَىٰ فَبَرَّأَهُ اللَّـهُ مِمَّا قَالُوا ۚ وَكَانَ عِندَ اللَّـهِ وَجِيهًا ﴿٦٩﴾ الاحزاب) .
رابعا : من الاستضعاف الى القوة
مات موسى وهذا الجيل من بنى إسرائيل ، ودخلوا بعدئذ في مرحلة جديدة من الاستضعاف . وفيها تعرضوا لهجوم حربى من دولة قوية يتزعمها جالوت ، طردهم من المكان الذي يعيشون فيه . كان فيهم النبى ( يوشع بن نون ) بعد موسى ، وكان فيهم ( ملأ ) ، فطلب ( الملأ ) من هذا النبى أن يعين لهم ملكا يقودهم للقتال الدفاعى كما جاء في التوراة ، تخوّف النبى من تقاعدهم إذا تمّ فرض القتال عليهم لكنهم صمموا فقد أخرجهم المعتدى من ديارهم وأبنائهم . وعندما نزل الأمر بالقتال كان هذا ( الملأ ) ممّن قعد عن القتال . بوحى من الله جل وعلا للنبى ( يوشع بن نون ) وقع الاختيار على ( طالوت ) ليكون عليهم ملكا . رفضه ( الملأ ) لأنهم يعتبرون أنفسهم أحق بالملك منه ، ولأنهم الأكثر ثراء ، بينما لم يؤت هو سعة من المال . أخبرهم النبى إن الله جل وعلا هو الذى إختاره ملكا عليهم ، ووهبه قوة جسدية وعلما . ولكى يقتنع ( الملأ ) بطالوت ملكا معيّنا من الله جل وعلا فقد قال لهم النبى إن دليل اختيار ( طالوت ) ملكا أن تابوت العهد سيأتيهم تحمله الملائكة . رضوا ب ( طالوت ) ملكا وقائدا حربيا . خرج بهم لقتال ( جالوت ) ، وفى الطريق أراد أن يستوثق من عزيمتهم القتالية وكانوا في حالة عطش ، وفى الطريق نهر ، وذلك ابتلاء لهم واختبار ، إن شربوا منه كفايتهم فليسوا منه ، ومن اغترف منه بيده قليلا فهم من الجيش . سقط معظمهم في الاختبار ، وبقيت معه أقلية مؤمنة صابرة ترجو لقاء الله جل وعلا ، طردت الاستضعاف والخوف من قلوبها ، وحين لقيت ( جالوت ) بجيشه القوى الأكثر عددا استماتت في القتال وهم يدعون الله جل وعلا أن يفرغ عليهم صبرا وأن ينصرهم على القوم الكافرين المعتدين . وانتصروا ، وتحقق قوله جل وعلا : ( كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (249) البقرة ) . وبرز بين المقاتلين ( داود ) الذى قتل ( جالوت ) الباغى . واختاره الله جل وعلا نبيا وملكا على قومه ( البقرة 246 : 252 ). وبه بدأت الدولة الإسرائيلية ، التي حكمها داوود ثم ابنه سليمان عليهما السلام .
خامسا : ( الملأ ) الإسرائيلي الذى خلط الكفر السلوكى بالكفر العقيدى
1ـ وجود ( الملأ ) يعنى أقلية تحتكر الثروة والسلطة ، وتكون نذير شؤم على قومها ، ويتحالف معهم رجال الدين ، وهم معا أكابر المجرمين . الملأ الذى رفض في البداية تولى ( طالوت ) ملكا لأنهم ليس منهم ظلوا في مملكة داود عليه السلام ، والذى أمره ربه بالحكم بالعدل ، قال له ربه جل وعلا : ( يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعْ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ (26) ص ) . لم يرض هذا ( الملأ ) المجرم الحكم بالعدل لأنه سيكون على حسابهم ، لذا لعنهم داود عليه السلام ، وفيما بعد لعنهم عيسى عليه السلام . قال جل وعلا : ( لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (79) تَرَى كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ (80) المائدة ).
2 ـ في لعن عيسى لهم نعرف من القرآن الكريم حقائق مجهولة عن عيسى عليه السلام وعلاقته بهذا ( الملأ ):
2 / 1 : فهم كفروا برغم الآيات التي جاء بها . بعد أن ذكر الله جل وعلا أن من النعم التي أنعمها عليه قال لعيسى عليه السلام : ( وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ (110) المائدة ). أي هاجموه فحماه الله جل وعلا من اعتدائهم .
2 / 2 :. نزل على عيسى عليه السلام في الانجيل الأمر بالقتال الدفاعى المذكور في الآية ( 111 ) من سورة التوبة . وهناك إشارة لمواجهة حربية انتصر فيها عيسى وجماعته على هذا الملأ الكافر الظالم . قال جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ فَآَمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ (14) الصف )
3 ـ من بنى إسرائيل هناك مؤمنون سابقون ومؤمنون مقتصدون ، فليسوا كل بنى إسرائيل سواء . منهم ظالمون معتدون ، سماهم رب العزة جل وعلا اليهود ، وتزعمهم الملأ بعد عيسى ، وسكت الأحبار والرهبان عن إنحرافاتهم الدينية والسلوكية ، إذ خلطوا الانحراف الدينى بالاعتداء وأكل أموال الناس بالباطل وتقديس البشر وتحريف الرسالات الإلهية . قال جل وعلا فيهم :
3 / 1 ـ ( وَتَرَى كَثِيراً مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمْ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (62) لَوْلا يَنْهَاهُمْ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمْ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمْ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (63) المائدة )
3 / 2 ـ ( وَقَالَتْ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَاراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (64) المائدة )
3 / 3 ـ ( وَقَالَتْ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمْ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (30) اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31)
3 / 4 : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنْ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ) (34) التوبة )
4 ـ وقال جل وعلا : ( وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (84) ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلاء تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَتَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (85) البقرة ). أي إنهم حتى في عهد نزول القرآن الكريم ساروا على دين اسلافهم الذين نقضوا الميثاق الإلهي المأخوذ عليهم ، فكانوا يعتدون على المستضعفين ، يسفكون دماءهم ، ويخرجونهم من ديارهم بمثل ما كان يفعل ( جالوت ) بأسلافهم من قبل ، إلا إنهم افتروا تبريرات دينية جعلتهم يستبيحون هذا الاعتداء بالقتل والطرد للمستضعفين . فكانوا ــ مثل المحمديين ـ يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعضه . وهذا ما يفعله المحمديون حتى الآن ، وبكل إخلاص .!!
5 ـ أكثر من هذا إنهم أدمنوا قتل الأنبياء والذين يأمرون بالقسط من الناس فانتقم الله جل وعلا منهم بالذلة والمسكنة . قال جل وعلا :
5 / 1 : ( لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلاً كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنفُسُهُمْ فَرِيقاً كَذَّبُوا وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ (70) المائدة )
5 / 2 :( وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنْ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (61) البقرة )
) ( ضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلاَّ بِحَبْلٍ مِنْ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنْ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنْ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (112) آل عمران )
5 / 3 :( أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنفُسُكُمْ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ (87) البقرة )
5 / 4 : ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ (91) البقرة )
5 / 5 : ( إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنْ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (21) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (22) آل عمران
5 / 6 : ( لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمْ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (181) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (182) الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (183) آل عمران )
5 / 7 : ( فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمْ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (155) وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَاناً عَظِيماً (156) وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً (157) بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً (158) النساء ) ، أي حاولوا قتل المسيح عليه السلام . والآيات الكريمة توجز خطاياهم .
6 ـ في إشارة الى التاريخ الإسرائيلي بعد انهيار دولة سليمان عليه السلام قال جل وعلا : ( وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً (4) فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مَفْعُولاً (5) ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمْ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً (6) إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيراً (7) عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيراً (8) الاسراء ) .
7 ـ قام الخليفة عمر بن الخطاب باجلاء بنى إسرائيل من شبه الجزيرة العربية ، وتعرض أهل الكتاب في دول الخلافة الى اضطهاد ، وجاء عصر التدوين فأطلق على كل الاسرئيليين إسم اليهود ، وصنعوا أحاديث تبريرا لهذا الاضطهاد . وتناسوا ما قاله رب العزة عن الصالحين من بنى إسرائيل وإستمراره تيارا . قال جل وعلا :
7 / 1 : ( وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (159) وَقَطَّعْنَاهُمْ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطاً أُمَماً ) (160)الأعراف )
7 / 2 : ( وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الأَرْضِ أُمَماً مِنْهُمْ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (168) فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ (169) وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ (170) الأعراف )
7 / 3 : ( وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ (24) السجدة )
7 / 4 : ( لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (113) يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (114) وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (115) آل عمران )
7 / 5 : ( وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُوْلَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (199) آل عمران )
7 / 6 : ( قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّداً (107) وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً (108) وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً (109) الاسراء )

الفصل الثامن
الضعف والاستضعاف والقوة في عهد النبى محمد عليه السلام
مقدمة
لسنا هنا في استعراض لسيرة النبى محمد عليه السلام وأصحابه ، فهذا يخالف عنوان الكتاب ، إنّما نعطى ملاحظات أو نماذج من الضعف والاستضعاف والقوة ، من خلال تاريخ معروف في القرآن الكريم . ولا شأن لنا بما كتبوه عن النبى محمد عليه السلام في العصر العباسى .
أولا : العوامل المؤثرة
1 ـ تتحكم في الانسان عوامل متداخلة من الزمان والمكان . المقصود بالزمان هو المناخ السائد المتحكم ، وهو بالعادة ناتج عن دين أرضى سائد ، وفى الأغلب يتحكم في المجتمع أكابر المجرمين من الحكام ورجال الدين ، أصحاب الجاه والسلطة والثروة . من يرضى بالضعف والاستضعاف حرصا على حياة ذليلة لا يجد مشكلة في قبول الواقع والصبر الذليل عليه ، ومحاولات تبريره وتشريعه بالأمثال والقصص ، ويساعده في ذلك أكابر المجرمين من رجال الدين الذين يملكون دينهم الأرضى ، يقولون فيه ما يشاءون ، ويجدون التصديق والايمان من المستضعفين . يوجد التحدى في حالة دعوة للعدل وإحقاق الحق . القائم بهذه الدعوة عليه أن يواجه المناخ الثقافي ( الزمن ) وظروف المكان الذى يعيش فيه ، وقد تضطره الظروف الى الهجرة من هذا المكان الذى يسيطر عليه أكابر المجرمين الى مكان آخر ، يتيح له الحرية ، ولكن لا مفر من مواجهة تحديات أخرى زمانية ومكانية أيضا .
2 ـ هذا هو الذى واجهه خاتم النبيين عليه وعليهم السلام . ونتوقف معه ببعض تفاصيل فيما يخص الضعف والاستضعاف والقوة .
ثانيا : تحدى ( الزمان ) المناخ السائد والمكان
1 ـ في داخل شبه الجزيرة العربية وخارجها توجد قريش بسطوتها وهيمنتها وتجارتها بالدين وثرائها برحلتى الشتاء والصيف ، وخضوع الأعراب لها وعلاقاتها بالقوى العربية المسيطرة على طريق القوافل بين اليمن والشام والعراق . كان من مصلحة قريش أن يظل العرب في تقاتل وغارات فيما بينهم طالما لا يتعرضون لقوافلها . خارج الجزيرة العربية توجد قوتان : الروم والفرس. الإسلام بعقيدته وقيمه العليا ضد أكابر المجرمين.
2 ـ وهنا ندخل على تحدى ( المكان ) ، ففي مكة بداية الوحى القرآنى كان العدو الأكبر قريش التي ترى في دعوة الإسلام تحديا لمكانتها وثرائها وتراثها . ثم بالهجرة الى المدينة تجدّد التحدى ، فقد أصبحت دولة الإسلام جزيرة تحوطها قوى معادية تنتشر في الصحارى المحيطة بها . كانت هدفا ثابتا يتعرض لخطر الحصار ، وهو ما حدث فعلا في موقعة الأحزاب . ولم تكن لهم حصون عسكرية ، أو أسوار دفاعية . أي هدف حربى سهل المنال من الأعداء المحيطين الكارهين من قريش ومن الأعراب مدمنى الغارات والسلب والنهب . واستغلت قريش ذلك في غاراتها على المدينة في بداية استقرار النبى والمهاجرين في المدينة ، ثم وصل الأمر الى حصار كامل للمدينة في موقعة الأحزاب ، لذا كانت الطريقة المُثلى للحرب الدفاعية بعدها هي الخروج من المدينة لمواجهة الجيش المعتدى قبل أن يقتحم المدينة . وهذا معنى ( الخروج ) (انفروا ). ونستشهد بقوله جل وعلا :
1 ـ ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانفِرُوا ثُبَاتٍ أَوْ انفِرُوا جَمِيعاً (71) النساء )
2 ـ ( انفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً ) التوبة)
3 ـ ( وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (122) التوبة )
4 ـ ( فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لا تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ (81) التوبة )
5 ـ ( وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ (46) لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً وَلأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمْ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (47) التوبة ) .
ثالثا : مدى إستجابة الصحابة المستضعفين لتحدى الزمان والمكان
1 ـ دعوة الإسلام للسلام والحرية والعدل جذبت المستضعفين في مكة إذ وجدوا في الإسلام فرصتهم من التحرر من استعباد قريش ، وفى نفس الوقت فإن حريتهم الدينية في تقديس الأنصاب مكفولة ، أي كل ما عليهم هو الدخول في الإسلام السلوكى الذى يعنى السلام . هاجروا بنفس تلك العقائد ، ورفضوا أن يضيفوا الى إيمانهم السلوكى ( الأمن والأمان ) الايمان القلبى العقيدى بالله جل وعلا وحده وكتبه ورسله ، وهذا ما قاله جل وعلا لهم في خطاب مباشر : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً (136) النساء ). نزل لهم الأمر باجتناب الرجس من الأوثان وقول الزور في الدين ( فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنْ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30) الحج ) فلم يستجيبوا ، وظلوا مستمسكين بهذا الرجس ، مع إنه نزل لهم خطاب مباشر أكثر تفصيلا في أواخر ما نزل من القرآن الكريم ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ (91) المائدة ) قال جل وعلا ( فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ ) ولم ينتهوا ، وفى الآية التالية تحميل لهم المسئولية فما على الرسول إلا البلاغ وفقط : ( وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (92) المائدة ) أعجبهم الإسلام السلوكى وبالحرية الدينية المطلقة في الإسلام .
2 ـ ولكن لم يعجبهم فرض القتال عليهم دفاعا عن أنفسهم .
بعد الهجرة قامت قريش بغارات على المدينة لإكراه المؤمنين على الردة ( وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنْ اسْتَطَاعُوا )(217) البقرة ). وقتها كان المؤمنون مأمورين بكفّ اليد وعدم المقاومة لمن يهاجمهم معتديا . فلما نزل فرض القتال الدفاعى تعددت مواقفهم :
2 / 1 : رفضوه حرصا على حياتهم . قال جل وعلا : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ ) وجاء الردُّ عليهم بحتمية الموت وأن متاع الدنيا قليل : ( قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنْ اتَّقَى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً (77) أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُّمْ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ ) (78) النساء ) .
2 / 2 : وفى الحرب كانوا يتخلف بعضهم عنها ، ثم يفرح بهزيمة المؤمنين ونجاته ، وإذا انتصر المؤمنون تمنى لو كان معهم ليشاركهم الفوز. قال جل وعلا : ( وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيداً (72) وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَا لَيْتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً (73) النساء ) .
2 / 3 : واستمر موقفهم هذا حتى أواخر ما نزل من القرآن قال جل وعلا في خطاب مباشر يؤنبهم فيه على تقاعسهم: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنْ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ (38) التوبة )
رابعا : علاج الاستضعاف
1 ـ عمليا بالتدريب العسكرى والاستعداد بكل المستطاع لارهاب العدو وردعه حتى لا يعتدى . قال جل وعلا : ( وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمْ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (60) الانفال )
2 ـ إقناعهم بأنهم مع كراهيتهم للحرب الدفاعية فعسى أن يكرهوها وهى خير لهم ، وعسى أن يحبوا القعود وهو شرُّ لهم ، لأنه يعنى استئصالهم من عدو شديد البأس . قال لهم جل وعلا في خطاب مباشر :
2 / 1 : ( كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (216) البقرة )
2 / 2 : ( انفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (41) التوبة )
3 ـ أمر النبى محمد عليه السلام أن يحرّضهم ويحمّسهم على خوض القتال الدفاعى والصبر فيه . قال جل وعلا :
3 / 1 : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضْ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (65) الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (66) الانفال )
3 / 2 : ( فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضْ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنكِيلاً (84) النساء )
4: إثارة حميتهم بإنقاذ إخوانهم المستضعفين . قال جل وعلا : ( وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً (75) النساء )
5 ـ عقد بيعة مع الله جل وعلا : أن يقاتلوا في سبيل الله جل وعلا قتالا دفاعيا ، ولهم عند الله جل وعلا الجنة : ( إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنْ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمْ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111) التوبة )
6 ـ وأنهم لن يدخلوا الجنة إلا بطاعة الأمر بالقتال الدفاعى بما يستلزمه من الصبر ، قال جل وعلا : ( أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمْ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (142) آل عمران ).
7 ـ أي جعلها رب العزة تجارة تنجيهم من عذاب أليم ، وهى الخير لهم ، هذا إذا كانوا أنصارا لله جل وعلا . قال جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ (13) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ فَآَمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ (14) الصف ) .
8 ـ ولهم الأجر العظيم مهما كانت نتيجة القتال طالما كانوا يقاتلون دفاعيا في سبيل الرحمن جل وعلا . قال جل وعلا : ( فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (74) النساء ) .
9 ـ ثم تهديدهم بالعقاب إذا :
9 / 1 : قعدوا عن القتال : ( إِلاَّ تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ) (39) التوبة )
9 / 2 : فرّوا هاربين وقت الحرب : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمْ الأَدْبَارَ (15) وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنْ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (16) الأنفال )
10 ـ علاج الخوف في قلوبهم بأن
10 / 1 : الموت حتمى لا مهرب منه ، وسبق إيراد قوله جل وعلا ردّا على من قال بتأجيل فرض القتال : ( قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنْ اتَّقَى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً (77) أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُّمْ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ ) (78) النساء ) . وهو نفس ما قال جل وعلا للمنافقين الهاربين من الدفاع عن المدينة في موقعة الأحزاب : ( قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمْ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنْ الْمَوْتِ أَوْ الْقَتْلِ وَإِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (16) الأحزاب )
10 / 2 : تقوى الله جل وعلا تنجيهم من الخوف ، لأن الذى يخاف الله جل وعلا وحده لا يمكن أن يخاف من مخلوق ، أما الكافرون فإن وليهم الشيطان يخوفهم ، قال جل وعلا : ( إِنَّمَا ذَلِكُمْ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِي إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (175) آل عمران .
خامسا : التدخل الالهى ببثّ الرعب في قلوب المعتدين
حدث هذا في :
1 ـ موقعة بدر التي تحتمت فيها المواجهة مع جيش قريش لتبديد الخوف منهم . فنزلت الملائكة تثبت قلوب المؤمنين ( الأنفال : 9 : 12 ، 17 ) ( آل عمران 124 : 126 )
2 ـ موقعة الأحزاب ، إذ سلّط الله جل وعلا عليهم الرياح وملائكة غير مرئية جعلتهم ينسحبون لم ينالوا خيرا ، وكفى الله جل وعلا المؤمنين القتال ( الأحزاب 9 ، 25)
3 ـ في حرب أهل الكتاب الذين نقضوا العهد وتحالفوا مع الأحزاب ، فذهب النبى والمؤمنون لقتالهم ، وقد تحصنوا بحصونهم عند القتال فألقى الله جل وعلا في قلوبهم الرُّعب : ( الأحزاب : 26 : 27 )
4 ـ في حرب تالية مع أهل كتاب معتدين ، استقووا بحصونهم المنيعة وفى قرى محصّنة وتحيط بها الأسوار . ألقى الله جل وعلا في قلوبهم الرعب فبادروا الى الهرب قبل القتال ، وخرّبوا بيوتهم وتركوها ، لذا فإن الله جل وعلا هو الذى أخرجهم جزاء عدوانهم ( الحشر : 2 ، 14 )
5 ـ في موقعة ( حنين ) هرب معظمهم فأنزل الله جل وعلا ملائكة تثبّت قلب النبى محمد والمخلصين من أصحابه . والنصر هنا منه جل وعلا القائل : ( لَقَدْ نَصَرَكُمْ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمْ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25) ثُمَّ أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (26) ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (27) التوبة ).
سادسا : مواقف عملية ومتباينة
الوعد الالهى :
1 ـ في أول إستقرارهم بالمدينة ومعاناتهم من الهجوم المتكرر نزل وعد الله جل وعلا للمؤمنين المخلصين بالاستخلاف في الأرض وانتهاء عهد الخوف . قال جل وعلا : ( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ (55) النور )
2 ـ وتحقق هذا بعد النصر في موقعة بدر . قال جل وعلا يذكّرهم بخوفهم السابق : ( وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمْ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (26) الانفال )
3 ـ في موقعة بدر نفسها وعدهم الله جل وعلا بالقافلة أو النصر ، وكانوا يتمنون القافلة ويخشون الدخول في تجربة القتال، قال جل وعلا : ( وَإِذْ يَعِدُكُمْ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ (7) لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (8) الانفال )
العهد مع الله جل وعلا
حين زحف جيش الأحزاب أخذ الله جل وعلا عهدا ووعدا بالنصر . وتباينت المواقف :
1 ـ فالمنافقون وضعاف الايمان هربوا وسخروا من وعد الله جل وعلا وتناسوا عهدهم مع الله جل وعلا : ( وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً (12) وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلاَّ فِرَاراً (13) الأحزاب ) ( وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولاً (15) الأحزاب )
2 ـ المؤمنون الحقيقيون صمدوا مع النبى مصدقين وعد الله جل وعلا وملتزمين بعهدهم مع الله جل وعلا . ( وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَاناً وَتَسْلِيماً (22) مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً (23) لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً (24) الأحزاب )
في الموقف عند المواجهة الحربية
1 ـ في موقعة بدر همّت طائفتان من المؤمنين بالفشل ( آل عمران 122 ) وجادلوا النبى محمدا كراهية في القتال ، ثم إذا تحتم عليهم القتال واصبح لا مفرّ منه كانوا كأنما يُساقون الى الموت وهم ينظرون ( الأنفال 5 : 6 )
2 ـ في موقعة الأحزاب ومفاجأة الحصار يكفى وصف الله جل وعلا لحالهم : ( إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتْ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَ (10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً (11) الأحزاب )
أخيرا : إنتهاء الاستضعاف
1 ـ كانوا قبل إختبار موقعة بدر ( أذلّة ) بالوصف القرآنى ، وتغيّر الوضع بعدها فاكتسبوا ثقة في النفس ، واصبح مطلوبا منهم تقوى وشكره جل وعلا . قال جل وعلا ( وَلَقَدْ نَصَرَكُمْ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123) آل عمران ) .
2 ـ جاءت مرحلة القوة ، وساعدت على نشر الإسلام السلوكى بمعنى السلام ، والذى يتعزّز بالحرية الدينية ، فدخلوا فيه أفواجا . قال جل وعلا : ( إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً (2) النصر).


خاتمة كتاب ( ضعف البشر في رؤية قرآنية )
1 ـ لا شأن للإنسان بالحتميات الخاصة بجسده ، فهى تجرى فيه برغم أنفه ، من ضعف الطفولة الى قوة الشباب ثم ضعف المشيب والشيخوخة . الشأن في نفسه حين يبلغ الرشد ويصل الى مرحلة البلوغ ، ويكون قادرا على توجيه حياته . قد يتعرض فى مسيرة حياته الى تقلبات واختيارات ، وفيها هو يتمتع بحرية إتخاذه القرارات التي تؤثر في حياته وربما في حياة غيره .
2 ـ فيما يخصُّ موضوعنا ، هل يرضى أن يكون مستضعفا ؟ هل يرضى بالخنوع والخضوع والتواكل ، وأن تحمله أمواج الحياة وفق ما يسيّرها أكابر المجرمين ؟ أم يعلو برأسه رافضا مغيرا ما بنفسه من خضوع واستعداد للذُّل الى كرامة وشجاعة وعزّة واستعداد للتضحية . سواء إختار الذّل أو العزّة فهو في النهاية سيقابل الحتميات المكتوبة سلفا من الرزق والمصائب ، ثم سيموت في موعده وفى المكان المحدد له سلفا أن تنتهى حياته فيه بالموت العادي أم بالقتل . لكن يظل الفارق واضحا بين من عاش كريما حُرا ومن عاش مستضعفا برغبته واختياره .
3 ـ أكابر المجرمين في حقيقة الأمر ليسوا أقوياء . هم فقط يستمدون قوتهم من ضعف الآخرين وقبولهم مقدما للركوع والانحناء . أكابر المجرمين شاءوا أن يركبوا من تطامن لهم وركع وسجد أمامهم . قرارهم بالركوب يحتاج جهدا وتصميما ومكرا وتآمرا ، وفعلوا هذا . الخطر عليهم لم يأت من المستضعفين ، بل من أقرانهم أكابر المجرمين المتنافسين على ركوب المستضعفين . المستضعفون هم فقط أرضية الصراع وساحة الملعب . وفى حلبة هذا الصراع يفقد ملايين المستضعفين حياتهم وأرزاقهم لصالح المنتصر في الصراع . ويركب المنتصر ظهور المستضعفين ويصفقون له ويهللون .
4 ـ أكابر المجرمين ينجحون في تجنيد ملايين المستضعفين ليكونوا لهم جُندا . يعطونهم الفُتات مقابل أن يضربوا بهم خصومهم ، وأن يقهروا بهم إخوانهم المستضعفين الآخرين . وعند النصر فهو منسوب لأكابر المجرمين ، أما جنوده المساكين ـ من لقى حتفه ومن ينتظر ـ فلا تقدير لهم ولا اهتمام بهم .
5 ـ أكابر المجرمين في خداع المستضعفين يستخدمون شعارات مختلفة ؛ وطنية وقومية . أو يرفعون لواء العدل ومعاناة الفقراء والعُمّال . وعندما يصلون فوق جُثث الضحايا لا يتغير حال المستضعفين ، كل ما هنالك أن راكبا جديدا ركب ظهورهم بعد سقوط راكب قبله . وتتكرر المسيرة ، مسيرة الظلم والاستبداد ، وتتجذّر معها عبر القرون والأجيال ثقافة العبيد في ذهنية المستضعفين ، يعتبرون الذل والهوان دينا وطريق حياة . يعزّز هذا أكابر المجرمين من الكهنة ورجال الدين ، الذين يفتعلون ضوضاء حول التوافه من الأمور لشغل الناس عن حقوقهم ، ويمتنعون تماما عن التعرض لموضوعات العدل ورفض الظلم وضرورة قول الحق في وجه سلطان جائر . تتواتر أخبار التعذيب والقهر والسجن والسرقة وظلم الأبرياء ، وهم يناصرون الظالم ويحرّضونه على الأحرار ، ويحثونه على سجنهم بتهمة الخروج على ( ولى الأمر ) أو ( الخروج على ثوابت الدين ) أو ( إنكار المعلوم من الدين بالضرورة ) أو ( ازدراء الدين ) ..الخ . والفرعون لا يتوانى عن قتل الذين يأمرون بالقسط من الناس ، ويكون من رحمته ألّا يقتلهم مكتفيا بسجنهم وتعذيبهم .
6 ـ إن الله جل وعلا لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم . إذا قاموا بتغيير ما بأنفسهم من ثقافة العبيد واستبدلوها بثقافة الحرية والعزة والكرامة رفضا للظلم فان إرادة الرحمن بالتغيير تأتى تالية لما اختاروه ومؤيدة له. ولهذا فان رب العزة يعترف بالفرعون الذى خضع له المستضعفون ، طالما خنع له المستضعفون .
والدول الكبرى في علاقاتها وإدارة مصالحها لا شأن لها بالمستضعفين في كوكب المحمديين ، مصالحها مع الفرعون المتحكم فيهم . قد تدمع عيونها قليلا حُزنا على الأحرار في سجون الفرعون ، ولكن أولئك الأحرار في السجون وخارجه لا حول لهم ولا قوة ولا مكانة لهم بين الأغلبية من المستضعفين ، لأن الفرعون قد قام بتشويه أولئك الأحرار واغتيالهم معنويا . بل إن المستبد يلعب في ذهنية المستضعفين يوهمهم بأن الغرب يتآمر على دينهم وعلى وطنهم . والمستضعفون في جهالتهم يصدقون ويصفقون ، هم لا يعلمون أن الفرعون يستقوى بالغرب عليهم ، وبينما يصول ويجول فوق أجسادهم يزأر ويزمجر يكون كلبا أليفا يتمسح بالغرب ويركع له حرصا على بقائه في السُّلطة وبقاء ما نهبه وقام بتهريبه وأودعه في بنوك الغرب وتحت سلطانه .
7 ـ هناك نوعان من العبيد : نوع تم استعباده بالسبى والخطف وتم بيعه ليكون عبدا لسيد يملكه . وهناك شخص حُرُّ ارتضى أن يكون عبدا . هذا الذى ارتضى بمشيئته ( الحُرّة ) ان يكون عبدا مستضعفا هو شرُّ أنواع العبيد . العبيد من النوع قد يهربون و ( يأبقون ) ، أما العبيد من النوع الثانى الذين ارتضوا العبودية والاستضعاف فهم بها قانعون . وبعضهم يضع حذاء الفرعون أو ( بيادة العسكر ) فوق راسه .
8 ـ كان هناك (عبيد ) من الأفارقة في الولايات المتحدة في القرن التاسع عشر . نشط البعض في تهريب العبيد من الولايات الجنوبية الى الشمال . وكان من بينهم سيدة من الأفارقة الأمريكيين . لاقت مصاعب جمّة في تهريب أبناء جلدتها . سألوها عن أشد الصعوبات التي لاقتها فقالت : إقناع العبد إنه ليس عبدا . ومع ذلك نجحت في ( إقناع ) كثيرين بأنهم ليسوا عبيدا . نحن حتى الآن لم نستطع إقناع المستضعفين بأنهم ليسوا عبيدا..!
9 ـ لا بدّ من تغيير ذهنية ملايين المستضعفين لتتحول من ثقافة العبودية الى قوة تقف ضد أكابر المجرمين تدافع عن حقوقها . وهذا لا يكون إلا بالتوعية . وأهم التوعية ما يكون بالهدم والبناء . بناء ثقافة حرة من القرآن الكريم ، وهدم لثقافة الاستبداد والاستعباد من أصولها التراثية في أديانها الأرضية .
10 ـ وهذا ما نقوم به نحن ( أهل القرآن ) .
11 ـ والله جل وعلا هو المستعان .



#أحمد_صبحى_منصور (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفصل الثامن : النساء ضمن مصطلح ( جميعا ) و ( كُل )
- الفصل السابع : النساء ضمن مصطلح ( عباد )
- الفصل السابع : النساء ضمن مصطلح ( عبد / عبيد / عابد )
- الفصل السادس : النساء ضمن مصطلح ( أحد )
- الفصل الخامس : التساوى فى النفس البشرية ذكرا وأنثى فى الأعذا ...
- الفصل الخامس : تساوى الأنفس البشرية فى الخلق والموت وقابلية ...
- الفصل الخامس : التساوى بين الذكر والأنثى في : ( النفس ) ( 1 ...
- الفصل الرابع : في الإسلام : تضمين المرأة فى خطاب ( بنى آدم ) ...
- الفصل الثالث : في الإسلام : المرأة ( زوج ) والرجل ( زوج )
- الفصل الثانى : في الإسلام : الانسان يعنى الرجل والمرأة بالتس ...
- الفصل الأول : المرأة عموما في الدين السُّنّى الذكورى
- ( ضعف البشر فى رؤية قرآنية ) الكتاب كاملا
- أثر الترف فى العصر العباسى الثانى : ( أنهار الدماء وبوار الح ...
- أبو إسحاق الزجاج ( احترف صناعة الزجاج لكى يتعلم ( النحو ).!
- إمام مدرسة الكوفة النحوية (أبو العباس ثعلب)
- الكسائي : إمام المدرسة النحوية في الكوفـــــــــــة: ( 2 من ...
- الكسائي : إمام المدرسة النحوية في الكوفـــــــــــة: ( 1 من ...
- المبرد ( محمد بن يزيد ) : ( الموسوعة الأدبية النحوية التاريخ ...
- سيبويه: الشاب الفارسي الذي أصبح إماما للنحويين العرب
- الخليل بن أحمد .. عبقرية عربية رائدة.. لم تنل حقها


المزيد.....




- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد صبحى منصور - ( ضعف البشر في رؤية قرآنية ) : الكتاب كاملا