احمد الحمد المندلاوي
الحوار المتمدن-العدد: 7129 - 2022 / 1 / 7 - 15:54
المحور:
المجتمع المدني
من الأستاذ جواميرعن عبارة (إمام جكن) باللغة الكوردية الذهاب الى الإمام او موسم الزيارة, وتطلق هذه العبارة لزيارة الإمام (باوه كرزين- كرز الدين ) تحديداً وكنيته أبو حمرة والعرب يسموه كرز الدين وهو الإمام احمد بن اسحق بن هاشم بن جعفر الطيار. و بالإمكان تمييز (إمام جكن) عن زيارة النجف الأشرف وكربلاء وباقي الأئمة الأطهار بكلمة ( زيارت) بتضخيم التاء, بعبارة أخرى إذا نوى أحد من أهالي مندلي لزيارة النجف الأشرف يقول (جم أرا زيارت) أي أذهب الى الزيارة ولكنه يستخدم كلمة (إمام جكن) عند زيارة الإمام كرز الدين …
ما يميز إمام جكن عن زيارة باقي الأئمة هو أن الزوار ريثما يتفرغون من الصلاة والدعاء يذهبون (الشباب) الى ساحات البيوت لأداء الرقص الفولكلوري (الدبكة)على أنغام الطبل والزورنا الكوردية, ويمضون في الرقص الى ما بعد منتصف الليل بسويعات. أما الكبار فيجتذبون أطراف الحديث والسؤال عن الأقرباء وأحوالهم.
يبدأ موسم (إمام جكن) يومي الخميس والجمعة من شهر أيلول من كل عام ويبدو أن اختيار اليوم والشهر المحددين لـ (إمام جكن) قد اختير بعناية فيوم الخميس كانت
تسمى(نصف دوام) والجمعة تصادف عطلة رسمية يرى فيه الطلاب والموظفون حلاً من الالتزامات الرسمية أما شهر أيلول فأختير بسبب اعتدال الطقس في فصل الخريف.
التسمية الإدارية لباوه كرزين هي قرية الأحمدية نسبة الى اسم الإمام ,وتتبع ناحية قزانية – قضاء مندلي,لكن لا أحد يستخدم كلمة الأحمدية عند الإشارة الى باوه كرزين.
تطل القرية على الجانب الشرقي من وادي طنطير, سكان القرية كلهم من العرب وينقسم سكانها الى كوام (خَدَمَة الإمام) ومزارعين ويمتازون بروح الضيافة والشجاعة.
بني أيوان الإمام بشكل جيد حيث يوجد في مدخل الأيوان حجرة كبيرة تؤدي الى الصحن الشريف حيث يوجد المرقد،ويعلو المرقد قبة كبيرة طليت باللون الأخضر ويحيط بالصحن رواق من الخلف والجانبين تحيطها باحة كبيرة كانت فيها عين ماء ولكنه جفَّ قبل عقد ونيف ويركن في إحدى زوايا الباحة جامع كبير ولكن بلا منارة.
قبل الزيارة بيوم أو عدة أيام يشتري الزائر خروف ليذبحه لاحقاً في البيت الذي ينزل فيه وعادة ينزل الزوار في نفس البيوت التي زاروها في الأعوام السابقة ولا يأخذ أهل الدار أي مبلغ من النزلاء و إذا حدث ذلك يتعرضون الى النقد من أهالي القرية, لكن النزلاء يعطون فخذ الخروف والجلد.
يحزم الزوار حقائبهم للسفر الى باوه كرزين في الأسبوع الثاني من شهر أيلول كما أسلفنا ويكون عدد الزوار لا بأس به ألا أن العدد يبلغ الذروة في الأسبوع الأوسط (الوسطاني) ثم يقل العدد في الأسبوع الأخير.
لم يهتم احد بإحصاء عدد الزوار ألا أنني أعتقد أن أكبر زيارة حدثت عام 1988 أي بعد ثلاث أسابيع من انتهاء الحرب العراقية- الإيرانية حيث امتلأت البيوت بالزوار وسكن عدد غير قليل منهم خارج القرية وافترش البعض سطوح سياراتهم.
و يعد إمام جكن مصدر رزق جيد لأهالي القرية – ولكنه مؤقت لا يعدو عدة أيام من الشهر- حيث تنتشر البسطيات في كل مكان من الشارع الرئيسي للقرية .
الشيء الذي يدعو للدهشة والروعة، هو أن هذه القرية تبدو قرية مهجورة إلا من سكانها والحياة فيها مملة, والشارع المؤدي إليها يكاد يخلو من السير ويمكن ملاحظة عدة سيارات في الشارع المؤدي الى الإمام كل ساعة تقريباً, ولكن الرقم يرتفع بشكل جنوني في موسم إمام جكن, بل حتى يمكن ملاحظة ازدياد عدد السيارات في الشارع الذي يربط بغداد بالإمام لان كل المندلاويين الساكنين في بغداد يتوجهون الى الإمام في هذا الموسم، لتصبح القرية قبلة للزوار والسياح لدرجة يصعب على السائق إركان سيارته في جانب الشارع.
وبعد الانتهاء من زيارة باوه كرزين يحزم الزوار حقائبهم لزيارة الإمام (حجي سف) حاج يوسف ويرجع نسبه الى عم الرسول(ص) أبو طالب, ويكنى ابو حية.وعادة ينذر الزوار لحجي سف ماعزاً وليس خروفاً, ولا أحد يستطيع أن يعطيك جواباً مقنعاً على اقتصار النذر على الماعز هنا وعندما سألت احد الأشخاص عن السبب قال هو يطلب ماعز!!!
ويقع مرقد الإمام على تلّة فيها ينبوع وتجري مياهها الى بساتين النخيل والى الشرق من المرقد تقع صيدلية الإمام, في الحقيقة انه ليس محل صيدلة يحتوي على رفوف ويزين واجهته الزجاج والإعلانات الضوئية بل انه عين ماء كبريتي مليء بالوحل الذي يحتوي على مادة الكبريت يقصدها المصابون بأمراض جلدية وعند وضع الوحل على المكان المراد علاجه يشفي في عدة أيام, يقال بان هناك حية (أفعى) تسبح في الصيدلية وتظهر للمريض ويلتف حوله إذا كان إنسان صالح ويشفى بعد ذلك تماماً ولذلك يسمى حجي سف بـ ابو حية.
جدير بالذكر أن مجاميع إرهابية نسفت مرقد (حجي سف) ألا أنَّه أُعيد بناؤها من قبل الخيرين من أهل القرية. وفي (حجي سف) تكثر الواحات الصغيرة وتزرع فيها النخيل
ويستغلها الزوار ليستظلوا بظلالها . وبعد زيارة (حجي سف) يقصد الزوار الإمام عباس بويجك (الصغير) لتمييزه عن الإمام عباس ابن علي, أبو الفضل (ع) ويعود
نسبه الى الإمام علي الهادي(ع) وتوجد فيها عين ماء وغابة نخيل , ومن ثم يتوجه الزوار الى مندلي لزيارة شيخ مندلي وهو الإمام عبد الرحمن بن باقر(ع) ثم التوجه الى الإمام احمد بن موسى الكاظم (ع) ويسمى من قبل العامة باوه حافظ ويوجد بالقرب منه شلال يسمى بنفس اسم الإمام وهناك تكون المحطة الأخيرة لإمام جكن.
ولغرض معرفة سبب اختلاف إمام جكن عن باقي الزيارات التقيت ببعض كبار السن ولكنني لم أحصل على جواب مقنع ويبدو انه سفرة سياحة أكثر من كونه ممارسة دينية .
الطريف في الأمر هو ان أهالي مندلي أينما سكنوا حتى ولو في المريخ! سيجدون أنفسهم في موسم إمام جكن في( باوه كرزين) ويبدو أن تجمعهم في مكان واحد وشعورهم بالسعادة لرؤية بعضهم البعض,هو الذي يبهجهم الى درجة كبيرة ولا يحتاجون إلا الى الطبل والزورنا ليترجموا الفرحة الى دبكة كوردية فولكلورية.
إمام جكن تعرض الى انتكاسة بسيطة بعد الحصار الاقتصادي الذي فرضته الأمم المتحدة على العراق عام 1990م, بسبب عدم تمكن بعض العوائل من تحمل تكاليف السفر من بغداد الى قرية الأحمدية, فقل عدد الزوار ولكنه عاد ليكون أكثر نشاطاً فيما بعد, ألا أن هذا التقليد الجميل تأثر تأثيراً كبيراً عندما أقرَّ أحد المراجع الكبار بعدم جواز الرقص في القرية, بعد أن إستشرع بعض وجهاءها حول جواز او عدم جواز
الرقص الفوكلوري,وجاء الجواب سلباً مما أثر على هذا التقليد تأثيراً بالغاً , ثم جاءت الاضطرابات الأمنية في بغداد لتزيد الخناق على هذا التقليد. كل التقاليد والشعائر في
العراق سارت نحو التطور بعد 9 نيسان 2003م، ألا أن إمام جكن سارت نحو الاختفاء وهذا شيء يدعو للأسف.
حسب اعتقادي الشخصي إن مَن إستشرع لدى المراجع عن جواز او عدم جواز الرقص في القرية, انّه لم ينقل روح العبارة بشكل دقيق فبدل أن يقول الدبكة الشعبية
قال الرقص وهذا ما أدّى الى تحريم هذا التقليد, أتمنى على أهالي مندلي إعادة إحياء هذا التقليد الخاص بأهالي مندلي الذي استمر لمئات السنين وان سبب تشجيعي لإحيائه هو أن الزوار لا يرقصون الرقص الذي يثير الشهوات لا بل يرقصون الدبكة التراثية النابعة من ثقافاتنا وتتماشى مع قيمنا. يمكننا القول إن (إمام جكن )هو تقليد يخص أهالي مندلي و الفيليين القاطنين في بغداد وانّها سياحة أكثر من كونها زيارة.
ملاحظة زيارة باوه كرزين مستمرة على مدار السنة ولكن بنسبة قليلة جداً قد لا يتجاوز الـ عشرة زائر باليوم ولكنها ترتفع في موسم (إمام جكن) الى نحو مائة ألف زائر.
#احمد_الحمد_المندلاوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟